ليعم حب الإنسانية الجميع !

أحمل جهاز التحكم بالتلفاز ، و أقلّب بين المحطات ، أشعر بأن أخبار تلك القنوات تتربص بي ، كأنها عقدت اتفاق فيما بينها لترغمني على الحزن
عندما كنت صغيرة ، كنت أكره مشاهدة الأخبار التي لا أفقه منها شيئاً ، و دائماً كنت أقول لأمي : متى تنتهي ؟ ألم تقل المذيعة البارحة سنوافيكم بنشرة الأخبار الأخيرة ، إذاً لماذا عرضوها اليوم ؟

 

و ما زلت أكره نشرات الأخبار ، و لكن هذه المرة ، لأنني أفقه منها كل شيئ...أرى يومياً مشاهد القتل و التعذيب لأناس لا حول لهم و لا قوة ، لا ذنب لهم إلا لأنهم عراقيون أو فلسطينون أو... لا ذنب لهم إلا أنهم ينتمون الى بلد تعارضت مصالحها مع مصالح المحتل ، الى بلد ، لم يكونوا أصحاب القرار فيه أصحابهم.....
أشعر كأننا نعيش في غابة يحكمها قانون البقاء للأقوى.....ذئبان لا يشبعان ، و نعاج كثيرة تنتظر دورها واحدة تلو الأخرى.......( عفوك أيتها الذئاب لأننا نشبهم بك ، فهم لا يرتقوا ليصلوا لمرتبتك ، فأنت لا ذنب لك ،الطبيعة و الغريزة الحيوانية و ليس العقل ، هي من تجعلك تنهشين بلحوم حيوانات أضعف منك ....)
هل هي سُنة الحياة منذ الأمد ، لم تتغير و لكن أنا التي تغيرت ، كنت لا أعيها و الآن وعيت ، كنت أقرأ في كتب التاريخ ما حدث في العالم من حروب و مجازر و الآن أشهدها
قتال بين البشر على أرض سوف تبتلعهم في يوم ما كأسلافهم ، ككل البشر....
تذكرت الآن أغنية لفيروز كلما كنت أسمعها ، أشعر بغصة و حرقة تلهب صدري ، " القمر بيضوي ع الناس و الناس بيتقاتلوا ، ع مزارع الأرض الناس ، ع حجارة بيتقاتلوا "
لأنني شاهدة على ما يحدث في العالم من قتلٍ و نهبٍ و اغتصاب للأعراض ، شاهدة فقط مثل أغلب الناس ، أشعر بعجزي عن فعلِ شيئ ما يوقف ذلك الظلم ، أتخيل بأن هؤلاء الأشخاص المعذبون يشيرون بأصبعهم عليّ و يلوموني على ما يجري لهم ، على ضعفي ، ماذا ينفعهم دموعي و حسراتي ؟؟؟
و لكن أعود و أقول لنفسي ، هي طبيعة الكون ، الخير و الشر ، الحزن و الفرح ، دائماً متلازمين
و كيف لا ؟ سوف أعطيكم نبذة عن أخبار البارحة....و سوف تتأكدون من سخرية القدر و تلاعب الحياة بالبشر
ففي مكان من العالم ، في إسبانيا ، شهد أكثر من مليار شخص حفل زفاف ولي العهد الإسباني و قد قدرت تكاليفه أكثر من عشرين مليون يورو
في مكان آخر ، في العراق ، شهد أكثر من مليار شخص قصف و إبادة أشخاص كانوا في عرس عراقي ، ( المشهد الأول الذي عُرض على التلفاز : عراقيون يرقصون رقصة تحدي للمحتل ، فهم ما زالوا قادرين على الفرح ، المشهد الثاني : قصف ، و دماء المحتفلين ....)
في مكان من العالم ، طفل في الثالثة من العمر تحمله والدته بين ذراعيها لتضعه في سريره الناعم مع ألعابه
في مكان آخر، فلسطين ، طفلة في الثالثة من العمر يحملها والدها بين ذراعيه ليضعها تحت التراب بعد أن استشهدت نتيجة القصف المتوحش لأرضها.........
وقد جرت العادة في أكثر القنوات أن يمرر شريط إخباري بشكل دائم ، ففي الوقت الذي تشاهد به الحفل الأسبوعي للمرشحات للحصول على لقب ملكة جمال لبنان ، تقرأ في الشريط الإخباري ، خبر المطالبة بتحرير السجينات العراقيات المعذبات.....
أغلق التلفاز ـ مؤقتاً ـ لأنقذ نفسي من الغرق في بحر الكآبة ، فأنا أكره استسلامي للألم ، للحزن بسبب وضع لا يمكنني تغييره و التأثير به ، أعود الى دائرة تأثيري ، الى الأشخاص المحيطين بي و الذي أستطيع التأثير فيهم ، فأثلج صدري بمحبتي و عطائي لهم ، الى عملي حيث أقدم ما باستطاعتي و بما يمليه ضميري و انسانيتي....
لا أستطيع أن أغمض عينيي و أصم أذنيي عن ما يحدث حولي ، و لكنني أيضاً ، أستطيع أن أرى و أسمع أشياء أخرى تستحق أن نحيا ، أن نفرح لأجلها....
تحضرني الآن كلمات رائعة لشاعر ألماني اسمه فريديك شيللر هي بمثابة نداء أخوي ، ليحب الإنسان أخيه الإنسان....
هي دروس ، يا ليت أن يتعلمها كل انسان في العالم.....يقول :

لدي ثلاث دروس أودّ أن أدونها
ثلاثُ كلمات سأكتبها بقلم يحترق
لأصل بها إلى الضوء الخالد
ثلاثُ كلماتٍ عن قلوب البشر :
فليكن عندنا أمل……
حتى إذا غيمت السحب حولنا
و كاد السرور أن يختفي من وجهنا
حاملاً الظلال بعيداً
و إن لم يكن لليالي سوى لون الحداد !
فليكن عندنا إيمان……
حيثما نحل تنقشع الغمة و تهدأ العاصفة !
فليكن عندنا الحب ……
يا سكان الارض !
ليس حب شخصٍ واحدٍ فحسب ،
بل حب الإنسان ، كإنسان ، إنه نداء أخوي
ليعم حب الإنسانية الجميع !

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.