في الحوار المفتوح، مثل الحوارات التي تجري على الإنترنت وعلى الفضائيات، لا تسيء الشتائم والاتهامات إلى من يتلقاها على الإطلاق، بل بالعكس فهي تعطي صورة سيئة عن من يطلقها. وربما تسيء إلى أفكار منطقية وموضوعية يضمنها ضمن نفس المقال لأنها تضعف احترامه أمام المتلقي. إضافة إلى ذلك، يصبح من الصعب على القارئ أن يفهم الموضوع لأن تأثير الاتهامات يؤثر بشكل عاطفي على القارئ، ويمكن أن يسحب الانتباه عن الفكرة الكامنة في الحوار أو المقالة.
أعتقد أن المقتطفات التالية تعتبر من أوضح الأمثلة على التأثير السلبي للاتهامات والشتائم على من يطلقها، وهي مأخوذة من المقالات التي قرأتها على مرآة سورية خلال الأسبوع الماضي في الحوارات المتعلقة بموضوع محاكمة الاستاذ أكثم نعيسة.
- نشر روحي عازار في صحيفة إيلاف الالكترونية مقاطع منتقاة من محضر التحقيق مع المحامي أكثم نعيسة رئيس لجان الدفاع عن حقوق الإنسان، واحتجت لجان الدفاع عن حقوق الإنسان على هذه المقاطع، لكنها لم تنفها أبدا، بل قالت أنها مختارة بشكل "ليس بريئا ولا محايدا بل هو ينضح بالسم وينز عن أهداف خبيثة". والقارئ النبيه لا بد أن يلاحظ أن كل بيان اللجان لا يحوي أية إشارة إلى أن المقتطفات التي أوردها الصحفي غير صحيحة. ويبدو الاعتراف المضمن بصحة الخبر أوضح ما يكون في مقطعين اثنين، الأول عندما يحتج البيان على مجرد نشر الخبر "ونشر هكذا خبر، في الوقت الذي يقبع فيه خلف قضبان الاستبداد والتعسف ، وقبل يوم واحد من جلسة محاكمته بتهم جائرة وملفقة أمام المحكمة الاستثنائية السيئة الصيت ، إنما هو، في احسن الأحوال ، يصب في مصلحة السلطة وأجهزتها الأمنية الجاثمة على صدور المواطنين والقامعة لكل حراك مدني سلمي. " والثاني "لن تجدي نفعا سياسة الأجهزة الأمنية المكشوفة في محاولتها للنيل من سمعة أحد رموز دعاة الإصلاح وحقوق الإنسان والمصالحة الوطنية الزميل أكثم نعيسة. وأقواله التي يمكن أن يستند إليها هي فقط تلك التي يدلي بها وهو حر طليق. "
- يقول السيد كمال خوري في رده على مقالة روحي عازار المذكورة: " من الواضح أن هذا الشخص غير ناضج ولا يعرف الظروف السورية وما معنى أن تكون سجيناً في سورية فهو يهتم بخبر ولا يفكر بأبعاده كإنسان، لن نطالبه أن يفكر كرجل سياسة لأن ذلك كبير (ومبهبط) عليه. لو افترضنا جدلاً أن المراسل هو بريء ولو أردنا تصديق براءته (بالرغم من أن نشر هذه الأقاويل قبل المحاكمة بيوم واحد ليس بريئاً) فمن المؤكد أن من يصر على ذلك إما يريد عمداً تأدية خدمة للنظام السوري أولا يعرف ما معنى التحقيق مع سجين وظروفه ومناخه في سورية، وحيث يكون المرء بين أيادي جلادين وعصابة مارقة على كل القوانين والأعراف لا يوجد بطولة، والمرء ليس مسؤولاً عما ينسب إليه حتى ولو حمل توقيعه وبصمه. "
عند إعادة قراءة المقالات التي ردت على مقالة روحي عازار، لا بد أن نلاحظ عدم نفي موضوع المقالة الأساسي، وفي هذه الحالة يستطيع الطرف الآخر أن يقدم تبريرا مقنعا بدلا من إطلاق الاتهامات جزافا. وللحقيقة لا بد أن نلاحظ أن التبرير المقنع موجود ولكنه غير واضح، ولو تم التركيز عليه بدلا من سوق الاتهامات لكانت الردود أكثر تأثيرا ورصانة.
فالمقالات الثلاث تشير إشارة عابرة إلى أن أقوال المحامي أكثم نعيسة التي نقلها الصحفي انتزعت منه في السجن، وهو في ظرف صحي سيء للغاية، وتلمح بخفاء إلى أنه ربما يكون قد تعرض للتعذيب أو الإرهاب. ولكنها تسهب في شرح النوايا الافتراضية للصحفي الذي نقل الخبر، وتمطر القارئ باتهامات وتحليلات لا تفيد في شرح القضية التي يتبناها من يوزعون الاتهامات.
في هذه الحالة يستطيع القارئ أن يعثر على الموضوع في كومة الاتهامات الشخصية التي ترافقه، ولكن في حالات أخرى، قد لا يجد القارئ أية فكرة موضوعية تستحق التوقف، وفي هذه الحالة لا تعبر الاتهامات والشتائم إلا عن حقيقة الشخص الذي يطلقها. وعندما نجد مقالة مخصصة لتوزيع الاتهامات بدون أية فكرة موضوعية، لا بد أن يتبادر إلى ذهننا أن هناك سببا قويا يجعل الناس يكشفون حقيقتهم بهذه الطريقة، وغالبا ما يكون السبب انتقادا موضوعيا تمت صياغته بشكل واضح وبسيط يجعل من المستحيل إنكاره أو الرد عليه بشكل موضوعي.
نشرت مرآة سورية العديد من المقالات المخصصة للشتائم وتوزيع الاتهامات. وذات مرة سألت محرر المرآة: لماذا تنشر مرآة سورية هذه المقالات؟ أجابني ببساطة: نحن ننشر هذه المقالات، ومقالات أخرى ذات نفس عنصري أو طائفي لأنها جميعا تعبر عن شخصية كاتبها، ولا تسيء لأحد في العالم إلا إليهم، وأنا أريد أن أكشف حقيقتهم للناس، فهم في النهاية موجودون في مجتمعنا ويجب أن تعكس مرآة سورية وجودهم.
ومؤخرا أخبرني أن أشخاصا عديدين طالبوه بوضع قيود على ما ينشره، كأن يشترط الموضوعية وخلو المقالات من أية إساءة شخصية، ولكنه مازال مقتنعا أن واجب المرآة أن تعكس كل شيء، مهما كان جميلا أو بشعا، طالما كان موجودا في سورية.
أتمنى لو أن لدينا الكثير من المرايا، لتعكس لنا جوانب إضافية من مجتمعنا ربما تكون مرآة سورية مقصرة فيها، ويؤسفني أن إحدى مرايا سورية المحترمة قد تشوهت مؤخرا، وقررت أن تعكس ما يروق بعض الناس فقط بغض النظر عن واقع المجتمع الذي نعيش فيه.
الأيهم صالح
www.alayham.com
أعتقد أن المقتطفات التالية تعتبر من أوضح الأمثلة على التأثير السلبي للاتهامات والشتائم على من يطلقها، وهي مأخوذة من المقالات التي قرأتها على مرآة سورية خلال الأسبوع الماضي في الحوارات المتعلقة بموضوع محاكمة الاستاذ أكثم نعيسة.
- نشر روحي عازار في صحيفة إيلاف الالكترونية مقاطع منتقاة من محضر التحقيق مع المحامي أكثم نعيسة رئيس لجان الدفاع عن حقوق الإنسان، واحتجت لجان الدفاع عن حقوق الإنسان على هذه المقاطع، لكنها لم تنفها أبدا، بل قالت أنها مختارة بشكل "ليس بريئا ولا محايدا بل هو ينضح بالسم وينز عن أهداف خبيثة". والقارئ النبيه لا بد أن يلاحظ أن كل بيان اللجان لا يحوي أية إشارة إلى أن المقتطفات التي أوردها الصحفي غير صحيحة. ويبدو الاعتراف المضمن بصحة الخبر أوضح ما يكون في مقطعين اثنين، الأول عندما يحتج البيان على مجرد نشر الخبر "ونشر هكذا خبر، في الوقت الذي يقبع فيه خلف قضبان الاستبداد والتعسف ، وقبل يوم واحد من جلسة محاكمته بتهم جائرة وملفقة أمام المحكمة الاستثنائية السيئة الصيت ، إنما هو، في احسن الأحوال ، يصب في مصلحة السلطة وأجهزتها الأمنية الجاثمة على صدور المواطنين والقامعة لكل حراك مدني سلمي. " والثاني "لن تجدي نفعا سياسة الأجهزة الأمنية المكشوفة في محاولتها للنيل من سمعة أحد رموز دعاة الإصلاح وحقوق الإنسان والمصالحة الوطنية الزميل أكثم نعيسة. وأقواله التي يمكن أن يستند إليها هي فقط تلك التي يدلي بها وهو حر طليق. "
- يقول السيد كمال خوري في رده على مقالة روحي عازار المذكورة: " من الواضح أن هذا الشخص غير ناضج ولا يعرف الظروف السورية وما معنى أن تكون سجيناً في سورية فهو يهتم بخبر ولا يفكر بأبعاده كإنسان، لن نطالبه أن يفكر كرجل سياسة لأن ذلك كبير (ومبهبط) عليه. لو افترضنا جدلاً أن المراسل هو بريء ولو أردنا تصديق براءته (بالرغم من أن نشر هذه الأقاويل قبل المحاكمة بيوم واحد ليس بريئاً) فمن المؤكد أن من يصر على ذلك إما يريد عمداً تأدية خدمة للنظام السوري أولا يعرف ما معنى التحقيق مع سجين وظروفه ومناخه في سورية، وحيث يكون المرء بين أيادي جلادين وعصابة مارقة على كل القوانين والأعراف لا يوجد بطولة، والمرء ليس مسؤولاً عما ينسب إليه حتى ولو حمل توقيعه وبصمه. "
- وفي مقال آخر كتبه الدكتور أسامة نعيسة، لم يوجه شتيمة أو اتهاما بشكل مباشر للصحفي عازار، لكنه قال بصراحة أنه يتمنى له السجن "كما أن المعاملة في السجن تمنيت لو انك جربتها واعتقد انه ليس المرديان الذي تحب أن تنزل فيه"
عند إعادة قراءة المقالات التي ردت على مقالة روحي عازار، لا بد أن نلاحظ عدم نفي موضوع المقالة الأساسي، وفي هذه الحالة يستطيع الطرف الآخر أن يقدم تبريرا مقنعا بدلا من إطلاق الاتهامات جزافا. وللحقيقة لا بد أن نلاحظ أن التبرير المقنع موجود ولكنه غير واضح، ولو تم التركيز عليه بدلا من سوق الاتهامات لكانت الردود أكثر تأثيرا ورصانة.
فالمقالات الثلاث تشير إشارة عابرة إلى أن أقوال المحامي أكثم نعيسة التي نقلها الصحفي انتزعت منه في السجن، وهو في ظرف صحي سيء للغاية، وتلمح بخفاء إلى أنه ربما يكون قد تعرض للتعذيب أو الإرهاب. ولكنها تسهب في شرح النوايا الافتراضية للصحفي الذي نقل الخبر، وتمطر القارئ باتهامات وتحليلات لا تفيد في شرح القضية التي يتبناها من يوزعون الاتهامات.
في هذه الحالة يستطيع القارئ أن يعثر على الموضوع في كومة الاتهامات الشخصية التي ترافقه، ولكن في حالات أخرى، قد لا يجد القارئ أية فكرة موضوعية تستحق التوقف، وفي هذه الحالة لا تعبر الاتهامات والشتائم إلا عن حقيقة الشخص الذي يطلقها. وعندما نجد مقالة مخصصة لتوزيع الاتهامات بدون أية فكرة موضوعية، لا بد أن يتبادر إلى ذهننا أن هناك سببا قويا يجعل الناس يكشفون حقيقتهم بهذه الطريقة، وغالبا ما يكون السبب انتقادا موضوعيا تمت صياغته بشكل واضح وبسيط يجعل من المستحيل إنكاره أو الرد عليه بشكل موضوعي.
نشرت مرآة سورية العديد من المقالات المخصصة للشتائم وتوزيع الاتهامات. وذات مرة سألت محرر المرآة: لماذا تنشر مرآة سورية هذه المقالات؟ أجابني ببساطة: نحن ننشر هذه المقالات، ومقالات أخرى ذات نفس عنصري أو طائفي لأنها جميعا تعبر عن شخصية كاتبها، ولا تسيء لأحد في العالم إلا إليهم، وأنا أريد أن أكشف حقيقتهم للناس، فهم في النهاية موجودون في مجتمعنا ويجب أن تعكس مرآة سورية وجودهم.
ومؤخرا أخبرني أن أشخاصا عديدين طالبوه بوضع قيود على ما ينشره، كأن يشترط الموضوعية وخلو المقالات من أية إساءة شخصية، ولكنه مازال مقتنعا أن واجب المرآة أن تعكس كل شيء، مهما كان جميلا أو بشعا، طالما كان موجودا في سورية.
أتمنى لو أن لدينا الكثير من المرايا، لتعكس لنا جوانب إضافية من مجتمعنا ربما تكون مرآة سورية مقصرة فيها، ويؤسفني أن إحدى مرايا سورية المحترمة قد تشوهت مؤخرا، وقررت أن تعكس ما يروق بعض الناس فقط بغض النظر عن واقع المجتمع الذي نعيش فيه.
الأيهم صالح
www.alayham.com
إضافة تعليق جديد