لعب جمال سليمان دور عكاش في مسلسل الثريا الذي كتبه نهاد سيريس وأخرجه هيثم حقي. في بدايات المسلسل كان عكاش رمزا للبطل الثائر الحر، ويتوج بطولته هذه بالزواج من ابنة عدوه الكبير. بعد الزواج يصبح عكاش فلاحا عاديا، ويستقر في منزل في القرية، ويبدأ بالتحول من رمز للبطل الثائر إلى إنسان عادي. زميله يشترك في الثورة ويقتل، ويمثل الفرنسيون بجثته، فلا يملك عكاش غير الشعور باليأس والعجز، وينتهي المسلسل عندما يقوم عكاش وثريا بدرس ما زرعاه ثم حصداه.
واليوم يلعب جمال سليمان دور رأفت المذيع المخلص الناجح في مسلسل الخيط الأبيض الذي كتبه نهاد سيريس وأخرجه هيثم حقي أيضا، في هذا الدور يبدو المذيع محاربا عنيدا يحارب على عدة جبهات، ويتصرف بمنطق عصري بما يقتضيه ذلك من عمليات الدهاء والخداع التي يحتاجها العمل.
في الثريا كان نهاد سيريس يكتب عن العمل الجماعي، كانت قيمة عكاش الأساسية عندما كان مع رفاقه في الفلاة، كان اسمه يثير الرعب لدى البعض، والاعتزاز لدى الآخرين، ولكن بمجرد أن انفصل عن رفاقه، انهار ذلك الرمز دفعة واحدة، وأصبح مجرد فلاح عادي يتسلى أحيانا بتنظيف بندقيته.
أما في الخيط الأبيض، فرأفت بطل فردي، ولكنه بطل عادي بكل معني الكلمة، رجل يعيش في منزل عادي، ويعمل موظفا، ويمارس عمله اليومي بشكل طبيعي، صحيح أنه يتميز في تعامله مع الآخرين، ولكنه أيضا يغضب ويغار ويحب وينفجر معنفا وربما يشعر بالحسد أحيانا. ومن أهم ميزات رأفت كبطل عصري أنه دائما يركز على موضوعه، ويبذل كل ما بوسعه لإنجاحه من مرتبته الوظيفية الصغيرة نسبيا في المؤسسة.
وبينما كان عكاش مدفوعا بعاطفية قد تكون لا عقلانية أحيانا، يتميز رأفت أنه عقلاني لأبعد الحدود، ولا تظهر عواطفه إلا عندما تنفجر رغما عنه. ولذلك فهو ناجح في التعامل مع بيئة عمله الملأى بالمشاكل. ويتميز أيضا في إصراره على فرديته، فهو يعيش وحيدا ولا يسمح لأحد بالاقتراب من عالمه الخاص.
وبغض النظر عن التفاصيل في العملين، أعتقد أن الفرق الأساسي بين الشخصيتين هو في نظرة الكاتب للبطل، في الثريا كان نهاد سيريس يندب فشل التجارب الاشتراكية، ويضع اللوم على الفردية التي أخرجتها عن مسارها وحولتها من مثل رائد إلى مجرد تجربة غير مكتملة تميل للفشل. أما في الخيط الأبيض، فنهاد ينطلق من البطل الفرد، الذي يعيش مجتمعه بكامل أبعاده، ويتقن التعامل معه، ويصنع من عمله وتجربته رمزا واقعيا، وليس مثاليا، بكل سلبيات وإيجابيات الواقعية.
كانت نهاية بطل الثريا نموذجا للسخرية الواقعية، فالثائر السابق يتحول إلى أحد ملاك الأراضي في القرية، ولا أدري كيف ستكون نهاية بطل الخيط الأبيض، أرجو أن لا يتحول رأفت إلى عامل سلبي في مجتمعه، وكلي أمل أن يحافظ على نفسه وطاقمه سليما ولا يتورط أحد منهم في ورطة لا تحمد عقباها، ولكنني معتاد على نهايات نهاد سيريس التي تبالغ في السخرية الواقعية.
الأيهم صالح
www.alayham.com
اللاذقية ـ سورية
3 تشرين الثاني 2004
واليوم يلعب جمال سليمان دور رأفت المذيع المخلص الناجح في مسلسل الخيط الأبيض الذي كتبه نهاد سيريس وأخرجه هيثم حقي أيضا، في هذا الدور يبدو المذيع محاربا عنيدا يحارب على عدة جبهات، ويتصرف بمنطق عصري بما يقتضيه ذلك من عمليات الدهاء والخداع التي يحتاجها العمل.
في الثريا كان نهاد سيريس يكتب عن العمل الجماعي، كانت قيمة عكاش الأساسية عندما كان مع رفاقه في الفلاة، كان اسمه يثير الرعب لدى البعض، والاعتزاز لدى الآخرين، ولكن بمجرد أن انفصل عن رفاقه، انهار ذلك الرمز دفعة واحدة، وأصبح مجرد فلاح عادي يتسلى أحيانا بتنظيف بندقيته.
أما في الخيط الأبيض، فرأفت بطل فردي، ولكنه بطل عادي بكل معني الكلمة، رجل يعيش في منزل عادي، ويعمل موظفا، ويمارس عمله اليومي بشكل طبيعي، صحيح أنه يتميز في تعامله مع الآخرين، ولكنه أيضا يغضب ويغار ويحب وينفجر معنفا وربما يشعر بالحسد أحيانا. ومن أهم ميزات رأفت كبطل عصري أنه دائما يركز على موضوعه، ويبذل كل ما بوسعه لإنجاحه من مرتبته الوظيفية الصغيرة نسبيا في المؤسسة.
وبينما كان عكاش مدفوعا بعاطفية قد تكون لا عقلانية أحيانا، يتميز رأفت أنه عقلاني لأبعد الحدود، ولا تظهر عواطفه إلا عندما تنفجر رغما عنه. ولذلك فهو ناجح في التعامل مع بيئة عمله الملأى بالمشاكل. ويتميز أيضا في إصراره على فرديته، فهو يعيش وحيدا ولا يسمح لأحد بالاقتراب من عالمه الخاص.
وبغض النظر عن التفاصيل في العملين، أعتقد أن الفرق الأساسي بين الشخصيتين هو في نظرة الكاتب للبطل، في الثريا كان نهاد سيريس يندب فشل التجارب الاشتراكية، ويضع اللوم على الفردية التي أخرجتها عن مسارها وحولتها من مثل رائد إلى مجرد تجربة غير مكتملة تميل للفشل. أما في الخيط الأبيض، فنهاد ينطلق من البطل الفرد، الذي يعيش مجتمعه بكامل أبعاده، ويتقن التعامل معه، ويصنع من عمله وتجربته رمزا واقعيا، وليس مثاليا، بكل سلبيات وإيجابيات الواقعية.
كانت نهاية بطل الثريا نموذجا للسخرية الواقعية، فالثائر السابق يتحول إلى أحد ملاك الأراضي في القرية، ولا أدري كيف ستكون نهاية بطل الخيط الأبيض، أرجو أن لا يتحول رأفت إلى عامل سلبي في مجتمعه، وكلي أمل أن يحافظ على نفسه وطاقمه سليما ولا يتورط أحد منهم في ورطة لا تحمد عقباها، ولكنني معتاد على نهايات نهاد سيريس التي تبالغ في السخرية الواقعية.
بين الثريا والخيط الأبيض يعكس نهاد سيريس وهيثم حقي جوانب من تجربة مجتمعنا السوري، وطاقم العملين المبدع يقدم لنا وجبة هائلة من الثقافة في إطار رائع من المتعة، ولذلك أدعوكم للاستمتاع بالخيط الأبيض، ولتذكر أعمال هذا الطاقم السابقة.
الأيهم صالح
www.alayham.com
اللاذقية ـ سورية
3 تشرين الثاني 2004
إضافة تعليق جديد