وثيقة جنيف الاخيرة

في 17 أكتوبر الماضي وقع بعض ممثلي اليسار الإسرائيلي والأكاديميين الإسرائيليين مع بعض الفلسطينيين المقربين من السلطة الفلسطينية على وثيقة جنيف برعاية الحكومة السويسرية لحل القضية الفلسطينية حلاً سلمياً. وقد استغل مناصرو رئيس الوزراء الأسبق إسحق رابين هذه المناسبة ليستخدموا الوثيقة الجديدة في الذكرى الثامنة لاغتيال رابين على يد متطرف يميني، وبخاصة أن رابين هو مهندس اتفاقيات أوسلو 1993.



ولا تبتعد وثيقة جنيف عن خريطة الطريق كثيراً، فكلا المشروعين يرى إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب "إسرائيل" على أساس التعايش والسلام، سوى أن خريطة الطريق تجعل عودة اللاجئين والقدس من موضوعات المرحلة النهائية للتفاوض، في حين أن وثيقة جنيف حلت قضية القدس على أساس أن الحي اليهودي لليهود، والحي العربي للعرب، وأن الحرم القدسي يظل تحت السيادة الفلسطينية مع إبقاء حائط المبكى حائط البراق تحت السيادة الإسرائيلية، وتبقى المدينة القديمة في إطار دولي. أما قضية اللاجئين فقد حلتها الوثيقة على أساس استبعاد حق العودة الجماعية للاجئين إلى الأراضي المحتلة عام 1948 وتخيير اللاجئين بالعودة إلى الدولة الفلسطينية الجديدة أو التوطن في الدولة المضيفة أو الرحيل إلى دولة ثالثة أو العودة إلى حدود 1948 مع اشتراط موافقة إسرائيل. يضاف إلى ذلك التعويض المالي للاجئين وللدول المضيفة.



ردت حكومة آرييل شارون برفض هذه الوثيقة التي أثارت ثائرة اليمين الديني والعلماني معاً، في حين أن 39 % من الإسرائيليين أيدوها، وأن الدولة الفلسطينية - حسب الوثيقة - ستقام على 95% من الضفة والقطاع. أما 5% المقتطعة فيجري التعويض عنها من أرض 1948 كبديل لمناطق الاستيطان في الضفة والقطاع .



إن أخطر ما نصت عليه الوثيقة هو اعتبارها (مخالصة نهائية) تحل محل جميع قرارات الأمم المتحدة السابقة بشأن النزاع. ويعني هذا إلغاء جميع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن فيها. وفي ذلك افتئات غير مسوغ على الشرعية الدولية المتمثلة حتى الآن بقرارات مجلس الأمن 242 و338 ومبدأ مبادلة الأرض بالسلام، تلك الشرعية التي قام عليها مؤتمر مدريد وجميع المفاوضات المشتقة منه. ولو كان الأمر قاصراً على المسار الفلسطيني- الإسرائيلي لكان حفظ الوفد الفلسطيني حقوق الدول العربية الأخرى .



ولقد انتقد (اليساري) شمعون بيريز، الزعيم الحالي لحزب العمل، هذه الوثيقة في نقطتين: أولاهما أن الحل الدائم للقضية الفلسطينية يجب أن يأتي على مراحل. وأن مسألة تسليم السيادة في منطقة الحرم القدسي للفلسطينيين مسألة فيها نظر. واستناداً إلى هاتين النقطتين عقد أهل اليمين في "إسرائيل" مع الصهيونيين في الإدارة الأميركية مؤتمراً في القدس في منتصف الشهر الماضي وحضره عن "إسرائيل" بنيامين نتنياهو وايهود أولمرت وغيرهما. وحضره من الجانب الأميركي ريتشارد بيرل وغيره.



لقد رأى أهل اليسار في "إسرائيل" في هذه الوثيقة أملاً جديداً في السلام فدعا بيريز إلى التفاوض مع رئيس الوزراء الفلسطيني الذي يعارض الإرهاب -حسب قوله - لمصلحة شعبه. إن ما ذكره بيريز ينحو نحو إنهاء الاحتلال حينما نادى بأننا لا نستطيع التغلب على الإرهاب دون اقتلاع جذوره السياسية، وبخاصة بعد أن دفع أرييل شارون خريطة الطريق إلى الانهيار، وسد جميع المنافذ لأي حل تفاوضي ينتهي بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، وأراد أن يدخل التاريخ بمثل ما دخله بن غوريون. و(ما في حدا أحسن من حدا) فبن غوريون أسس "إسرائيل" وشارون وضع الحدود الصهيونية لـ"إسرائيل".



وبمثل ما ضحت وثيقة جنيف بحقوق الدول العربية التي احتلت "إسرائيل" جزءاً من أراضيها ضحت كذلك بحق العودة للاجئين. وهذا ما لا يجوز لها أن تسلكه.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.