نقلا عن الجمل
استشهد الليلة الماضية عميد الأسرى المحررين سمير القنطار جراء قصف صاروخي إرهابي معاد على بناء سكني جنوب مدينة جرمانا بريف دمشق.
وأفاد مراسل سانا بمدينة جرمانا بأن البطل سمير القنطار وعددا من الأشخاص ارتقوا شهداء نتيجة قصف صاروخي استهدف أحد الأبنية السكنية على الأطراف الجنوبية لمدينة جرمانا.
ولفت المراسل إلى أن القصف الإرهابي الصاروخي تسبب بتدمير البناء السكني بشكل كامل.
والشهيد البطل سمير القنطار أحد أبرز عناصر المقاومة اللبنانية ولد عام 1962 في بلدة عبيه في منطقة عاليه اللبنانية بدأ نضاله قبل أن يكمل عامه ال16 وقضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي نحو 30 عاما وأطلق سراحه في صفقة تبادل الأسرى التي تمت بين المقاومة اللبنانية وكيان الاحتلال الإسرائيلي عام 2008.
-هاذا وقد نشرت شبكة مدينة جرمانا أسماء شهيدين آخرين في القصف:
- فرحان عصام الشعلان
- تيسير سوعان النعسو
أما الجرحى فهم:
- فاتن تركي غزال
- محمود غسان العقيدي
- نهاد جمال اسماعيل
- ماجد سعيد الهواري
- رجاء خليل الهزيمة
- مصطفى زهير الزيات
- ونعى "حزب الله" القنطار في بيان جاء فيه: "عند الساعة العاشرة والربع من مساء يوم السبت، أغارت طائرات العدو الصهيوني على مبنى سكني في مدينة جرمانا في ريف دمشق، ما أدى إلى استشهاد عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية الأسير المحرر الأخ المقاوم والمجاهد سمير القنطار وعدد من المواطنين السوريين".
كما نعى بسام القنطار، شقيق الشهيد، أخاه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" قائلاً: "بعزة وإباء ننعى استشهاد القائد المجاهد سمير القنطار ولنا فخر انضمامنا الى قافلة عوائل الشهداء بعد 30 عاماً من الصبر في قافلة عوائل الأسر"".
ونعى ناشطون سوريون عبر صفحاتهم على "فيسبوك"، فرحان عصام شعلان، وهو أحد القادة الميدانيين لـ"المقاومة الوطنية السورية في الجولان" وعضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الرياضي بريف دمشق.
وكان "حزب الله" قد تمكن في السادس عشر من تموز العام 2008، من تحرير القنطار بالإضافة إلى أربعة من الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية هم
ماهر كوراني، حسين سليمان، خضر زيدان، ومحمد سرور، وذلك خلال عملية تبادل غير مباشرة، سلم الحزب خلالها جثتي الجنديين الإسرائيليين مارك ريغيف وايهود غولد فاسر اللذين أسرهما خلال عملية "الوعد الصادق" في 12 تموز العام 2006، إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر عند نقطة رأس الناقورة الحدودية بين لبنان وفلسطين المحتلة.
وفي أول التصاريح لمسؤولين إسرائيليين تعقيباً على عملية الاغتيال، قال عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب "المعسكر الصهيوني" إيال بن رؤوفين، إن إسرائيل تستعد لرد فعل "حزب الله" على اغتيال القنطار، مؤكداً أن "المسؤولين في الجيش الإسرائيلي والاستخبارات وسلاح الجو وآخرين يستحقون كل المديح بعد تصفية سمير القنطار".
وأضاف بن رؤوفين: 'لا شك في أن الجيش الإسرائيلي يستعد لرد فعل محتمل، وعلى الأرجح أن رد فعل كهذا، إذا حدث، سيكون مدروسا وليس من أجل إشعال المنطقة بحرب شاملة".
إلى ذلك، أعربت وزيرة العدل الإسرائيلية أيليت شيكدا عن سعادتها لمقتل القنطار.
ونقلت وكالة "سما" الفلسطينية، أنه فور شيوع خبر استشهاد القنطار، تعالت في إسرائيل أصوات تعبر عن الفرح. ونقلت عن وزير الإسكان الإسرائيلي والضابط في الاحتياط برتبة لواء في جيش الاحتلال، يوءاف غالانت قوله لـ"الإذاعة العامة الإسرائيلية": "لا أنفي ولا أؤكد" أن إسرائيل شنت الغارة واغتالت القنطار، وأن "حقيقة أن القنطار لم يعد على قيد الحياة هو أمر جيد".
إلى ذلك، بدوره، بارك وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، رئيس حزب إسرائيل بيتانو(اليمين)، أفجدور ليبرمان، في تصريحاتٍ نقلتها صحيفة معاريف، "عملية الاغتيال"، واصفا القنطار بالشخصية التي "واصلت منذ سنوات الجهد للمس بالأمن الإسرائيلي"، ونافياً أنّ لديه معرفة بالجهة التي نفذت الهجوم.
وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية، رئيس العمل (اليسار) إسحاق هوتسوغ، من جهته، إنّ "قتل القنطار عدالة تاريخية، والمنطقة أكثر أمنا بمقتله".
من هو سمير القنطار ؟
ولد سمير سامي القنطار عام 1962 في بلدة عبية الجبلية من أسرة لبنانية، وانتمى لجبهة التحرير الفلسطينية في العام 1976 شبلا في الـ14 من عمره.
بتاريخ 31 كانون الثاني 1978، اختير سمير القنطار هو واثنان من رفاقه لتنفيذ عملية عبر الحدود الاردنية في منطقة بيسان داخل فلسطين لكنه اعتقل من قبل السلطات الاردنية وسجن لمدة ثمانية اشهر واطلق سراحه.
عاد الى لبنان وصمم على النزول بعملية نهاريا البطولية في 22 نيسان 1979 حيث اشرف على هذه العملية امين عام الجبهة الشهيد القائد ابو العباس ورفيق دربه سعيد اليوسف.
وفي 22 نيسان 1979 تسلل القنطار عندما كان في ال16 ونصف من عمره، مع عبد المجيد أصلان، مهنا المؤيد، احمد الأبرص، من أفراد "جبهة التحرير الفلسطينية" عبر الحدود اللبنانية بحرا في قارب مطاطي.
وعند وصولهم إلى مدينة نهاريا، أطلقوا النار على سيارة شرطة وقتلوا شرطيا "إسرائيليا". استطاعت مجموعة القنطار في عملية نهاريا، اختراق حواجز الاسطول السادس واخفاء الزورق عن الرادار وحرس الشاطئ، إذ بدأت العملية في الثانية فجرا واستمرت حتى ساعات الصباح.
ووصلت المجموعة الى شاطئ نهاريا حيث يوجد اكبر حامية عسكرية اضافة الى الكلية الحربية ومقر الشرطة وخفر السواحل وشبكة الانذار البحري ومقر الزوارق العسكرية "الاسرائيلية" .
اقتحمت المجموعة احدى البنايات العالية التي تحمل الرقم 61 في شارع جابوتنسكي وانقسمت المجموعة الى اثنتين. اشتبكوا في البداية مع دورية للشرطة وحاولوا الدخول الى منزل يقع على الشاطئ مباشرة، وبعد ذلك اشتبك افراد العملية مع دورية شرطة "اسرائيلية".
بعدها استطاعت المجموعة اسر عالم الذرة "الإسرائيلي" داني هاران واقتادوه الى الشاطئ، المعركة الرئيسية وقعت عندما حاول سمير الاقتراب من الزورق وفي هذه المعركة استشهد احد رفاقه واصيب رفيقه الاخر بجراح بالغة كما ان سمير قد اصيب بخمس رصاصات في انحاء جسده كافة.
وبعد ان استقدمت قوات العدو وحدات كبيرة دارت اشتباكات عنيفة اثر احتماء سمير وراء الصخور، ونجح باطلاق النار على قائد قطاع الساحل والجبهة الداخلية الشمالية في الجيش "الاسرائيلي" الجنرال (يوسف تساحور) حيث جرح بثلاث رصاصات في صدره ونجا بأعجوبة.
وكانت الحصيلة النهائية للعملية ستة قتلى من بينهم عالم الذرة داني هاران واثنا عشر جريح. اما افراد العملية فقد استشهد منهم اثنان هما عبد المجيد اصلان ومهنا المؤيد واعتقل سمير القنطار واحمد الابرص.
في 28 تموز 1980 حكمت المحكمة "الإسرائيلية" على سمير القنطار بخمس مؤبدات مضافا إليها 47 عاما (إذ اعتبرته مسؤولا عن موت 5 أشخاص وعن إصابة آخرين).
تم إطلاق سراح الأبرص في 21 أيار 1985 في إطار صفقة تبادل الأسرى بين "إسرائيل" ومنظمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة بينما تم الإفراج عن سمير قنطار في 16 تموز 2008 في اطار صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله و "إسرائيل" .
تم الإفراج عن سمير القنطار يوم الأربعاء 16 تموز 2008 في صفقة تبادل بين حزب الله و"إسرائيل" تم بموجبها الإفراج عنه وعن أربعة أسرى لبنانيين، وجثامين 199 لبنانيا وفلسطينيا وسوريا، مقابل تسليم حزب الله جثث الجنديين "الإسرائيليين" اللذين تم قتلهم في عملية "الوعد الصادق" في تموز 2006.
بعد خروجه من المعتقلات "الإسرائيلية" ظهر القنطار في احتفالات الحزب فكرم بطلاً، قبل أن ينتقل بين عدة أماكن احتفلت بنصر تموز، فزار جميع المحافظات السورية، وقام بإصدار كتاب يلخص الفترة التي قضاها في سجون الاحتلال.
مع بدء الحرب على سوريا، تردد القنطار كثير إلى سوريا، التي اعتبرها مركزا للمحور المقاوم للعدو "الإسرائيلي"، وحاولت "إسرائيل" اغتياله أكثر من مرة، حيث استهدفت مناطق قرب الجولان السوري المحتل قبل أن تشن غارة صاروخية على بناء سكني في جرمانا بريف دمشق مساء السبت، ليغدو البطل المحرر شهيدا.
مقتطفات من اليوم الأخير لسمير القنطار في الأسر:
لم يضيّع الأسير المحرّر من السجون الاسرائيلية سمير القنطار وقته. بعد أعوام من تحريره، سرد حكايته كاملة للزميل حسّان الزين لتخرج في العام 2011، في كتاب حمل عنوان «قصتي»، نقتطف منها تفاصيل اليوم الأخير الذي أمضاه في السجون الاسرائيلية:
وضعتُ سماعة الهاتف في أذني وطلبت رقم المنسّق:
-«ماذا تقصد بالفرج القريب؟».
استمهلني بعض الوقت ليتسنى له سؤال السيّد حسن نصر الله.
انتظرت. تخيلت نفسي فتى في الثياب الجديدة التي اشتريتها خصيصاً لتنفيذ العملية قبل تسع وعشرين سنة. كأن اللحظة الراهنة هي مرآة تلك اللحظة التي لم أنظر فيها إلى مرآة.
انتظرت. انتظرت ساعتين ضوءاً صغيراً في هاتف صامت. لمع الضوء الصغير مثل إشارة بعيدة لانطلاق أمرٍ ما.
-«وافقوا عليك»، جاءني صوت المنسّق. موجةٌ باردة ضربت وجهي. قلبي عصفور يرفرف. يداي تعبتان كما لو أنهما تذكرتا كل الأغلال التي مرت عليهما. رفعتهما إلى الأعلى. حمدت الله وشكرته.
■ ■ ■
عند الواحدة والنصف فجر الأربعاء 16 تموز/يوليو 2008، فتحوا باب الغرفة وطلبوا خروجنا واحداً واحداً. أشعلنا الضوء. أثناء خروجنا أنا وحسين سليمان، أكد كل منا على الآخر أننا لن نرتدي تلك الثياب.
مدّ الضابط الثياب لنرتديها.
قلتُ جازماً:
-«لن يلبسها أحد منا». ونظرت إليه بثبات لعله يفهم، وهو درزي، أننا لن نقبل أن نفعل ما يهيننا.
لم يجب. قلت له:
-«اذهب وليأتِ الضابط الأرفع منك».
جاء الضابط الأعلى رتبة، كرر طلبه وكررتُ رفضنا ارتداء السراويل وموافقتنا على القمصان القطنية العلوية...
غادر الضابط وجاء أرفع منه. ثم غادر وجاء الأرفع منه، حتى جاء مسؤول المنطقة، وبعده مدير نائب السجون. قال لي:
-«أمضيت ثلاثين سنة في السجن ولا تريد أن ترتدي هذا البنطلون حتى تصل إلى رأس الناقورة؟ مرّرها هذه المرة».
-«أمضيتُ ثلاثين سنة في السجن محافظاً على كرامتي ولن أسمح لأحد منكم بإهانتي، ولن أسمح لكم في آخر نصف ساعة لي في السجن بإهانتي».
■ ■ ■
تركت المياه تنساب عليّ كما لو أني تحت شلال، أو كما أني أثأر من الحمام الأول في معتقلي الأول، 1391، الصرفند. اغتسلت استعدادً للصلاة.
ارتديتُ بذلتي العسكرية. لجهة القلب علم لبنان، وللجهة اليمنى اسمي. فضفاضة قليلاً. لا بأس، قلت. تجعلني حراً في حركتي. استعدتُ حلمي القديم بارتداء ثياب عسكرية.
هذه البدلة سلاحي الآن، وقد كان سجني سلاحي.
حاربتُ به وبقيتُ صامداً به.
■ ■ ■
حان موعد أسرتي وأُسر رفاقي. مشينا إلى القاعة حيث ينتظرون. عانقتُ أمي واخوتي وأبناءهم. لا أعرف كيف تتطاير الكلمات، من اين تستأنف. آلمني أن أبي وشقيقتي سناء ليسا من الحاضرين. لن أراهما. الحزن عميق يختبئ خلف وجهي.
في السجن عرفتُ بغيابهما، حزنتُ لفقدهما، لكني الآن لمستُ ذلك، كما لو أنهما رحلا الآن.
نظرتُ في وجوه أطفال اخوتي. لمسوا وجهي كأنهم يلصقون عليه ضحكة أو يشغّلون لعبة لتنطف أو تضحك.
■ ■ ■
خطفني برنامج الاحتفال من أسرتي. مشيتُ من بينهم على وعد أن يبدأ الكلام في ما بعد.
فجأةً، ونحنُ نصعد إلى منصة الاحتفال الشعبي بحريّتنا، سمعتُ عبر المايكروفونات الضخمة الموزعة في المكان، صوتاً ينادي عبر جهاز اللاسلكي:
-«مئة وواحد، مئة وواحد، عمليّات، عمليّات، من ينادي؟».
فكّرت أن خطأً تقنياً أوصل صوت أحد شباب الأمن إلى تلك المايكروفونات.
ابتسم وفيق صفا بجانبي بعدما أوقفني ورفاقي الأسرى في طابور، وطُلب إليّ أن أتقدم وأكسر القضبان المنصوبة فوق المنصة كأنها قضبان سجن وأنا وروفاقي نخرج من بينها.
ثمّ سمعت:
-«أنا سمير القنطار رجعت ومعي الشباب».
تبعت ذلك موسيقى. وعلت هتافات الحشود. تقدمتُ وكسرت القضبان ومشينا عل الخشبة. أمامنا الآلاف محتشدين. رفعنا أيدينا لملاقاة أكفّهم المهللة.
جلسنا على كنبات في مواجهة المحتشدين. سمعتُ عريف الاحتفال الواقف خلفي يقول:
-«وأبى إلا أن يشارككم هذه اللحظة... سماحة السيد حسن نصر الله».
وثارت الجماهير. نظرتُ خلفي فإذا به السيد يتجه نحونا. يا للمفاجأ. لم أصدق. لم يقل لي أنه سيحضر شخصياً لاستقبالنا. فالظروف الأمنية تمنعه من الخروج علناً منذ الاحتفال بالنصر بعد حرب تموز/يوليو 2006.
لا أدري كيف مشيتُ نحوه. قال مبتسماً:
-«الحمد لله على سلامتك».
لم أستطع الكلام. احتضنته طويلاً.
وقفتُ بجانبه. أحد حراسه المستنفرين أزاحني ليقف في النقطة التي كنتُ فيها.
بحث السيد عني. وجدني بعيداً منه. المايكروفون في يده، قال:
-«وين رحت يا سمير، عملنا الحرب كرمالك؟ تعا وقّف هون».
لحظة تساوي ثلاثين سنة. لا أستخفّ بأيام السجن ولا أبالغ في وصف حضور السيد لاستقبالنا مخاطراً بنفسه. لكني شعرتُ بأن تاجاً وُضع فوق ثلاثين عاماً.
أردكتُ في لحظتها أنني عدتُ إلى لبنان.
وقفتُ خلف المايكروفون. نظرتُ إلى الحشود. من أين آتي بالكلام. لم أستعدّ لهذه اللحظة. نطقتُ بما أفكر فيه:
-«صدقوني لم أعد إلى هنا إلا لأعود إلى فلسطين. عدتُ لأعود...».
وكالات
إضافة تعليق جديد