يعرفه كل الناس هناك .( أبو زكريا) , الرجل الذي انهك الجميع بقدرته على استلهام المشاكل من رحم السكينة و الأمان . فتراه تارة ينازع جاره على شبر أو شبرين من الأرض . و تارة أخرى يجادل ابن عمه على طول الجدار الفاصل بين بيتيهما . ف(أبو زكريا ) هذا يدعي أن ابن عمه قد تجاوز على داره بطول عشرين سنتمتراً !
وتارة ثالثة تراه يتقاتل مع بعض أهالي القرية على حصة مياه الري التي تسقي الأراضي الزراعية بجدول زمني يسمح للجميع بالاستفادة من برنامج السقاية هذا .هو بالأحرى يريد أن يأخذ دوره و دور غيره !!!
لذلك , وزّع( أبو زكريا) وقته ما بين بيت المختار و الجمعية الفلاحية ومخفر الشرطة وكل ذلك من أجل التفتيش عن مشكلة يفتعلها هنا أو هناك !
آخر ما حرر , أن( أبو زكريا) هذا تردد في الآونة الأخيرة على المدينة ولما استُعِلم عن السبب , عرفنا أن( أبو زكريا) يزور المدينة من أجل توكيل محامي للمرافعة في القضايا و الدعاوى التي رفعها( أبو زكريا) بحق أهله و جيرانه و سكان قريته !
بعدما عرفنا أن عدد المُدّعى عليهم تجاوز العشرات .
فعند إقامة كل عرس في القرية , تجد رئيس المخفر ومعه خفيرين قد جاؤوا لتبليغ أصحاب العرس بأن شكوى قد تقدم بها( أبو زكريا ),يشكو فيها من الضوضاء الصادرة عن طبل وزمر العرس.وعند ذهابه لدكان هنا أو هناك فلا أحد يجادله حول سعر هذه السلعة أو تلك فإنك إن فعلت , فتوقع من( أبو زكريا) شكوى مبكّلة لمخفر الشرطة يدّعي فيها على صاحب الدكان بأنه قد باعه فاكهه فاسدة أو لبناً فاسداً أو أي شيء آخر فاسد ! وبعد كل موسم حصاد , توقعوا الشر من( أبو زكريا) الذي لن يرضى إلا بحسم أجرة يوم أو يومين على كل عامل حصاد بحجة مغافلته البارحة أو قبل البارحة والخلود إلى النوم خارج الوقت المحدد لذلك. إنه يتلطى للشاردة و الواردة وخلف الزوايا لانتهاز أقرب فرصة للانقضاض على أعدائه المفترضين!
لذلك , ترى الجميع يتجنبون( أبو زكريا) هذا وإذا رأووه في الحارة الشمالية اتجهوا جنوباً وإذا شاهدوه في الحارة الغربية ذهبوا شرقاً لأنهم لا يريدون النظر إليه أو حتى رمي السلام عليه .
كنت أراه يصعد ببطء تلك الدرب الصاعدة نحو القرية . يجر عكازه في يده اليمنى بينما يضع الأخرى خلف ظهره المنعقف . لم أتوانَ ثانية في دعوته إلى اعتلاء دراجتي الهوائية لتوصيله إلى القرية بالرغم من معرفتي الكاملة بكل المشاكل التي يفتعلها بحق أبناء القرية والتي قد يفتعلها لي . ومع ذلك كنت أقول في نفسي :" حاول يا رجل أن تتقي شر (أبو زكريا) وتلفت نظره واهتمامه عنك عسى تتجنب شره و عداءه!".
كان في أغلب الأحيان يوافق على دعوتي إياه ويقول لي :"يا ريت يا فهد كل أهل الضيعة متلك أهل أصل " !
كان ردي الدائم على إطرائه بإبراز ابتسامة خفيفة تبدو بشكل معتدل على وجهي كي لا أُحرِضَ في عقل( أبو زكريا) فكرة معاكسة تجاهي !
في كل مرة رافقني فيها هذا الرجل , حدثني عن النوايا العدائية التي يضمرها له أهالي القرية كلهم شارحاً أزمته الدائمة معهم . أزمة اعتقد ( أبو زكريا ) أنه إما هو أو هم من سيبقى في هذه القرية في آخر المطاف قائلاً :"والله والله يا أنا يا هنّه بهلضيعة "!
اكتفيت دائماً بالإنصات له و إعارته اهتمامي وسمعي مؤشراً بهز رأسي للدلالة على الموافقة ! متمنياً أن تنتهي رحلتي معه بأسرع وقت !!
كنت و(أبو زكريا )على عهد ضمني توافقنا فيه ضمنياً وإيحائياً بأن لا يقترب أحدنا من الآخر .
الجميع يسألونني عن سر العلاقة بيني وبين( أبو زكريا )وكيف لا يمسّني( أبو زكريا) بكلمة واحدة . فهل السر في كتبية عند الشيخ أو في حجاب أو حرز من أهل الخبرة ؟
كان الجميع متأكدين من النوايا الشريرة ل(أبو زكريا) هذا الذي عرفوه وخبروه عبر سنوات حياتهم الطويلة وهم , لن يغيروا وجهة نظرهم بهذا الرجل ولو اجتمعت الدنيا على ذلك . مما جعلني دائماً أنحو نحو تصديقهم بعد أن شاهدت بأم العين العجب العجاب مما اقترفه( أبو زكريا) مع أهالي القرية ! ولكن حاولت مراراً و تكراراً إقناع النفس بضرورة الإبقاء على شعرة معاوية مع هذا الرجل وترك مسافة أمان كافية كي لا أقع في ما وقع فيه الآخرون!
في أحد الأيام , ركبت دراجتي الهوائية واتجهت نحو قرية مجاورة لقريتي كي أزور صديقي هناك . وفي منتصف الطريق , واجهني جرار زراعي كان سائقه قد فقد السيطرة على مقوده و بالتالي لم تعد هناك قدرة على توجيهه عبر الطريق الأمر الذي أدى أخيراً إلى ارتطامي به مباشرة ووقوعي على رأسي وفقداني لوعيي!
لم أشعر بشيء على الإطلاق بعد تلك الضربة . فآخر ما أتذكره هو الواجهة الأمامية للجرار الزراعي الذي ارتطم رأسي به .
هناك في مكان ما على الأرض أو في السماء , فتحت عيني بتعب شديد و ببطء فشاهدت أول ما شاهدت احزروا من ؟
شاهدت وجه( أبو زكريا) الذي كان ينحني فوقي وقد أغرورقت عيناه بالدموع .
أيقنت حينها أنني ميت فعلاً واعتقدت أنني و( أبو زكريا) في مكان ما في السماء .( أبو زكريا) هو أول ما أشاهده ليس الأمر معقولاً وهو الرجل الذي شاكس الجميع وأذى الجميع !
إنه أمر أقرب إلى الخيال و الحلم أو فكرة تحرر الروح عن الجسد . عندها يمكنك أن ترى كل الناس بطريقة مجردة فعلاً ومنهم ( أبو زكريا)!!!
كان خوفي كبير جداً من فكرة وجودي مع ( أبو زكريا) في مكان ما في السماء . فإن كان الافتراض الكبير أن ( أبو زكريا ) في جهنم , يعني أنني في نفس المكان الذي هو فيه! . أغمضت عيني فوراً كي تذهب من خيالي الصورة.
ولكنني سمعت صوتاً خافتاً أجشاً يحاكيني :
" قم يا بني يا فهد و استجمع قوتك فقد مضى على غيبوبتك اسبوعين لم أنفك فيهما عن الدعوة لك بالحياة و الشفاء " !
علمت حينها أن هذا الشيء حقيقي و أنه ليس حلماً أو خيالاً أو تحرراً لروحي كلينا و علمت أنني لم أغادر هذه الحياة بعد وأنني مع( أبو زكريا) على الأرض نفسها .
وما زلت أتذكر هذه القصة وأرويها للجميع واعتبر أنها من أكثر قصصي غرابة و تناقضاً و تفرداً
وبقي (أبو زكريا) على عهده الدائم برفع الدعاوى والقضايا على أهل القرية . ولم يزل كما عرفته من بيت المختار إلى مخفر الشرطة إلى المحكمة في المدينة . وما زال الأهالي يعتبرونه الرجل الأكثر تنفيراً و تقزيزاً لسوء أخلاقه و سيرته !
لعلي لم أجد بعد الفرصة السانحة لأقول ل ( أبو زكريا ) أن :" أشد الكفر عند الله هو الشرك به , و الإضرار بالناس"
وستقتصر علاقتي مع هذا الرجل على ابتسامة رقيقة وخفيفة و دعوة لركوب دراجتي الهوائية في كل مرة أصادفه فيها على طريق القرية .
وتارة ثالثة تراه يتقاتل مع بعض أهالي القرية على حصة مياه الري التي تسقي الأراضي الزراعية بجدول زمني يسمح للجميع بالاستفادة من برنامج السقاية هذا .هو بالأحرى يريد أن يأخذ دوره و دور غيره !!!
لذلك , وزّع( أبو زكريا) وقته ما بين بيت المختار و الجمعية الفلاحية ومخفر الشرطة وكل ذلك من أجل التفتيش عن مشكلة يفتعلها هنا أو هناك !
آخر ما حرر , أن( أبو زكريا) هذا تردد في الآونة الأخيرة على المدينة ولما استُعِلم عن السبب , عرفنا أن( أبو زكريا) يزور المدينة من أجل توكيل محامي للمرافعة في القضايا و الدعاوى التي رفعها( أبو زكريا) بحق أهله و جيرانه و سكان قريته !
بعدما عرفنا أن عدد المُدّعى عليهم تجاوز العشرات .
فعند إقامة كل عرس في القرية , تجد رئيس المخفر ومعه خفيرين قد جاؤوا لتبليغ أصحاب العرس بأن شكوى قد تقدم بها( أبو زكريا ),يشكو فيها من الضوضاء الصادرة عن طبل وزمر العرس.وعند ذهابه لدكان هنا أو هناك فلا أحد يجادله حول سعر هذه السلعة أو تلك فإنك إن فعلت , فتوقع من( أبو زكريا) شكوى مبكّلة لمخفر الشرطة يدّعي فيها على صاحب الدكان بأنه قد باعه فاكهه فاسدة أو لبناً فاسداً أو أي شيء آخر فاسد ! وبعد كل موسم حصاد , توقعوا الشر من( أبو زكريا) الذي لن يرضى إلا بحسم أجرة يوم أو يومين على كل عامل حصاد بحجة مغافلته البارحة أو قبل البارحة والخلود إلى النوم خارج الوقت المحدد لذلك. إنه يتلطى للشاردة و الواردة وخلف الزوايا لانتهاز أقرب فرصة للانقضاض على أعدائه المفترضين!
لذلك , ترى الجميع يتجنبون( أبو زكريا) هذا وإذا رأووه في الحارة الشمالية اتجهوا جنوباً وإذا شاهدوه في الحارة الغربية ذهبوا شرقاً لأنهم لا يريدون النظر إليه أو حتى رمي السلام عليه .
كنت أراه يصعد ببطء تلك الدرب الصاعدة نحو القرية . يجر عكازه في يده اليمنى بينما يضع الأخرى خلف ظهره المنعقف . لم أتوانَ ثانية في دعوته إلى اعتلاء دراجتي الهوائية لتوصيله إلى القرية بالرغم من معرفتي الكاملة بكل المشاكل التي يفتعلها بحق أبناء القرية والتي قد يفتعلها لي . ومع ذلك كنت أقول في نفسي :" حاول يا رجل أن تتقي شر (أبو زكريا) وتلفت نظره واهتمامه عنك عسى تتجنب شره و عداءه!".
كان في أغلب الأحيان يوافق على دعوتي إياه ويقول لي :"يا ريت يا فهد كل أهل الضيعة متلك أهل أصل " !
كان ردي الدائم على إطرائه بإبراز ابتسامة خفيفة تبدو بشكل معتدل على وجهي كي لا أُحرِضَ في عقل( أبو زكريا) فكرة معاكسة تجاهي !
في كل مرة رافقني فيها هذا الرجل , حدثني عن النوايا العدائية التي يضمرها له أهالي القرية كلهم شارحاً أزمته الدائمة معهم . أزمة اعتقد ( أبو زكريا ) أنه إما هو أو هم من سيبقى في هذه القرية في آخر المطاف قائلاً :"والله والله يا أنا يا هنّه بهلضيعة "!
اكتفيت دائماً بالإنصات له و إعارته اهتمامي وسمعي مؤشراً بهز رأسي للدلالة على الموافقة ! متمنياً أن تنتهي رحلتي معه بأسرع وقت !!
كنت و(أبو زكريا )على عهد ضمني توافقنا فيه ضمنياً وإيحائياً بأن لا يقترب أحدنا من الآخر .
الجميع يسألونني عن سر العلاقة بيني وبين( أبو زكريا )وكيف لا يمسّني( أبو زكريا) بكلمة واحدة . فهل السر في كتبية عند الشيخ أو في حجاب أو حرز من أهل الخبرة ؟
كان الجميع متأكدين من النوايا الشريرة ل(أبو زكريا) هذا الذي عرفوه وخبروه عبر سنوات حياتهم الطويلة وهم , لن يغيروا وجهة نظرهم بهذا الرجل ولو اجتمعت الدنيا على ذلك . مما جعلني دائماً أنحو نحو تصديقهم بعد أن شاهدت بأم العين العجب العجاب مما اقترفه( أبو زكريا) مع أهالي القرية ! ولكن حاولت مراراً و تكراراً إقناع النفس بضرورة الإبقاء على شعرة معاوية مع هذا الرجل وترك مسافة أمان كافية كي لا أقع في ما وقع فيه الآخرون!
في أحد الأيام , ركبت دراجتي الهوائية واتجهت نحو قرية مجاورة لقريتي كي أزور صديقي هناك . وفي منتصف الطريق , واجهني جرار زراعي كان سائقه قد فقد السيطرة على مقوده و بالتالي لم تعد هناك قدرة على توجيهه عبر الطريق الأمر الذي أدى أخيراً إلى ارتطامي به مباشرة ووقوعي على رأسي وفقداني لوعيي!
لم أشعر بشيء على الإطلاق بعد تلك الضربة . فآخر ما أتذكره هو الواجهة الأمامية للجرار الزراعي الذي ارتطم رأسي به .
هناك في مكان ما على الأرض أو في السماء , فتحت عيني بتعب شديد و ببطء فشاهدت أول ما شاهدت احزروا من ؟
شاهدت وجه( أبو زكريا) الذي كان ينحني فوقي وقد أغرورقت عيناه بالدموع .
أيقنت حينها أنني ميت فعلاً واعتقدت أنني و( أبو زكريا) في مكان ما في السماء .( أبو زكريا) هو أول ما أشاهده ليس الأمر معقولاً وهو الرجل الذي شاكس الجميع وأذى الجميع !
إنه أمر أقرب إلى الخيال و الحلم أو فكرة تحرر الروح عن الجسد . عندها يمكنك أن ترى كل الناس بطريقة مجردة فعلاً ومنهم ( أبو زكريا)!!!
كان خوفي كبير جداً من فكرة وجودي مع ( أبو زكريا) في مكان ما في السماء . فإن كان الافتراض الكبير أن ( أبو زكريا ) في جهنم , يعني أنني في نفس المكان الذي هو فيه! . أغمضت عيني فوراً كي تذهب من خيالي الصورة.
ولكنني سمعت صوتاً خافتاً أجشاً يحاكيني :
" قم يا بني يا فهد و استجمع قوتك فقد مضى على غيبوبتك اسبوعين لم أنفك فيهما عن الدعوة لك بالحياة و الشفاء " !
علمت حينها أن هذا الشيء حقيقي و أنه ليس حلماً أو خيالاً أو تحرراً لروحي كلينا و علمت أنني لم أغادر هذه الحياة بعد وأنني مع( أبو زكريا) على الأرض نفسها .
وما زلت أتذكر هذه القصة وأرويها للجميع واعتبر أنها من أكثر قصصي غرابة و تناقضاً و تفرداً
وبقي (أبو زكريا) على عهده الدائم برفع الدعاوى والقضايا على أهل القرية . ولم يزل كما عرفته من بيت المختار إلى مخفر الشرطة إلى المحكمة في المدينة . وما زال الأهالي يعتبرونه الرجل الأكثر تنفيراً و تقزيزاً لسوء أخلاقه و سيرته !
لعلي لم أجد بعد الفرصة السانحة لأقول ل ( أبو زكريا ) أن :" أشد الكفر عند الله هو الشرك به , و الإضرار بالناس"
وستقتصر علاقتي مع هذا الرجل على ابتسامة رقيقة وخفيفة و دعوة لركوب دراجتي الهوائية في كل مرة أصادفه فيها على طريق القرية .
المنتديات
إضافة تعليق جديد