تصريحات السيد سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي في الاجتماع الثاني والعشرين لمجلس السياسة الخارجية والدفاع في موسكو بتاريخ 22 نوفمبر 2014
يسرني حضور الاجتماع السنوي لمجلس السياسة الخارجية والدفاع هذا، ولطالما كان مصدراً لسعادتي لقاء الأشخاص والإحساس بإمكانياتهم الفكرية، مما يمكن هذا المجلس وقادته وممثليه من التجاوب مع التطورات العالمية وتحليلها. ودائماً كان تحليلهم خالياً من أي نوع من الهستريا، ويقدم أعضاء المجلس فرضيات صلبة ذات أسس متينة، ويأخذون خطوة نحو الوراء ليتابعوا الأحداث، نظراً لأن العالقين في وسطها بالكاد يستطيعون اعتماد مقاربة غير متحيزة. فنحن في النهاية نخضع لتأثير التطورات التي تجعل من ملاحظاتكم وتحليلكم وأفكاركم واقتراحاتكم قيمة جداً بالنسبة لنا
وحسب معلوماتي، فإن اجتماع هذا العام سيركز على آفاق تسريع النمو المحلي في روسيا، وليس هناك شك بأن الجهود المكثفة التي بذلها مجتمعنا ككل، لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وروحية متكاملة، تمثل شرطاً أساسياً لجعل مستقبل روسيا مستداماً. وبعد قول هذا، واستناداً إلى مهامي الرسمية فيجب عليّ التركيز على مواضيع السياسة الخارجية والتي لا تزال مرتبطة بجدول أعمال المجلس بما أنه من المستحيل في عالم العولمة المتداخل هذا عزل التنمية الداخلية عن العالم الخارجي.
قدم رئيس روسيا فلادمير بوتين تحليلاً مفصلاً للتطورات الدولية في اجتماع نادي فالداي في سوتشي، إضافة إلى ما ذكره خلال المقابلات التي أجراها خلال رحلته إلى آسيا. ولهذا السبب، فلن أعرض أي ملاحظات مفاهيمية بما أن كل ما يجب قوله قد قيل بالفعل. ومع ذلك، فإني أود أن أتشارك معكم بعض الاعتبارات المبنية على جهودنا اليومية في مجال السياسة الخارجية. وليس في نيتي أن أقدم منظوراً متكاملاً أو واضحاً، بما أن جميع التوقعات في هذه المرحلة مشروطة، فليس مهماً من يقترحها؛ إضافة إلى ذلك فإن الدبلوماسيين يسعون للتأثير على التطورات أثناء اتضاحها وليس استكمالها.
من الطبيعي أن أبدأ الحديث عن أوكرانيا، وقبل وقت طويل من الأزمة التي عصفت بالبلاد كان هناك شعور في الأجواء بأن العلاقات الروسية مع الاتحاد الأوربي والغرب على وشك أن تصل إلى لحظة الحقيقة. وكان واضحاً أنه لم يعد في مقدرونا الاستمرار في تجاهل مشاكل علاقاتنا ودفعها إلى آخر سلم الأولويات، وأنه لا بد من القيام بخيار ما بين الشراكة الحقيقة أو، كما يقول المثل، كسر الجرار (افتراق الطرق). ولا حاجة للقول أن روسيا عملت في اتجاه الخيار الأول بينما اتجه شركاؤنا الأوربيون للأسف نحو الخيار الثاني، بمعرفة منهم أم لا. وفي الحقيقة، فقد مضوا في الطريق إلى آخره في أوكرانيا ودعموا المتطرفين، وتخلوا بالتالي عن مبادئهم الخاصة حول تغيير النظام ديمقراطياً. وما نتج عن ذلك كان محاولة لوضع روسيا في موقف ضعيف ليروا من سيستسلم أولاً. وكما يقول المتنمرون فإنهم يريدون من روسيا أن "تجبن" لإجبارنا على ابتلاع إهانة الروس والناطقين بالروسية كلغتهم الأم في أوكرانيا.
كتب الموقر ليزلي غيلب الذي تعرفونه جميعا، أن اتفاقية شراكة أوكرانيا مع الاتحاد الأوربي ليس لها علاقة بدعوة أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوربي، بل كان الهدف منها على المدى القريب منعها من الانضمام إلى الاتحاد الجمركي. هذا ما يقوله شخص موضوعي وغير متحيز. وعندما قرروا عن سابق إصرار وتصميم المضي في مسار تصعيد الأمور في أوكرانيا نسوا الكثير من الأمور، وكان لديهم فهم واضح عن الطريقة التي سيتم النظر إلى حركة كهذه في روسيا. ونسوا نصيحة، لنقل، أوتو فون بيسمارك، الذي قال أن إهانة ملايين من الشعب الروسي القوي سيكون أكبر الأخطاء السياسية.
قال الرئيس فلاديمير بوتين مرة أن لا أحد في التاريخ استطاع إخضاع روسيا لنفوذه، وهذا ليس تقديراً بل حقيقة. لكن تم القيام بمثل هذه المحاولات لإشباع الرغبة في توسع المساحة الجغرافية الواقعة تحت السيطرة الغربية، بسبب الخوف التجاري من خسارة منافع ما سموه عبر امتداد الأطلسي على أنه نصرهم في الحرب الباردة.
إن محور الوضع اليوم هو أن كل شيء قد وقع في مكانه الصحيح وأن الحسابات التي تحرك أفعال الغرب قد أصبحت مكشوفة بالرغم من اعترافهم باستعدادهم لبناء مجتمع آمن وموطن أوربي للجميع. وأقتبس عن المغني وكاتب الأغاني بولات أوكودزهافا، "إن الماضي يصبح أوضح وأوضح" كما يصبح هذا الوضوح ملموساً أكثر. واليوم لم تعد مهمتنا أن نفهم الماضي فقط (بالرغم من أنه أمر يجب القيام به)، لكن الأهم هو التفكير بالمستقبل.
إن الحديث حول عزل روسيا لا يؤدي إلى أي نقاشات إيجابية. ولست بحاجة للخوض في هذا الأمر أمام هذا الجمهور، وبالطبع يمكن لأحدهم أن يدمر اقتصادنا، وقد وقع الضرر فعلاً، لكن فقط من خلال إلحاق الضرر بالذين يقومون باتخاذ الإجراءات اللازمة، وتدمير نظام العلاقات الاقتصادية العالمي ذي الأهمية المماثلة، وهي المبادئ التي يقوم عليها الاقتصاد. وبشكل رسمي، فعندما تم تطبيق العقوبات (كنت أعمل في البعثة الروسية في الأمم المتحدة حينها) كان شركاؤنا الغربيون، عند مناقشة مواضيع تتعلق بكوريا الديمقراطية أو إيران أو غيرها من الدول، يقولون أنها ضرورية لتشكيل الضوابط بطريقة لا تتجاوز الحدود الإنسانية ولا تتسبب بالضرر للنسيج الاجتماعي والاقتصاد، وتستهدف فقط الفئة المختارة. واليوم يسير كل شيء بالعكس، فالقادة الأوربيون يعلنون بشكل صريح أن العقوبات يجب أن تدمر الاقتصاد وتحفز الانتفاضات الشعبية. وبالتالي، وفيما بتعلق بالمقاربة المفاهيمية لاستخدام التدابير القسرية يُظهر الغرب بشكل لا لبس فيه أنه لا يسعى فقط إلى تغيير السياسة الروسية (وهو هدف مخادع في حد ذاته) لكنهم يسعون إلى تغيير النظام – ولا أحد ينفي ذلك عملياً.
قال الرئيس فلاديمير بوتين في حديثه إلى الصحافة مؤخراً، أن القادة الغربيين اليوم لديهم أفق تخطيط محدود. وفي الحقيقة يصبح الأمر خطراً عندما يتم اتخاذ القرارات بشأن المشاكل الرئيسية للتنمية في العالم والإنسانية ككل بناء على الولايات الانتخابية القصيرة: ففي الولايات المتحدة تدوم الدورة الانتخابية لسنتين وفي كل مرة يجب على المرء التفكير في شيء ما أو فعله للفوز بالأصوات. وهذا هو الجانب السلبي للعملية الانتخابية، وإن كنا غير قادرين على تحمل مغبة تجاهله. لا يمكننا أن نقبل المنطق عندما يُطلب منا الاستسلام والاسترخاء وتقبل الأمور كما هي بينما على الجميع أن يعانوا لأن هناك انتخابات في الولايات المتحدة كل سنتين. هذا ليس صحيحاً. ولن نرهن أنفسنا لذلك لأن المخاطر أكبر بكثير في قتال الإرهاب وتهديدات انتشار أسلحة الدمار الشامل والعديد من النزاعات الدموية التي تتجاوز آثارها السلبية إطار عمل الدول والمناطق المعنية. تقود الرغبة بعمل شيء لاكتساب ميزة فردية أو جذب جمهور الناخبين إلى فوضى وتوتر في العلاقات الدولية.
وإننا نستمع في كل يوم إلى الشعارات المكررة بأن واشنطن تعي دورها الحصري وواجبها في تحمل هذا العبء وقيادة باقي العالم. وتحدث روديارد كيبليغ حول "عبء الرجل الأبيض". وأرجو ألا يكون هذا ما يقود الأمريكيين. فالعالم اليوم ليس أبيضاً أو أسوداً،، لكنه متعدد الألوان والأجناس. ولا يمكن ضمان القيادة في هذا العالم من خلال إقناع أنفسنا بحصريتنا وأن الله منحنا واجباً في أن نكن مسؤولين عن الجميع، لكن فقط من خلال القدرة والمهارة لتشكيل الإجماع. لو وضع شركاء الولايات المتحدة قوتهم في خدمة هذا الهدف، لكان ذلك أمراً لا يقدر بثمن ولكانت روسيا تساعدهم بفعالية.
لكن حتى الآن، لا تزال موارد الإدارة الأمريكية تعمل فقط في إطار عمل حلف الناتو، ومع التحفظات الهائلة فإن الأوامر لا تصل إلى ما بعد حلف شمال الأطلسي. وهو أحد الإثباتات على أن هذه هي نتائج محاولات الولايات المتحدة لجعل المجتمع الدولي يتبع طريقها فيما يتعلق بالمبادئ المعادية لروسيا والعقوبات عليها. وقد تحدثت عن هذا الأمر أكثر من مرة وقدمنا أدلة على حقيقة أن السفراء والمبعوثين الأمريكيين حول العالم يعقدون اجتماعات على أعلى المستويات ليناقشوا بأن الدول المعنية ملزمة بمعاقبة روسيا إلى جانبهم أو سيواجهون العواقب. ويتم هذا مع جميع الدول بمن فيها أقرب حلفائنا (مما يقول الكثير عن نوع المحللين الذين يعملون لدى واشنطن). وكما ترون فإن أغلبية الدول التي لدينا معها حوار مستمر دون قيود أو عزل، تقدر دور روسيا المستقل في الحلبة الدولية. وليس لأنهم يحبون أن يتحدى أحد ما الأمريكيين، بل لأنهم يعون أن النظام العالمي لن يكون مستقراً إن لم يُسمح لأحد بالحديث عما يدور في خلده (بالرغم من أن الأغلبية تعبر عن رأيها في الاجتماعات الخاصة لكنها لا ترغب في القيام بذلك علناً لخوفها من انتقام واشنطن).
يعي العديد من المحللين المنطقيين أن هناك فجوة تتسع بين الطموح العالمي لإدارة الولايات المتحدة وبين الإمكانيات الحقيقة لهذه الدولة. إن العالم يتغير وكما يحدث عادة في التاريخ، ففي نقطة ما يصل نفوذ أحدهم وقوته إلى ذروتها ثم يبدأ بالتطور بشكل أسرع وأكثر فاعلية. وينبغي على المرء دراسة التاريخ والاستفادة من وقائعه. تمتلك الاقتصاديات السبع النامية في مجموعة البريكس ناتجاً محلياً إجماليا ًأكبر من مجموعة السبع الغربية. وينبغي على المرء الانطلاق من حقائق الحياة وليس من الشعور الخاطئ بالعظمة.
وقد أصبح من الرائج القول أن روسيا تشن نوعاً من "الحرب الهجينة" في كريميا وأوكرانيا. وهو مصطلح مثير للاهتمام ولكني أفضل إطلاقه على الولايات المتحدة واستراتيجيتها الحربية قبل كل شيء - إنها بالفعل حرب هجينة لا تهدف إلى هزيمة العدو العسكري بقدر ما تهدف إلى تغيير الأنظمة في الدول التي تنتهج سياسة لا تنال إعجاب واشنطن. فهي تستخدم الضغط المالي والاقتصادي والهجمات المعلوماتية وتستخدم الآخرين ضمن نطاق الدول المقصودة كوسيط، إلى جانب المعلومات والضغوط الايديولوجية من خلال منظمات غير حكومية ذات تمويل خارجي. إنها ليس عملية هجينة وليست ما ندعوه حرباً؟ وسيكون من المثير مناقشة مفهوم الحرب الهجينة لنرى من الذي يشنها وهل تدور فعلاً حول "الرجال الصغار الخضر".
يبدو أن حقيبة أدوات شركائنا في الولايات المتحدة والذين اعتادوا على استخدامها أكبر بكثير.
وفي محاولتهم لإثبات تفوقهم في الوقت الذي تظهر فيه مراكز قوى اقتصادية ومالية وسياسية جديدة، قام الأمريكيون باستفزاز ردود الأفعال أثناء تطبيقهم لقانون نيوتن الثالث في الجاذبية وساهموا في نشوء هيكليات وآليات وتحركات تسعى إلى بدائل للوصفات الأمريكية لحل المشاكل الملحة. وأنا لا أشير إلى معاداة الولايات المتحدة التي لا تزال بعيدة عن تشكيل تحالفات موجهة ضد الولايات المتحدة، لكني أشير فقط إلى الرغبة الطبيعية لعدد متنامٍ من الدول في تأمين مصالحها الحيوية والقيام بذلك بالطريقة التي تراها مناسبة، وليس تطبيق ما يُملى عليها "من الطرف الآخر للمحيط". لا أحد سيلعب لعبة معاداة الولايات المتحدة فقط لإزعاج الولايات المتحدة. ونحن نواجه محاولات وحقائق لاستخدام القانون الأمريكي خارج الأراضي الأمريكية واختطاف مواطنينا بغض النظر عن المعاهدات القائمة مع واشنطن والتي يفترض أن يتم حل هذه المشاكل بموجبها من خلال فرض القانون والهيئات القضائية.
ووفقاً لتعاليم الأمن الوطني الأمريكي، فلدى الولايات المتحدة الحق باستخدام القوة في أي مكان وأي وقت ودون الحاجة إلى طلب موافقة مجلس الأمن في الأمم المتحدة. تم تشكيل تحالف ضد الدولة الإسلامية دون علم مجلس الأمن. وقد سألت وزير الخارجية جون كيري عن السبب الذي دفعهم لعدم اللجوء إلى مجلس الأمن لهذا الغرض.
فقال لي أنهم لو فعلوا، فعليهم بشكل أو بآخر الاعتراف بموقع الرئيس السوري بشار الأسد. بالطبع كان عليهم ذلك لأن سوريا دولة ذات سيادة ولا تزال عضوا في الأمم المتحدة (ولم يستثنها أحد من عضوية الأمم المتحدة). وقال وزير الخارجية الأمريكي أن ذلك خطأ لأن الولايات المتحدة تحارب الإرهاب، ونظام الأسد هو العامل الأكثر أهمية فهو يستقطب الإرهابيين من حول العالم ويعمل كمغناطيس يجتذبهم إلى هذه المنطقة في محاولة للإطاحة بالنظام السوري.
أعتقد أن هذا المنطق ملتوٍ، ولو كنا نتحدث عن حالات سابقة (المرات التي التزمت فيها الولايات المتحدة بالسوابق القضائية)، فمن المهم أن نذكر عملية نزع الأسلحة الكيميائية في سوريا عندما كان نظام الأسد شريكاً قانونياً بالكامل للولايات المتحدة وروسيا ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية وغيرهم. وحافظ الأمريكيون على المحادثات مع طالبان كذلك، فعندما يكون أمام الولايات المتحدة فرصة لتحقيق فائدة لها فإنها تتصرف ببراجماتية شديدة. أنا لست متأكداً من السبب الذي جعل الموقف الذي تقوده الايديولوجيا يحصل على اليد العليا هذه المرة، لتختار الولايات المتحدة أن تؤمن بأن الأسد لا يمكن أن يكون شريكاً. وربما ليست هذه عملية ضد الدولة الإسلامية بل هي تمهد الطريق أمام الإطاحة بالأسد تحت غطاء عملية مكافحة الإرهاب.
كتب فرانسيس فوكوشيما مؤخراً كتاباً يحمل اسم النظام السياسي والاضمحلال السياسي، والذي يفترض فيه أن كفاءة الإدارة العامة في الولايات المتحدة في تراجع وأن تقاليد الإدارة الديمقراطية يتم استبدالها تدريجياً بأساليب الإدارة الإقطاعية. وهو جزء من النقاش عن شخص يعيش في منزل زجاجي ويرمي الحجارة.
ويحدث كل ذلك وسط التحديات والمشاكل المتفاقمة في العالم الحديث. ونحن نشهد لعبة "شد حبل" مستمرة في أوكرانيا. فالمشاكل تستعر تحت الرماد على الحدود الجنوبية للاتحاد الأوربي. ولا أعتقد أن مشاكل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستختفي من تلقاء نفسها. لقد شكل الاتحاد الأوربي مفوضية جديدة، وظهر لاعبون غرباء جدد في الساحة، والذين سيواجهون مجابهة جدية حول المكان الذي سيرسلون إليه مواردهم الأساسية: إما لاستمرار المخطط المتهور في أوكرانيا ومولدافيا وغيرها، ضمن الشراكة الشرقية (كما تشير بذلك الأقلية العدائية في الإتحاد الأوربي)، أو أنهم سيستمعون إلى الدول الأوربية الجنوبية وسيركزون على ما يجري على الجانب الآخر من البحر المتوسط.
وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة للاتحاد الأوربي.
وحتى الآن، فهم لا يواجهون المشاكل الحقيقية، بل تحدوهم الرغبة للإمساك بالأشياء بسرعة من الأرض المحروثة حديثا, وهذا هو اليأس بعينه. فإن تصدير الثورات، الديمقراطية منها أو الشيوعية أو غيرها، لن يجلب معه أي فائدة.
إن بنى الدولة والهيكليات العامة والمتحضرة تتفكك حرفياً في الشرق الأوسط، ويمكن للقوة المدمرة التي تم إطلاقها في هذه العملية أن تصيب دولاً تقع خارج هذه المنطقة. فالإرهابيون (بمن فيهم الدولة الإسلامية) يطالبون بدولة وطنية، إضافة إلى ذلك فإنهم قد بدأوا فعلاً في إحداث هيئات شبه حكومية تشارك في العمل الإداري.
وفي المشهد الخلفي، نجد أن الاقليات بما فيها المسيحيون قد تم نفيهم. وفي أوروبا، تعد هذه المشاكل غير صحيحة بالمنظور السياسي. فهم يشعرون بالعار عندما ندعوهم للقيام بشيء ما بهذا الخصوص معناً في منظمة الأمن والتعاون. وهم يتساءلون لماذا علينا أن نركز بشكل خاص على المسيحيين؟ ولماذا هم بهذه الأهمية؟ عقدت منظمة الأمن والتعاون الجماعي سلسلة من الفعاليات المخصصة لتخليد ذكرى الهلوكوست وضحاياها الباقين على قيد الحياة. ومنذ بضع سنوات، بدأت منظمة الأمن والتعاون بإقامة فعاليات ضد فوبيا الإسلام (الخوف من الإسلام)، وسنقوم بتقديم تحليل للعملية المؤدية إلى فوبيا المسيحية (الخوف من المسيحية).
سيعقد الاجتماع الوزاري لمنظمة الأمن والتعاون في 4-5 ديسمبر في بازل، حيث سنقدم هذا العرض. تتجنب أغلبية دول الاتحاد الأوربي هذا الموضوع، لأنها تخجل من الحديث عنه. تماما كما تشعر بالخجل من تضمين ما كان يدعى حينها بدستور الاتحاد الأوربي عبارة كتبها فاليري غيزكار تنص على أن لأوروبا جذوراً مسيحية.
إن كنتم لا تذكرون أو تحترمون جذوركم وتقاليدكم، فكيف لكم أن تحترموا تقاليد وقيم الآخرين؟ إنه منطق مباشر. إن مقارنة ما يجري الآن في الشرق الأوسط مع فترة الحروب الدينية في أوروبا، يقول العالم السياسي الاسرائيلي أفينيري أنه من غير المحتمل انتهاء الاضطرابات الحالية بما يعنيه الغرب بقوله "إصلاحات ديمقراطية".
إن النزاع العربي الإسرائيلي في حالة تعليق الآن، ومن الصعب اللعب على عدة جبهات في الوقت نفسه. يحاول الأمريكيون تحقيق هذا، لكن الأمر لا يسير في صالحهم. في عام 2013، لزمهم تسعة أشهر لفهم النزاع العربي الاسرائيلي. وأنا لن أتطرق للأسباب، فهي معروفة، لكنهم فشلوا في ذلك أيضاً. والآن طلبوا المزيد من الوقت ليحاولوا تحقيق بعض التقدم قبل نهاية عام 2014، كي لا يذهب الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة ويوقعوا على النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وغير ذلك. وفجأة، تبين أن المفاوضات حول إيران جارية. وتخلت وزارة الخارجية الأمريكية عن الفلسطينيين لتركز على إيران.
اتفقت مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على التحدث عن هذا الموضوع خلال وقت قريب، ومن المهم أن نفهم أنه ليس باستطاعتهم إبقاء مشكلة الفلسطينيين في حالة جمود إلى الأبد. والفشل في حلها لقرابة سبعين عاماً كان محور النقاش الأساسي للذين يجندون المتطرفين في صفوفهم، "لا توجد عدالة: تم وعدنا بإقامة دولتين، وتمت إقامة الدولة اليهودية، لكنهم لن يعملوا على إقامة الدولة العربية أبداً". ومن خلال استخدام هذه الحجج في الشارع العربي المتعطش، فإنها تبدو معقولة جداً، وبدأؤا بالدعوة للقتال من أجل العدالة باستخدام أساليب أخرى.
قال رئيس روسيا فلاديمير بوتين في اجتماع نادي فالداي في سوتشي بأننا نحتاج إلى نسخة جديدة من الاتكالية. وكان هذا تصريحاً موضوعياً للغاية. فالقوى الرئيسية لا بد أن تعود إلى مائدة المفاوضات وتتفق على إطار عمل جديد يأخذ بالحسبان المصالح الشرعية الأساسية لجميع الأطراف الرئيسية (ولا يمكنني أن أقول لكم ماذا يجب تسميته، لكن ينبغي أن يعتمد على ميثاق الأمم المتحدة)، وليتفقوا على ضوابط منطقية يمكن فرضها ذاتياً وإدارة مخاطر كلية ضمن نظام للعلاقات الدولية يرتكز على القيم الديمقراطية. يروج شركاؤنا الغربيون لاحترام سلطة القانون والديمقراطية ورأي الأقلية ضمن دولهم، وفي الوقت نفسه لا يدافعون عن هذه القيم نفسها في العلاقات الدولية. مما يضع روسيا في موقع رائد لتعزيز الديمقراطية والعدالة وسلطة القانون الدولي. لا يمكن للنظام العالمي الجديد إلا أن يكون متعدد الأقطاب وينبغي أن يعكس تنوع الثقافات والحضارات في عالم اليوم.
أنتم تعرفون أن روسيا ملتزمة بضمان تجزئة الأمن في العلاقات الدولية وتحميله على القانون الدولي. ولن أتوسع في هذا المجال.
أود أن أدعم النقطة القائلة التي تقول أن مجلس السياسة الخارجية والدفاع يقول أن روسيا لن تنجح في أن تصبح قوة عظمى ناجحة وواثقة في القرن الحادي والعشرين دون تطوير المناطق الشرقية منها. وكان سيرجي كاراغانوف بين أوائل من حولوا هذه الفكرة إلى مفهوم، وأنا أوافق تماماً على ذلك. وإن الوصول بالعلاقات الروسية مع دول المحيط الهادي الآسيوية إلى مستوى جديد يعد أولوية مطلقة، فقد عملت روسيا على جميع هذه المسارات في اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي لأسيا والمحيط الهادئ في بكين وملتقى مجموعة العشرين. وسنستمر في الحركة في هذا الاتجاه في البيئة الجديدة التي سيوفرها اطلاق الاتحاد الاقتصادي الاوراسي المرتقب في الأول من يناير 2015.
لقد تمت معاملتنا على أننا "أدنى من البشر"، ولأكثر من عقد، كانت روسيا تحاول تأسيس شراكة مع حلف الناتو من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي. ولم تكن هذه الجهود بهدف وضع الناتو ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي "ضمن التحالف نفسه" فقط. ففي الحقيقة فإن منظمة معاهدة الأمن الجماعي تركز على القبض على تجار المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين حول الحدود الأفغانية، بينما يعد الناتو العمود الفقري لقوات الأمن الدولية والتي يعهد إليها، من بين مهام أخرى، بمواجهة التهديد الإرهابي والتخلص من برامج تمويله، والتي تتضمن تجارة المخدرات. لقد جربنا كل شيء: والتمسنا ثم طالبنا بتواصل في الوقت الحقيقي، حتى إن تمكن الناتو من اكتشاف قافلة تنقل المخدرات ولم يتمكن من إيقافها فبوسعه تحذيرنا عبر الحدود كي يتم اعتراض هذه القافلة من قبل قوى منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وهم ببساطة رفضوا التحدث إلينا. وفي الحوارات الخاصة، فإن من يتمنون لنا الخير من الناتو (وأنا أعني ذلك بطريقة إيجابية فعلاً) قد أخبرونا أن التحالف لا ينظر إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي على أنها شريك متكافئ وذلك لأسباب ايديولوجية. حتى وقت قريب، شهدنا موقفاً متعالياً ومغروراً فيما يخص التكامل الاقتصادي الأوراسي، وذلك بالرغم من حقيقة أن الدول التي تنوي الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي لديها الكثير من القواسم المشتركة فيما يتعلق باقتصادياتها وتاريخها وثقافتها أكثر مما لدى دول الاتحاد الأوربي. لا يهدف هذا الاتحاد إلى إيجاد عوائق مع أي كان، فنحن دائما نؤكد على مدى الانفتاح الذي نتوقعه لهذا الاتحاد. وأنا أؤمن بقوة بأنه سيقدم مساهمة كبيرة في بناء جسر يربط أوروبا بآسيا ودول المحيط الهادئ.
لا يسعني إلا أن أذكر شراكة روسيا المتكاملة مع الصين. وقد تم اتخاذ قرارات ثنائية هامة لتمهد الطريق إلى تحالف في الطاقة بين روسيا والصين. لكن هناك المزيد. اذ يمكننا الآن الحديث عن التحالف التكنولوجي الناشئ بين البلدين. فترادف روسيا مع بكين عامل حاسم لضمان الاستقرار العالمي، وإضافة بعض التوازن على الأقل إلى العلاقات الدولية إلى جانب ضمان سلطة القانون الدولي. وسنستفيد بشكل كامل من علاقتنا مع الهند وفيتنام الشركاء الاستراتيجيين لروسيا، وكذلك مع دول رابطة دول جنوب شرق آسيا. كما أننا منفتحون لتوسيع تعاوننا مع اليابان، إن استطاع جيراننا اليابانيون النظر إلى مصالحهم الوطنية والتوقف عن النظر خلفهم في انتظار توجيهات قوى تقبع وراء المحيط.
لا يوجد شك بأن الاتحاد الأوربي هو أضخم شريك جماعي لنا، ولا أحد ينوي "إطلاق النار على قدمه" من خلال رفض التعاون مع أوروبا على الرغم من توضح الأمور الآن بأن العمل كما هو معتاد في السابق لم يعد خياراً مطروحا. هذا ما يخبرنا به شركاؤنا الأوربيون، لكننا لا نرغب بالعمل بالطرق القديمة أيضاً. إنهم يعتقدون أن روسيا تدين لهم بشيء ما، في حيت أننا نرغب بأن نكون معهم على قدم المساواة. ولهذا السبب لن تعود الأمور كما كانت في السابق أبداً. وبعد قول ذلك، فأنا واثق بأننا سنكون قادرين على التغلب على هذه المرحلة وتعلم دروسها وسيظهر أساس جديد لعلاقاتنا .
أصبحت فكرة إيجاد مساحة اقتصادية وإنسانية واحدة تمتد من لشبونة وحتى فالديفوستوك مسموعة الآن هنا وهناك وبدأت باكتساب الزخم. وقال وزير الخارجية الألماني فرانك والتر ستاينماير علناً (رغم أننا نقول الأمر نفسه منذ وقت طويل) بأنه يجب أن ينخرط الاتحاد الأوربي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي في الحوار. ولم يعد تصريح الرئيس فلاديمير بوتين في بروكسل في يناير 2014 والذي اقترح فيه الخطوة الأولى من خلال إطلاق مفاوضات حول منطقة تجارة حرة بين الاتحاد الأوربي والاتحاد الجمركي تضع عام 2020 نصب أعينها، أمراً مستغرباً. كل ذلك أصبح بالفعل جزءاً من الدبلوماسية والسياسة الحقيقية. وبالرغم من أن هذا الأمر لا يزال حتى الآن موضوعاً للنقاش فقط، فإنني أؤمن وبقوة أننا في يوم من الأيام سنحقق ما يدعى "تكامل التكاملات". وهو أحد المواضيع الرئيسية التي نرغب في تعزيزها ضمن منظمة الأمن والتعاون الجماعي في المجلس الوزاري في بازل.
إن روسيا على وش تسلم رئاسة دول البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون. وستعقد كلا المنظمتين اجتماعات القمة في أوفا. إنها منظمات واعدة للغاية في العصر الجديد، وهي ليست تكتلات (وخاصة البريكس)، لكنها عبارة عن مجموعات يمكن لأعضائها تشارك الاهتمامات نفسها وتمثل دولاً من جميع القارات تتشارك مقاربات مشتركة نحو مستقبل الاقتصاد والتمويل والسياسة العالمية.
ترجمة: إزميرالدا حميدان
النص الأصلي هو الترجمة الرسمية من الروسية للانكليزية على موقع وزارة الخارجية الروسية
http://www.mid.ru/brp_4.nsf/0/24454A08D48F695EC3257D9A004BA32E
يسرني حضور الاجتماع السنوي لمجلس السياسة الخارجية والدفاع هذا، ولطالما كان مصدراً لسعادتي لقاء الأشخاص والإحساس بإمكانياتهم الفكرية، مما يمكن هذا المجلس وقادته وممثليه من التجاوب مع التطورات العالمية وتحليلها. ودائماً كان تحليلهم خالياً من أي نوع من الهستريا، ويقدم أعضاء المجلس فرضيات صلبة ذات أسس متينة، ويأخذون خطوة نحو الوراء ليتابعوا الأحداث، نظراً لأن العالقين في وسطها بالكاد يستطيعون اعتماد مقاربة غير متحيزة. فنحن في النهاية نخضع لتأثير التطورات التي تجعل من ملاحظاتكم وتحليلكم وأفكاركم واقتراحاتكم قيمة جداً بالنسبة لنا
وحسب معلوماتي، فإن اجتماع هذا العام سيركز على آفاق تسريع النمو المحلي في روسيا، وليس هناك شك بأن الجهود المكثفة التي بذلها مجتمعنا ككل، لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وروحية متكاملة، تمثل شرطاً أساسياً لجعل مستقبل روسيا مستداماً. وبعد قول هذا، واستناداً إلى مهامي الرسمية فيجب عليّ التركيز على مواضيع السياسة الخارجية والتي لا تزال مرتبطة بجدول أعمال المجلس بما أنه من المستحيل في عالم العولمة المتداخل هذا عزل التنمية الداخلية عن العالم الخارجي.
قدم رئيس روسيا فلادمير بوتين تحليلاً مفصلاً للتطورات الدولية في اجتماع نادي فالداي في سوتشي، إضافة إلى ما ذكره خلال المقابلات التي أجراها خلال رحلته إلى آسيا. ولهذا السبب، فلن أعرض أي ملاحظات مفاهيمية بما أن كل ما يجب قوله قد قيل بالفعل. ومع ذلك، فإني أود أن أتشارك معكم بعض الاعتبارات المبنية على جهودنا اليومية في مجال السياسة الخارجية. وليس في نيتي أن أقدم منظوراً متكاملاً أو واضحاً، بما أن جميع التوقعات في هذه المرحلة مشروطة، فليس مهماً من يقترحها؛ إضافة إلى ذلك فإن الدبلوماسيين يسعون للتأثير على التطورات أثناء اتضاحها وليس استكمالها.
من الطبيعي أن أبدأ الحديث عن أوكرانيا، وقبل وقت طويل من الأزمة التي عصفت بالبلاد كان هناك شعور في الأجواء بأن العلاقات الروسية مع الاتحاد الأوربي والغرب على وشك أن تصل إلى لحظة الحقيقة. وكان واضحاً أنه لم يعد في مقدرونا الاستمرار في تجاهل مشاكل علاقاتنا ودفعها إلى آخر سلم الأولويات، وأنه لا بد من القيام بخيار ما بين الشراكة الحقيقة أو، كما يقول المثل، كسر الجرار (افتراق الطرق). ولا حاجة للقول أن روسيا عملت في اتجاه الخيار الأول بينما اتجه شركاؤنا الأوربيون للأسف نحو الخيار الثاني، بمعرفة منهم أم لا. وفي الحقيقة، فقد مضوا في الطريق إلى آخره في أوكرانيا ودعموا المتطرفين، وتخلوا بالتالي عن مبادئهم الخاصة حول تغيير النظام ديمقراطياً. وما نتج عن ذلك كان محاولة لوضع روسيا في موقف ضعيف ليروا من سيستسلم أولاً. وكما يقول المتنمرون فإنهم يريدون من روسيا أن "تجبن" لإجبارنا على ابتلاع إهانة الروس والناطقين بالروسية كلغتهم الأم في أوكرانيا.
كتب الموقر ليزلي غيلب الذي تعرفونه جميعا، أن اتفاقية شراكة أوكرانيا مع الاتحاد الأوربي ليس لها علاقة بدعوة أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوربي، بل كان الهدف منها على المدى القريب منعها من الانضمام إلى الاتحاد الجمركي. هذا ما يقوله شخص موضوعي وغير متحيز. وعندما قرروا عن سابق إصرار وتصميم المضي في مسار تصعيد الأمور في أوكرانيا نسوا الكثير من الأمور، وكان لديهم فهم واضح عن الطريقة التي سيتم النظر إلى حركة كهذه في روسيا. ونسوا نصيحة، لنقل، أوتو فون بيسمارك، الذي قال أن إهانة ملايين من الشعب الروسي القوي سيكون أكبر الأخطاء السياسية.
قال الرئيس فلاديمير بوتين مرة أن لا أحد في التاريخ استطاع إخضاع روسيا لنفوذه، وهذا ليس تقديراً بل حقيقة. لكن تم القيام بمثل هذه المحاولات لإشباع الرغبة في توسع المساحة الجغرافية الواقعة تحت السيطرة الغربية، بسبب الخوف التجاري من خسارة منافع ما سموه عبر امتداد الأطلسي على أنه نصرهم في الحرب الباردة.
إن محور الوضع اليوم هو أن كل شيء قد وقع في مكانه الصحيح وأن الحسابات التي تحرك أفعال الغرب قد أصبحت مكشوفة بالرغم من اعترافهم باستعدادهم لبناء مجتمع آمن وموطن أوربي للجميع. وأقتبس عن المغني وكاتب الأغاني بولات أوكودزهافا، "إن الماضي يصبح أوضح وأوضح" كما يصبح هذا الوضوح ملموساً أكثر. واليوم لم تعد مهمتنا أن نفهم الماضي فقط (بالرغم من أنه أمر يجب القيام به)، لكن الأهم هو التفكير بالمستقبل.
إن الحديث حول عزل روسيا لا يؤدي إلى أي نقاشات إيجابية. ولست بحاجة للخوض في هذا الأمر أمام هذا الجمهور، وبالطبع يمكن لأحدهم أن يدمر اقتصادنا، وقد وقع الضرر فعلاً، لكن فقط من خلال إلحاق الضرر بالذين يقومون باتخاذ الإجراءات اللازمة، وتدمير نظام العلاقات الاقتصادية العالمي ذي الأهمية المماثلة، وهي المبادئ التي يقوم عليها الاقتصاد. وبشكل رسمي، فعندما تم تطبيق العقوبات (كنت أعمل في البعثة الروسية في الأمم المتحدة حينها) كان شركاؤنا الغربيون، عند مناقشة مواضيع تتعلق بكوريا الديمقراطية أو إيران أو غيرها من الدول، يقولون أنها ضرورية لتشكيل الضوابط بطريقة لا تتجاوز الحدود الإنسانية ولا تتسبب بالضرر للنسيج الاجتماعي والاقتصاد، وتستهدف فقط الفئة المختارة. واليوم يسير كل شيء بالعكس، فالقادة الأوربيون يعلنون بشكل صريح أن العقوبات يجب أن تدمر الاقتصاد وتحفز الانتفاضات الشعبية. وبالتالي، وفيما بتعلق بالمقاربة المفاهيمية لاستخدام التدابير القسرية يُظهر الغرب بشكل لا لبس فيه أنه لا يسعى فقط إلى تغيير السياسة الروسية (وهو هدف مخادع في حد ذاته) لكنهم يسعون إلى تغيير النظام – ولا أحد ينفي ذلك عملياً.
قال الرئيس فلاديمير بوتين في حديثه إلى الصحافة مؤخراً، أن القادة الغربيين اليوم لديهم أفق تخطيط محدود. وفي الحقيقة يصبح الأمر خطراً عندما يتم اتخاذ القرارات بشأن المشاكل الرئيسية للتنمية في العالم والإنسانية ككل بناء على الولايات الانتخابية القصيرة: ففي الولايات المتحدة تدوم الدورة الانتخابية لسنتين وفي كل مرة يجب على المرء التفكير في شيء ما أو فعله للفوز بالأصوات. وهذا هو الجانب السلبي للعملية الانتخابية، وإن كنا غير قادرين على تحمل مغبة تجاهله. لا يمكننا أن نقبل المنطق عندما يُطلب منا الاستسلام والاسترخاء وتقبل الأمور كما هي بينما على الجميع أن يعانوا لأن هناك انتخابات في الولايات المتحدة كل سنتين. هذا ليس صحيحاً. ولن نرهن أنفسنا لذلك لأن المخاطر أكبر بكثير في قتال الإرهاب وتهديدات انتشار أسلحة الدمار الشامل والعديد من النزاعات الدموية التي تتجاوز آثارها السلبية إطار عمل الدول والمناطق المعنية. تقود الرغبة بعمل شيء لاكتساب ميزة فردية أو جذب جمهور الناخبين إلى فوضى وتوتر في العلاقات الدولية.
وإننا نستمع في كل يوم إلى الشعارات المكررة بأن واشنطن تعي دورها الحصري وواجبها في تحمل هذا العبء وقيادة باقي العالم. وتحدث روديارد كيبليغ حول "عبء الرجل الأبيض". وأرجو ألا يكون هذا ما يقود الأمريكيين. فالعالم اليوم ليس أبيضاً أو أسوداً،، لكنه متعدد الألوان والأجناس. ولا يمكن ضمان القيادة في هذا العالم من خلال إقناع أنفسنا بحصريتنا وأن الله منحنا واجباً في أن نكن مسؤولين عن الجميع، لكن فقط من خلال القدرة والمهارة لتشكيل الإجماع. لو وضع شركاء الولايات المتحدة قوتهم في خدمة هذا الهدف، لكان ذلك أمراً لا يقدر بثمن ولكانت روسيا تساعدهم بفعالية.
لكن حتى الآن، لا تزال موارد الإدارة الأمريكية تعمل فقط في إطار عمل حلف الناتو، ومع التحفظات الهائلة فإن الأوامر لا تصل إلى ما بعد حلف شمال الأطلسي. وهو أحد الإثباتات على أن هذه هي نتائج محاولات الولايات المتحدة لجعل المجتمع الدولي يتبع طريقها فيما يتعلق بالمبادئ المعادية لروسيا والعقوبات عليها. وقد تحدثت عن هذا الأمر أكثر من مرة وقدمنا أدلة على حقيقة أن السفراء والمبعوثين الأمريكيين حول العالم يعقدون اجتماعات على أعلى المستويات ليناقشوا بأن الدول المعنية ملزمة بمعاقبة روسيا إلى جانبهم أو سيواجهون العواقب. ويتم هذا مع جميع الدول بمن فيها أقرب حلفائنا (مما يقول الكثير عن نوع المحللين الذين يعملون لدى واشنطن). وكما ترون فإن أغلبية الدول التي لدينا معها حوار مستمر دون قيود أو عزل، تقدر دور روسيا المستقل في الحلبة الدولية. وليس لأنهم يحبون أن يتحدى أحد ما الأمريكيين، بل لأنهم يعون أن النظام العالمي لن يكون مستقراً إن لم يُسمح لأحد بالحديث عما يدور في خلده (بالرغم من أن الأغلبية تعبر عن رأيها في الاجتماعات الخاصة لكنها لا ترغب في القيام بذلك علناً لخوفها من انتقام واشنطن).
يعي العديد من المحللين المنطقيين أن هناك فجوة تتسع بين الطموح العالمي لإدارة الولايات المتحدة وبين الإمكانيات الحقيقة لهذه الدولة. إن العالم يتغير وكما يحدث عادة في التاريخ، ففي نقطة ما يصل نفوذ أحدهم وقوته إلى ذروتها ثم يبدأ بالتطور بشكل أسرع وأكثر فاعلية. وينبغي على المرء دراسة التاريخ والاستفادة من وقائعه. تمتلك الاقتصاديات السبع النامية في مجموعة البريكس ناتجاً محلياً إجماليا ًأكبر من مجموعة السبع الغربية. وينبغي على المرء الانطلاق من حقائق الحياة وليس من الشعور الخاطئ بالعظمة.
وقد أصبح من الرائج القول أن روسيا تشن نوعاً من "الحرب الهجينة" في كريميا وأوكرانيا. وهو مصطلح مثير للاهتمام ولكني أفضل إطلاقه على الولايات المتحدة واستراتيجيتها الحربية قبل كل شيء - إنها بالفعل حرب هجينة لا تهدف إلى هزيمة العدو العسكري بقدر ما تهدف إلى تغيير الأنظمة في الدول التي تنتهج سياسة لا تنال إعجاب واشنطن. فهي تستخدم الضغط المالي والاقتصادي والهجمات المعلوماتية وتستخدم الآخرين ضمن نطاق الدول المقصودة كوسيط، إلى جانب المعلومات والضغوط الايديولوجية من خلال منظمات غير حكومية ذات تمويل خارجي. إنها ليس عملية هجينة وليست ما ندعوه حرباً؟ وسيكون من المثير مناقشة مفهوم الحرب الهجينة لنرى من الذي يشنها وهل تدور فعلاً حول "الرجال الصغار الخضر".
يبدو أن حقيبة أدوات شركائنا في الولايات المتحدة والذين اعتادوا على استخدامها أكبر بكثير.
وفي محاولتهم لإثبات تفوقهم في الوقت الذي تظهر فيه مراكز قوى اقتصادية ومالية وسياسية جديدة، قام الأمريكيون باستفزاز ردود الأفعال أثناء تطبيقهم لقانون نيوتن الثالث في الجاذبية وساهموا في نشوء هيكليات وآليات وتحركات تسعى إلى بدائل للوصفات الأمريكية لحل المشاكل الملحة. وأنا لا أشير إلى معاداة الولايات المتحدة التي لا تزال بعيدة عن تشكيل تحالفات موجهة ضد الولايات المتحدة، لكني أشير فقط إلى الرغبة الطبيعية لعدد متنامٍ من الدول في تأمين مصالحها الحيوية والقيام بذلك بالطريقة التي تراها مناسبة، وليس تطبيق ما يُملى عليها "من الطرف الآخر للمحيط". لا أحد سيلعب لعبة معاداة الولايات المتحدة فقط لإزعاج الولايات المتحدة. ونحن نواجه محاولات وحقائق لاستخدام القانون الأمريكي خارج الأراضي الأمريكية واختطاف مواطنينا بغض النظر عن المعاهدات القائمة مع واشنطن والتي يفترض أن يتم حل هذه المشاكل بموجبها من خلال فرض القانون والهيئات القضائية.
ووفقاً لتعاليم الأمن الوطني الأمريكي، فلدى الولايات المتحدة الحق باستخدام القوة في أي مكان وأي وقت ودون الحاجة إلى طلب موافقة مجلس الأمن في الأمم المتحدة. تم تشكيل تحالف ضد الدولة الإسلامية دون علم مجلس الأمن. وقد سألت وزير الخارجية جون كيري عن السبب الذي دفعهم لعدم اللجوء إلى مجلس الأمن لهذا الغرض.
فقال لي أنهم لو فعلوا، فعليهم بشكل أو بآخر الاعتراف بموقع الرئيس السوري بشار الأسد. بالطبع كان عليهم ذلك لأن سوريا دولة ذات سيادة ولا تزال عضوا في الأمم المتحدة (ولم يستثنها أحد من عضوية الأمم المتحدة). وقال وزير الخارجية الأمريكي أن ذلك خطأ لأن الولايات المتحدة تحارب الإرهاب، ونظام الأسد هو العامل الأكثر أهمية فهو يستقطب الإرهابيين من حول العالم ويعمل كمغناطيس يجتذبهم إلى هذه المنطقة في محاولة للإطاحة بالنظام السوري.
أعتقد أن هذا المنطق ملتوٍ، ولو كنا نتحدث عن حالات سابقة (المرات التي التزمت فيها الولايات المتحدة بالسوابق القضائية)، فمن المهم أن نذكر عملية نزع الأسلحة الكيميائية في سوريا عندما كان نظام الأسد شريكاً قانونياً بالكامل للولايات المتحدة وروسيا ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية وغيرهم. وحافظ الأمريكيون على المحادثات مع طالبان كذلك، فعندما يكون أمام الولايات المتحدة فرصة لتحقيق فائدة لها فإنها تتصرف ببراجماتية شديدة. أنا لست متأكداً من السبب الذي جعل الموقف الذي تقوده الايديولوجيا يحصل على اليد العليا هذه المرة، لتختار الولايات المتحدة أن تؤمن بأن الأسد لا يمكن أن يكون شريكاً. وربما ليست هذه عملية ضد الدولة الإسلامية بل هي تمهد الطريق أمام الإطاحة بالأسد تحت غطاء عملية مكافحة الإرهاب.
كتب فرانسيس فوكوشيما مؤخراً كتاباً يحمل اسم النظام السياسي والاضمحلال السياسي، والذي يفترض فيه أن كفاءة الإدارة العامة في الولايات المتحدة في تراجع وأن تقاليد الإدارة الديمقراطية يتم استبدالها تدريجياً بأساليب الإدارة الإقطاعية. وهو جزء من النقاش عن شخص يعيش في منزل زجاجي ويرمي الحجارة.
ويحدث كل ذلك وسط التحديات والمشاكل المتفاقمة في العالم الحديث. ونحن نشهد لعبة "شد حبل" مستمرة في أوكرانيا. فالمشاكل تستعر تحت الرماد على الحدود الجنوبية للاتحاد الأوربي. ولا أعتقد أن مشاكل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستختفي من تلقاء نفسها. لقد شكل الاتحاد الأوربي مفوضية جديدة، وظهر لاعبون غرباء جدد في الساحة، والذين سيواجهون مجابهة جدية حول المكان الذي سيرسلون إليه مواردهم الأساسية: إما لاستمرار المخطط المتهور في أوكرانيا ومولدافيا وغيرها، ضمن الشراكة الشرقية (كما تشير بذلك الأقلية العدائية في الإتحاد الأوربي)، أو أنهم سيستمعون إلى الدول الأوربية الجنوبية وسيركزون على ما يجري على الجانب الآخر من البحر المتوسط.
وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة للاتحاد الأوربي.
وحتى الآن، فهم لا يواجهون المشاكل الحقيقية، بل تحدوهم الرغبة للإمساك بالأشياء بسرعة من الأرض المحروثة حديثا, وهذا هو اليأس بعينه. فإن تصدير الثورات، الديمقراطية منها أو الشيوعية أو غيرها، لن يجلب معه أي فائدة.
إن بنى الدولة والهيكليات العامة والمتحضرة تتفكك حرفياً في الشرق الأوسط، ويمكن للقوة المدمرة التي تم إطلاقها في هذه العملية أن تصيب دولاً تقع خارج هذه المنطقة. فالإرهابيون (بمن فيهم الدولة الإسلامية) يطالبون بدولة وطنية، إضافة إلى ذلك فإنهم قد بدأوا فعلاً في إحداث هيئات شبه حكومية تشارك في العمل الإداري.
وفي المشهد الخلفي، نجد أن الاقليات بما فيها المسيحيون قد تم نفيهم. وفي أوروبا، تعد هذه المشاكل غير صحيحة بالمنظور السياسي. فهم يشعرون بالعار عندما ندعوهم للقيام بشيء ما بهذا الخصوص معناً في منظمة الأمن والتعاون. وهم يتساءلون لماذا علينا أن نركز بشكل خاص على المسيحيين؟ ولماذا هم بهذه الأهمية؟ عقدت منظمة الأمن والتعاون الجماعي سلسلة من الفعاليات المخصصة لتخليد ذكرى الهلوكوست وضحاياها الباقين على قيد الحياة. ومنذ بضع سنوات، بدأت منظمة الأمن والتعاون بإقامة فعاليات ضد فوبيا الإسلام (الخوف من الإسلام)، وسنقوم بتقديم تحليل للعملية المؤدية إلى فوبيا المسيحية (الخوف من المسيحية).
سيعقد الاجتماع الوزاري لمنظمة الأمن والتعاون في 4-5 ديسمبر في بازل، حيث سنقدم هذا العرض. تتجنب أغلبية دول الاتحاد الأوربي هذا الموضوع، لأنها تخجل من الحديث عنه. تماما كما تشعر بالخجل من تضمين ما كان يدعى حينها بدستور الاتحاد الأوربي عبارة كتبها فاليري غيزكار تنص على أن لأوروبا جذوراً مسيحية.
إن كنتم لا تذكرون أو تحترمون جذوركم وتقاليدكم، فكيف لكم أن تحترموا تقاليد وقيم الآخرين؟ إنه منطق مباشر. إن مقارنة ما يجري الآن في الشرق الأوسط مع فترة الحروب الدينية في أوروبا، يقول العالم السياسي الاسرائيلي أفينيري أنه من غير المحتمل انتهاء الاضطرابات الحالية بما يعنيه الغرب بقوله "إصلاحات ديمقراطية".
إن النزاع العربي الإسرائيلي في حالة تعليق الآن، ومن الصعب اللعب على عدة جبهات في الوقت نفسه. يحاول الأمريكيون تحقيق هذا، لكن الأمر لا يسير في صالحهم. في عام 2013، لزمهم تسعة أشهر لفهم النزاع العربي الاسرائيلي. وأنا لن أتطرق للأسباب، فهي معروفة، لكنهم فشلوا في ذلك أيضاً. والآن طلبوا المزيد من الوقت ليحاولوا تحقيق بعض التقدم قبل نهاية عام 2014، كي لا يذهب الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة ويوقعوا على النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وغير ذلك. وفجأة، تبين أن المفاوضات حول إيران جارية. وتخلت وزارة الخارجية الأمريكية عن الفلسطينيين لتركز على إيران.
اتفقت مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على التحدث عن هذا الموضوع خلال وقت قريب، ومن المهم أن نفهم أنه ليس باستطاعتهم إبقاء مشكلة الفلسطينيين في حالة جمود إلى الأبد. والفشل في حلها لقرابة سبعين عاماً كان محور النقاش الأساسي للذين يجندون المتطرفين في صفوفهم، "لا توجد عدالة: تم وعدنا بإقامة دولتين، وتمت إقامة الدولة اليهودية، لكنهم لن يعملوا على إقامة الدولة العربية أبداً". ومن خلال استخدام هذه الحجج في الشارع العربي المتعطش، فإنها تبدو معقولة جداً، وبدأؤا بالدعوة للقتال من أجل العدالة باستخدام أساليب أخرى.
قال رئيس روسيا فلاديمير بوتين في اجتماع نادي فالداي في سوتشي بأننا نحتاج إلى نسخة جديدة من الاتكالية. وكان هذا تصريحاً موضوعياً للغاية. فالقوى الرئيسية لا بد أن تعود إلى مائدة المفاوضات وتتفق على إطار عمل جديد يأخذ بالحسبان المصالح الشرعية الأساسية لجميع الأطراف الرئيسية (ولا يمكنني أن أقول لكم ماذا يجب تسميته، لكن ينبغي أن يعتمد على ميثاق الأمم المتحدة)، وليتفقوا على ضوابط منطقية يمكن فرضها ذاتياً وإدارة مخاطر كلية ضمن نظام للعلاقات الدولية يرتكز على القيم الديمقراطية. يروج شركاؤنا الغربيون لاحترام سلطة القانون والديمقراطية ورأي الأقلية ضمن دولهم، وفي الوقت نفسه لا يدافعون عن هذه القيم نفسها في العلاقات الدولية. مما يضع روسيا في موقع رائد لتعزيز الديمقراطية والعدالة وسلطة القانون الدولي. لا يمكن للنظام العالمي الجديد إلا أن يكون متعدد الأقطاب وينبغي أن يعكس تنوع الثقافات والحضارات في عالم اليوم.
أنتم تعرفون أن روسيا ملتزمة بضمان تجزئة الأمن في العلاقات الدولية وتحميله على القانون الدولي. ولن أتوسع في هذا المجال.
أود أن أدعم النقطة القائلة التي تقول أن مجلس السياسة الخارجية والدفاع يقول أن روسيا لن تنجح في أن تصبح قوة عظمى ناجحة وواثقة في القرن الحادي والعشرين دون تطوير المناطق الشرقية منها. وكان سيرجي كاراغانوف بين أوائل من حولوا هذه الفكرة إلى مفهوم، وأنا أوافق تماماً على ذلك. وإن الوصول بالعلاقات الروسية مع دول المحيط الهادي الآسيوية إلى مستوى جديد يعد أولوية مطلقة، فقد عملت روسيا على جميع هذه المسارات في اجتماع منظمة التعاون الاقتصادي لأسيا والمحيط الهادئ في بكين وملتقى مجموعة العشرين. وسنستمر في الحركة في هذا الاتجاه في البيئة الجديدة التي سيوفرها اطلاق الاتحاد الاقتصادي الاوراسي المرتقب في الأول من يناير 2015.
لقد تمت معاملتنا على أننا "أدنى من البشر"، ولأكثر من عقد، كانت روسيا تحاول تأسيس شراكة مع حلف الناتو من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي. ولم تكن هذه الجهود بهدف وضع الناتو ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي "ضمن التحالف نفسه" فقط. ففي الحقيقة فإن منظمة معاهدة الأمن الجماعي تركز على القبض على تجار المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين حول الحدود الأفغانية، بينما يعد الناتو العمود الفقري لقوات الأمن الدولية والتي يعهد إليها، من بين مهام أخرى، بمواجهة التهديد الإرهابي والتخلص من برامج تمويله، والتي تتضمن تجارة المخدرات. لقد جربنا كل شيء: والتمسنا ثم طالبنا بتواصل في الوقت الحقيقي، حتى إن تمكن الناتو من اكتشاف قافلة تنقل المخدرات ولم يتمكن من إيقافها فبوسعه تحذيرنا عبر الحدود كي يتم اعتراض هذه القافلة من قبل قوى منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وهم ببساطة رفضوا التحدث إلينا. وفي الحوارات الخاصة، فإن من يتمنون لنا الخير من الناتو (وأنا أعني ذلك بطريقة إيجابية فعلاً) قد أخبرونا أن التحالف لا ينظر إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي على أنها شريك متكافئ وذلك لأسباب ايديولوجية. حتى وقت قريب، شهدنا موقفاً متعالياً ومغروراً فيما يخص التكامل الاقتصادي الأوراسي، وذلك بالرغم من حقيقة أن الدول التي تنوي الانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي لديها الكثير من القواسم المشتركة فيما يتعلق باقتصادياتها وتاريخها وثقافتها أكثر مما لدى دول الاتحاد الأوربي. لا يهدف هذا الاتحاد إلى إيجاد عوائق مع أي كان، فنحن دائما نؤكد على مدى الانفتاح الذي نتوقعه لهذا الاتحاد. وأنا أؤمن بقوة بأنه سيقدم مساهمة كبيرة في بناء جسر يربط أوروبا بآسيا ودول المحيط الهادئ.
لا يسعني إلا أن أذكر شراكة روسيا المتكاملة مع الصين. وقد تم اتخاذ قرارات ثنائية هامة لتمهد الطريق إلى تحالف في الطاقة بين روسيا والصين. لكن هناك المزيد. اذ يمكننا الآن الحديث عن التحالف التكنولوجي الناشئ بين البلدين. فترادف روسيا مع بكين عامل حاسم لضمان الاستقرار العالمي، وإضافة بعض التوازن على الأقل إلى العلاقات الدولية إلى جانب ضمان سلطة القانون الدولي. وسنستفيد بشكل كامل من علاقتنا مع الهند وفيتنام الشركاء الاستراتيجيين لروسيا، وكذلك مع دول رابطة دول جنوب شرق آسيا. كما أننا منفتحون لتوسيع تعاوننا مع اليابان، إن استطاع جيراننا اليابانيون النظر إلى مصالحهم الوطنية والتوقف عن النظر خلفهم في انتظار توجيهات قوى تقبع وراء المحيط.
لا يوجد شك بأن الاتحاد الأوربي هو أضخم شريك جماعي لنا، ولا أحد ينوي "إطلاق النار على قدمه" من خلال رفض التعاون مع أوروبا على الرغم من توضح الأمور الآن بأن العمل كما هو معتاد في السابق لم يعد خياراً مطروحا. هذا ما يخبرنا به شركاؤنا الأوربيون، لكننا لا نرغب بالعمل بالطرق القديمة أيضاً. إنهم يعتقدون أن روسيا تدين لهم بشيء ما، في حيت أننا نرغب بأن نكون معهم على قدم المساواة. ولهذا السبب لن تعود الأمور كما كانت في السابق أبداً. وبعد قول ذلك، فأنا واثق بأننا سنكون قادرين على التغلب على هذه المرحلة وتعلم دروسها وسيظهر أساس جديد لعلاقاتنا .
أصبحت فكرة إيجاد مساحة اقتصادية وإنسانية واحدة تمتد من لشبونة وحتى فالديفوستوك مسموعة الآن هنا وهناك وبدأت باكتساب الزخم. وقال وزير الخارجية الألماني فرانك والتر ستاينماير علناً (رغم أننا نقول الأمر نفسه منذ وقت طويل) بأنه يجب أن ينخرط الاتحاد الأوربي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي في الحوار. ولم يعد تصريح الرئيس فلاديمير بوتين في بروكسل في يناير 2014 والذي اقترح فيه الخطوة الأولى من خلال إطلاق مفاوضات حول منطقة تجارة حرة بين الاتحاد الأوربي والاتحاد الجمركي تضع عام 2020 نصب أعينها، أمراً مستغرباً. كل ذلك أصبح بالفعل جزءاً من الدبلوماسية والسياسة الحقيقية. وبالرغم من أن هذا الأمر لا يزال حتى الآن موضوعاً للنقاش فقط، فإنني أؤمن وبقوة أننا في يوم من الأيام سنحقق ما يدعى "تكامل التكاملات". وهو أحد المواضيع الرئيسية التي نرغب في تعزيزها ضمن منظمة الأمن والتعاون الجماعي في المجلس الوزاري في بازل.
إن روسيا على وش تسلم رئاسة دول البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون. وستعقد كلا المنظمتين اجتماعات القمة في أوفا. إنها منظمات واعدة للغاية في العصر الجديد، وهي ليست تكتلات (وخاصة البريكس)، لكنها عبارة عن مجموعات يمكن لأعضائها تشارك الاهتمامات نفسها وتمثل دولاً من جميع القارات تتشارك مقاربات مشتركة نحو مستقبل الاقتصاد والتمويل والسياسة العالمية.
ترجمة: إزميرالدا حميدان
النص الأصلي هو الترجمة الرسمية من الروسية للانكليزية على موقع وزارة الخارجية الروسية
http://www.mid.ru/brp_4.nsf/0/24454A08D48F695EC3257D9A004BA32E
إضافة تعليق جديد