سوريّا، كلّها، بالنسبة لي، أضحت سدوم وعمّورة! سوريّا، كلّها، صارت صحراء ملح. وكما هاجر لوط نحو الغرب، هرباً من شرق الخطيئة؛ أنتظر أن يجرّني ملاك الربّ باتجاه دوران الشمس! وأنا أعده أني لن أغامر أبداً بالنظر إلى مستنقع الملح إياه، حتى لا أصبح عامود ملح آخر!!!
من يحب سوريّا: فليحبّها! من يؤمن بخرافات الأوطان والأهل والأحبّة: ليؤمن!! من يصدّق حتى الآن أكذوبة "الشام الشريف" وأن يسوع جاء إلى معلولا أو مار بولس مرّ في باب شرقي: ليصدّق!!! هذه حكايا أطفال غير مؤدّبين لم تعد تقنع أحداً!
الوطن، بالنسبة لي على الأقل، هو المكان الذي يحفظ لي كرامتي! الوطن هو المكان الذي أشعر أن لي فيه من أحبه: ويحبني! الوطن هو البيت الذي أنام فيه بلا خوف؛ أعيش فيه دون اضطراب؛ أحب فيه دون سيف "مسرور"! وسوريّا أبعد ما تكون عن ذلك! فحين عشت في جونيه، وكان الصراع الماروني السوري في قمته، لم أشعر يوماً أن هذا الشعب غريب عنّي: وما زلت حتى الآن ألجأ إلى جونيه إذا ما أردت التنفّس!
قبل اعتقالي كتبت "من يشتري هويتي السوريّة؟": وكنت أقصد العكس! اليوم أبحث عمن يقبل أن يبدلها لي ولو بهويّة صوماليّة! سوريّا ليست وطننا: ليست وطن أحد! سوريّا بلد مرتهن للفاسدين والطائفيين والإرهابيين والقتلة! سوريّا وطن الذين يأتون بلحم البقر المجنون لوضعه في معلّبات يأكلها الشعب! سوريّا وطن للوهابيين الذين يحاربون في سبيل تفتيتها أكثر؛ في سبيل نقلها إلى عالم الظلمات أكثر؛ في سبيل قمع رجالها ونسائها وزهور الربيع أن تتفتّح!
لقد أخذت منّا سوريّا شبابنا وصحتنا وأحلى أيامنا؛ لقد أعطتنا سوريّا، بقمعها وإرهابها، كلّ أصناف الأمراض الخبيثة: ورمتنا في صحراء العمر!
رائع أن يهرب واحدنا في طريق لوط قبل فوات الأوان! رائع أن ينجو واحدنا بما تبقى في عمره من ساعات عمره؛ بما تبقى من جسده دون خلايا قاتلة: إلى الغرب!
رائع أن نهاجر بما هرّبناه منهم من لحظات براءة؛ بما أخفيناه تحت ثيابنا الهرمة من تعابير طفلة!
رائع أن "نعيش" في زمن الموت السوري!
المصدر:
عن أيام الملح والصمت والأمل المقهور (2)
التعليقات
Re: نبيل فياض: سوريا بلد مرتهن للفاسدين والطائفيين والإرهابي
إضافة تعليق جديد