" سوق الحرميه " و أنهار سورية !؟!؟!

سمي ب" سوق الحرميه" ليس لأن كل ما فيه مسروق أو منهوب أو كان قد سطا عليه حرامي من هنا أو هناك!
بل لأن الشاري أو البائع أو كليهما لا يعرف المصدر الحقيقي لهذه البضائع التي تُباع في سوق يستحدث اسبوعياً أُطلق عليه " سوق الجمعة " أو " سوق الحرميه"!
في بعض مناطقنا , ما زال العرف قائماً حتى يومنا هذا بشأن قيام " سوق الحرميه" فقط أيام الجمعة. لذلك جاء من قال بأنها أسواق الجمعة !
و في مناطق أخرى , و لما لاقت هذه الأسواق رواجاً مضطرداً وازدهاراً متزايداً , راح أصحابها يمددون افتتاحها لتكون يومية على مدار الأسبوع . وبهذا سقطت تسمية " سوق الجمعة " عنها و أصبح بالإمكان القول أنها " سوق الحرميه"!
بإمكان كل منّا زيارة هذه الأسواق للاطلاع على محتوياتها الغريبة العجيبة . ففيها ما تشتهي نفسك و ما تريد . تجد التلفزيونات و الهواتف والغسالات والأفران والأسرّة والبرادات و ماكينات الحياكة و الألبسة و الأحذية و التحف و الأثاث المنزلي و الأدوات الكهربائية و الفرشات و الثريات و النحاسيات و الدراجات الهوائية و النارية و الحلويات ومجففات الشعر و الساعات و السجاد ووووو..
إنه عالم من اللاانسجام و اللاترتيب!
في حلب , دمشق, اللاذقية , حمص , حماه وغيرها من المحافظات السورية , يمكنك أن تشاهد نماذج حقيقية عن هذه الأسواق التي تلاقي رواجاً منقطعاً في أيامنا هذه.
فعند شرائك لحاجة ما من " سوق الحرميه" إياك أن تطالب بالكفالة . فإن فعلت فستصبح مضحكة للناس هناك . كما جرى مع أحد الأصحاب عندما اشترى براداً بمبلغ 2000 ليرة سورية من " سوق الحرمية" في مدينة دمشق وبعد ذلك انبرى ليطالب صاحب البسطة الدائمة في " سوق الحرميه" بأن يكفل له حسن عمل البراد الذي اشتراه . عندها ضحك كل من كان بالمكان وبعدها قال له البائع :" أتريد يا أستاذ أن أعطيك كفالة ببراد مستعمل سعره 2000 ليرة سورية . يا أستاذ أنا عم بيعك هل براد كب عبردى!!!!!".
هذا في دمشق . أما في حلب فيقولون لك:" كب عقويق"!
وفي حمص و حماه يقولون :" كب عالعاصي" ! أما في اللاذقية و طرطوس وجبلة و بانياس فيقولون :" كب عالبحر"!. و في الرقة يقولون:" كب عالجلاّب" ! و في دير الزور :"كب عالفرات" . أما في الحسكة فيقولون:" كب عالخابور". وفي القامشلي :" كب عجغجغ" . وأخيراً و ليس آخراً في درعا يقولون لك :" كب عالرقّاد"!!!
فإذا أعجبتك هذه السلعة أو تلك , خذها .أنت وحظك و نصيبك . إما أن تعمل و تعمل و تعمل أو لا تعمل أبداً . بالحالة الثانية عليك أن ترميها بأقرب نهر أو بحر على مكان سكنك و إقامتك تيمناً بنصيحة البائع .لأن تكاليف تشغيلها و إعادتها إلى العمل يمكن أن يكلف أضعاف ثمنها في " سوق الحرمية"!
أسواق الحرمية هذه معنية فقط بالمخلفات الصلبة التي تُقذف هنا أو هناك لتستقر في قيعان الأنهار و الشواطئ لتساهم في زيادة العبء الموجود أصلاً من خلال صب المخلفات الصناعية و الزراعية و البشرية في هذه الأنهار أو تلك البحار!
فمياه الدباغات و بعض مياه الصرف الصحي ما زالت تصب في نهر " قويق" في مدينة حلب الشهباء. و في اللاذقية و جبلة و بانياس و طرطوس , نجد مخلفات معاصر الزيتون و الصرف الصحي تصب في أسرة أنهار هذه المدن و جداولها و سواقيها لتتحول كل هذه المصادر المائية النقية التي تشكل حقيقة خزاناً احتياطياً للمياه الصالحة للاستهلاك البشري , إلى بؤر من السموم و الأمراض.
وفي الرقة , المدينة التي اشتهرت على مر العصور على أنها مدينة الأحلام والهواء العليل و الماء العذب والشجر والفيء تحت ظلال بساتينها العامرة بما تشتهي النفس و ما ترضى. نجد اليوم أن نهرها الشهير الذي يدعى نهر " الجلاّب" قد تحول إلى بؤرة خطيرة من بؤر التلوث و السموم وعليه , فقد تحولت ضفاف و أسرّة هذا النهر الشهير إلى مكب للنفايات و أضحت مياهه قذرة ملوثة منفرة بعدما كانت تلك المنطقة محط إعجاب أهل مدينة الرقة و زوارها!
على الفرات . ماذا نقول عن الفرات ؟
فإضافة للتلوث الكبير لمياه نهر الفرات من جراء الصرف الصحي لكل من الرقة و البوكمال و دير الزور, فإن عدداً من المعامل الخاصة و العامة يقوم بصب مخلفاته الصناعية داخل سرير نهر الفرات و روافده هنا و هناك! و نذكر على سبيل المثال و ليس الحصر معمل السكر ومعمل الورق!
أما في القامشلي , فإن الصرف الصحي لهذه المدينة يصب في نهر " جغجغ" . هذا النهر الذي عُرف على أنه روح مدينة القامشلي التاريخية و نسغ حياتها الذي لا ينضب!
أما التلوث الكبير , فهو ما يحصل في بحيرة الشهيد باسل الأسد نتيجة صب مجرور الصرف الصحي لمدينة الحسكة عبر نهر " الخابور" و مجرور الصرف الصحي لمدينة القامشلي عبر نهر" جغجغ" و مياه عين طابان المالحة التي تحتوي على مخلفات نفطية مما أدى إلى تحول مياه بحيرة الشهيد باسل الأسد إلى مياه ملوثة و غير صالحة للاستهلاك البشري!
لن ندخل عميقاً في تفنيد و تصنيف و جدولة المواد السامة و الملوثة التي تصب في نهاية الأمر في أنهارنا و بحارنا و بحيراتنا لتحولها إلى قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة لتشكل أزمة حقيقية يمكن أن تهدد مستقبل العيش و السكن لكثير من المجتمعات السورية .
إن كل ما ورد ذكره , ليس إلا أمثله و نماذج قليلة من بين الكثير مما تعانيه مصادرنا المائية الجوفية والسطحية للدلالة على خوفنا و قلقنا الكبير على أمن سورية المائي المهدد بشكل جدي بسبب الممارسات اللامسؤولة للأفراد و المؤسسات!
إن عدم وجود سياسة مائية واضحة ذات أهداف محددة . وعدم توفر الخطط الكافية لاستثمار مصادرنا المائية , يساهم بشكل رئيسي بتدهور الواقع المائي في سورية .
و هنا أسمحُ لنفسي بدق ناقوس الخطر أمام هذا الواقع المؤلم فعلاً تحذيراً من مستقبل مائي مجهول تضيع معه إمكانيات إيجاد الحلول الناجعة لمصادرنا المائية بعدما تكون قد تحولت هذه المصادر إلى مكبات للنفايات الصناعية و الزراعية و البشرية و بذلك تكون قد فقدت كل إمكانية في إعادة تأهيلها مرة أخرى !
و عليه , فإن أسواق " الحرميه" ليست هي وحدها المسؤولة عن تلوث و تدهور حال هذه الأنهار و هذه البحار والبحيرات , بل إن أسواقاً من نوع آخر لحرمية آخرين مسؤولة بشكل أكبر و أخطر عن تلوث هذه المياه.
و مثل هؤلاء لن يقولوا لك :" كب عبردى أو كب عالعاصي". بل سيقولون لك :" كب عالعتيبة أو كب عقطينة أو ...!!!"
و أنت حر في هذه الحالة . فإما أن تشتري وطناً بثمن بخس دون كفالة . أو تعيش بلا ماء حتى ولو كان آسناً !!!
من زمان كان يقال :" عْمال منيح وكب بالبحر "
اليوم نقول :" عْمال قبيح و كب بالنهر أو بالبحر أو وين ما بدك ما في مشكلة !!!!".
المنتديات

التعليقات

وردة الثلج

كنت أتابع اليوم محاضرة في جمعية العاديات عن الأمن الغذائي.. وكان أبرز ما قاله المحاضر عن الجهل المريع في أهمية الماء في العقود القادمة .. فإذا كان الله وهبنا الأنهار والينابيع .. اليس من واجبنا الحفاظ على هذه النعمة من أجل الأجيال القادمة .. فمعظم الأنهار تنحدر صوب البحر دون أي استفادة منها ..ويوجد عطش مثلاً في مدينة دمشق .. ومهما علا صرخات العلماء والمحللين وأنذروا وخاصة بعد نضوب البترول حوالي 2050 من الوطن العربي .. فإن الحرب القادمة فعلاً هي حرب المياه .. ونحن ببساطة نتجاهل الموضوع وتدارك الأخطار وكأن الموضوع لا يعنينا .. الوعي لم يعد ترفا واستعراض عضلات ثقافية .. صارالوعي ضرورة لإنقاذ ما يمكن انقاذه .. الموضوع بغاية الأهمية .. وتلوث المياه وهدرها لم يعد من المواضيع التي يجب السكوت عنها .. رأفة بمستقبل أجيالنا .. نرجو أن نجد آذان صاغية .. وشكراً د. دريد على الموضوع المهم جداً
دريد الأسد

me وماذا لو أخبرتك المزيد في هذا المجال؟ لكان أحلى و أحليين! و هذه واحدة منها: ما رأيك لو قلت لك أن نواتج المواد التي تستعمل في الفحوص المخبرية و الشعاعية , ترمى جميعها في الصرف الصحي الذي يصل في نهايته إلى الأنهار و البحيرات وإذا قلنا إلى محطات التصفية و التنقية قبل استعماله لأغراض الري , فأقول أن هذه المياه مهما عولجت فإنها غير قابلة للاستعمال لا البشري و لا الحيواني الصراصيري و لا حتى النباتي!!!! لأنه لا توجد حتى اليوم إمكانية لفصل المواد الإشعاعية عن الماء إن وجد!! هذا إذا كنا على يقين من أن هذه المياه قد عولجت من التلوث الجرثومي والكيميائي و غيره!! ما رأيك فيما سمعت موخراً . يقولون حتى وجود مادة الكلور في الماء هو أمر مضر صحياً! يقول قائل هنا , أن الكلور مادة قابلة للتبخر . نقول صحيح هذا فيما إذا أضيفت بشكل علمي و بمقادير محسوبة جداً و ذلك بإضافة كذا مقدار من الكلور إلى كل متر مكعب ضخ من محطات الكلورة و الفلورة! أتمنى من القراء توضيح هذا الجانب أكثر وذلك لإثرائه و الاستفادة منه قدر الإمكان! تلك واحدة . ما رأيك بالتالية؟
دريد الأسد

وردة الثلج . كان لي الشرف منذ نحو زهاء عقد و نيف أن أكتب لإحدى المجلات العربية . سئلت وقتها عن الموضوع الذي أرغب في مناقشته و طرحه؟ لقد كانت المقالة حول الأمن المائي العربي ! هذا الأمن الذي سيدور حوله جدل سياسي و اجتماعي و اقتصادي بل وعسكري في السنين القليلة القادمة!! المشكلة تكمن , في أن لا أحد يجيب على صرخات التنبيه و التحذير من واقع و مستقبل مياهنا و غيرها! و لاأحد يسمع رنين ناقوس الخطر الذي وصلت أصداؤه إلى مؤسسات و هيئات أممية . فها هي هيئات الأمم المتحدة تحذر مرة تلو المرة من العواقب الوخيمة لشح المياه بشكل عام بالمنطقة و لسوء استخدامها على الوجه الأمثل بشكل خاص! تصوري أن العالم أصبح معني بقضية المياه في المنطقة أكثر من أهلها و يهرع لإيجاد الحلول و الخطط بل الإعانات المباشرة و غير المباشرة كالقروض و المنح والمساعدات عبر مشاريع مائية و تنموية نراها بأم العين! فلماذا كل هذا ؟ اعتقد لأنهم يعلمون أن الأمن المائي لمنطقة ما مرتبط بالأمن المائي للعالم بأسره كما تماماً أمن الغلاف الجوي وطبقة الأوزون! بالتأكيد لو كان لدينا الوعي الكافي الذي لا نستعرض من خلاله العضلات , لناقشنا ليس فقط أمننا المائي بل , لذهبنا أبعد وتحدثنا عن ما يجري اليوم في قطبي الكرة من تحولات مناخية كارثية و هائلة! ولكن هكذا دائماً . مشغولون بقضايا ذات مرمى قصير كما لو تحدثنا في ما نحن فيه الآن: أمن سورية المائي أو أمن سورية الغذائي ... إلخ...!!!! فإن كنتُ في الأيام الأخيرة لا أجد الوقت الكافي لنسخ ولصق مقالة ما بسبب انقطاع التيار المتواصل لمدة 8 ساعات يومياً , فكيف سأساهم معكم بإيجاد الأفكار و النقاشات التي يمكن أن تساعد في تدعيم أمن سورية المائي و غير المائي!! و ماذا عن أمن سورية الكهربائي؟ اعتقد أن الجواب موجود : إننا ندخل دائماً في عنق الزجاجة بحيث لا نستطيع المرور أو الالتفاف أو التراجع!!! انضغاط عنق الزجاجة هذا الذي يؤدي دائماً إلى ضياع الجهد البنّاء و ضياع الرؤية الفعالة في رؤية المشهد الحقيقي للأزمات التي تمر فيها منطقتنا . رؤية أو حلم يكون الحجر الأساس لنشوء ثقافة و وعي و ضرورة ليس فقط من أجل إنقاذ ما بمكن إنقاذه , بل لبناء اللبنة, الأرومة ,الأولى, الصحيحة لمجتمع قادر و أمة واعدة!! شكراً لك على المساهمة التي لا تقل أهمية عن الموضوع بحد ذاته!!! [ تم تحريره بواسطة دريد الأسد on 8/2/2007 ]
bccline

مقال رائع دكتور وارجو ان لا يمر عليه الجميع مرور الكرام .. الماء اثمن من البترول .. والتلوث الموجود في سوريا ما يزال قابلا للسيطرة عليه ..ولات ساعة مندم .. البيئة بشكل عام في سوريا مهملة (من الحكومة والشعب ) .. واعتقد ان اثارة الموضوع من خلال ارقام واحصاءات هي خطوة اولى وضرورية جدا في تحرير الوعي البيئي .. شكرا
وردة الثلج

أعرف دكتور دريد الجرائم التي ترتكب بحق مياهنا .. وبيئتنا بشكل عام وناقوس الخطر .. يجب أن يدق وبشكل ملح .. وفي كل منبر .لأن حماية المياه "الثروة القادمة" .. هي حق بديهي .. وواجب أخلاقي.. في كل اللقاءات الثقافية نحاول أن نلقي الضوء على أهمية هذا الموضوع .. ولكن الاستهتار من جانب الناس وكافة المعنيين يجعل الكلام كأنه حراثة في البحر .. يجب أن تصدر قوانين صارمة تحدّ من التلوث .. وهدر المياه .. والتفكير الجدي بالاستفادة مما منحتنا الطبيعة .. لا أن نتنظر حتى نضطر الى تحلية مياه البحر يوماً ما .. كما أن الموضوع المهم أيضا هو الحدّ من التصحر.. ففي البادية نستطيع زراعة نبات يلائم البيئة .. فتجلب معها الطيور والحيوانات والأمطار.. وبدل أن نمتلك ثروة حيوانية اضافية .. فإن ترك البادية دون زراعة .. يجعل الصحراء تلتهم .. المتبقي من المساحات الزراعية.. ما هو ضروري أن يركز اعلامنا وبشكل ملح على أهمية تلك المواضيع لأنها مواضيع مصيرية وليست .. كمالية .. لنؤجل أكثر.. بلدنا مصدر خيرات وفيرة .. لا نطالب بأخذ الحصة منها .. نطالب بايقاف الهدر.. والحفاظ عليها ..
دريد الأسد

bccline شكراً لك على مرورك ! الأرقام و الاحصاءات ما زالت غير واقعية عندنا بسبب الغياب الجزئي أو الكلي لآلياتها ! الاحصاء علم لا يعمل منفرداً . بل يعمل بشكل متناغم مع بقية المؤسسات الأخرى التي تقدم بدورها تقارير احصائية دقيقة حول قضية ما على بساط البحث! إن علاقة الاحصاء اليوم بتلك المؤسسات مشكوك بدقتها و ذلك لغياب أدوات الاحصاء اللازمة كما أسلفنا. و عليه فإن أية أرقام أو بيانات يمكن أن تنشر هنا أو هناك, لا تمثل حقيقة الواقع المطروح! دوائر الاحصاء ومديرياتها و هيئاتها التابعة لوزاراتها,تحولت إلى أقسام مشلولة تعاني من الأوجاع نفسها التي تعاني منها بعض هيئاتنا العامة! لذلك , إن إعطاء أرقام دقيقة حول موضوعنا الذي نحن بصدده, أمر أشبه بالمستحيل في ضوء غياب آليات الاحصاء و أدواته. السؤال الذي يمكن أن يطرح نفسه في هذه الحالة : من أين نبدأ إذاً ؟ برأيي إن البداية تكمن في الولادة الأولى لمبدأ التناغم و الانسجام في عمل الأفراد و المؤسسات . هذا التناغم الذي يهب وحده القوة و الطاقة عزماً إيجابياً واحداً يبعث الروح المتجددة دائماً التواقة أبداً للحياة بمعانيها و مشاربها. و ما هي أهم آليات عمل وتفعيل آليات التناغم و الانسجام؟ اعتقد أن أهم آلية من آليات تفعيل مبدأ التناغم و الانسجام, هو وجود القوانين العصرية و الحديثة التي تخدم هذه الآليات عبر تفعيل ديناميكيات القضاء التي يجب أن تماشي نمط الحياة المتجدد و الدورة الزمنية للحؤول دون الوقوع في دوامة الاجترار القانوني! شكراُ لك, [ تم تحريره بواسطة دريد الأسد on 9/2/2007 ]
دريد الأسد

وردة الثلج , تلوث مصادر المياه والتصحر أمران يوليان الأهمية نفسها بسبب اشتراكهما في قاسم المياه! إذا أضفنا إليهما كارثة الملوحة , فنصبح قاب قوسين أو أدنى من ثلاثي الكارثة !! التلوث و التصحر و الملوحة , ثلاثة موضوعات ملحّة و هامة تقتضي القول بأننا على عتبة الألم الذي لا نرضاه لأجيالنا وأطفالنا و أوطاننا!! لا يمكنني أن أفكر بوطن دون أن أفكر بمستقبل أبنائه! أو أبنائي فيه! فالأمر صنوان عندي! الحروب و المعارك و النزاعات كانت دائماً للسيطرة على مصادر المياه . و آخرها , إصرار اسرائيل في حربها الأخيرة للوصول إلى الليطاني بعدما نالت حصتها من سرقة مياه الوزاني! انظروا إلى حصة المواطن الاسرائيلي من مياه فلسطين الغالية و حصة المواطن العربي في بقية أوطاننا! إنها بلا شك أضعاف مضاعفة هناك مما هي عليه لدى مواطننا هنا! ألا يعكس هذا الأمر جانباً من جوانب أهمية المياه كأداة من أدوات التطوير وعنصر من عناصر القوة و السيطرة!!! نعم , إن عمليات تحسين التربة واستصلاح الأراضي و و القضاء على انجراف التربة و تملحها و إعادة غرس كميات كبيرة من أشجار التمور المثمرة ( وليس المقصود هنا نخل الزينة المروحي الذي راج عندنا منذ وقت طويل ولا أعلم من أين حصلنا عليه!!) , ومعالجة غزو الصحراء , أمور بالغة الأهمية . ولكن كل ذلك و غيره لا يتحقق إلا بالخطط و البرامج و الوسائل الكافية للبدء و إكمال و تسليم المشاريع بعد ضمان تشغيلها و استثمارها على أكمل وجه بعد دراسة الجدوى المتوخاة من هذا المشروع أو ذاك! أعطيك مثالاً على مشروع جبل قاسيون الذي مضى على العمل فيه قرابة ربع قرن بغاية تشجيره و تحريجه!! فبعد مرور 25 سنة أو أكثر حتى , لم يستطع هذا المشروع بلوغ غاياته التي عمل عليها طول هذه المدة في زراعة كميات كبيرة من أشجار السرو في جبل قاسيون!!! لماذا الإخفاق ؟ لأن الأمر لم يتم على خير ما كان يجب أن يخطط له . فلو أُجريت دراسة علمية حول طبيعة تربة جبل قاسيون , لتبين أن مثل هكذا أمر لا يحقق الجدوى المطلوبة منه حول تغيير ملامح الجبل و تحسينه !! حتى هذا اليوم , لا نجد إلا البؤر الأولية لغراس السرو التي لم تبلغ متوسط الطول المطلوب بسبب نوع التربة الصخرية المميزة لجبل قاسيون!! لقد استهلكت عملية ري أشجار السرو في جبل قاسيون كميات هائلة من حوض مياه مدينة دمشق دون الوصول إلى نتائج في هذا الأمر!! و لا أعرف إن هي كذلك اليوم! نعم أول ما سمعنا عن أخبار هذا المشروع الواعد , انتابنا شعور غامر بالعز و الفخار . ولكن شعورنا هذا ما كاد أن يخبو فور علمنا بأن معوقات كبيرة تحول دون سير عمل المشروع الذي ولد حقيقة الأمر مشوهاً!!! وقسي على ذلك ! ما زالت بداخلنا كيميائيات أسميها الهرمونات تعمل على تحريض نوازع الارتجال و التسرع وتغييم الوعي حول موضوعات أساسية ومهمة!! إنها موضوعات مصيرية وليست كمالية ( على كل حال لا أتمناها أن تكون كمالية كي لا ندفع عليها رسوم كمالية)! و بلدنا ما زال يذخر بكثير من الطيب و العطاء و الصفاء لدى إنسانه كما أرضه الطيبة التي أنبتت في يوم ما إنسان البشرية الأول وحضارته وميزاته الأساسية التي لا بد أنه سيسير عليها إلى ما شاء الله!!! [ تم تحريره بواسطة دريد الأسد on 9/2/2007 ]
bccline

نسبة تلوث 10 أضعاف النسبة المسموح بها في نهر وادي بردى .. http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=48207 ----------------------- ملاحظة على الهامش : بينما يفتتح البعض مواضيع حوار (اجزم بعدم جدواها ) فهي مواضيع مجترة .. سنجد العديد وللعديد من الردود هناك .. فليس اسهل عند العرب من العلاك والفهمنه عندما يكون الموضوع دينيا او سياسيا .. رغم ان الشعوب العربية اصلا مغلوبة تماما في الامور السياسية والدينية .. لكن عندما يكون هناك موضوع علمي او يهم المجتمع ولا يحتاج الى نقاش (1400 عام ) .. تجد معظم العرب صم بكم .. لا يفقهون ..
دريد الأسد

الأخ bccline , شكراً لك. لقد أطلعت على الرابط الذي أثار مشكلة تلوث حوض ونبع وادي بردى في ريف دمشق! تعالوا لنبين معاً مصادر تلوث المياه السطحية و الجوفية في سورية على وجه الخصوص و مصادر تلوث مياه بقية دول العالم على وجه العموم . و من ثم البحث في إيجاد الحلول الناجحة في سبيل حماية مصادر مياهنا هذه! تعاني مياه البحر الأبيض المتوسط من تلوث متزايد بالمعادن الثقيلة التي تصل إلى مياه البحر عن طريق تسرب مادة النفط و طرح فضلات المعامل و نواتجها في مياه البحر مما يؤدي إلى تلوثها و ارتفاع نسبة هذه المواد في أنسجة الأحياء البحرية ! و نذكر من هذه المواد , معادن الرصاص ,الزئبق , الكادميوم , النحاس و الزنك . إن العنصر المشترك لجميع هذه المعادن هو مادة النفط و مخلفات المصانع و المعامل التي تلقى جزافاً في مياه البحار و الأنهار و البحيرات! تصل هذه المواد السامة إلى جسم الإنسان عبر استهلاكه لهذه الأحياء البحرية من أسماك و قواقع و قشريات. حيث تتركز المعادن الثقيلة ضمن أنسجة الأحياء البحرية لتشكل خطراً كبيراً على الإنسان الذي تظهر عنده مشاكل صحية معقدة في حال ارتفاع نسب هذه المعادن في جسمه. أحياناً قد يصل بعض هذه المواد السامة إلى جسم الإنسان بشكل غير مباشر عن طريق الأسماك المعلبة مثل التونا ( الطون ) و السردين الذي يولد مادة الهيستامين ناهيك عن إمكانية تفاعل لحوم الأسماك مع معدن العبوة المصنع منها ! سجلت حالات من التسمم بمادة الزئبق لدى بعض الأشخاص الذين تناولوا وجبات من سمك ( الغريبة) مما أدى إلى ظهور أعراض دماغية و عصبية على هؤلاء المرضى أعراض قد تصل إلى الوفاة في بعضها!!! كما سجلت حالات تسمم بمادة DDT السامة التي تستعمل كمبيد حشري. كما و تساهم عملية صب المخلفات العضوية في مياه البحر عبر نظام الصرف الصحي في تضخيم هذا الأمر. ها هي بعض التوصيات الضرورية من أجل الوقاية من تلوث المياه البحرية بل و التقليل منه : - حظر رمي المواد النفطية من السفن و المراكب البحرية. وذلك بسن قوانين صارمة تؤكد على إنزال عقوبات منصوصة على من يخالفه. و العمل على مراقبة الشواطئ و المياه الأقليمية بشكل دوري و مستمر. - العمل على معالجة كافة مخلفات المعامل و المصانع و محطات توليد الطاقة قبل وصولها إلى مياه البحر وذلك منعاً من تلوثها بهذه المواد السامة. - دراسة عينات عشوائية من نتاج الصيد البحري للوقوف على عيار هذه المواد التي يسمح بحدود علمية لها .وذلك بإنشاء مختبرات خاصة من أجل هذا الغرض. - الكشف على جميع الكميات المستوردة من الأسماك المعلبة التي يمكن أن تحتوي على كميات من المواد السامة . ومنع بعض المستوردات منها من دول كاليابان بسبب ارتفاع نسبة التلوث بالمواد السامة لأسماك الماكاريل و التونا بشكل خاص. - نشر ثقافة الحفاظ على البيئة المائية بين جميع شرائح المجتمع السوري كي نتمكن جميعاً من معرفة الأسباب و النتائج التي تترتب على هذا الأمر من جراء الفعل البشري اللا واعي تجاه مخاطر تلوث مصادر مياهنا . - معالجة مسألة صرف المخلفات العضوية البشرية بإنشاء محطات معالجة خاصة قبل وصول هذه المخلفات إلى مياه البحر . ها هي بعض الإضاءات على بعض جوانب تلوث مياه الشاطئ السوري الموازي لمياه حوض البحر الأبيض المتوسط . وها هي بعض الاجراءات الضرورية و اللازمة من أجل الحد من تدهور حال و واقع مياه البحر و ما تكتنزه هذه المياه من ثروة غذائية كبيرة و مخزون يشكل في جوهره أحد جوانب الأمن الغذائي العالمي.
دريد الأسد

هذا ما يفسر حقيقة وجود حالات جديدة من الإصابة بالليشمانيا " حبة حلب " بعدما اقتصر وجود هذا المرض في المحافظات الداخلية ! الليشمانيا الذي تنقله ذبابة الرمل . لذلك جاءت مقالتي السابقة بعنوان " ذبابة الرمل أم ذبابة الجهل " في موقع جبلة .و التي شرحت فيها أزمة القمامة في اللاذقية خصوصاً وفي سورية عموماً! نعم إن هذه المكبات تساهم بشكل كبير في تلويث ترابنا و مائنا و ذلك بسبب غياب الآليات العصرية في معالجة هذه النفايات . من منكم يعلم أن جميع منافذ الصرف الصحي لمنطقة شاليهات الشاطئ الأزرق تصب مباشرة في البحر! قاموا بإنشاء محطة لمعالجة الصرف الصحي في منطقة ست مرخو . ولكنها حتى اليوم لم تعمل . وقد قيل بأنها لن تعمل في المستقبل القريب . لماذا؟ لأن هناك مشاكل أساسية في المحطة تجعل من إمكانية عملها أمراً مستحيلاً !!! ما زالت الحفر الفنية مستعملة هناك . و أغلب الظن أن البعض قد قام بتحويل الصرف الصحي إلى المصارف المطرية بسبب عدم وجود الإمكانية لإنشاء الحفر الفنية و ذلك لكثافة البناء و تقاربه!! مصارف المطر هذه التي تصب إجبارياً في البحر! في كل موسم و عند ازدياد عدد الزائرين , يتشكل ضغط ضمن هذه الشبكات التي لا تتحمل حجم الماء , لذلك ترى الماء الآسن يخرج من فوهات هذه الشبكة لتطوف الطرقات بشتى أنواع القازورات السائلة!!! أصبحنا نتفنن بإيجاد السبل للحؤول دون الوقوع في هذه الإحراجات الكبيرة . فترانا نستأجر الجرارات الزراعية التي تجر خلفها الصهاريج و الخزانات من أجل البدء بضخ الفائض من الماء الخارج من هذه الفوهات و الحفر قبل خروجها و طوفانها !! ولكن غالباً لا نوفق بسبب التدفق الكبير للماء الآسن من خلال هذ الفوهات . يمكنكم القول بأن كل من يمارس هواية السباحة في منطقة الشاطئ و منطقة رأس ابن هانئ , يسبح في الماء الآسن . فكيف يكون البدء بالحل ؟ - باستكمال العمل فوراً بمحطة ست مرخو لمعالجة الصرف الصحي للمنطقة . و من ثم إجراء تحقيق جدي مع المعنيين حول أسباب تأخر تشغيل المحطة. - إذا كان لا بد من صب بعض الصرف الصحي في البحر بشكل مؤقت , علينا جر أنابيب الصرف الصحي لمسافة كافية ضمن المياه تساهم في إبطال الفعالية الضارة للأحياء المرضية الجرثومية و الفيروسية و الفطرية و البكتيرية. مع مراعاة التيارات البحرية بشكل أساسي. - البدء فوراً بتنفيذ بنى تحتية حقيقية لشبكة صرف صحي عصرية تعالج مستقبلاً كل إمكانية لوجود مشكلة في هذا الإطار. - لا بد من إحداث ما أسميه " الطابق الوظيفي" . و هو عبارة عن أنفاق تحت الأرض تحتوي كامل التشكيلات الميكانيكية و الكهربائية بحيث تكون كامل هذه التشكيلات ظاهرة ضمن هذا النفق تسمح بإجراء أية صيانة بسهولة و يسر. كون قطر هذه الأنفاق يمكن أن يصل إلى عدة أمتار ! - انسجام عمل بقية المؤسسات العامة لشبكات ماء الشرب و الكهرباء و الهاتف و الطرق مع عمل الصرف الصحي كي لا نقع في ظاهرة : اكسري بيضة" بسبب غياب التنسيق الحقيقي بين هذه المؤسسات ! - هذا فيما يخص مياء الصرف الصحي. أما في ما يخص مكبات النفايات , يجب إعادة النظر مرة أخرى في أمكنة هذه المكبات و في محيطها البيئي و السكاني . مع دراسة شاملة لنوع التربة و اتجاه الريح و الابتعاد عن الينابيع و الأنهار لدرء تلوث هذه المياه. سمعنا منذ فترة أن المكان المقترح لمكب النفايات الجديد لمحافظة اللاذقية يقع في قرية السامية على طريق الحفة !!!. فهل يعتقد المعنيون بأن هذا الموقع هو الأكثر ملائمة لوجود مكب في تلك المنطقة؟ إذا كان الجواب " نعم " . فلماذا لا تسمع صرخات أهالي القرية الذين ينددون بالوجود الافتراضي لمكب النفايات المقترح في قريتهم! - استحداث مطامر خاصة ( كما ذكر bccline) بل و معامل خاصة لإعادة استهلاك المخلفات في نواحي متعددة. هذه بعض جوانب الحل لمشاكل الصرف الصحي و النفايات في مناطق سورية و محافظاتها ! [ تم تحريره بواسطة دريد الأسد on 18/2/2007 ]

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.