تذكرت هذه القصيدة عدة مرات في الأيام الماضية، وكنت قد حفظتها من تسجيلها بصوت الشاعر عندما ألقاها في تأبين خالي الشهيد اللواء الركن محمد حرفوش عام 1982، اليوم أنشر ما انحفر في ذاكرتي منها مستعصيا على النسيان بعد اثنين وثلاثين عاما، مستندا إلى القصيدة المنشورة في ديوان الشاعر كما أرسلها لي صديقي الدكتور علي محمد.
الغدر أطفأ يوم أطفأك السنا
واغتال من دنيا المنى دفء المنى
ورمى غداة رماك مهجة أمة
وغدا وتاريخا وأثكل موطنا
يا موسم الشهداء إن بني أبي
كانوا الحصاد وكنت موفور الجنى
أنا ما عرفتك يا محمد إنما
بالسمع ينتهب الجمال ويجتنى
ما كان أبلغ لو رثيتك صامتا
وغدوت من بعد الفصاحة ألكنا
لولاك لولا مأمل نحيا له
وعقيدة ما زلت فيها مؤمنا
لبرئت منها أمة كانت وما
زالت تغض على الهوان الأعينا
رأت الخلاف شريعة وذريعة
والحقد دينا والتخاذل ديدنا
لم تبق للتاريخ من قيم سوى
قيم العمالة والخيانة والخنى
وتنكرت للمعطيات فضيعت
من جهلها حتى المنى والمأمنا
يبني أخي عند الصباح وقبلما
يأتي المساء علي أهدم ما بنى
عن شعبه لكنهم شمتوا بنا
أرض العروبة والنبوءة أصبحت
بعد القداسة كلها مهد الزنا
هدموا عماد المسجد الأقصى ولو
شاؤوا ضريح نبي مكة أمكنا
فالعار طوف باحثا عن موطن
فاختار أمة يعرب واستوطنا
والذل لا يرضى مذلتها وهل
يرضى وقد صارت أذل وأهونا
هذا اللقيط بهاشم ما باله
يجد الطريق إلى الخيانة هينا
هذا الهجين وأمه عربية
لكنها حبلت به من لندنا
أخفى العمالة جاهدا وأسرها
والجان تعلم ما أسر وأعلنا
ما راعه فقر الضمير لأنه
من لعنة التاريخ أثرى واغتنى
أنكرت يعرب في مذلته أبا
وأبيت أرضك بعد عارك مسكنا
أنا لا أخاف على الشآم ودونها
نفر تمرس باللظى وتنرنا
الغار في قسماتهم ويقودهم
أسد يواكب ركبه ألق السنا
متمرد إن تذعن الدنيا فلا
ترضى له قيم العلا أن يذعنا
أنا في الطريق إلى ضريح محمد
وكأنني ألج الطريق إلى منى
أنا في ثرى الجدث المكفن بالضحى
عبر الصباح به فحيا وانحنى
جدث بأَحضان الطبيعة هاجع
فوق الذرا العطرات بعد المنحنى
يغفو على الموال منهلا على
شبابة الراعي ورجع الميجنا
وتقيل فيه الساجعات إذا شكت
حر الظهيرة تستريح من الونى
قبلته ومرغت أجفاني على
عتباته متبركا متيمنا
يرضي العلا وزهادة في المقتنى
ورأيت بيتك خاليا من كل ما
يحتاجه فكأنه بيتي أنا
كوخان خيمت الخصاصة فيهما
والكوخ أبعد ما يكون عن الغنى
لم تغبن الدنيا سوى متعفف
حر وحق الحر ألا يغبنا
كل المنى ورغائب الدنيا لهم
إرث وكل مرارة الدنيا لنا
سيثور حقد الجائعين فلن ترى
في الأرض شيطانا ولا متشيطنا
وجحيم ملحمة إذا القدر انثنى
عنها فعزم أبي أسامة ما انثنى
الأفق مثل الأرض ألف جهنم
هدرت هناك وألف دمدمة هنا
تربت يد الإنسان كيف أحاله
ترف الحضارة بربريا أرعنا
باركته في غابه متوحشا
ولعنت زيف ضميره متمدنا
لم تبق دمدمة اللظى في ساحها
إلا صريع شهادة أو مثخنا
فرأيت في نعمى الشهادة عالما
أدنى إليك من الحياة وأفتنا
ودم الشهيد إذا تحدر عابرا
في الجمر أعشب في اللهيب ونيسنا
والحانيان على ضريحك لو رأى
حتى الجماد حنو قلبهما حنا
لو رف طيفهما ندي ترابه
شهق الضريح تفجعا وتحننا
يا رب هل أثم اليتيم وهل عصى
إن راح يسأل أو سألتك ما جنى
من أطفأ البسمات حالية على
شفتيه والفرح البريء إذا رنا
لو كنت أمتلك الصباح سكبته
وأضأت جانحتيه كي لا يحزنا
أنا لا أرى يوما كيوم محمد
ذبح الطفولة والرجولة والمنى
يا ابن الغطارفة الألى لولاهم
لم تورق النعمى ولا المجد ابتنى
أنا من تناهبه السقام وعربدت
في صدره مجنونة نوب الضنا
وسلكن بين ضلوعه فأذبنها
وعبرن فوق جبينه فتغضنا
وارتاد بيتكم ويفخر أنه
صحب الحسين به وعاصر محسنا
علمان ما انسكب البيان على فمي
وانهل من شفتي لو لم يأذنا
واليتكم والحب يبدأ شاغلا
حينا ويصبح علة إن أزمنا
كرم الوفاء عصرته وجنيته
وعصرت خمرته وكنت المدمنا
عيناي مجدبتان من نعم الرؤى
فمتى يرف ندي طيفك موهنا
تنأى وتبقى ماثلا في خاطري
طيف الأحبة كلما بعدوا دنا
أثنى عليك الشاعرون وإنما
في مذهبي أنت الثناء على الثنا
إضافة تعليق جديد