ذكرني مؤخرا الدكتور جعفر الخير بهذه القصيدة للشاعر الشهيد كمال ناصر. ألقى كمال هذه القصيدة في الذكرى 17 لميلاد حزب البعث (7 نيسان 1964).
ما زلت أعتقد أن كمال ناصر من أعظم الشعراء العرب، وهذه القصيدة من روائعه، وخاتمتها قد توحي بالأسباب التي انفصل بسببها عن حزب البعث في مرحلة لاحقة في حياته.
الدرب والظلمة الرعناء تغشـــاه
والشعب ضل على التاريخ مسراهيلج في التيه والأوهام تنهشــــه
كأنما التيه معقود بدنيـــــاهيزجي الضحايا على ساح الفدا شرفا
وليس يجديه في العليا ضحايــاهتطلع الشعب في أعماق حيرتـــه
وراح يسأل عن أسرار بلـــواهكيف السبيل الى التاريخ نبعثـــه
حيا.. نعيد الى التاريخ معنـــاهأين الطريق الى آفاق وحدتنــــا
تردّ للكبر منا ما فقدنــــــاهأين الحقيقة ضاعت كيف ندركهـا ؟
حتى نشيد منها ما هدمنــــاهتطلع الشعب في أعماق حيرتــه
مستنهضا من ركام الدهـر ذكراهمستنفرا من حناياه طلائعــــه
في حومة البعث يلقاها وتلقـــاهمن غضبة الشعب كنا من تمـرده
من جرحه الثرّ جئنا من شظايـاهومن تطلعه عبر الدجــى سطعت
عقيدة البعث تحميه وترعــــاهكنا ببال العلى منذ الوجــود رؤى
فجسد الشعب منا ومض رؤيــاهكنا الضمير له فأنهد يرهقنــــا
حتى تفجر عنا ما تمنــــــاهمن دمعه البكر أجرانا فلا نزلــت
من بعدنا دمعة تدمي محيـــــاهومن أمانيه ألهمنا رسالتنـــــا
فأورقت في رحاب الخلد نعمـــاهمن شهقة الكادح المطعون شهقتنـا
ويوم عزّت على الدنيا شكــــاواهفلاّحنا نحن من آلامه إنطلقـــت
آلامنا فوجدنا إذ وجدنـــــــاهلقد أتينا نلبي صرخة وبهـــــا
تألق المجد فينا ما إغتصبنـــــاهوالشعب كالروح نسقى من عطيتـه
كنا به وسنبقى من عطايــــــاهنطوي به الأفق الدامي ونفرضــه
على العروش فتمسي من رعايـــاهلولاه ما ركبت للشمس همّتنــــا
تموج في العاصف المحمـــوم لولاهتيارنا القدسي النفح قد غمــــرت
أنواره كل شبر فاقتحمنـــــــاهقوموا انظروا الشعب يحدوا في شعائرنا
ثالوثنا القلب والدنيا جناحــــاهويشهد الله هذا الدرب لا طمعــــا
ولا إدعاء و لا زهوا مشينـــــاهوإنما هزنا في بعث أمتنــــــا
جرح على صدرها الدامي لثمنـــاهثراثنا العربي السمح هاج بنــــا
فما بكيناه لكنّا بعثنـــــــــاهعشرين عاما نضيء الليل من دمنـا
في كل نجم لنا جرح أضأنـــــاهما أنّ في الشرق جنب لم نخفّ لــه
ولا ترقرق دمع ما مسحنـــــاهلم يبق في كأس أيامي سوى شفـــة
مزيقة تتأوّى في زوايــــــاهتعاقر الليل أشعارا مجنحــــــة
ملاحما خلّدت للجيل موتـــــاهجيلي الذي من قصيدي فوق جبهتــه
عواصفي ولظى قلبي وحمــــاههذي جراحي على الأردن مثخنـــة
ذكرى نضال لنا ما كان أضـــراهيمضي به الغير من صحبي..فواحزني
لما هوى النسر من أجفان عليـــاهتحيتي لهم في السجن قافلــــــة
تمضي وأخرى بظل الموت تحيــاهتحيتي لرفيق لست أعرفـــــــه
ما هان في القيد لكن هان مـــولاهقرائبي وأحبائي فوا خجلـــــــي
كيف ارتقوا في العلى ما لست أرقـاهلكنني وهدير البعث يملؤنــــــي
أنّى تشردت أبقاه وأحيـــــــاهسفحت أوج شبابي فوق مذبحــــه
ما كان أغلاه في عمري وأقســـاهعشرون عاما بعثنا عبر مصرعنــا
وجودنا وحصدنا ما زرعنـــــاهآذار تلك على الدنيا مواسمـــــه
أطلّ ينشر للدنيا هدايــــــــاهتكشّف الزيف في الجلى فقام لـــه
نضالنا وتحداه تحـــــــــداهويشهد الله هذا الدرب لا طمعـــا
ولا إدعاء ولا زهوا مشينــــــاهوإنما من ضمير الشعب ثورتنـــا
لم نعل يوما عليه بل رفعنــــــاهفالبعث للناس كل الناس موكبـــه
جحافل الشعب ضمتها حنايـــــاهوما اصطفانا لنلهو في ملاعبـــه
لكننا للجراحات اصطفينـــــــاهفالبعث وعي وإيمان وتضحيـــة
والبعث همّ كبير قد حملنــــــاهوعصبة أضمرت للبعث طعنتهــا
فأرخصت واستباحت من سجايـــاهتنمرت حوله مسعورة جرحـــت
كرامة الخير في جيل نمينــــــاهما كان أحرى بها لو أنها سلكــت
للعزّ دربا طويلا قد سلكنــــــاهقل للغيارى على أمجاد أمتنــــا
المجد يعرف من منا غيــــــاراهلما دعاهم الى فجر يوحدنـــــا
تحلبت فوق إثم الكسب أفــــــواهالسارقين شعارات لنا وضحــــا
وسرقة الفكر كالطغيان اشبــــــاهوحبذا من وهبناهم طلائعنـــــا
في الحالك الجهم صانوا ما وهبنـــاهلو أن عيسى سيأتي في هويتهـــم
قمنا له وعلى عود صلبنـــــــاهلكننا في سبيل العرب إن لمحـــت
في الأفق بارقة تجلو محيــــــاهنسمو على الجرح تحدونا أصالتنــا
وكل ذنب لهم فينا غفرنـــــــاهوذنبنا إن حكى التاريخ قصتنــــا
وافصح الدهر يوما عن خبايــــاهبأننا قد بحثنا العمر عن بطـــــل
فلم نجده ولكنا خلقنـــــــــاهقالوا العراق فهبت من جوانحنــــا
قلوبنا وهتفنا ليس ننســـــــاهقد يخطئ الثائر الملهوف وثبتــــه
لو كان يدري ستشقيه خطايــــاهمرحى عراق العلى ما جئت أندبــه
أعزّ من طعنات الغدر جنبـــــاهكالنار تحت رماد الصمت هامـــدة
لكنها تتلظى في حنايــــــــاهوربّ يوم سقيناه على ظمــــــأ
فما ارتوى وغدا نعطيه سقيــــاهوقيل إنا أضعناه وما علمــــــوا
بأننا مذ أضعناه لقينــــــــاهلم يستح الحق أن يعرى على خطــأ
وما إستحينا بعجز بل أدنـــــاهغدا نعود فلا عاش النضال بنــــا
ولا الطليعة إلاّ أن أعدنــــــاهيا رائد البعث هذا يوم مولدنـــــا
فداك بالروح من بالخلد فـــــداهالعرس عرس العلى أن نحتفي شرفـا
وأن نغني وأن نشدو بذكــــــراهمددت للجيل جسرا دربه ألـــــم
فما وقفنا لديه بل عبرنــــــــاهفي هدأة الفكر قد أمليت أمتنـــــا
هديا حدبنا عليه واحتضنـــــــاهيا رائد البعث لا زيفا ولا ملقــــا
و لا زعيما و لافردا عبدنــــــاهأعوذ من نزوات الفرد جامحــــة
ما كان للفرد في دستورنا جـــــاهلكننا في المعالي من شمائلنـــــا
أن نعرف القدر العالي ونرعـــــاهروادنا ملء عين المجد إن خطــرت
على العقيدة أشباح وأشبــــــــاهطاحونة النهر لم تهرم مناجلهــــا
حمراء قد حفرت للنهر مجــــــراهوالنهر كالدهر في تاريخ ثورتنــــا
فما تغير ولكن شــــــــاب فوداهيا فتية البعث هذا يوم مولدنــــــا
للحب للخير منا ما ولدنــــــــاههذي طلائعه هذي هدايـــــــاه
هذي مواكبه هذي سرايـــــــاهوجيشه الثائر الثوري إن لمعـــــت
حرابه فهو عند الله أتقـــــــــاهفي ذمة الشعب جيش البعث فأحتضنــي
يا ثورة الشعب ما نحن ادخرنـــــاهوعندما تنجلي الأوهام في وطنـــــي
ويتخم المجد فيه من ضحايـــــــاهوعندما يهتف التاريخ في جــــــذل
وقد رأى في العلى أنا صنعنــــــاهوعندمت تورق الدنيا على علــــــم
موحد في أمانينا قد نسجنــــــــاهوعندما ينتهي الأفراد لا صنـــــــم
مقدس أو زعيم ليـــــــــس إلاّهسيعلم الناس أن الدرب في وطنـــــي
وعر أليم طويل كلــــــــــه آهكمال ناصر
1964
إضافة تعليق جديد