من الواضح أن اتجاهات محكمة العدل الدولية تميل إلى اعتبار الجدار عملاً مخالفاً للقوانين الدولية، لأسباب عديدة، أهمها أنه يغير من وضع الأراضي المحتلة، ويؤثر على سكانها، وهو أمر تحرمه اتفاقيات جنيف، وتنظر إليه كجريمة حرب، خاصة إذا كان التأثير على الجغرافيا عاملاً أساسياً في التأثير على وجود السكان، إما بحرمانهم من وسائل العيش، أو بمحاصرتهم، أو بإجبارهم على الرحيل.
ومن الواضح أيضاً أن مصادرة الأراضي، والمحافظة على الاستيطان غير المشروع، هو هدف الجدار، الذي لا يشك أحد في أنه جدار فصل عنصري، يتخذ من الأمن حجة لا تختلف في طبيعتها عن اتخاذ هذه الحجة لتسويغ كل الجرائم الأخرى التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، والتي وصلت قمتها مؤخراً بالسطو على البنوك الفلسطينية الرئيسية، ومصادرة أموالها، وهو ما يخالف أي قانون، خاصة أن الأرض محتلة، ومن واجب الاحتلال أن يحمي ممتلكات الناس فيها، لا أن يسرقها، مهما كانت الحجة التي يتذرع بها.
وليس اتجاه المحكمة أمراً خفياً على الإسرائيليين أنفسهم، سواء كانوا من رجال الإعلام، أو من رجال السلطة، لأن الحجة التي تقدمها "إسرائيل" كمبرر لبناء الجدار العنصري ليست مقنعة، حتى بالنسبة لمن يقدمونها، فالجدار ليس أمنياً، ولا يهدف إلى حماية المواطن الإسرائيلي مما يتعرض له، كما تحاول الحكومة الإسرائيلية أن تصفه، حتى تنفي عنه كونه جداراً عنصرياً لا يكتفي بالفصل، وإنما يحاول أن يفرض حدوداً من طرف واحد، تصبح أمراً واقعاً تصعب المطالبة بإزالته، وهي حدود تتجاوز الخط الأخضر الذي تعترف به الأمم المتحدة، لتسطو على أراضي الضفة الغربية من ناحية، ولتفصل السكان عن مجتمعهم وعن أرضهم التي يعيشون منها.
ولأن الحجة الإسرائيلية واهية، والصفة التي تمنحها "إسرائيل" للجدار غير مقبولة، خاصة وأن امتداده أصبح واضحاً للعالم كله، فإن الحكومة الإسرائيلية لم تجد لنفسها موقفاً تستطيع أن تواجه به القضاء الدولي، فاختارت أن تغيب، وأن تبلغ محكمة العدل الدولية بأن البحث في موضوع الجدار ليس من شأنها، لأن الجدار قضية سياسية تحل بالتفاوض، وليس قضية تخضع للقانون الدولي حتى يبحث في ساحة القضاء.
هذا التوصيف غير مقبول في الأوساط الإعلامية والقانونية الإسرائيلية، وهي تكاد تجمع على القول: إن "إسرائيل" خسرت قضية الجدار على المستوى الدولي، رغم أن رأي المحكمة استشاري وغير ملزم، وقبل أن يصدر هذا الرأي، وبغض النظر عن مضمونه، وفوق ذلك رغم الموقف المنحاز الذي انجرت إليه الإدارة الأميركية، التي لم توقع أصلاً على الاتفاقية الخاصة بالمحكمة، والتي رأت ما تراه "إسرائيل"، كعادتها، من أن الموضوع لا يخص محكمة العدل الدولية، وإنما يخص التفاوض، وجرت معها العديد من الدول إلى مثل هذا الموقف.
ومن الحجج البينة على تلاعب "إسرائيل" بالألفاظ، وعلى محاولة التهرب من التهم، أن التفاوض ذاته معطل، وأن "إسرائيل" لم تعمل منذ سنوات بنية إنجاحه، لأن التفاوض أيضاً يكشف الأطماع الإسرائيلية التي تهدف إلى مصادرة الأرض والتحكم بمصائر الناس، دون أن تقبل ما يفترضه العدل، أو تطالب به الشرعية الدولية، ودون أن تحترم حق الشعب الذي تفاوضه من مركز قوة، وتحاول أن تفرض عليه شروطاً غير مقبولة، لأنها تحرمه من طموحه الأساسي، وهو إقامة دولته الحرة المستقلة، القابلة للحياة، وهي الدولة التي يحول جدار الفصل العنصري دون أن تقوم، ويقف الاستيطان حجر عثرة في سبيل تحقيقها.
وإذا كانت"إسرائيل" الرسمية قد أوضحت وجهة نظر غير مقنعة، في رفضها الاعتراف بالمحكمة، رغم أن الأمم المتحدة هي التي كلفتها بحث الأمر، وتقديم المشورة، إلا أن "إسرائيل" الرسمية ذاتها تقف عاجزة عن الدفاع عن موقفها، لدرجة أن بعض الوزراء اعترفوا بأن حجة "إسرائيل" ليست قوية، وبأنها ستخسر المعركة الإعلامية، وبأن اختيارها الدفاع عن طريق الرفض، والطعن في أهلية المحكمة، سوف تسجل هروباً، بسبب غياب الحجة.
أما على المستوى الإعلامي، فإن غالبية المعلقين اختارت أن تتحدث عن الطريقة الإسرائيلية في المواجهة، بسخرية كبيرة، وقد انصبت هذه السخرية على الموضوع المختلف الذي اختارته "إسرائيل" لمواجهة المواقف التي تعارض الجدار، بين الفلسطينيين، وفي الأوساط العالمية أيضاً، إن الجدار قضية، وما تزعمه "إسرائيل" في موضوع الإرهاب قضية أخرى، ليس من السهل أن توضع الثانية في مواجهة الأولى.
إن العالم لا يركز نقده على الجدار، من حيث الرغبة في بنائه، ولكنه يركز على المسار الذي تقرر له، وهو المسار الذي يتوغل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهنا تكمن القضية القانونية التي لا علاقة لها بمنع التسلل إلى "إسرائيل" لأي هدف، إن حماية المواطن الإسرائيلي لا تكون بالاستيلاء على الأراضي التي تحرم الاتفاقيات الدولية الاستيلاء عليها، وحتى الموقف الأميركي المنحاز دائماً لإسرائيل، يرفض هذا المنطق، ويشير باستمرار إلى أن على من يرغب في إقامة جدار لحماية مواطنيه، أن يقيمه على أرضه، لا على أرض الغير.
محاربة الإرهاب، أو حماية المواطنين مجرد حجة لتبرير الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، كما هو واضح للجميع، وليس هناك من يقبل الموقف الإسرائيلي الذي يقول إن الضفة الغربية لها خصوصية تجعلها مختلفة عن أي أرض محتلة، فوراء مثل هذا الموقف تختبئ النية في التوسع، وهي نية تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة، التي ترى في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، أراضي محتلة، وليست «محررة» بعد عدة آلاف من أعوام الاحتلال، كما يزعم اليمين الإسرائيلي الذي يرى في الأرض الفلسطينية كاملة أرضه الكاملة.
إن النظرة الإسرائيلية إلى الجدار، لا تتسم بالأهمية الفائقة، خاصة وأن التكاليف التي يبنى بها، تشكل جزءاً هاماً من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، وتتصاعد فيه، منذ بدأت الانتفاضة على انتهاكاته الكثيرة، وعلى رغبته التي لا يخفيها في إخضاع الفلسطينيين، وكثيراً ما ينظر إليه المراقبون كنوع من الفانتازيا التي جاء بها عقل مريض، لسبب بسيط، هو أنه لن يستطيع حماية المواطن الإسرائيلي ممن يقاومون الاحتلال، مهما علا وتنوعت مواده، لأن المقاومة تطور وسائلها مع تطور دفاعات العدو، وقد أشار مسؤول أمني كبير إلى هذا الأمر، وهو يحذر من أن الفلسطينيين سيقومون بتطوير أسلحة مدفعية تتخطى السور، وهو ما سيفرض على "إسرائيل" أن تعيد احتلال ما لم تعد احتلاله، في قطاع غزة، بالطريقة التي قامت بها عند احتلال مدن الضفة الغربية، في حملة السور الواقي، التي لم تقدم من الوقاية مما يمكن أن يشير إلى أنها كانت ذات فعالية حقيقية.
وقد ارتفعت بعض الأصوات التي تطالب بتغيير مسار السور، كما لم ترتفع احتجاجات حقيقية على هدم جزء من السور، كنموذج لما يتوقع الكثير من الإسرائيليين أن ينتهي إليه هذا العمل العنصري ذات يوم، كما انتهت تجارب شبيهة سابقة، تضرب بها الأمثال.
ولأن السور هو الذي أوصل "إسرائيل" إلى محكمة العدل الدولية، عبر الضمير العالمي الذي انكشفت أمامه عنصرية "إسرائيل"، وذوت كذبتها التاريخية التي حملت من خلالها صورة الضحية، لتصبح صورة مجسدة للجلاد، لا تقل عنصرية عن صورة النازي الذي تقول: إنه اضطهدها، فقد ارتفعت أصوات واضحة، تطالب بمحاكمة الذي أقدم على بناء السور كما هو، وتسبب في تشويه صورة "إسرائيل"، ووضعها في مقعد المتهمة، في محكمة العدل الدولية، المختصة بالنظر في جرائم الحرب.
هذه الصورة التي تزداد وضوحاً، والتي تصفها "إسرائيل" بأنها معاداة للسامية، وتضع الخطط لمحاربتها، لا يستطيع بناء السور أن يمحوها من الأذهان، خاصة وأن سوراً مشابهاً كان رمزاً لنظام ظالم، ولذلك اعتبر هدمه إيذاناً بمرحلة تحرر جديدة لا بالنسبة لألمانيا الموحدة، التي كان جدار برلين يفصل جزءيها، ولكن بالنسبة للعالم كله، الذي نظر إلى سقوط الجدار نظرته إلى سقوط العديد من النظم.
يتوقع العديد من الإسرائيليين أن يكون مصير جدار الفصل العنصري، مثل مصير جدار برلين، ولم يبخل بعضهم بالتصريح بذلك، لأنهم يرون أنه لن يكون قادراً على حسم موضوع الصراع، وهو بالتالي لن يشكل تلك الحماية التي كانت هدفاً معلناً لبنائه، يخفي الهدف التوسعي الأصلي، كما يرون أنه لن يسمح بالتوصل إلى حل للصراع العربي - الإسرائيلي، ما دام موجوداً بالصيغة الحالية التي اختارها اليمين الإسرائيلي لتحقق له أهدافاً غير خفية، مما سيجعل من هذا الجدار عدواً لكل محبي السلام في العالم، وكل من سيحاول إحلال السلام في هذه المنطقة الهامة من العالم، بما في ذلك الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي لن تسمح بأن يظل هذا الصراع حياً إلى الأبد، والتي ستدرك، طال الوقت أم قصر، بأنه لن يكون هناك حل، ما دام الفلسطيني محروماً من حقه في الدولة والحرية والعيش الكريم.
محكمة العدل الدولية قد تقول كلمة تدين جدار الفصل العنصري، وتعتبره مخالفاً للقانون الدولي، وقد لا تقول ذلك، بسبب الضغط الأميركي، لكن مجرد عرض القضية على محكمة العدل الدولية، حول الجدار إلى عنوان للظلم، لا يرفع الظلم إلا بإزالة ما هو متجاوز لحدوده، على أقل تقدير.
إن أخطاء حكومة اليمين كثيرة، وتتراكم، لكن خطأ الجدار، بمساره الحالي، هو الأكبر، وقد لا يكون اليوم الذي يفهم فيه الإسرائيليون ذلك بعيداً.
منقول عن صحيفة الوطن القطرية
ومن الواضح أيضاً أن مصادرة الأراضي، والمحافظة على الاستيطان غير المشروع، هو هدف الجدار، الذي لا يشك أحد في أنه جدار فصل عنصري، يتخذ من الأمن حجة لا تختلف في طبيعتها عن اتخاذ هذه الحجة لتسويغ كل الجرائم الأخرى التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، والتي وصلت قمتها مؤخراً بالسطو على البنوك الفلسطينية الرئيسية، ومصادرة أموالها، وهو ما يخالف أي قانون، خاصة أن الأرض محتلة، ومن واجب الاحتلال أن يحمي ممتلكات الناس فيها، لا أن يسرقها، مهما كانت الحجة التي يتذرع بها.
وليس اتجاه المحكمة أمراً خفياً على الإسرائيليين أنفسهم، سواء كانوا من رجال الإعلام، أو من رجال السلطة، لأن الحجة التي تقدمها "إسرائيل" كمبرر لبناء الجدار العنصري ليست مقنعة، حتى بالنسبة لمن يقدمونها، فالجدار ليس أمنياً، ولا يهدف إلى حماية المواطن الإسرائيلي مما يتعرض له، كما تحاول الحكومة الإسرائيلية أن تصفه، حتى تنفي عنه كونه جداراً عنصرياً لا يكتفي بالفصل، وإنما يحاول أن يفرض حدوداً من طرف واحد، تصبح أمراً واقعاً تصعب المطالبة بإزالته، وهي حدود تتجاوز الخط الأخضر الذي تعترف به الأمم المتحدة، لتسطو على أراضي الضفة الغربية من ناحية، ولتفصل السكان عن مجتمعهم وعن أرضهم التي يعيشون منها.
ولأن الحجة الإسرائيلية واهية، والصفة التي تمنحها "إسرائيل" للجدار غير مقبولة، خاصة وأن امتداده أصبح واضحاً للعالم كله، فإن الحكومة الإسرائيلية لم تجد لنفسها موقفاً تستطيع أن تواجه به القضاء الدولي، فاختارت أن تغيب، وأن تبلغ محكمة العدل الدولية بأن البحث في موضوع الجدار ليس من شأنها، لأن الجدار قضية سياسية تحل بالتفاوض، وليس قضية تخضع للقانون الدولي حتى يبحث في ساحة القضاء.
هذا التوصيف غير مقبول في الأوساط الإعلامية والقانونية الإسرائيلية، وهي تكاد تجمع على القول: إن "إسرائيل" خسرت قضية الجدار على المستوى الدولي، رغم أن رأي المحكمة استشاري وغير ملزم، وقبل أن يصدر هذا الرأي، وبغض النظر عن مضمونه، وفوق ذلك رغم الموقف المنحاز الذي انجرت إليه الإدارة الأميركية، التي لم توقع أصلاً على الاتفاقية الخاصة بالمحكمة، والتي رأت ما تراه "إسرائيل"، كعادتها، من أن الموضوع لا يخص محكمة العدل الدولية، وإنما يخص التفاوض، وجرت معها العديد من الدول إلى مثل هذا الموقف.
ومن الحجج البينة على تلاعب "إسرائيل" بالألفاظ، وعلى محاولة التهرب من التهم، أن التفاوض ذاته معطل، وأن "إسرائيل" لم تعمل منذ سنوات بنية إنجاحه، لأن التفاوض أيضاً يكشف الأطماع الإسرائيلية التي تهدف إلى مصادرة الأرض والتحكم بمصائر الناس، دون أن تقبل ما يفترضه العدل، أو تطالب به الشرعية الدولية، ودون أن تحترم حق الشعب الذي تفاوضه من مركز قوة، وتحاول أن تفرض عليه شروطاً غير مقبولة، لأنها تحرمه من طموحه الأساسي، وهو إقامة دولته الحرة المستقلة، القابلة للحياة، وهي الدولة التي يحول جدار الفصل العنصري دون أن تقوم، ويقف الاستيطان حجر عثرة في سبيل تحقيقها.
وإذا كانت"إسرائيل" الرسمية قد أوضحت وجهة نظر غير مقنعة، في رفضها الاعتراف بالمحكمة، رغم أن الأمم المتحدة هي التي كلفتها بحث الأمر، وتقديم المشورة، إلا أن "إسرائيل" الرسمية ذاتها تقف عاجزة عن الدفاع عن موقفها، لدرجة أن بعض الوزراء اعترفوا بأن حجة "إسرائيل" ليست قوية، وبأنها ستخسر المعركة الإعلامية، وبأن اختيارها الدفاع عن طريق الرفض، والطعن في أهلية المحكمة، سوف تسجل هروباً، بسبب غياب الحجة.
أما على المستوى الإعلامي، فإن غالبية المعلقين اختارت أن تتحدث عن الطريقة الإسرائيلية في المواجهة، بسخرية كبيرة، وقد انصبت هذه السخرية على الموضوع المختلف الذي اختارته "إسرائيل" لمواجهة المواقف التي تعارض الجدار، بين الفلسطينيين، وفي الأوساط العالمية أيضاً، إن الجدار قضية، وما تزعمه "إسرائيل" في موضوع الإرهاب قضية أخرى، ليس من السهل أن توضع الثانية في مواجهة الأولى.
إن العالم لا يركز نقده على الجدار، من حيث الرغبة في بنائه، ولكنه يركز على المسار الذي تقرر له، وهو المسار الذي يتوغل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهنا تكمن القضية القانونية التي لا علاقة لها بمنع التسلل إلى "إسرائيل" لأي هدف، إن حماية المواطن الإسرائيلي لا تكون بالاستيلاء على الأراضي التي تحرم الاتفاقيات الدولية الاستيلاء عليها، وحتى الموقف الأميركي المنحاز دائماً لإسرائيل، يرفض هذا المنطق، ويشير باستمرار إلى أن على من يرغب في إقامة جدار لحماية مواطنيه، أن يقيمه على أرضه، لا على أرض الغير.
محاربة الإرهاب، أو حماية المواطنين مجرد حجة لتبرير الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، كما هو واضح للجميع، وليس هناك من يقبل الموقف الإسرائيلي الذي يقول إن الضفة الغربية لها خصوصية تجعلها مختلفة عن أي أرض محتلة، فوراء مثل هذا الموقف تختبئ النية في التوسع، وهي نية تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة، التي ترى في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، أراضي محتلة، وليست «محررة» بعد عدة آلاف من أعوام الاحتلال، كما يزعم اليمين الإسرائيلي الذي يرى في الأرض الفلسطينية كاملة أرضه الكاملة.
إن النظرة الإسرائيلية إلى الجدار، لا تتسم بالأهمية الفائقة، خاصة وأن التكاليف التي يبنى بها، تشكل جزءاً هاماً من الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي، وتتصاعد فيه، منذ بدأت الانتفاضة على انتهاكاته الكثيرة، وعلى رغبته التي لا يخفيها في إخضاع الفلسطينيين، وكثيراً ما ينظر إليه المراقبون كنوع من الفانتازيا التي جاء بها عقل مريض، لسبب بسيط، هو أنه لن يستطيع حماية المواطن الإسرائيلي ممن يقاومون الاحتلال، مهما علا وتنوعت مواده، لأن المقاومة تطور وسائلها مع تطور دفاعات العدو، وقد أشار مسؤول أمني كبير إلى هذا الأمر، وهو يحذر من أن الفلسطينيين سيقومون بتطوير أسلحة مدفعية تتخطى السور، وهو ما سيفرض على "إسرائيل" أن تعيد احتلال ما لم تعد احتلاله، في قطاع غزة، بالطريقة التي قامت بها عند احتلال مدن الضفة الغربية، في حملة السور الواقي، التي لم تقدم من الوقاية مما يمكن أن يشير إلى أنها كانت ذات فعالية حقيقية.
وقد ارتفعت بعض الأصوات التي تطالب بتغيير مسار السور، كما لم ترتفع احتجاجات حقيقية على هدم جزء من السور، كنموذج لما يتوقع الكثير من الإسرائيليين أن ينتهي إليه هذا العمل العنصري ذات يوم، كما انتهت تجارب شبيهة سابقة، تضرب بها الأمثال.
ولأن السور هو الذي أوصل "إسرائيل" إلى محكمة العدل الدولية، عبر الضمير العالمي الذي انكشفت أمامه عنصرية "إسرائيل"، وذوت كذبتها التاريخية التي حملت من خلالها صورة الضحية، لتصبح صورة مجسدة للجلاد، لا تقل عنصرية عن صورة النازي الذي تقول: إنه اضطهدها، فقد ارتفعت أصوات واضحة، تطالب بمحاكمة الذي أقدم على بناء السور كما هو، وتسبب في تشويه صورة "إسرائيل"، ووضعها في مقعد المتهمة، في محكمة العدل الدولية، المختصة بالنظر في جرائم الحرب.
هذه الصورة التي تزداد وضوحاً، والتي تصفها "إسرائيل" بأنها معاداة للسامية، وتضع الخطط لمحاربتها، لا يستطيع بناء السور أن يمحوها من الأذهان، خاصة وأن سوراً مشابهاً كان رمزاً لنظام ظالم، ولذلك اعتبر هدمه إيذاناً بمرحلة تحرر جديدة لا بالنسبة لألمانيا الموحدة، التي كان جدار برلين يفصل جزءيها، ولكن بالنسبة للعالم كله، الذي نظر إلى سقوط الجدار نظرته إلى سقوط العديد من النظم.
يتوقع العديد من الإسرائيليين أن يكون مصير جدار الفصل العنصري، مثل مصير جدار برلين، ولم يبخل بعضهم بالتصريح بذلك، لأنهم يرون أنه لن يكون قادراً على حسم موضوع الصراع، وهو بالتالي لن يشكل تلك الحماية التي كانت هدفاً معلناً لبنائه، يخفي الهدف التوسعي الأصلي، كما يرون أنه لن يسمح بالتوصل إلى حل للصراع العربي - الإسرائيلي، ما دام موجوداً بالصيغة الحالية التي اختارها اليمين الإسرائيلي لتحقق له أهدافاً غير خفية، مما سيجعل من هذا الجدار عدواً لكل محبي السلام في العالم، وكل من سيحاول إحلال السلام في هذه المنطقة الهامة من العالم، بما في ذلك الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي لن تسمح بأن يظل هذا الصراع حياً إلى الأبد، والتي ستدرك، طال الوقت أم قصر، بأنه لن يكون هناك حل، ما دام الفلسطيني محروماً من حقه في الدولة والحرية والعيش الكريم.
محكمة العدل الدولية قد تقول كلمة تدين جدار الفصل العنصري، وتعتبره مخالفاً للقانون الدولي، وقد لا تقول ذلك، بسبب الضغط الأميركي، لكن مجرد عرض القضية على محكمة العدل الدولية، حول الجدار إلى عنوان للظلم، لا يرفع الظلم إلا بإزالة ما هو متجاوز لحدوده، على أقل تقدير.
إن أخطاء حكومة اليمين كثيرة، وتتراكم، لكن خطأ الجدار، بمساره الحالي، هو الأكبر، وقد لا يكون اليوم الذي يفهم فيه الإسرائيليون ذلك بعيداً.
منقول عن صحيفة الوطن القطرية
المنتديات
إضافة تعليق جديد