ما حصل في الثكنة، وما جرى الكشف عنه لاحقاً، تعبير عن اتجاه «أصيل» في لبنان. لذا لا نتوقع أي تحقيق جدي أو محاكمة. الحادثة تكثيف استثنائي لـ«استراتيجية دفاعية» يرفع لواءها سياسيون ومسؤولون: القوى العسكرية دفاع مدني، العلم الأبيض حاضر للارتفاع، السلاح غير قابل للاستخدام، التهرب من المواجهة دليل نضج، ارتضاء الذل حكمة، استبطان القدرة التطبيعية تعبير عن حسن الضيافة، دفع العناصر العسكرية للامتثال لجنود العدو طريق الخلاص، الاستنجاد بالقوات الدولية واجب، الاتكال على عواصم القرار خيار وحيد، مغادرة أرض المعركة قرار صائب، ثم نتعرض للقصف، ويسقط ضحايا، ولا من يحاسب.
«مرجعيون» نهج لا حادثة. «مرجعيون» وعي لا سلوك طارئ. «مرجعيون» إيديولوجيا حاكمة لا انحراف بسيط. «مرجعيون» حاضر أحمد فتفت لا ماضيه. «مرجعيون» هي اللبناني كما يحبه الإسرائيلي. «مرجعيون» انتصار للزعم الصهيوني بأن فرقة موسيقى الجيش تحتل لبنان. «مرجعيون» نقيض للمقاومة، ولو كانت احتمالاً. «مرجعيون» إهانة شخصية. «مرجعيون» مدرسة.
إن «عقلية مرجعيون» هي المتحكمة اليوم بإدارة الموقف اللبناني من الحصار المستمر، وهو موقف يتميز بالميل إلى استجداء الحقوق وإلى تفهم مبالغ فيه لمطالب العدو ولتحفظات داعميه.
«ديبلوماسية الهاتف» لا تحل المشكلة وحدها. فمن الممكن، مثلاً، التلويح بعدم استقبال أنان قبل رفع الحصار. وكذلك مطالبة القوات الدولية بوقف انتشارها. ويمكن تعليق المضي في الإجراءات الخاصة بالمعابر، والحض على مقاومة مدنية للقوات الدولية الموجودة. كما يمكن فرض حصار على المراكز المسؤولة عن استمرار الحصار الإسرائيلي. يمكن الضغط على مجلس الأمن للانعقاد. باختصار، يمكن فعل الكثير من أجل تدعيم الاعتراض اللبناني. إلا أن الواقعية المبتذلة ترى رأياً آخر وتتجاهل أنها، بذلك، تهين تضحيات اللبنانيين.
إن «عقلية مرجعيون» هي التي تحاصرنا أو تشارك في حصارنا. هي التي تجتهد ليبدو الانتصار الجزئي هزيمة كاملة. آن لهذه «العقلية» أن تسقط.
جوزف سماحة
http://www.aljaml.com/node/5937
إضافة تعليق جديد