يقول ابن خلدون في علم التاريخ إلى ما كتبه الكثير دون تمحيص واحتراز , أو ما دسه بعض المغرضين من كذب وافتراء فيقول فيما يقول :
" و إنَّ فحول المؤرخين في الاسلام قد استوعبوا أخبار الأيام و جمعوها وسطروها في صفحات الدفاتر و أودعوها, و خلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهموا فيها أو ابتدعوها وزخارف من الروايات المُضعَّفة لفقوها و وصفوها , واقتفى تلك الآثار الكثير ممن بعدهم فاتبعوها , وأدوها إلينا كما سمعوها , ولم يلاحظوا أسباب الوقائع و الأحوال ولم يراعوها ولا رفضوا ترهات الأحاديث ولا دفعوها. فالتحقيق قليل وطرف التنقيح في الغالب كليل , والغلط و الوهم نسيب للأخبار خليل ."
لست ممن يسترعيهم الاهتمام الكبير في الولوج في بطون التاريخ وسبر أغواره وتقليب صفحاته ومن ثم إعادة النظر فيه والتأويل . أحببت دائماً أن اتصفح التاريخ تصفحاً . واستلهم منه بعض العبر وناصعات الحكايات و الصور. وسير الأوائل من أبطالنا و البشر . لم تكن معرفتي بشخصية " هارون الرشيد " تتعدى بضعة أفكار حول مناقبهِ وعصرهِ و مقامهِ وعهدهِ الذي عرف الطلعات و النزلات , وكنت افتخر أمام الآخرين بالتصريح عن إعجابي بما ابتكره العلماء في زمانه من ابتكارات وما عرف في ذلك العهد من اعتلاء لشأن الفنون والمكتبات وجمع الخبرات وبسط سلطان الدولة حتى خراسان . أما في الرقة , رقة هارون الرشيد , كان الازدهار عنوان المدينة والغنى و الرفاه طابعها و الشهرة منبعها وكيف لا وهي التي صنعت و صدّرت الزجاج المميز الذي طُبِع بطابعها .وما كان ذلك ليتحقق لولا التطور المهني الكبير في تصميم أفران خاصة سُميت آنذاك بأفران الغرفة العلوية .
وأعرف أيضاً أنه كان لهارون الرشيد ولدان " الأمين و المأمون " . و أعرف أيضاً أن الأمين أمه عربية وأن المأمون أمه فارسيه . وقد اقتتل الأخان حول ولاية العهد من بعد الرشيد و أعرف أن المأمون استطاع أخيراً أن يثبّت ولاية العهد لنفسه وذلك بعد قتل أخيه الأمين ووضع رأسه معلقاً على رؤوس الرماح لأيام كي يبقى عبرة للمعتبرين .
و أعرف أيضاً أن بذور فناء هؤلاء قد تناقلها خلفاؤهم حتى انتهى أمرهم إلى الزوال .
كما وأعرف أن في عهدهم عاش بعض أئمة أهل بيت رسول الله وجماعتهم الطالبيين و العلويين وقد عانى هؤلاء من شتى صنوف التعذيب و القتل و التنكيل لما أظهروا من عدم موافقتهم لسلوك بني العباس في إدارة شؤون المسلمين في أصقاع الأرض العباسية .
ولكني , و لا في مرة واحدة رغبت تسليط الأضواء على تلك الأحداث و تبيان ملامحها الدقيقة وسماتها العميقة على اعتبارها أنها ملامح تاريخية تحتمل الخطأ و الصواب والمبالغة و الكذب و الافتراء تارة و التلفيق و الوصف و الوهم تارة أخرى كما قال ابن خلدون .
فتركت الأمر واستخلفته وراء الظهر بعدما آمنت إيماناً راسخاً بضرورة ترك ما لا ينفع و اتباع ما ينفع في حياتنا اليومية و مستقبل أجيالنا و أوطاننا .
وفي غمار ماكينة الحياة العصرية بكل ما ينضوي تحت هذا العنوان, يأتيك عرض مسلسل " الأمين و المأمون " ليعيد واجهة زائرنا الإجباري المقتحم( من دون إذن) بيوتنا وغرف جلوسنا و يرينا مرَّ التاريخ و الزمان في طهر شهر رمضان المبارك .
فها هو التلفزيون بأقنيته الفضائية يختزل فينا كما يختزل في تاريخنا الروايات و الأحداث و العصور و العهود لينقلنا بسرعة الضوء من خراسان إلى بغداد ودمشق بساعة واحدة وكأنه بساط الريح أو مركب الأنبياء لينثر علينا كمّاً هائلاً من القضايا و التساؤلات .
فإن استند مسلسل " الأمين و المأمون " إلى سند تاريخي قوي , فقد فعل فعله عندي من خلط وانفصام و شعور بالغبن والانحدار . و إن أخطأ , في سنده هذا , فإنه فعل ذات الفعل في صدقية مؤرخينا وكتّابنا في شرح الأزمنة والبلدان و الأمصار .
ها هي حدقتيَّ تتسمران أمام شاشة التاريخ و الحياة لتنبعث سيالات عصبية في خلايا دماغي المنهك سلفاً بتضاربات الأنباء و تقاطعات الأهواء وتقاسمات الأشياء لتثبّت عندي مرة أخرى علامة السؤال و الاستفهام و الحيرة والاستسلام حول ماهية التاريخ عند العرب و المسلمين .
ففي كل مرة أُديرت بها عدسة الكاميرا في استديوهات التصوير الداخلي و الخارجي وفي باحات القصور بقيمة 180 درجة , استدار في عقلي الزمان و المكان بقيمة التاريخ و الحاضر و المستقبل ليمتد انهياري العامودي و الأفقي من دمشق إلى بغداد إلى خراسان .
فلماذا يا أستاذ شوقي الماجري أحلت عندي بعض شذرات الفكر و التاريخ و الوجدان إلى خمر وعهر وقتل و مجون و لهو و غلمان ؟
لقد استرعاني اهتمام كبير البارحة وبعد ما رأيت , البحث و الاستناره و الاستزادة من بعض الكتب المعنية بتلك الحقبة من تاريخنا المستمر لأرى أن ما صار أكبر فعلاً بكثير مما أحاطت به عوالم الكاميرا وجزر المونتاج .
فهارون الرشيد هذا هو الذي قال فيما قال :" والله لو نازعني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناه . فإن الملك عقيم " . مشيراً إلى أنه سيقضي على كل من سينازعه على الملك و السلطان حتى و لو كان من أقرب المقربين إليه .
فالإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر وهو الإمام السادس عند المسلمين الأثني عشريين , والذي شهد نهاية العهد الأموي و بداية العهد العباسي قد قُتل فعلاً على يد الخليفة العباسي المنصور . فقد أمر الأخير أحد أعوانه بدس السم في طعام الإمام جعفر الصادق فقُتل و مات .
و من بعده و في عهد الخليفة هارون الرشيد , قام الأخير بزج الإمام موسى الكاظم في غياهب السجون لمدة زادت عن عشرين عاماً وأخيراً أرسل بعض أعوانه لدس السم في طعامه فقُتل و مات .
و في عهد المأمون ابن هارون الرشيد , قام الأعوان بدس السم في شراب الرمان الذي قُدم للإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم فقُتل و مات .
ومن بعده , و في عهد الخليفة العباسي المعتصم الذي أوعز إلى زوجة الإمام محمد الجواد ابن الإمام علي الرضا , أم الفضل بأن تدس له السم في الطعام ففعلت وقُتل الإمام محمد الجواد و مات .
أما في عهد الخليفة العباسي المتوكل , فقد اكتمل مسلسل دس السم في الطعام و الشراب في طعام الإمام علي الهادي ابن الإمام محمد الجواد فقُتل و مات .
أما الإمام قبل الأخير الإمام الحسن العسكري ابن الإمام محمد الجواد , فقد عرف كل أنواع التنكيل و العذاب و القهر في سجون العباسيين في زمن الخلفاء المعتز و المهتدي و المعتمد .
كما قتل هارون الرشيد كل من : يحيى بن عبد الله بن الحسن المثنى بالسم و يقال أن الرشيد بنى عليه أسطوانة وهو حي . وقتل ادريس بن عبد الله بن الحسن و عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسن . ومحمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن المثنى , و الحسين بن عبد الله بن اسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و سواهم .
كما أرسل الخليفة المأمون بعض أعوانه إلى قافلة السيدة فاطمة بنت موسى الكاظم و أخت علي الرضا , فنكلوا بها وهتكوا حرمتها ويُقال أنهم دسوا لها السم في الشراب بعد ذلك . فقُتلت و ماتت .
وتطول لائحة الضحايا من أهل بيت رسول الله و محبيهم و أتباعهم و مريديهم و لم يكن ذلك إلا بدافع التخلص منهم ومن الخطر الذي شكّله هؤلاء على مستقبل كرسي الملك وذلك على مدى الثورات و الانتفاضات العارمة التي ما انفكت تحاصر خلفاء بني العباس .
لقد ابتكر العباسيون فيما ابتكروا طرق عديدة للقتل و التنكيل , فكان التوسيط و التفليق و التسمير و التسميم و التكحيل و التسليخ و طمر الأشخاص وهم على قيد الحياة .
وماذا عن انصراف الأمين إلى حياة اللهو و العبث وإهمال أمور الدولة المترامية الأطراف و الغدر بعد ذلك بأخويه المأمون و المؤتمن بخلعهما عن الولاية من بعده و وضعها في ابنه الصغير موسى من بعده !
و ماذا عن جلسات الرقص و الخمر و المجون و حلقات الزنى و العهر و الفجور ؟
فماذا قدم لي هؤلاء بعد ذلك من كرامات و غيرة و استنهاض لذاكرة التاريخ و استشراق المستقبل الواعد الحر المشرق ؟
اعتقد أن مسلسل " الأمين و المأمون " للمخرج شوقي الماجري , قد أثار عندي حفيظة المراجعة و المساءلة .
مراجعة قوانين الحكم و السلطان لدى خلفاء و أمراء المسلمين و الحكام . ومساءلتهم عما اقترفت أيديهم من جرائم يندى لها جبين الإنسانية و البشرية جمعاء . وما لي في هذا الشهر الفضيل إلا أن أقول للسيد شوقي الماجري :" فإن كان لا بد من إيقاظ هارون الرشيد من سباته الأزلي , فلماذا نوقظه في هذا الزمان و هذا المكان ؟"
فدعوه يا وفقكم الله في غياهب الكتب و الأحلام ولا توقظوه لأنه دفن معه و مع أولاده ما لا يُحمَل التفكير به في أشهر الله و الخير و الإيمان .
و في نهاية الكلام أقول : " إن رشيد كان أكثر رشداً من الرشيد نفسه . فقد أقنعنا على الأقل ولو لساعات أن هارون كان له أن يكون راشداً و رشيداً لو أنه تقمص شخصية الممثل القدير رشيد عساف الذي عبر تعبيراً عميقاً عن رجاحة العقل الذي رسمته سيرة المسلسل كما أُريد لها أن تكون على هذه الشاكلة .
" و إنَّ فحول المؤرخين في الاسلام قد استوعبوا أخبار الأيام و جمعوها وسطروها في صفحات الدفاتر و أودعوها, و خلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهموا فيها أو ابتدعوها وزخارف من الروايات المُضعَّفة لفقوها و وصفوها , واقتفى تلك الآثار الكثير ممن بعدهم فاتبعوها , وأدوها إلينا كما سمعوها , ولم يلاحظوا أسباب الوقائع و الأحوال ولم يراعوها ولا رفضوا ترهات الأحاديث ولا دفعوها. فالتحقيق قليل وطرف التنقيح في الغالب كليل , والغلط و الوهم نسيب للأخبار خليل ."
لست ممن يسترعيهم الاهتمام الكبير في الولوج في بطون التاريخ وسبر أغواره وتقليب صفحاته ومن ثم إعادة النظر فيه والتأويل . أحببت دائماً أن اتصفح التاريخ تصفحاً . واستلهم منه بعض العبر وناصعات الحكايات و الصور. وسير الأوائل من أبطالنا و البشر . لم تكن معرفتي بشخصية " هارون الرشيد " تتعدى بضعة أفكار حول مناقبهِ وعصرهِ و مقامهِ وعهدهِ الذي عرف الطلعات و النزلات , وكنت افتخر أمام الآخرين بالتصريح عن إعجابي بما ابتكره العلماء في زمانه من ابتكارات وما عرف في ذلك العهد من اعتلاء لشأن الفنون والمكتبات وجمع الخبرات وبسط سلطان الدولة حتى خراسان . أما في الرقة , رقة هارون الرشيد , كان الازدهار عنوان المدينة والغنى و الرفاه طابعها و الشهرة منبعها وكيف لا وهي التي صنعت و صدّرت الزجاج المميز الذي طُبِع بطابعها .وما كان ذلك ليتحقق لولا التطور المهني الكبير في تصميم أفران خاصة سُميت آنذاك بأفران الغرفة العلوية .
وأعرف أيضاً أنه كان لهارون الرشيد ولدان " الأمين و المأمون " . و أعرف أيضاً أن الأمين أمه عربية وأن المأمون أمه فارسيه . وقد اقتتل الأخان حول ولاية العهد من بعد الرشيد و أعرف أن المأمون استطاع أخيراً أن يثبّت ولاية العهد لنفسه وذلك بعد قتل أخيه الأمين ووضع رأسه معلقاً على رؤوس الرماح لأيام كي يبقى عبرة للمعتبرين .
و أعرف أيضاً أن بذور فناء هؤلاء قد تناقلها خلفاؤهم حتى انتهى أمرهم إلى الزوال .
كما وأعرف أن في عهدهم عاش بعض أئمة أهل بيت رسول الله وجماعتهم الطالبيين و العلويين وقد عانى هؤلاء من شتى صنوف التعذيب و القتل و التنكيل لما أظهروا من عدم موافقتهم لسلوك بني العباس في إدارة شؤون المسلمين في أصقاع الأرض العباسية .
ولكني , و لا في مرة واحدة رغبت تسليط الأضواء على تلك الأحداث و تبيان ملامحها الدقيقة وسماتها العميقة على اعتبارها أنها ملامح تاريخية تحتمل الخطأ و الصواب والمبالغة و الكذب و الافتراء تارة و التلفيق و الوصف و الوهم تارة أخرى كما قال ابن خلدون .
فتركت الأمر واستخلفته وراء الظهر بعدما آمنت إيماناً راسخاً بضرورة ترك ما لا ينفع و اتباع ما ينفع في حياتنا اليومية و مستقبل أجيالنا و أوطاننا .
وفي غمار ماكينة الحياة العصرية بكل ما ينضوي تحت هذا العنوان, يأتيك عرض مسلسل " الأمين و المأمون " ليعيد واجهة زائرنا الإجباري المقتحم( من دون إذن) بيوتنا وغرف جلوسنا و يرينا مرَّ التاريخ و الزمان في طهر شهر رمضان المبارك .
فها هو التلفزيون بأقنيته الفضائية يختزل فينا كما يختزل في تاريخنا الروايات و الأحداث و العصور و العهود لينقلنا بسرعة الضوء من خراسان إلى بغداد ودمشق بساعة واحدة وكأنه بساط الريح أو مركب الأنبياء لينثر علينا كمّاً هائلاً من القضايا و التساؤلات .
فإن استند مسلسل " الأمين و المأمون " إلى سند تاريخي قوي , فقد فعل فعله عندي من خلط وانفصام و شعور بالغبن والانحدار . و إن أخطأ , في سنده هذا , فإنه فعل ذات الفعل في صدقية مؤرخينا وكتّابنا في شرح الأزمنة والبلدان و الأمصار .
ها هي حدقتيَّ تتسمران أمام شاشة التاريخ و الحياة لتنبعث سيالات عصبية في خلايا دماغي المنهك سلفاً بتضاربات الأنباء و تقاطعات الأهواء وتقاسمات الأشياء لتثبّت عندي مرة أخرى علامة السؤال و الاستفهام و الحيرة والاستسلام حول ماهية التاريخ عند العرب و المسلمين .
ففي كل مرة أُديرت بها عدسة الكاميرا في استديوهات التصوير الداخلي و الخارجي وفي باحات القصور بقيمة 180 درجة , استدار في عقلي الزمان و المكان بقيمة التاريخ و الحاضر و المستقبل ليمتد انهياري العامودي و الأفقي من دمشق إلى بغداد إلى خراسان .
فلماذا يا أستاذ شوقي الماجري أحلت عندي بعض شذرات الفكر و التاريخ و الوجدان إلى خمر وعهر وقتل و مجون و لهو و غلمان ؟
لقد استرعاني اهتمام كبير البارحة وبعد ما رأيت , البحث و الاستناره و الاستزادة من بعض الكتب المعنية بتلك الحقبة من تاريخنا المستمر لأرى أن ما صار أكبر فعلاً بكثير مما أحاطت به عوالم الكاميرا وجزر المونتاج .
فهارون الرشيد هذا هو الذي قال فيما قال :" والله لو نازعني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناه . فإن الملك عقيم " . مشيراً إلى أنه سيقضي على كل من سينازعه على الملك و السلطان حتى و لو كان من أقرب المقربين إليه .
فالإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر وهو الإمام السادس عند المسلمين الأثني عشريين , والذي شهد نهاية العهد الأموي و بداية العهد العباسي قد قُتل فعلاً على يد الخليفة العباسي المنصور . فقد أمر الأخير أحد أعوانه بدس السم في طعام الإمام جعفر الصادق فقُتل و مات .
و من بعده و في عهد الخليفة هارون الرشيد , قام الأخير بزج الإمام موسى الكاظم في غياهب السجون لمدة زادت عن عشرين عاماً وأخيراً أرسل بعض أعوانه لدس السم في طعامه فقُتل و مات .
و في عهد المأمون ابن هارون الرشيد , قام الأعوان بدس السم في شراب الرمان الذي قُدم للإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم فقُتل و مات .
ومن بعده , و في عهد الخليفة العباسي المعتصم الذي أوعز إلى زوجة الإمام محمد الجواد ابن الإمام علي الرضا , أم الفضل بأن تدس له السم في الطعام ففعلت وقُتل الإمام محمد الجواد و مات .
أما في عهد الخليفة العباسي المتوكل , فقد اكتمل مسلسل دس السم في الطعام و الشراب في طعام الإمام علي الهادي ابن الإمام محمد الجواد فقُتل و مات .
أما الإمام قبل الأخير الإمام الحسن العسكري ابن الإمام محمد الجواد , فقد عرف كل أنواع التنكيل و العذاب و القهر في سجون العباسيين في زمن الخلفاء المعتز و المهتدي و المعتمد .
كما قتل هارون الرشيد كل من : يحيى بن عبد الله بن الحسن المثنى بالسم و يقال أن الرشيد بنى عليه أسطوانة وهو حي . وقتل ادريس بن عبد الله بن الحسن و عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسن . ومحمد بن يحيى بن عبد الله بن الحسن المثنى , و الحسين بن عبد الله بن اسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و سواهم .
كما أرسل الخليفة المأمون بعض أعوانه إلى قافلة السيدة فاطمة بنت موسى الكاظم و أخت علي الرضا , فنكلوا بها وهتكوا حرمتها ويُقال أنهم دسوا لها السم في الشراب بعد ذلك . فقُتلت و ماتت .
وتطول لائحة الضحايا من أهل بيت رسول الله و محبيهم و أتباعهم و مريديهم و لم يكن ذلك إلا بدافع التخلص منهم ومن الخطر الذي شكّله هؤلاء على مستقبل كرسي الملك وذلك على مدى الثورات و الانتفاضات العارمة التي ما انفكت تحاصر خلفاء بني العباس .
لقد ابتكر العباسيون فيما ابتكروا طرق عديدة للقتل و التنكيل , فكان التوسيط و التفليق و التسمير و التسميم و التكحيل و التسليخ و طمر الأشخاص وهم على قيد الحياة .
وماذا عن انصراف الأمين إلى حياة اللهو و العبث وإهمال أمور الدولة المترامية الأطراف و الغدر بعد ذلك بأخويه المأمون و المؤتمن بخلعهما عن الولاية من بعده و وضعها في ابنه الصغير موسى من بعده !
و ماذا عن جلسات الرقص و الخمر و المجون و حلقات الزنى و العهر و الفجور ؟
فماذا قدم لي هؤلاء بعد ذلك من كرامات و غيرة و استنهاض لذاكرة التاريخ و استشراق المستقبل الواعد الحر المشرق ؟
اعتقد أن مسلسل " الأمين و المأمون " للمخرج شوقي الماجري , قد أثار عندي حفيظة المراجعة و المساءلة .
مراجعة قوانين الحكم و السلطان لدى خلفاء و أمراء المسلمين و الحكام . ومساءلتهم عما اقترفت أيديهم من جرائم يندى لها جبين الإنسانية و البشرية جمعاء . وما لي في هذا الشهر الفضيل إلا أن أقول للسيد شوقي الماجري :" فإن كان لا بد من إيقاظ هارون الرشيد من سباته الأزلي , فلماذا نوقظه في هذا الزمان و هذا المكان ؟"
فدعوه يا وفقكم الله في غياهب الكتب و الأحلام ولا توقظوه لأنه دفن معه و مع أولاده ما لا يُحمَل التفكير به في أشهر الله و الخير و الإيمان .
و في نهاية الكلام أقول : " إن رشيد كان أكثر رشداً من الرشيد نفسه . فقد أقنعنا على الأقل ولو لساعات أن هارون كان له أن يكون راشداً و رشيداً لو أنه تقمص شخصية الممثل القدير رشيد عساف الذي عبر تعبيراً عميقاً عن رجاحة العقل الذي رسمته سيرة المسلسل كما أُريد لها أن تكون على هذه الشاكلة .
المنتديات
إضافة تعليق جديد