السيد حسن نصرالله وأهم المحطات في حياته من مرحلة الطفولة مرورا بمرحلة الشباب وصولاً لمرحلة القيادة .
كان والدي ـ السيد عبدالكريم ـ بائع فواكه وخضراوات، وكان اخوتي يساعدونه في هذا العمل، وحينما تحسنت أحوال أبي المالية فتح محل بقالة صغيرا في الجوار، فكنت أذهب الى هناك عادة لأساعده.
كانت لدينا صورة للإمام موسى الصدر معلقة على الحائط في المحل. وكنت أجلس على كرسي أمام تلك الصورة وأحملق فيها. ولطالما تمنيت لو أصبح مثله يوما.
لم يكن في الحي الذي نقطنه ـ والذي يحمل اسم «الكرنتينا» ـ مسجد، فكنت أذهب الى مسجد في سن الفيل أو برج حمود أو النبعة الاصلي، وكنت أقرأ كل ما تقع عليه يدي من مادة للقراءة وبخاصة من الكتب الاسلامية.
فإذا كان هناك كتاب لا أفهمه أضعه جانبا لأقرأه حينما أصبح أكبر سنا.
التحقت بمدرسة النجاح في الحي لأتلقى تعليمي الابتدائي، وكنت بين المجموعة الاخيرة من الطلاب الذين نالوا شهادتها.
بعد ذلك ذهبت الى مدرسة سن الفيل الحكومية لأواصل تعليمي هناك غير أن نيران الحرب الاهلية في عام 1975 اندلعت في أعقاب ذلك مباشرة.
من ثم غادرت «الكرنتينا» وعدت ـ بصحبة أسرتي ـ الى قرية البازورية حيث ولدت.
بعد ذلك أنهيت تعليمي الثانوي في احدى المدارس الحكومية في مدينة صور الساحلية.
قبل ذلك ـ حينما كنا لا نزال نقطن في حي «الكرنتينا» ـ لم يكن أي من افراد أسرتي منتميا لأي من الاحزاب السياسية.
في الوقت نفسه، فإن عديدا من المنظمات السياسية ـ التي كانت بعضها منظمات فلسطينية ـ كانت نشطة في المنطقة، إنما، فيما بعد ـ حينما رحلنا عائدين الى البازورية ـ انخرطت في صفوف حركة أمل.
وكان هذا خيارا اتجهت اليه بشغف شديد لأنني كنت شديد الاعجاب بالإمام موسى الصدر.
في ذلك الوقت كنت لا أزال في الخامسة عشرة من عمري، وكانت حركة أمل تدعى وتعرف بـ «حركة المحرومين»، وكان اهتمامي بقرية البازورية يتراجع لأن تلك القرية كانت تتحول الى مضمار لنشاط المثقفين الماركسيين، وبخاصة مؤيدي الحزب الشيوعي اللبناني.
على أي الاحوال، فإن أخي السيد حسين وأنا أصبحنا عضوين في حركة أمل، وعلى الرغم من صغر سني فإنني سريعا ما أصبحت ممثل قريتنا. في غضون أشهر قليلة اتخذت قرارا حاسما بأن أذهب الى النجف الاشرف في العراق، وكنت وقتها بالكاد في السادسة عشرة من العمر وواجهت عقبات كثيرة في وجه ذهابي.
لكن، لأن اعتمادي كان على الله، قابلت في احد الايام في مسجد في مدينة صور علامة اسمه السيد محمد الغروي.
كان يعمل هناك مدرسا نيابة عن الإمام موسى الصدر. وبمجرد أن سمع مني أنني أريد الذهاب الى النجف الاشرف لأتلقى العلم، كتب رسالة وأعطاها لي.
كان السيد محمد الغروي صديقا مقربا ومفضلا لآية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر. وكانت الرسالة التي زودني بها رسالة توصية لالتحاقي بفصول هذا العلامة البارز.
وبمساعدة الاصدقاء ومساعدة والدي، وبيع بعض متعلقاتي، جمعت بعض المال وطرت الى بغداد، ومن هناك ركبت حافلة الى النجف، وحينما وصلت الى النجف، لم يكن قد بقي في جيبي شيء من المال.
غير أنه كان هناك مزيد من الغرباء الذين يعانون الوحدة في النجف.
والأهم من هذا ـ بطبيعة الحال ـ حقيقة انه يتعين على باحث أن يتعلم كيف يعيش حياة محترمة وهو خاوي الوفاض. كان طعامي خبزا وماء، وفراشي قطعة اسفنج مستطيلة.
بمجرد ان وصلت سألت الدارسين اللبنانيين الآخرين هناك عن الكيفية التي يمكنني بها أن أوصل خطاب التوصية بي الى آية الله الصدر الذي كان يعد من أعمدة الحوزة الدينية، وأبلغوني أن باستطاعة السيد عباس الموسوي ان يسدي هذه الخدمة لي.
حينما تقابلت والسيد عباس الموسوي ـ ولأنه كان ذا بشرة داكنة قليلا ـ ظننته عراقيا. لهذا تحدثت اليه بعربية فصحى، ولكنه في رده علي قال لي: «لا تقلق، فأنا أيضا لبناني، وقد جئت الى هنا من منطقة النبي شيت!».
هكذا كان تعارفنا، وهكذا بدأت صداقة وثيقة بيننا. كان موسى صديقا وأخا ومعلما ورفيقا لي. وقد افترقنا حينما أطلق الاسرائيليون الصواريخ على سيارته من طائرة مروحية، واستشهد السيد عباس ومعه زوجته وطفله الصغير.
وقع هذا الحدث بعد ستة عشر عاما من البداية الحلوة لصداقتنا في مدينة النجف.
بعد أن استقبلني آية الله الصدر وقرأ رسالة التوصية بي من السيد محمد الغروي سألني: «هل لديك أي نقود؟» فأجبته: «ولا مليم!»
عندئذ التفت الى الموسوي وقال: «أولا، دبر له غرفة، ثم كن معلمه ودر بالك عليه».
بعد ذلك أعطاني بعض النقود لأشتري لنفسي بعض الثياب والكتب، وكذلك بعض النقود لأنفق منها طوال شهر.
وقد دبر الموسوي غرفة لي في الحوزة بالقرب من بيته هو.
في ذلك الوقت كان السيد عباس الموسوي قد تزوج لتوه، وكان مسموحا للأزواج بأن تكون لهم بيوت مستقلة خاصة بهم، ولكن الدارسين العزاب كانت تخصص لهم غرف واحيانا ما كان يقطن اثنان او حتى ثلاثة منهم معا في غرفة واحدة.
كذلك كان هناك رسم شهري صغير عن كل دارس بقيمة خمسة دنانير.
في تلك الاثناء اغارت قوات صدام على الحوزة الدينية، وكان السيد عباس الموسوي في لبنان في ذلك اليوم بالتحديد، ولكن اسرته كانت لاتزال في النجف، وابلغه تلاميذه بألا يعود الى العراق لأنه كان مطلوبا فيه، اما انا فكنت محظوظا وقتها، لأنني لم اكن هناك عندما اغارت الشرطة على الحوزة الدينية، وبمجرد ان عرفت بما حدث غادرت النــجف على الفور.
وحيث ان امر القبض علي كان صادرا عن منطـــقة النجف وليس عن البلد ككل، فإنني لم اتعرض لمشكلـــة عند نقطة الحدود، وتمكنت من مغادرة العراق بسهولة وعدت الى لبنان في النهاية.
اسس الموسوي، ومعه عدد من علماء الدين، مدرسة للعلوم الدينية في بعلبك، ولاتزال هذه المدرسة قائمة الى هذا اليوم.
واصلت دراساتي في تلك المدرسة وابقيت على تعاوني مع حركة امل وفي عام 1978 عينتني حركة امل ممثلا سياسيا لها في منطقة البقاع، وكانت تلك هي الطريقة التي اصبحت بها واحدا من الاعضاء السياسيين للمكتب المركزي، وفي العام نفسه انهيت ايضا منهاجي الدراسي الثاني في الحوزة.
كنت الابن الاكبر في اسرة من احد عشر عضوا، كان لي تسعة اخوة واخوات، ويجيء الحسين بعدي، وبعده زينب ثم فاطمة ـ التي لاتزال في بيت الاسرة ـ بعدها يأتي محمد، وهو رجل اعمال، ثم جعفر وهو موظف، وبعدهم في الترتيب بحسب العمر:
زكية وآمنة وسعد، وكلهم متزوجون.
اخواتي جميعهن عضوات ناشطات في حزب الله، اما عن اخوتي فكانوا جميعا في حركة امل في البداية، والآن فجلهم ـ عدا حسين ـ تركوها، محمد في الاساس ليس معنيا بالشأن السياسي:
وهو وان لم يكن عضوا في حزب الله، فإنه يتفق معه. مع ذلك جعفر لم يستقر على توجه سياسي حتى الآن ولانزال الى الآن نتناقش ونتناول وجهات نظرنا بعضنا مع بعضنا الآخر منذ فترة.
واليوم يحقق حزب الله تقدما طيبا ويتغير الى الافضل، هدفه هو التحرك في الاتجاه الصحيح مع ضرورات الزمن مع التمسك بمبادئه الشيعية.
ومن الخطأ ان نعتقد ان باستطاعة اي شخص ـ ايا كان علو مقامه ـ ان يراكم ويحتكر كل المعرفة الفكرية والدينية والفقهية والسياسية في العالم لذاته.
حينما تأسس حزب الله كنت في الثانية والعشرين من عمري، وكنت عضوا في قوة باسق المقاومة، وفي وقت لاحق اصبحت مديرا للحزب في منطقة بعلبك.
بعد ذلك اصبحت مدير الحزب لمنطقة البقاع بأسرها، وبعد مضي فترة عينت معاونا ثم نائبا للسيد ابراهيم امين السيد، الذي كان مديرا للحزب في بيروت، بعدها بوقت قصير قرر الحزب ان يفصل الشؤون السياسية عن نشاطاته العملياتية والتنظيمية، واختار السيد ابراهيم الفرع السياسي واصبحت مدير منطقة بيروت بعده، ثم انشئ منصب المدير العام التنفيذي وكانت مسؤولياته تشمل تنفيذ أوامر المجلس الاستشاري.
وقد عينت في هذا المنصب.
وعلى الرغم من المسؤوليات التي أحملها في الحزب ـ والتي تأخذ معظم وقتي فعليا ـ قررت ايضا ان اواصل دراساتي، الا انه في أعقاب الاجتياح الاسرائيلي الشامل كان علي أن أضع دراساتي جانبا، وبعد ذلك بسبع سنوات في عام 1989، اصبح الوضع مناسبا للدراسة مرة أخرى، ومن ثم ـ وبتصريح من الحزب ـ ذهبت الى قُم لاتمام تعليمي.
وبطبيعة الحال، فانه حتى في ذلك الوقت لم يتوقف مروجو الشائعات عن عملهم. قالوا ان السيد نصرالله غادر لبنان بسبب نزاع بينه وبين قادة حزب الله.
في أعقاب تصاعد الخلافات مع حركة أمل ونشوب صراعات مسلحة في منطقة البقاع، اعتبرت ان واجبي ان اعود الى لبنان، وبطبيعة الحال، كان هذا أيضاً ما أرادني الحزب أن أفعله. من ثم لم أتمكن ـ مرة أخرى ـ من اغتنام الفرصة ومواصلة دراساتي الى النقطة التي كنت أود.
واليوم، فان رغبتي الكبرى هي ان يخفف اخواني عبء العمل علي ويعفوني كأمين عام للحزب حتى أستطيع ان اعود الى الحوزة وأواصل دراساتي كباحث.
في عام 1978 تزوجت الآنسة فاطمة ياسين من حي العباسية في مدينة صور.
وبالاضافة الى ابني هادي ـ الذي استشهد في عمر الثامنة عشرة ـ لي ثلاثة أبناء آخرون، محمد جواد وزينب ومحمد علي، حينما تطأ قدماي بيتي أترك كل عملي ومصاعبه عند بابه حتى أصبح زوجا وأبا يرعى بيته.
انني احاول ان أحفظ قيمة حياتي الخاصة وايماني، أقرأ كثيرا، وبخاصة عن مغامرات السياسيين، والان فانني منذ فترة أقرأ سيـــرة حياة شـــارون، وسأعود الى قراءة هذا الكتاب مرة أخرى.
في رأيي ان حزب الله لا يعني مقاومة فحسب.
اليوم حزب الله هو ايضا عقيدة وأيديولوجية سياسية مبنية على الاسلام. والاسلام بالنسبة الينا بايجاز ليس مجرد دين فحسب محدود بالعبادة والطقوس الدينية، الاسلام واجب الهي خاص للانسانية كافة، وهو الاجابة عن كل الهموم العامة والمحددة للبشرية.
الاسلام دين لكل مجتمع يريد ان يثور وأن يقيم حكما، الاسلام دين نستطيع ان نقيم عليه حكما على اساس مبادئ.
ولست انكر ان رغبة حزب الله هي ان يقيم نظام جمهورية اسلامية يوما ما، لأن حزب الله يعتقد ان اقامة حكومة اسلامية هي الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار لمجتمع، وهو الطريق الوحيد لتسوية الخلافات الاجتماعية، حتى في مجتمع مكون من اقليات متعددة، مع ذلك، فان اقامة جمهورية اسلامية ليست امرا ممكننا بالقوة والمقاومة، انه يتطلب استفتاء وطنيا.
اما عن الصفات القيادية (الكاريزما) التي تقولون ان الناس يرونها في، فانها ليست شيئا يتوجب علي ان اتحدث فيه، انما هي شيء يتحدث عنه الناس، اما الكاريزما بوجه عام فتعني النفوذ الذي يملكه شخص ما على الآخرين.
وهذا ـ في الحقيقة ـ نعمة من الله يمكن لمن وهبها ان يحسنها أكثر بالمعرفة والخبرة، على الرغم من ان المعرفة والخبرة ليستا كافيتين لجعل شخص كاريزميا انها تحتاج ايضا الى نعمة من الله وقصد.
كان والدي ـ السيد عبدالكريم ـ بائع فواكه وخضراوات، وكان اخوتي يساعدونه في هذا العمل، وحينما تحسنت أحوال أبي المالية فتح محل بقالة صغيرا في الجوار، فكنت أذهب الى هناك عادة لأساعده.
كانت لدينا صورة للإمام موسى الصدر معلقة على الحائط في المحل. وكنت أجلس على كرسي أمام تلك الصورة وأحملق فيها. ولطالما تمنيت لو أصبح مثله يوما.
لم يكن في الحي الذي نقطنه ـ والذي يحمل اسم «الكرنتينا» ـ مسجد، فكنت أذهب الى مسجد في سن الفيل أو برج حمود أو النبعة الاصلي، وكنت أقرأ كل ما تقع عليه يدي من مادة للقراءة وبخاصة من الكتب الاسلامية.
فإذا كان هناك كتاب لا أفهمه أضعه جانبا لأقرأه حينما أصبح أكبر سنا.
التحقت بمدرسة النجاح في الحي لأتلقى تعليمي الابتدائي، وكنت بين المجموعة الاخيرة من الطلاب الذين نالوا شهادتها.
بعد ذلك ذهبت الى مدرسة سن الفيل الحكومية لأواصل تعليمي هناك غير أن نيران الحرب الاهلية في عام 1975 اندلعت في أعقاب ذلك مباشرة.
من ثم غادرت «الكرنتينا» وعدت ـ بصحبة أسرتي ـ الى قرية البازورية حيث ولدت.
بعد ذلك أنهيت تعليمي الثانوي في احدى المدارس الحكومية في مدينة صور الساحلية.
قبل ذلك ـ حينما كنا لا نزال نقطن في حي «الكرنتينا» ـ لم يكن أي من افراد أسرتي منتميا لأي من الاحزاب السياسية.
في الوقت نفسه، فإن عديدا من المنظمات السياسية ـ التي كانت بعضها منظمات فلسطينية ـ كانت نشطة في المنطقة، إنما، فيما بعد ـ حينما رحلنا عائدين الى البازورية ـ انخرطت في صفوف حركة أمل.
وكان هذا خيارا اتجهت اليه بشغف شديد لأنني كنت شديد الاعجاب بالإمام موسى الصدر.
في ذلك الوقت كنت لا أزال في الخامسة عشرة من عمري، وكانت حركة أمل تدعى وتعرف بـ «حركة المحرومين»، وكان اهتمامي بقرية البازورية يتراجع لأن تلك القرية كانت تتحول الى مضمار لنشاط المثقفين الماركسيين، وبخاصة مؤيدي الحزب الشيوعي اللبناني.
على أي الاحوال، فإن أخي السيد حسين وأنا أصبحنا عضوين في حركة أمل، وعلى الرغم من صغر سني فإنني سريعا ما أصبحت ممثل قريتنا. في غضون أشهر قليلة اتخذت قرارا حاسما بأن أذهب الى النجف الاشرف في العراق، وكنت وقتها بالكاد في السادسة عشرة من العمر وواجهت عقبات كثيرة في وجه ذهابي.
لكن، لأن اعتمادي كان على الله، قابلت في احد الايام في مسجد في مدينة صور علامة اسمه السيد محمد الغروي.
كان يعمل هناك مدرسا نيابة عن الإمام موسى الصدر. وبمجرد أن سمع مني أنني أريد الذهاب الى النجف الاشرف لأتلقى العلم، كتب رسالة وأعطاها لي.
كان السيد محمد الغروي صديقا مقربا ومفضلا لآية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر. وكانت الرسالة التي زودني بها رسالة توصية لالتحاقي بفصول هذا العلامة البارز.
وبمساعدة الاصدقاء ومساعدة والدي، وبيع بعض متعلقاتي، جمعت بعض المال وطرت الى بغداد، ومن هناك ركبت حافلة الى النجف، وحينما وصلت الى النجف، لم يكن قد بقي في جيبي شيء من المال.
غير أنه كان هناك مزيد من الغرباء الذين يعانون الوحدة في النجف.
والأهم من هذا ـ بطبيعة الحال ـ حقيقة انه يتعين على باحث أن يتعلم كيف يعيش حياة محترمة وهو خاوي الوفاض. كان طعامي خبزا وماء، وفراشي قطعة اسفنج مستطيلة.
بمجرد ان وصلت سألت الدارسين اللبنانيين الآخرين هناك عن الكيفية التي يمكنني بها أن أوصل خطاب التوصية بي الى آية الله الصدر الذي كان يعد من أعمدة الحوزة الدينية، وأبلغوني أن باستطاعة السيد عباس الموسوي ان يسدي هذه الخدمة لي.
حينما تقابلت والسيد عباس الموسوي ـ ولأنه كان ذا بشرة داكنة قليلا ـ ظننته عراقيا. لهذا تحدثت اليه بعربية فصحى، ولكنه في رده علي قال لي: «لا تقلق، فأنا أيضا لبناني، وقد جئت الى هنا من منطقة النبي شيت!».
هكذا كان تعارفنا، وهكذا بدأت صداقة وثيقة بيننا. كان موسى صديقا وأخا ومعلما ورفيقا لي. وقد افترقنا حينما أطلق الاسرائيليون الصواريخ على سيارته من طائرة مروحية، واستشهد السيد عباس ومعه زوجته وطفله الصغير.
وقع هذا الحدث بعد ستة عشر عاما من البداية الحلوة لصداقتنا في مدينة النجف.
بعد أن استقبلني آية الله الصدر وقرأ رسالة التوصية بي من السيد محمد الغروي سألني: «هل لديك أي نقود؟» فأجبته: «ولا مليم!»
عندئذ التفت الى الموسوي وقال: «أولا، دبر له غرفة، ثم كن معلمه ودر بالك عليه».
بعد ذلك أعطاني بعض النقود لأشتري لنفسي بعض الثياب والكتب، وكذلك بعض النقود لأنفق منها طوال شهر.
وقد دبر الموسوي غرفة لي في الحوزة بالقرب من بيته هو.
في ذلك الوقت كان السيد عباس الموسوي قد تزوج لتوه، وكان مسموحا للأزواج بأن تكون لهم بيوت مستقلة خاصة بهم، ولكن الدارسين العزاب كانت تخصص لهم غرف واحيانا ما كان يقطن اثنان او حتى ثلاثة منهم معا في غرفة واحدة.
كذلك كان هناك رسم شهري صغير عن كل دارس بقيمة خمسة دنانير.
في تلك الاثناء اغارت قوات صدام على الحوزة الدينية، وكان السيد عباس الموسوي في لبنان في ذلك اليوم بالتحديد، ولكن اسرته كانت لاتزال في النجف، وابلغه تلاميذه بألا يعود الى العراق لأنه كان مطلوبا فيه، اما انا فكنت محظوظا وقتها، لأنني لم اكن هناك عندما اغارت الشرطة على الحوزة الدينية، وبمجرد ان عرفت بما حدث غادرت النــجف على الفور.
وحيث ان امر القبض علي كان صادرا عن منطـــقة النجف وليس عن البلد ككل، فإنني لم اتعرض لمشكلـــة عند نقطة الحدود، وتمكنت من مغادرة العراق بسهولة وعدت الى لبنان في النهاية.
اسس الموسوي، ومعه عدد من علماء الدين، مدرسة للعلوم الدينية في بعلبك، ولاتزال هذه المدرسة قائمة الى هذا اليوم.
واصلت دراساتي في تلك المدرسة وابقيت على تعاوني مع حركة امل وفي عام 1978 عينتني حركة امل ممثلا سياسيا لها في منطقة البقاع، وكانت تلك هي الطريقة التي اصبحت بها واحدا من الاعضاء السياسيين للمكتب المركزي، وفي العام نفسه انهيت ايضا منهاجي الدراسي الثاني في الحوزة.
كنت الابن الاكبر في اسرة من احد عشر عضوا، كان لي تسعة اخوة واخوات، ويجيء الحسين بعدي، وبعده زينب ثم فاطمة ـ التي لاتزال في بيت الاسرة ـ بعدها يأتي محمد، وهو رجل اعمال، ثم جعفر وهو موظف، وبعدهم في الترتيب بحسب العمر:
زكية وآمنة وسعد، وكلهم متزوجون.
اخواتي جميعهن عضوات ناشطات في حزب الله، اما عن اخوتي فكانوا جميعا في حركة امل في البداية، والآن فجلهم ـ عدا حسين ـ تركوها، محمد في الاساس ليس معنيا بالشأن السياسي:
وهو وان لم يكن عضوا في حزب الله، فإنه يتفق معه. مع ذلك جعفر لم يستقر على توجه سياسي حتى الآن ولانزال الى الآن نتناقش ونتناول وجهات نظرنا بعضنا مع بعضنا الآخر منذ فترة.
واليوم يحقق حزب الله تقدما طيبا ويتغير الى الافضل، هدفه هو التحرك في الاتجاه الصحيح مع ضرورات الزمن مع التمسك بمبادئه الشيعية.
ومن الخطأ ان نعتقد ان باستطاعة اي شخص ـ ايا كان علو مقامه ـ ان يراكم ويحتكر كل المعرفة الفكرية والدينية والفقهية والسياسية في العالم لذاته.
حينما تأسس حزب الله كنت في الثانية والعشرين من عمري، وكنت عضوا في قوة باسق المقاومة، وفي وقت لاحق اصبحت مديرا للحزب في منطقة بعلبك.
بعد ذلك اصبحت مدير الحزب لمنطقة البقاع بأسرها، وبعد مضي فترة عينت معاونا ثم نائبا للسيد ابراهيم امين السيد، الذي كان مديرا للحزب في بيروت، بعدها بوقت قصير قرر الحزب ان يفصل الشؤون السياسية عن نشاطاته العملياتية والتنظيمية، واختار السيد ابراهيم الفرع السياسي واصبحت مدير منطقة بيروت بعده، ثم انشئ منصب المدير العام التنفيذي وكانت مسؤولياته تشمل تنفيذ أوامر المجلس الاستشاري.
وقد عينت في هذا المنصب.
وعلى الرغم من المسؤوليات التي أحملها في الحزب ـ والتي تأخذ معظم وقتي فعليا ـ قررت ايضا ان اواصل دراساتي، الا انه في أعقاب الاجتياح الاسرائيلي الشامل كان علي أن أضع دراساتي جانبا، وبعد ذلك بسبع سنوات في عام 1989، اصبح الوضع مناسبا للدراسة مرة أخرى، ومن ثم ـ وبتصريح من الحزب ـ ذهبت الى قُم لاتمام تعليمي.
وبطبيعة الحال، فانه حتى في ذلك الوقت لم يتوقف مروجو الشائعات عن عملهم. قالوا ان السيد نصرالله غادر لبنان بسبب نزاع بينه وبين قادة حزب الله.
في أعقاب تصاعد الخلافات مع حركة أمل ونشوب صراعات مسلحة في منطقة البقاع، اعتبرت ان واجبي ان اعود الى لبنان، وبطبيعة الحال، كان هذا أيضاً ما أرادني الحزب أن أفعله. من ثم لم أتمكن ـ مرة أخرى ـ من اغتنام الفرصة ومواصلة دراساتي الى النقطة التي كنت أود.
واليوم، فان رغبتي الكبرى هي ان يخفف اخواني عبء العمل علي ويعفوني كأمين عام للحزب حتى أستطيع ان اعود الى الحوزة وأواصل دراساتي كباحث.
في عام 1978 تزوجت الآنسة فاطمة ياسين من حي العباسية في مدينة صور.
وبالاضافة الى ابني هادي ـ الذي استشهد في عمر الثامنة عشرة ـ لي ثلاثة أبناء آخرون، محمد جواد وزينب ومحمد علي، حينما تطأ قدماي بيتي أترك كل عملي ومصاعبه عند بابه حتى أصبح زوجا وأبا يرعى بيته.
انني احاول ان أحفظ قيمة حياتي الخاصة وايماني، أقرأ كثيرا، وبخاصة عن مغامرات السياسيين، والان فانني منذ فترة أقرأ سيـــرة حياة شـــارون، وسأعود الى قراءة هذا الكتاب مرة أخرى.
في رأيي ان حزب الله لا يعني مقاومة فحسب.
اليوم حزب الله هو ايضا عقيدة وأيديولوجية سياسية مبنية على الاسلام. والاسلام بالنسبة الينا بايجاز ليس مجرد دين فحسب محدود بالعبادة والطقوس الدينية، الاسلام واجب الهي خاص للانسانية كافة، وهو الاجابة عن كل الهموم العامة والمحددة للبشرية.
الاسلام دين لكل مجتمع يريد ان يثور وأن يقيم حكما، الاسلام دين نستطيع ان نقيم عليه حكما على اساس مبادئ.
ولست انكر ان رغبة حزب الله هي ان يقيم نظام جمهورية اسلامية يوما ما، لأن حزب الله يعتقد ان اقامة حكومة اسلامية هي الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار لمجتمع، وهو الطريق الوحيد لتسوية الخلافات الاجتماعية، حتى في مجتمع مكون من اقليات متعددة، مع ذلك، فان اقامة جمهورية اسلامية ليست امرا ممكننا بالقوة والمقاومة، انه يتطلب استفتاء وطنيا.
اما عن الصفات القيادية (الكاريزما) التي تقولون ان الناس يرونها في، فانها ليست شيئا يتوجب علي ان اتحدث فيه، انما هي شيء يتحدث عنه الناس، اما الكاريزما بوجه عام فتعني النفوذ الذي يملكه شخص ما على الآخرين.
وهذا ـ في الحقيقة ـ نعمة من الله يمكن لمن وهبها ان يحسنها أكثر بالمعرفة والخبرة، على الرغم من ان المعرفة والخبرة ليستا كافيتين لجعل شخص كاريزميا انها تحتاج ايضا الى نعمة من الله وقصد.
المنتديات
إضافة تعليق جديد