حسب الويكيبيديا الانكليزية، نظام الحوالة Hawala هو نظام غير رسمي لتبادل القيمة تديره شبكة من الصرافين تتمركز في الشرق الأوسط وشمال افريقيا والقرن الافريقي وشبه القارة الهندي. ويتختلف نظام الحوالة عن نظام التحويل المصرفي Remittance بأن الحوالة نظام غير مركزي يعتمد على الثقة ويستمد جذوره من الصيرفة الاسلامية، في حين أن نظام التحويل مركزي مرتبط بالنظام المالي العالمي ويشرف عليه مصرف الاحتياطي الفدرالي الأمريكي.
منذ بداية ما يسمى "الحرب على الإرهاب" أعلن بوش حربا على نظام الحوالة بتهمة أنه يستخدم لتمويل الإرهابيين، وقام بتجميد أرصدة عدد من الشركات الناشطة فيه. هذه الحرب المزعومة على الإرهاب مستمرة وأنا أعتقد أن من أهدافها تصفية نظام الحوالة وربط كل التحويلات المالية بالنظام المالي العالمي.
كيف يعمل نظام الحوالة:
لنفرض أن أحمد سوري مقيما في الخارج يريد إرسال أموال إلى أهله في سوريا، ما الخيارات المتاحة أمامه؟ الدولة تقدم له خيار إرسال تحويل مصرفيي إلى حساب مغذى بالعملة الصعبة من الخارج، ولكن النظام المصرفي العالمي لا يسمح بإجراء هذه العملية في ظروف الحصار المفروض على سوريا، والخيار الوحيد أمام أحمد هو نظام الحوالة، يستطيع زيارة أي صراف في البلد الذي يقيم فيه ودفع المبلغ الذي يريد تحويله وتحديد معلومات المستلم. هنا لا بد أن نلاحظ أن من شروط الحوالة أن استلام المبلغ يتم بالليرة السورية، ونظام الحوالة إلى سوريا لا يقبل تسليم الأموال بأية عملة أخرى.
بالمقابل يريد محمد إرسال دفعة مالية إلى ابنه الذي يدرس في الخارج لدفع أقساط الجامعة وكلفة السكن والمعيشة. القانون في سوريا لا يسمح له بتحويل مبالغ كبيرة من المال إلى خارج سوريا ولا يسمح له أصلا بشراء حاجته بالطرق الرسمية، وحتى لو امتلك محمد هذه المبالغ فالنظام المصرفي العالمي لا يسمح له بتحويلها باستخدام نظام التحويل بسبب العقوبات، سيصبح الملجأ الوحيد لمحمد هو نظام الحوالة، حيث يدفع المبلغ بالليرة السورية إن رغب، ويستلمه ابنه بالعملة المحلية أو بالدولار.
يعمل نظام الحوالة على التقاص بين مراكز الخدمة، فتستخدم الأموال التي أرسلها أحمد بالعملة الصعبة لتمويل دراسة ابن محمد، بينما تسلم الأموال التي أرسلها محمد إلى مستلم الحوالة المرسلة من أحمد.
تحصل هذه العملية مئات أو آلاف المرات يوميا عبر الكثير من مراكز نظام الحوالة المنتشرة في سوريا.
هذه العملية تضمن تحويل القيمة بدون تحويل العملة، فعمليا لا يتم تهريب العملات لا إلى الخارج ولا إلى الداخل. وبالنسبة للسوريين يمكن تشبيهها بتعاونية بين السوريين المقيمين داخل وخارج سوريا لحل مشاكلهم في ظروف الحصار الاقتصادي.
يخضع نظام الحوالة للعرض والطلب، فإذا زادت المبالغ المرسلة إلى سوريا يحتاج الصرافون لزيادة المبالغ المرسلة إلى الخارج، فيخفضون سعر الدولار بشكل بسيط في محاولة لاجتذاب المزيد من التحويلات، وإذا زاد الطلب على التحويل إلى الخارج يلجأ الصرافون في الخارج لتقديم إغراءات للتحويل إلى سوريا فيرتفع سعر الدولار قليلا.
وهنا لا بد من الانتباه إلى أن سعر الدولار في نظام الحوالة مختلف عن سعر الدولار في السوق السورية، والمقيمون في الخارج يعرفون أن سعر دولار الحوالة في سوريا أعلى قليلا من سعر دولار السوق السوداء في سوريا، والسبب برأيي هو أن السوريين يفضلون تحويل أموالهم إلى الخارج بنظام الحوالة على امتلاك عملة نقدية أجنبية وتخزينها أو تهريبها إلى الخارج. وينعكس هذا على سعر الليرة في الخارج مقابل الدولار، حيث يحصل من يرغب بتحويل المال على سعر أفضل لتحويل مبالغه بدل شراء عملات نقدية سورية واصطحابها إلى سوريا.
من المتضررون من نظام الحوالة
نظام الحوالة بحد ذاته لا يضر أحدا ، فهو مجرد خيار آخر لتبادل قيمة العملة. ولكن كل من يعتبر أن تبادل العملة يجب أن يمر عبره يمكن أن يعتبر أنه متضرر من وجود نظام الحوالة، بما في ذلك مصرف الاحتياطي الفدرالي الأمريكي وكل البنوك المرتبطة معه في شبكة النظام المالي العالمي، بما فيها المصرف المركزي السوري.
ولعل ازدهار نظام الحوالة في ظروف العقوبات المفروضة على المصرف التجاري السوري كان السبب الأساسي الذي جعل الحكومة السورية تبدأ ما سمي "التحول إلى اقتصاد السوق الاجتماعي" بترخيص المصارف وشركات الصرافة على أمل إدخال نظام الحوالة ضمن النظام المصرفي السوري، وإخضاعه بالتالي للنظام المالي العالمي. وهذا هو السبب الأساسي لترخيص شركات الصرافة العاملة في سوريا هذه الأيام. لحسن حظ السوريين استطاع نظام الحوالة الاستمرار في سوريا عبر شركات صغيرة نجحت في كسب ثقة المتعاملين وتعمل على استمرار استقلال نظام الحوالة في سوريا عن النظام المالي العالمي ضمن إطار التراخيص المطلوبة في سوريا.
تأثر نظام الحوالة في الأزمة الحالية
في بداية الأزمة شهد الاقتصاد السوري حالة قلق دفعت عددا من كبار التجار إلى تحويل جزء مهم من رصيدهم إلى خارج سوريا بالدولار، وهذا ما أدى إلى ارتفاع تدريجي في قيمة دولار التحويل بسبب زيادة الطلب عليه تدريجا، وقام نظام الحوالة بتغطية الحاجة إلى الدولارات عبر إغراء السوريين في الخارج بتحويل أموالهم بسعر جيد. بالمقابل لم يرتفع سعر دولار السوق السوداء كثيرا بسبب ورود ملايين الدولارات نقدا للإرهابيين لتمويل عملياتهم الإرهابية وتم صرف جزء منها في السوق السورية بالسعر المرتفع وقتها. لاحقا استمر الفائض في العملة الصعبة داخل سوريا بعد سرقة معامل حلب وبيعها نقدا للأتراك بسعر بخس.
يبدو أن التوازن القلق لسعر الدولار في السوق قد اختل مؤخرا بسبب خروج كميات كبيرة من الدولارات من نظام الحوالة إلى النظام المصرفي العالمي لعدة أسباب، لعل أهمها شراء أسلحة غالية الثمن من قبل الإرهابيين، وتوقف إرسال التبرعات النقدية للثورة من دول الخليج وتوجيهها إلى تجار الأسلحة مباشرة، إضافة إلى لجوء عدد كبير من السوريين إلى خارج سوريا مما أدى إلى طلب زائد على التحويل إلى الخارج لتمويل هجرتهم، وإلى توجه الحوالات المالية إليهم في بلدان اللجوء وليس في سوريا.
الانهيار الذي نشاهده هذه الأيام في سعر الليرة لا يمكن أن يحصل إلا بوجود فائض كبير في العملة السورية وطلب كبير على الدولار. أنا لا أعرف كيف يظهر هذا الفائض فجأة، خصوصا أن السوريين بحاجة إلى كل ورقة نقدية معهم لتأمين معيشتهم في ظروف الغلاء، ولا أعرف كيف يظهر هذا الطلب المفاجئ على الدولار بدون سابق إنذار في سوريا، ولا ماذا سيفعل السوريون بالدولار الذي يفترض أنهم يطلبونه. باختصار أجد هذه القصة غير مقنعة، والتفسير الوحيد الذي أراه هو أن في السوق جهة ما تملك كميات كبيرة من العملة السورية ترغب بشراء كميات كبيرة من العملات الصعبة لسبب ما، وأنا أخشى أن تكون هذه الجهة هي المصرف المركزي.
نلاحظ أخيرا أن ارتفاع كلفة المعيشة في سوريا ليس مرتبطا بسعر الدولار مباشرة، بل يرتبط أساسا بعادات الشراء لدى المستهلكين وبضعف الرقابة الحكومية أو تساهلها في ضبط الأسعار. وتزامن ارتفاع كلفة المعيشة مع نفخ فقاعة الدولار التي نشهدها حاليا لا يعني ارتباطا مباشرا بين كلفة المعيشة وسعر الدولار في سوريا رغم ما تحاول الحكومة إشاعته. كلفة المعيشة مشكلة مختلفة عن مشكلة سعر الدولار، والربط بينهما لا يساعد في حل أي منهما بل في تفاقمهما.
الأيهم صالح
إضافة تعليق جديد