قراءة في فكر توم كووان 6: تفسير العدوى

في المقالات السابقة استعرضنا مجموعة من الأفكار التي طرحها كووان في كتابه The Contagion Myth، وأغلبها تستند إلى دراسات سبقت كتابه وتتعارض مع العديد من طروحات نظرية الجراثيم في تفسير الأمراض. يطرح كووان نظرية جديدة في تفسير الأمراض تعتمد على نظرية التضاريس التي وضع أسسها العالمان الفرنسيان بيشامب وبيرنارد في آخر القرن التاسع عشر. ما سأذكره في هذه المقالة يستند إلى الكتاب وإلى محاضرات مختلفة ألقاها توم كووان.

يقول كووان أن هناك أربع أسباب للمرض.

  1. التجويع Starvation: تحتاج الأنسجة إلى مواد غذائية لتستمر في الحياة، وعندما لا تجد هذه الأنسجة في وسطها المحيط فهي تمرض، وتصبح معرضة للموت.

  2. التسميم Poisoning: تتعرض الأنسجة إلى أنواع متعددة من السموم في وسطها المحيط، وتستطيع التعامل مع هذه السموم في بعض الحالات، ولكن في حالات أخرى فهي تضعف أمام التسميم وتموت.

  3. الإضرار الجسدي Physical Trauma: مثل الجروح أو الكسور. بعض أنواع الإضرار الجسدي يأتي من الخارج وبعضه قد يكون بنيويا مثل الأضرار الخلقية.

  4. الإضرار النفسي Psychological Trauma: الحالة النفسية تؤثر على الحالة الجسدية، ويمكن أن تؤدي إلى أنواع مختلفة من الأضرار في أنسجة الجسم.

موت انسجة الجسم لا يعني المرض، فهناك أنواع من الأنسجة يقوم الجسم بتجديدها، أي أن بعضها يموت ويتم توليد بديل له. يحتاج الجسم إلى التخلص من الأنسجة الميتة، ولذلك يستدعي البكتريا المتخصصة في تفتيتها. عملية تفتيت الأنسجة الميتة تنتج سموما يستطيع الجسم أن يتخلص منها، إما بطريقة ميكانيكية أو بطريقة كيماوية. الطرق الميكانيكية تعني طرح السموم عبر السعال أو عبر بثور في الجلد، والطرق الكيماوية تعني حل هذه السموم في سوائل يطرحها الجسم، مثل البول أو العرق.

يعتقد كووان أن ما تعتبر نظرية الجراثيم أنه أعراض للمرض هو في الحقيقة أعراض لقيام الجسم بمقاومة المرض، مثلا ارتفاع الحرارة يتم لتسهيل حل السموم الناتجة عن تفتيت الأنسجة ضمن الدم أو البول أو العرق، والسعال والبلغم يعني طرح سوائل يريد الجسم التخلص منها. يعتقد كووان أن هذه الأعراض هي خلاصة تنظيف الجسم من السموم، وهي بدون شك مزعجة، ولكن من الأفضل تحملها حتى ينتهي الجسم من العملية. للأسف يلجأ الأطباء إلى أدوية تبطئ أو توقف هذه الأعراض، مما يعني إيقاف عملية تخلص الجسم من السموم، وإذا تمت مقاطعة العملية عدة مرات يمكن أن تتراكم السموم في الجسم وتتحول إلى أمراض مزمنة.

يقول كووان أنه بمجرد أن ينتهي التخلص من السموم بشكل طبيعي تفقد البكتيريا المتخصصة في تفتيت الأنسجة الميتة غذائها فيقل عددها بشكل كبير، ويقوم الجسم بالتخلص منها بنفس طريقة تخلصه من السموم.

يعتبر كووان أن الجسم السليم يستطيع التعامل مع السموم الموجودة بشكل طبيعي في الطبيعة، ولكن الجسم يعاني بعض الصعوبة في التعامل مع بعض أنواع من السموم، مثل المبيدات الحشرية، والأدوية السامة وخصوصا المضادات الحيوية واللقاحات.

ينبه كووان إلى أن التسمم بالإشعاعات الكهرطيسية أحد أخطر أنواع التسمم وأكثرها انتشارا. ويستفيض في الحديث عن خطر الإشعاعات الكهرطيسية Electromagnetic Radiation مستندا إلى العديد من الدراسات عن تأثيرها، كما يربط العديد من الوباءات التي حلت بالبشرية سابقا بانتشار أنواع جديدة من الاشعاعات الكهرطيسية في العالم. هذا الموضوع أكبر من أن تحيط به هذه المقالة وأنا أخطط للعودة إليه لاحقا بطريقة مختلفة، كما ربما أعود للحديث عن آراء كووان حول الحالة النفسية وتأثير الخوف على الجسم.

يعتبر كووان أن الجهاز المناعي هو الجهاز المتخصص بتخليص الجسم من السموم، وأن الجراثيم التي تتعايش مع أجسامنا هي جزء أساسي من هذا الجهاز المناعي. ويضيف أن الأدوية التي يصفها الطب الحديث تصمم لتثبط عمل الجهاز المناعي عبر التأثير على عدد من أجزائه وعبر محاربة الجراثيم التي تساعده، وتكلف الجهاز المناعي جهدا إضافيا لأن أغلب الأدوية الحديثة تحمل درجات متفاوتة من السمية ويضطر الجسم للتخلص منها بطريقة ما.

يفسر كووان العدوى بطريقة بسيطة جدا، الأشخاص الذين يعيشون في مكان واحد يتعرضون لنفس السموم، ومن الممكن أن يتخلصوا من السموم في نفس الوقت. يتم ذلك بآلية بسيطة تعتمد على أن الأصحاء بينهم يتخلصون من السموم أولا، ثم ينقلون إلى من حولهم نتيجة خبرتهم في ذلك بإحدى طريقتين، إما عن طريق تبادل الإكزوسومات وإما عن طريق الأمواج التي تصدر من الجينات. يلتقط من حولهم الإكزوسومات أو الأمواج ويبدؤون بالاستفادة من تلك المعلومات، ولذلك تظهر عليهم نفس أعراض عملية التخلص من السموم بالتدريج. بالنسبة لمراقب خارجي، يمكن أن يظهر الأمر على أن الأعراض تنتشر، وعندما يشاهد أنصار نظرية الجراثيم انتشار الأعراض يعتقدون أنهم يواجهون وباء، ويبحثون عن جرثوم أو فيروس ما، بدون أن يفكروا بمواجهة السموم المنتشرة في الوسط الذي يعيش فيه الناس.

عندما يقرر الطب المعتمد على نظرية الجراثيم مواجهة مرض ما، فهو عمليا يبطئ أو يوقف عملية تخلص الجسم من السموم، ويلعب بذلك دورا سلبيا.

نقلت لكم في هذه السلسلة بعض آراء توم كووان وبعض الدراسات التي استشهد بها في كتابه The Contagion Myth. أنا أعتقد أن هذه الآراء مهمة ومفيدة جدا لي، وتساعدني على تكوين فهم أفضل للطبيعة وللحياة ولما يجري حولي، ويسعدني جدا أن أناقشها معكم.

سأوقف هذه السلسلة من المقالات مع هذه الحلقة لأخصص وقتي لمشروع آخر، وولكنني أخطط للعودة إلى آراء كووان وزملائه في سياق مختلف، وبعد أن يصلني أحد أهم الكتب التي يعتمد عليها كووان، وهو كتاب The Invisible Rainbow.

الأيهم صالح

www.alayham.com

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.