الـ(جنبلاط.. كيس الفحم)..

أيمن الدقر
ما سمي بالكلمة التي ألقاها (جنبلاط 14 شباط) بمناسبة ذكرى اغتيال الشهيد رفيق الحريري، رئيس مجلس الوزراء اللبناني الأسبق، أعادني إلى ذكريات تمتد لأكثر من أربعين عاماً، حين كنت طالباً في المرحلة الثانوية، حين قال لنا مدرّسنا (أحمد معتصم المدني العذري) رحمه الله الذي كان يحلو له أن يلقب نفسه باسم (أحمد بن يحيى):
عن أحمد بن يحيىقال: (لا أدخل حرباً الغالب فيه شرٌ من المغلوب). ولما سألناه عن معنى هذه الحرب أجاب: (إنها السِّجال، والفاعل هو السّجال أو الشّتّام، والمنتصر في السجّال يكون عادة هو الأكثر شراً وفظاظة ولؤماً وقذارة وانحطاطاً، وعادة ما كان يُشكّ في نسبه، ويطلق عليه الناس صفة ابن الحرام..). ومن يومها وحتى الآن ابتعدت عن خوض سجال مع أحد، وكلما صادف أن حضرت سجالاً ما، تعود ذاكرتي إلى تلك الأيام.. أوليست الذاكرة هي تَمَثُّل الشيء بعد غيابه، حين ظهور مشابه أو مطابق له؟.. والشيء المتمثل هنا، هو السّجّال أو الشتّام.. أو الـ(جنبلاط) لافرق...
ولذلك لن أدخل في مناقشة المفردات التي وردت على لسانه من باب الشتيمة، بل من باب ما رمى إليه من تلك الألفاظ، رغم أني لم أجد فيما تلفظ به ما ينطبق على ما يسمى بالكلمة أو الخطاب، بل كان سلسلة من الشتائم التي تبدأ ولا تنتهي، اتسمت بالمجانية والرخص، وبدا الـ(جنبلاط) ككيس الفحم إن وقع على رجل (اتسخت ثيابه) وإن وقع الرجل عليه (اتسخت أيضاً) ولذلك يؤثر الرجال الابتعاد عن الشتَّام حفاظاً على نظافتهم.
والمتتبع لما تفوه به الـ(جنبلاط) من كلمات أقل ما يقال عنها بأنها (نابية)، (وهنا لا مجال لتكرارها كشواهد حفاظاً على ما أكتب من أن تدخله الشوائب) يجد أنها كانت تنساب من فمه دون تحفظ، ولأيقن المستمع بأنها مفردات نشأ عليها، ثم أدمنها، فتحولت مع الزمن إلى ملكة تسكن قاموس ألفاظه، لتخرج إلى العلن تلقائياً، كشاهد حيّ على مستوى التربية التي تلقاها، ويأسف من له باع في السياسة عند سماعها أن تكون صادرة عن ابن الأديب(كمال جنبلاط) الذي كتب في أدب الحياة، وأصدر ديوان شعره الشهير فرح، وفيحار المرء متسائلاً، هل حقاً هذا ابن ذاك؟
وهنا أستذكر مرة أخرى ماقاله (أحمد بن يحيى) في وصف الشّتّام بقوله: (وعادة ما كان الناس يشكّون في نسبه).
والمتتبع أيضاً لحركات هذا الـ(جنبلاط) أثناء كلامه، يلاحظ أنه كلما تفوه بقذارة ما، هرش رأسه مبتسماً لعصابته التي التفت حوله، لتبادله الابتسام بدورها، فترتسم علائم السعادة على وجهه جراء ابتسامات أفراد العصابة، ليبعث ذلك في نفسه الرضا عن أدائه، مطمئناً نفسه لاستمرار أهميته، دون أن يتنبه بأنه يستمد تلك الأهمية من مستنقع الكلمات، وليس من نظيفها..وفي كل الأحوال، يبدو هذا طبيعياً (لرجل عصابة) انغمس في التدهور الأخلاقي إلى أن بلغ آخر مراحل هذا التدهور، أو ما يطلق عليه (انعدام الشعور الأخلاقي) وهي الحالة التي تقوم المجتمعات المتقدمة (بالحجر على المصابين بها)..
ومن خلال ما أدلى به الـ(جنبلاط) يلاحظ المشاهد أن الحكومة الإسرائيلية لو بحثت عن ممثل لمصالحها في لبنان، لن تجد أفضل من الـ(جنبلاط) فأسلحة حزب الله التي تناولها وتطاول عليها وعلى المقاومة، لم يتناولها وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس أركانه بهذه الطريقة الخالية من أية ضوابط أخلاقية، رغم أن حزب الله وأسلحته أنزلت بالجيش الإسرائيلي أقسى هزيمة عرفها في تاريخه، بل تم تناول تلك الأسلحة (إسرائيلياً) بالتحليل والدراسة العلمية، وبدا للعيان وكأن حزب الله وأسلحته قد أنزلوا بالـ(جنبلاط) الهزائم وليس بإسرائيل، كذلك فإن انسياقه الأعمى تجاه إسرائيل، بدا واضحاً حين قال (من باب المزاودة) بأن كل لبنان مقاومة، واستثنى حزب الله وحلفاءه في الداخل اللبناني وخارجه، وإذا استثنينا نحن (الخارج اللبناني) لوجدنا أنه استثنى الأغلبية المعارِضة للأقلية التي ينتمي إليها، وأنه قصد بمزاودته هذه أن فريق 14 شباط هم المقاومة بالنتيجة، ولكنه لم يشرح لمستمعيه كيف يكون فريق 14 شباط مقاومة وهو يرتع في أحضان (فيلتمان) السفير الأمريكي في بيروت!!
أخيراً لنا الحق بأن نتساءل:
من هو المنتَج الإسرائيلي الذي تحدث عنه بقوله: (يا منتجاً إسرائيلياً؟!) أليس من يصرخ كالمجنون مطالباً بسحب الأسلحة التي تهدد أمن إسرائيل القابعة احتلالاً في الأراضي اللبنانية حتى الآن..
أليس المنتَج الإسرائيلي من يطالب بما عجزت إسرائيل والولايات المتحدة عن تحقيقه بأن يتحقق؟..
المنتديات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.