وأضيف أيضاً: هل تكمن سعادتنا في قطع الحبل، أم في الإبقاء عيه مرخياً بشكل "مريح"؟ يبدو أن زوربا أجاب على ذلك بشكل قاطع عندما قطع كل الحبال التي تقيده: صلات العائلة، قيود الجغرافيا وعاش رحالةً متنقلاً. أنا شخصياً لا أعرف بعد الإجابة عن هذا السؤال.
ولكن، ألا ترين معي أن حبة الزبيب "أحلى" من حبة العنب.. وأن ذكرياتنا عن اللحظات الحلوة الهاربة هي دائماً "أحلى" من هذه اللحظات.. نعم، إن ذكرياتنا هي محاولة يائسة لاعتقال لحظات ماضية، ولكنها محاولة حلوة أيضاً..
في الحقيقة انتهيت من قراءة زوربا منذ حوالي أسبوعين، يعني الرغيف لساه تازة وسخن، وسأسجل اعترافاً هنا بأني بعد الانتهاء من القراءة بكيت، نعم بكيت ولا أدري لماذا.. فهذه الرواية ليست من النوع الرخيص الذي يحاول استدرار الدموع من عيون القارئ بشكل رخيص كمعظم الأفلام الأمريكية، وذلك حديث آخر لا مجال له هنا... أظن أني بكيت لأنني بعد هذه النهاية لن أتمكن من الاستماع إلى هذا الكهل وإلى رئيسه كل ليلة قبل أن أنام.. قليلة هي الروايات التي لا تنسى...
في الفيزياء (في الميكانيك تحديداً)، هناك ما يُسمّى بقانون العطالة، وينص على أن كل جسم في حالة ما يبدي ممانعة ضد تغيير هذه الحالة، هذه الممانعة يعبّر عنها بالعطالة. يبدو أننا أيضاً معشر البشر لدينا "عطالتنا" الخاصة بنا أيضاً... وتظهر هذه العطالة في ممانعة أذهاننا لتغيير أفكارنا السابقة، خصوصاً وأن كل تغيير لذهنيتنا نقبل به يعني خروجنا من وضع توازننا السابق، وهذا يعني ، حسب قوانين الميكانيك أيضاً، أننا سندخل حتماً في وضع عدم استقرار لا مهرب منه قبل أن نجد نقطة توازن جيدة، والتي تعني منظومة أفكار وتصورات جديدة نركن إليها بانتظار الهزة الجديدة....
يبقى هناك بعض الأشخاص، (كالمتدينين مثلاً) يتمتعون بعطالة كبيرة جداً تجعلهم دائمًاً في وضع سكون مطلق (أو بعبارة أخرى موت مطلق). لا أدري من الأكثر سعادة، هؤلاء أم من يفتحون أذهانهم لنسائم الاحتمالات؟
فعلاً أنا لا أدري.
جميل جداً ما تقولين: "لا يمكن ان يدخل الى حياتي انسان يمحي كل من قبله ويحولهم الى رمال..."، ولكن أعتقد أن غادة لم تقصد ذلك المعنى في كلامها، بل على العكس أرادت أن تقول أن هذا الرجل قد "ثقب ذاكرتها" فسالت منها ذكرياتها السابقة مع رجال سابقين. هذا لا يمنع أنني أوافقك تماماً أن كل شخص يمر في حياتنا لا بد من أن يترك أثراً.
لكننا لم نعتد أبداً أن ننهي علاقاتنا بتصالح مع نفسنا ومع الطرف الآخر، الذي نفعله دوماً هو وضع نهايات مدوية لقصص الحب التي عشناها ، فتنتهي عواطفنا السابقة إلى كراهية وحقد بنفس التطرف في المشاعر الذي بدأنا به. أعتقد أن السبب في ذلك هو أننا نحمّل دوماً الطرف الآخر مسؤولية الفشل، وبذلك نوقّع صك براءة كاذب أمام ذاتنا، ونتناسى عمداً أنه في معظم الحالات يكون انطفاء "جذوة" مشاعرنا هو السبب... نعم ،الحب ينطفئ دوماً، ولكي نهرب من هذه الحقيقة الواضحة كالشمس والمؤلمة، نتواطأ مع الطرف الآخر دون أن نعي ونغرق علاقتنا بخلافات تافهة لنخترع بذلك سبباً أقل "فلسفيّة"، ولكن أقل صدقاً، لنهاية مشاعرنا... نعم، كل الخلافات التي نفبركها هي محاولات منا لإيجاد مبرر نستطع أن نفهمه لننهي العلاقة، فإذا سألنا أحدهم (أو إذا سألنا أنفسنا) : لماذا افترقتما؟" نقول: " حصل بيننا الخلاف كذا"، وذلك أخف وقعاً من الحقيقة والتي هي: "لقد مللنا"مثلاً...
الذي يقلقني دوماً: هل من حب لا يخبو، أم أن خفوت المشاعر هو قانون آخر من قوانين الطبيعة؟...
Re: زوربا
Re: زوربا
Re: حبة عنب هاربة
Re: لحظات حب نادره
Re: زوربا
Re: العطالة....
Re: موسيقا
Re: حبة عنب هاربة