إيقاف بسام القاضي عن الكتابة في جريدة النور
بسام القاضي: ( كلنا شركاء ) 10/8/2006
سأبدأ على النحو التالي: في إحدى المقابلات مع هيفاء وهبي، سألها المذيع عن رأيها بما يقال عنها؟ فتساءلت: ألم يعد لدى البرلمانات العربية من قضية سوى هيفاء وهبي ليناقشوا قضيتها؟
وللأسف، لم أستطع أبداً أن أمسح المقارنة من ذهني: في هذا الوقت، وفي هذه الظروف، وجد المكتب السياسي لحزب شيوعي في بقعة من أهم بقع المنطقة، يعني في أهم بقع العالم في الوقت الراهن، وقتاً كافياً ليناقش ويقرر منع صحفي من الكتابة في (جريدته)!!
لكن الأمر يبدو منطقياً من زاوية أخرى! فقد حان الوقت ليضم اسم (مشاغب) آخر إلى القائمة السوداء بعد خمس سنوات تقريباً من العمل مشرفاً على صفحة المجتمع في جريدة النور، وكاتباً لزاوية أسبوعية فيها بعنوان: زاوية منفرجة. هذه الزاوية التي كانت المادة الأخيرة فيها بعنوان "أوقفوا بث الصور!" أحتج فيها على بث القنوات الفضائية العربية لصور الأشلاء لضحايا العدوان الإسرائيلي على لبنان، متجاهلين أثر ذلك على الأطفال والمراهقين! والكبار أيضاً! في سباق إعلامي محموم! (يمكن قراءة الزاوية على موقع النور الالكتروني www.an-nour.com).
وطبعاً لم يجد هذا المكتب (بالضبط أمانة المكتب التي اتخذت القرار وأبلغته لباقي أعضاء المكتب) أي ضرورة لنقاشي أو سؤالي حول هذه الزاوية! في تطور نوعي (يتطابق) مع ما انتقدته الجريدة دائماً في القوانين القديمة والجديدة السورية التي تمنح جهات علياً حق فصل أي عامل دون إبداء الأسباب! ويتنافى كلياً مع أي من اعتبارات أخلاقيات العمل، بله العمل الصحفي!
تدخل القيادات السياسية في عمل الجرائد الرسمية وشبه الرسمية والحزبية هو أمر معتاد في هذه المنطقة من العالم. إلا أن النور استطاعت أن تفلت من هذا التدخل المباشر طوال سنين عملها الخمس الماضية. وإن كانت لم تستطع أن تفلت من تدخلات مختلفة تجلت خصوصاً في ضغوطات مستمرة على هيئة التحرير. وبشكل خاص رئيسي تحريرها الذين أداراها حتى الآن (المرحوم دانيال نعمة، والأستاذ يعقوب كرو). وكلاهما عانيا الأمرين من الضغوطات من مثل: كيف سمحتم بهذه المادة؟ ولماذا تنشرون هذا الرأي المخالف لسياسة الحزب؟ و.. ولا يغرنكم الأمر بأن (سياسة الحزب) هنا تعني معناها المعتاد. بل هي تعني أي شيء وكل شيء. إلى درجة أن للحزب آراء يجب أن لا ينشر ما يعارضها في قضايا المرأة والطفولة والشباب وغيرها! ولكن المقاومة الشديدة في الجريدة لهذا الخط الذي وجد له ممثلون ومنفذون من هيئة التحرير، تمكن دائماً من جر الجريدة إلى الوراء. بحيث أنها الآن، بعد أكثر من خمس سنوات على ولادتها، تراجعت من الجريدة الأولى في سورية من حيث سقف حريتها وجرأتها ونوعية موادها، إلى جريدة لا تكاد تتمايز عن الجرائد الرسمية كثيراً! وسبقتها الكثير من الجرائد والصحف المحلية الأخرى! وفي كل مرة طرح هذا الواقع، كان هناك جواب جاهز: هذه الصحيفة لفلان، وهو يدبر رأسه، وهذا ليس حالنا؟ أو: هؤلاء ليسوا حزباً..!! ولا يحتاج الأمر إلى عناء كبير. فمن المعروف أن الجريدة لم تتطرق، خارج افتتاحيتها، إلا نادرا إلى السياسة الداخلية أو الخارجية لسورية! رغم أن صفة: سياسية، هي الصفة الثانية من ثلاث صفات تشكل تعريفها: أسبوعية، سياسية، ثقافية! وباستثناء إشارات متواضعة مطالبة بإلغاء قانون الطوارئ، نادراً ما تطرقت الجريدة إلى أي أمر سياسي داخلي! كما أن تعداداً لكتاب الجريدة على الصفحتين السياسيتين فيها (الثانية والثالثة)، وقراءة سريعة لما يكتبون، تظهر بوضوح أية سياسة تعنى بها الجريدة! بالأصح يعنى بها الحزب الذي أطلق "مشروع جريدة لكل الوطن" في عدده الأول، ليصل إلى جريدة يضع ذوي العمامات الشيوعية يدهم عليها نهائياً في أعدادها الأخيرة!
والأمر هنا لا يقتصر على السياسية. ويعرف كل الزملاء الذين تعاملوا عن قرب مع الجريدة، خاصة الذين عملوا في مجال التحقيقات، أية محظورات هي في جريدة النور! إنها محظورات من نوع أن هذا الموضوع ممنوع التطرق إليه لأنه يقع تحت الوزارة الفلانية التي يقوم على رأسها وزير هو منا (أي من الحزب)! أو أن هذا الأمر لا يجب التطرق إليه لأن نشره (سيسيء لعلاقاتنا الجبهوية)! عدا عن مرات عدة جرى فيها إرسال التحقيق، أو مضمونه، إلى هذه الجهة الرسمية المعنية بالموضوع قبل نشره (للتأكد من المعلومات)!!! وهذا أمر تسبب في الكثير من الصراعات داخل الجريدة خاصة الأيام الأخيرة لتحرير العدد. وللحق يجب القول أن رئيسي التحرير كليهما بذلا جهوداً كبيرة للتخفيف من وطأة هذه (القيادة) قبل المؤتمر (فقد حسم كل شيء بعد المؤتمر). إلا أنهما كثيراً ما فشلا لاعتبارات عدة لسنا في واردها الآن، متحملين الكثير من (جام غضب) تلك القيادة! وهو جام ترجم مؤخراً بأبلغ الطرق!
إضافة إلى ذلك كان (الرقيب الداخلي) يزداد قمعاً وتوحشاً في هذا الحزب، على الأقل في تجليه عبر الجريدة، في الوقت الذي يخف تأثيره ويتلاشى في الحياة كلها وبضمنها الجرائد والصحف الأخرى! وبذلك تحولت الخطوط الحمراء التي يعرفها الجميع في سورية إلى ما يشبه الحلم في مجالات عدة في جريدة النور! ولعل الزاوية التي كنت معنياً بكتابتها (زاوية منفرجة) عرفت أعلى عدد من المنع في الجريدة! هذا عدا عن أن أكثر من 80 % منها تعرض لتدخلات بهذا القدر أو ذاك! وفي جميع الحالات التي ظهرت فيها صفحة المجتمع (باستثناء عندما تكون الصفحة كلها إعلانا) دون زاوية منفرجة كان ذلك لأن الزاوية منعت، ما عدا مرتين، ما لم تخني الذاكرة! وهذه ليست شهادة بحق الزاوية. بل لأنني لا أريد الحديث عن زوايا أو مواد لزملاء آخرين قد لا يرغبون بالإشارة إليهم.
ببساطة، لقد انتصر السادة (الشيوعيون) أولاء في إرجاع الجريدة إلى سابق عهدها، أي إلى وضع الجرائد الحزبية قاطبة: إقطاعية إعلامية تعنى بنشر وجهة نظر واحدة!
لعل قارئاً سيقول أنه من المستحيل اتخاذ قرار كهذا بناء على زاوية كتلك! وهذا صحيح نسبياً فقط. أقول نسبياً لأن من يعرف جيداً كيف يفكر هؤلاء، يعرف أن (الديمقراطية) التي يبشرون بها ليست إلا ديمقراطية القمع المعمم! وهي (الديمقرطية) التي دفعت أعتى ممثليها والمدافعين عنها إلى حذف جملة في افتتاحية مرت منذ وقت قريب، وكانت تقول: القوى الوطنية والديمقراطية.. فمسحت كلمة الديمقراطية برمتها لما لها من (دلالات مناقضة لخط الحزب)!! ولأن الواقع أن الزاوية هذه لم تكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير! فقد طفح الكيل من قلم لم يتعلم طوال سنين خمس أن (للحزب آراؤه في كل شيء في الحياة)! وعلى كاتبها أن لا يخرج عن هذه الآراء! ومن ذلك مثلاً أنني نشرت زاوية أخرى قبل بضعة أعداد، أقامت (القيادة) الدنيا ولم تقعدها لأجلها! وكانت بعنوان "شباب.. يا شباب"، منشورة أيضاً على موقع الجريدة الالكتروني، أسخر فيها من مطالبة الشباب للكهول والعجائز أن يفسحوا لهم مجالاً! وأدنت هؤلاء الكهول والعجائز واصفاً إياهم بأنهم فارغين وأن همهم هو إعاقة الشباب! وكان الأمر يحتاج إلى ذكاء لم يتمتع به أنشتاين لكي لا يلتمس السخرية في هذا الأمر! خاصة أنني وضعت نفسي في خانة هؤلاء الكهول والشيوخ! ويعرف العارفون أن معركة شديدة الوطأة نشبت بعد نشر هذه الزاوية تحمل وزرها كاملة رئيس التحرير (يعقوب كرو) مفادها: كيف يسمح بنشر مثل هذا الرأي؟ إذ إن للحزب رأي آخر سواء في المضمون أو الشكل؟! أرجوكم لا تضحكوا: أقسم أن هذه هي الحقيقة عارية: للحزب رأي في المضمون والشكل! فكيف يسمح بنشر هذا الرأي المخالف لرأي الحزب؟!!
والواقع أن التيار الذي وضع يده أخيرا على الحزب والجريدة معاً، كنت قد خضت معه، مع زملاء آخرين، صراعاً طويلاً خلال السنين الماضية. لكن الواقع أنه قد انتصر، وأننا قد هزمنا!
من الضروري القول أننا لا نحمل أي وهم حول وجود إعلام حر بالمطلق. أي غير ملتزم باتجاه معين وضوابط غير مهنية معينة. لكن الواقع أن مستوى هذا الالتزام وآليات تجسيده هي بالضبط ما يميز هذه الوسيلة أو تلك في مجال حرية الصحافة. وما جرى في جريدة النور التي وضعت زاوية في صفحتها الأخيرة بعنوان "الرأي الآخر" أنها انتهت إلى القضاء على الرأي الآخر كلياً. ذلك الذي لم يجد أصلاً سوى مساحة صغيرة جداً، لكنها كانت تستحق الجهد لأجلها. ونظفت آخر (مخلفاته) عبر قرارها الأخير. الذي يعني أن على الجميع أن يعرفوا: آن أوان الجد!
أخيراً، وليس أبداً من باب المجاملة التي يعرف زملائي، بل أصدقائي في جريدة النور أنني لم أتقنها معهم يوماً، أود أن أعبر عن امتناني لهم على ما تحملوه طويلاً من نزقي، وتفاعلوا كأصدقاء حقيقيين يعرفون كيف يقولون الكلمات الطيبة دائماً، والقاسية عند الحاجة.
ولذلك أرغب أن أختم هذه الكلمات بأن أقول لهم: شكراً
بسام القاضي: ( كلنا شركاء ) 10/8/2006
سأبدأ على النحو التالي: في إحدى المقابلات مع هيفاء وهبي، سألها المذيع عن رأيها بما يقال عنها؟ فتساءلت: ألم يعد لدى البرلمانات العربية من قضية سوى هيفاء وهبي ليناقشوا قضيتها؟
وللأسف، لم أستطع أبداً أن أمسح المقارنة من ذهني: في هذا الوقت، وفي هذه الظروف، وجد المكتب السياسي لحزب شيوعي في بقعة من أهم بقع المنطقة، يعني في أهم بقع العالم في الوقت الراهن، وقتاً كافياً ليناقش ويقرر منع صحفي من الكتابة في (جريدته)!!
لكن الأمر يبدو منطقياً من زاوية أخرى! فقد حان الوقت ليضم اسم (مشاغب) آخر إلى القائمة السوداء بعد خمس سنوات تقريباً من العمل مشرفاً على صفحة المجتمع في جريدة النور، وكاتباً لزاوية أسبوعية فيها بعنوان: زاوية منفرجة. هذه الزاوية التي كانت المادة الأخيرة فيها بعنوان "أوقفوا بث الصور!" أحتج فيها على بث القنوات الفضائية العربية لصور الأشلاء لضحايا العدوان الإسرائيلي على لبنان، متجاهلين أثر ذلك على الأطفال والمراهقين! والكبار أيضاً! في سباق إعلامي محموم! (يمكن قراءة الزاوية على موقع النور الالكتروني www.an-nour.com).
وطبعاً لم يجد هذا المكتب (بالضبط أمانة المكتب التي اتخذت القرار وأبلغته لباقي أعضاء المكتب) أي ضرورة لنقاشي أو سؤالي حول هذه الزاوية! في تطور نوعي (يتطابق) مع ما انتقدته الجريدة دائماً في القوانين القديمة والجديدة السورية التي تمنح جهات علياً حق فصل أي عامل دون إبداء الأسباب! ويتنافى كلياً مع أي من اعتبارات أخلاقيات العمل، بله العمل الصحفي!
والقائمة السوداء تلك ليست جديدة كما يعرف الجميع. فقد ضمت وتضم كل من لا يرضى عن مواقفهم وآرائهم! أي كل أولئك الذين لا ترضى السلطات السورية، ممثلة في أي من جهات الحكومة، وطبعاً ممثلة في القيادة الجديدة للحزب، عن مواقفهم! إضافة إلى أولئك الذين تجرؤوا ذات يوم على نقد الجريدة أو الحزب نقداً لم يره (بناء)!
تدخل القيادات السياسية في عمل الجرائد الرسمية وشبه الرسمية والحزبية هو أمر معتاد في هذه المنطقة من العالم. إلا أن النور استطاعت أن تفلت من هذا التدخل المباشر طوال سنين عملها الخمس الماضية. وإن كانت لم تستطع أن تفلت من تدخلات مختلفة تجلت خصوصاً في ضغوطات مستمرة على هيئة التحرير. وبشكل خاص رئيسي تحريرها الذين أداراها حتى الآن (المرحوم دانيال نعمة، والأستاذ يعقوب كرو). وكلاهما عانيا الأمرين من الضغوطات من مثل: كيف سمحتم بهذه المادة؟ ولماذا تنشرون هذا الرأي المخالف لسياسة الحزب؟ و.. ولا يغرنكم الأمر بأن (سياسة الحزب) هنا تعني معناها المعتاد. بل هي تعني أي شيء وكل شيء. إلى درجة أن للحزب آراء يجب أن لا ينشر ما يعارضها في قضايا المرأة والطفولة والشباب وغيرها! ولكن المقاومة الشديدة في الجريدة لهذا الخط الذي وجد له ممثلون ومنفذون من هيئة التحرير، تمكن دائماً من جر الجريدة إلى الوراء. بحيث أنها الآن، بعد أكثر من خمس سنوات على ولادتها، تراجعت من الجريدة الأولى في سورية من حيث سقف حريتها وجرأتها ونوعية موادها، إلى جريدة لا تكاد تتمايز عن الجرائد الرسمية كثيراً! وسبقتها الكثير من الجرائد والصحف المحلية الأخرى! وفي كل مرة طرح هذا الواقع، كان هناك جواب جاهز: هذه الصحيفة لفلان، وهو يدبر رأسه، وهذا ليس حالنا؟ أو: هؤلاء ليسوا حزباً..!! ولا يحتاج الأمر إلى عناء كبير. فمن المعروف أن الجريدة لم تتطرق، خارج افتتاحيتها، إلا نادرا إلى السياسة الداخلية أو الخارجية لسورية! رغم أن صفة: سياسية، هي الصفة الثانية من ثلاث صفات تشكل تعريفها: أسبوعية، سياسية، ثقافية! وباستثناء إشارات متواضعة مطالبة بإلغاء قانون الطوارئ، نادراً ما تطرقت الجريدة إلى أي أمر سياسي داخلي! كما أن تعداداً لكتاب الجريدة على الصفحتين السياسيتين فيها (الثانية والثالثة)، وقراءة سريعة لما يكتبون، تظهر بوضوح أية سياسة تعنى بها الجريدة! بالأصح يعنى بها الحزب الذي أطلق "مشروع جريدة لكل الوطن" في عدده الأول، ليصل إلى جريدة يضع ذوي العمامات الشيوعية يدهم عليها نهائياً في أعدادها الأخيرة!
والأمر هنا لا يقتصر على السياسية. ويعرف كل الزملاء الذين تعاملوا عن قرب مع الجريدة، خاصة الذين عملوا في مجال التحقيقات، أية محظورات هي في جريدة النور! إنها محظورات من نوع أن هذا الموضوع ممنوع التطرق إليه لأنه يقع تحت الوزارة الفلانية التي يقوم على رأسها وزير هو منا (أي من الحزب)! أو أن هذا الأمر لا يجب التطرق إليه لأن نشره (سيسيء لعلاقاتنا الجبهوية)! عدا عن مرات عدة جرى فيها إرسال التحقيق، أو مضمونه، إلى هذه الجهة الرسمية المعنية بالموضوع قبل نشره (للتأكد من المعلومات)!!! وهذا أمر تسبب في الكثير من الصراعات داخل الجريدة خاصة الأيام الأخيرة لتحرير العدد. وللحق يجب القول أن رئيسي التحرير كليهما بذلا جهوداً كبيرة للتخفيف من وطأة هذه (القيادة) قبل المؤتمر (فقد حسم كل شيء بعد المؤتمر). إلا أنهما كثيراً ما فشلا لاعتبارات عدة لسنا في واردها الآن، متحملين الكثير من (جام غضب) تلك القيادة! وهو جام ترجم مؤخراً بأبلغ الطرق!
إضافة إلى ذلك كان (الرقيب الداخلي) يزداد قمعاً وتوحشاً في هذا الحزب، على الأقل في تجليه عبر الجريدة، في الوقت الذي يخف تأثيره ويتلاشى في الحياة كلها وبضمنها الجرائد والصحف الأخرى! وبذلك تحولت الخطوط الحمراء التي يعرفها الجميع في سورية إلى ما يشبه الحلم في مجالات عدة في جريدة النور! ولعل الزاوية التي كنت معنياً بكتابتها (زاوية منفرجة) عرفت أعلى عدد من المنع في الجريدة! هذا عدا عن أن أكثر من 80 % منها تعرض لتدخلات بهذا القدر أو ذاك! وفي جميع الحالات التي ظهرت فيها صفحة المجتمع (باستثناء عندما تكون الصفحة كلها إعلانا) دون زاوية منفرجة كان ذلك لأن الزاوية منعت، ما عدا مرتين، ما لم تخني الذاكرة! وهذه ليست شهادة بحق الزاوية. بل لأنني لا أريد الحديث عن زوايا أو مواد لزملاء آخرين قد لا يرغبون بالإشارة إليهم.
ببساطة، لقد انتصر السادة (الشيوعيون) أولاء في إرجاع الجريدة إلى سابق عهدها، أي إلى وضع الجرائد الحزبية قاطبة: إقطاعية إعلامية تعنى بنشر وجهة نظر واحدة!
لعل قارئاً سيقول أنه من المستحيل اتخاذ قرار كهذا بناء على زاوية كتلك! وهذا صحيح نسبياً فقط. أقول نسبياً لأن من يعرف جيداً كيف يفكر هؤلاء، يعرف أن (الديمقراطية) التي يبشرون بها ليست إلا ديمقراطية القمع المعمم! وهي (الديمقرطية) التي دفعت أعتى ممثليها والمدافعين عنها إلى حذف جملة في افتتاحية مرت منذ وقت قريب، وكانت تقول: القوى الوطنية والديمقراطية.. فمسحت كلمة الديمقراطية برمتها لما لها من (دلالات مناقضة لخط الحزب)!! ولأن الواقع أن الزاوية هذه لم تكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير! فقد طفح الكيل من قلم لم يتعلم طوال سنين خمس أن (للحزب آراؤه في كل شيء في الحياة)! وعلى كاتبها أن لا يخرج عن هذه الآراء! ومن ذلك مثلاً أنني نشرت زاوية أخرى قبل بضعة أعداد، أقامت (القيادة) الدنيا ولم تقعدها لأجلها! وكانت بعنوان "شباب.. يا شباب"، منشورة أيضاً على موقع الجريدة الالكتروني، أسخر فيها من مطالبة الشباب للكهول والعجائز أن يفسحوا لهم مجالاً! وأدنت هؤلاء الكهول والعجائز واصفاً إياهم بأنهم فارغين وأن همهم هو إعاقة الشباب! وكان الأمر يحتاج إلى ذكاء لم يتمتع به أنشتاين لكي لا يلتمس السخرية في هذا الأمر! خاصة أنني وضعت نفسي في خانة هؤلاء الكهول والشيوخ! ويعرف العارفون أن معركة شديدة الوطأة نشبت بعد نشر هذه الزاوية تحمل وزرها كاملة رئيس التحرير (يعقوب كرو) مفادها: كيف يسمح بنشر مثل هذا الرأي؟ إذ إن للحزب رأي آخر سواء في المضمون أو الشكل؟! أرجوكم لا تضحكوا: أقسم أن هذه هي الحقيقة عارية: للحزب رأي في المضمون والشكل! فكيف يسمح بنشر هذا الرأي المخالف لرأي الحزب؟!!
والواقع أن التيار الذي وضع يده أخيرا على الحزب والجريدة معاً، كنت قد خضت معه، مع زملاء آخرين، صراعاً طويلاً خلال السنين الماضية. لكن الواقع أنه قد انتصر، وأننا قد هزمنا!
من الضروري القول أننا لا نحمل أي وهم حول وجود إعلام حر بالمطلق. أي غير ملتزم باتجاه معين وضوابط غير مهنية معينة. لكن الواقع أن مستوى هذا الالتزام وآليات تجسيده هي بالضبط ما يميز هذه الوسيلة أو تلك في مجال حرية الصحافة. وما جرى في جريدة النور التي وضعت زاوية في صفحتها الأخيرة بعنوان "الرأي الآخر" أنها انتهت إلى القضاء على الرأي الآخر كلياً. ذلك الذي لم يجد أصلاً سوى مساحة صغيرة جداً، لكنها كانت تستحق الجهد لأجلها. ونظفت آخر (مخلفاته) عبر قرارها الأخير. الذي يعني أن على الجميع أن يعرفوا: آن أوان الجد!
أخيراً، وليس أبداً من باب المجاملة التي يعرف زملائي، بل أصدقائي في جريدة النور أنني لم أتقنها معهم يوماً، أود أن أعبر عن امتناني لهم على ما تحملوه طويلاً من نزقي، وتفاعلوا كأصدقاء حقيقيين يعرفون كيف يقولون الكلمات الطيبة دائماً، والقاسية عند الحاجة.
ولذلك أرغب أن أختم هذه الكلمات بأن أقول لهم: شكراً
إضافة تعليق جديد