الانكسار- الانتصار

هي تخرج من بيتها الى الشركة , تجلس وراء المكتب ترتب الاوراق وتتلقى الهواتف , وتنتقل من مكتب المدير الى مكتبها ثم تعود الى المنزل في السابعة مساء من كل يوم .
من ثم تنظف المنزل وتدخل الى غرفتها لتنام ولا تستيقظ حتى صباح اليوم الثاني.
وهكذا كان يتكرر المشهد بنفس الروتين وتعيد الأيام نفسها.
كان هذا الأمر يؤلمها ويزعج أهلها بدون ان تعلم هي بذلك.
إلى أن تلاشى صبر والدها فاقتحم غرفتها وأيقظها بالقوة من روتينها ونومها.
مؤنبا أمل بشدة لعدم الجلوس معه ومع والدتها و عدم تناول الطعام , لم تجبه بكلمة بل طأطأت رأسها عندها لمحت دمعة والدها ثم غادر.
لم تقدر أن تكلمه او تلحق به , سردت الذاكرة أمامها مشاهد واحداث ماضية فتذكرت كيف كان والدها يقرأ لها دروسها وكيف كان يعد لها الطبخ والحلوى فقط لكي لا تضيع وقتها . كان يقول لها : إدرسي يا ابنتي وانا تحت امرك فقط اطلبي .
وفعلا درست وامتحنت ونجحت , لكن نجاحها لم يكن ملكا لها فقط بل لوالدها أيضا .
أغلقت فم ذاكرتها وخلدت للنوم العميق المعتاد .
لم يكن يوجد شيء استثنائي يجعلها تتابع التلفاز ولم تعد تشعر بالرومانسية لتسمع أغنية وليس لها أي صديقة او قريبة لتنتظر الهاتف او تفكر في الخروج للنزهة بعد يوم عمل طويل .
إلا أنها نفضت النوم وجلبت شريطا كانت قد ظنت انه لن يستخدم أبدا.
أشعلت المسجلة فانطلق صوت هاني شاكر يقول : ياريتك معاي , هزت رأسها وقالت لنفسها : يقولون عنه مطرب العلاقات الفاشلة ههه لانهم فاشلون , ولأننا في مجتمع فاشل محبط ومقيد , يقولون عنه بأنه بائس لانه يذكرهم بحقيقتهم ولانه يعري الشوق ويدمي القلب المجروح , أليست كل حياتنا وعلاقاتنا العاطفية ندم وألم وعذاب.
والزواج أصبح حلما يستحق النضال والكفاح والحب يتطلب توكيل محامي مفلس بشكل دائم ليبرر ويصحح الاشاعات المنطلقة من مدعيي الايمان والشرقية.
ظلت أمل تحدث نفسها وهي تسمع " لست قلبي لعبد الحليم " إلى أن قطعت أمها عليها وحدتها , فأطفأت المسجلة بسرعة وقالت : ماما.
نظرت لها الام المنكسرة وقالت : أمك وهل انت ابنتي؟!
غصت أمل وأجابتها : نعم انا ابنتك ما بك ماما؟
- كيف تكونين ابنتي وانت منذ اكثر من شهر لا تحدثيني انا وأبوك , تذهبين للعمل وترجعين , تنظفين البيت ثم تغلقين العزلة عليك لتنامي و لا تاكلين أبدا .
أمل مابك , من غيرك؟ من حطمك لتعاقبيني انا وأبوك هكذا؟؟
همت ان تقترب منها وتبرر لها , إلا أن أمها قاطعتها مسائلة إياها : ثم هل تستطيعين ان تشرحي لي أين خطيبك المحترم؟
كيف يخطب بنات الناس ثم ينقطع عنك لشهرين , أبن هو ذاك الحب العظيم الذي كان به يتغنى ويغني له؟
قالت : انه نفس السؤال الذي يحيرني. صرخت أمها : ماذا !! اأنت ايضا لاتعرفين الجواب ؟ ألاتعلمين لماذا غطس في بحر الغياب , والله شي حلو.
كم عارضتنا وكم تحديت أبوك , وكم حذرك منه : يا ابنتي انه شاب لعوب أنا أعرف اسرته جيدا.
لكن .. لا ,انت كنت تعيشين في عالم من صنعك انت , ليس فيه غدر ولا شر ولا كذب ولا نفاق.
تركتها امها وهي تردد " حسبي الله ونعم الوكيل , حسبي الله ونعم الوكيل "
دخلت أمل في ضحك متواصل , كانت تضحك على نفسها؟
ماذا ستقول لاهلها ؟ هل تقول لهم بان باسل تخلى عنها لانه وجدها فتاة سهلة؟
هل تظهر جرحها لهم وتخبرهم بان ذلك الشخص الذي كان في خيالها لفترة ملاكا طاهرا - و لاحقها وطاردها مرارا.
و اقتحم حياتها وكسر مبادئها ورزانتها إلى أن سقطت في بحره وتخلى عنها في نهاية المطاف ؟؟
برمت ذاكرتها , فرأته ذلك الشاب الجميل ذو الكلام المعسول يغسل حزنها بكلمة غزل ويعتذر منها بباقة ورود .
باسل الذي طرد من منزل ذويها أكثر من مرة لانه يعمل عمل لا يليق بأسرتها ومستوى امل الخريجة الجامعيةو التي لولا انعدام الوظائف لما عملت في شركة خاصة وتحملت تحرش مديرها وازعاجه لها.
- بكت امل في تلك اللحظات , حاولت ان تحدث امها , أن تضمها , الا انها تجمدت.
نظرت الى النافذة كان القمر ينظر اليها فخرجت لملاقاته من على الشرفة , ابتسمت اليه مرحبةً لكنه عبس في وجهها , بكت أكثر وعاتبته : مابك يا قمر لما أنت شاحب؟ , انت مصدر الهام كل البشر فلما تقسو علي؟
شعرت امل بأنه سيهبط بين لحظة وأخرى , اقترب منها كثيرا وصرخ بها : ألست من اطلقت علي اسم حبيبك الخائن ,ونزعت عني اسمي وشكلي وشبهته لي, وهاهو يختفي, فماذا ستسمينني الآن؟؟
هربت منه الى حضنها , انهارت و بكى قلبها , فضربته , وشتمته .. أيها الضعيف لقد زللتني , توقف عن الاستذكار .
استرجعت أغنية عبد الحليم قائلة : نعم انه ليس قلبي الآن انه قلبه هو.
عادت الى حضن صديقتها الفريدة في هذا العالم , ضمتها بشدة , ترجتها ان تتكلم معها لكن الوسادة البيضاء المرسوم عليها قلب فيه اسمه , لم تتعلم الكلام , كانت تحب ان تستمع فقط وان تلملم الدموع لتخزنها في ذاكرتها.
تشجعت واتصلت به فرد عليها بعصبية : أهلا ماذا تريدين؟
ترددت ان تجيب فهددها باغلاق الهاتف , قالت : أهلي يسألون عنك , ألن تأتي؟
ضحك بسخرية وقال : ولماذا أأتي ! لا يا عزيزتي لن تروني مجددا وسلمي لي على الفاميليا.
صرخت به : باسل وأنا؟ هل تركتني , انا خطيبتك وحبيبتك.
ازداد صخبه وضحكه وقال : حبيبتي انا مابدي ياك وخطبتك هيك لأتعرف ما اكتر وما صار نصيب .
أغلقت السماعة وأخذ النحيب يطير من النوافذ , هي كانت تعلم جوابه والحقيقة .
لكنها صدقت قلبها للمرة الأخيرة وارادت ان تكذب عقلها . فتحت باب الصدمة لأهلها وقصت عليهم كل شيء
وفي نهاية الكلام كانت خجولة منكسرة , محطمة.
سألها والدها : أنت الفتاة المتعلمة المثقفة كيف تسمحين له بان يخدعك , كيف تسلمين نفسك له؟
ردت امل ابي انا ليس لي تجارب , انا احبه انه زوجي امام الله والمحكمة.
دهش الأب وقال : محكمة شو , كيف صدقته ؟! وهل نسيت أننا لم نعمل لكما عرسا؟
ماذا أقول للناس للجيران ؟ ان ابنتي مطلقة من قبل ان تسكن في بيتها الزوجي.
ادركت انها هزمته , ابنته الوحيدة طعنته من غير قصد.
أخذت ورقة طلاقها وهزيمتها الى وسادة الدموع.
غابت امل كثيرا عن العمل وعن الشارع , حتى نسيها الجيران , وأكل الندم من ضلوعها وفكرها وكانت عند أي سؤال عن خطيبها ترد بانكسار.
انكسارها هذا جعل شباب الحارة و أصدقاء باسل يلحون عليه بالسؤال؟ لما تركت أمل أو لما تركتك؟
وكان يرد باسل عليهم باستعلاء : ما فشر انا هجرتها؟
تصعق الصدمة وجوههم ! أف الم تكن مولعا بها وبعائلتها- ماذا طرأ؟ هنا اختفى باسل وظهر لهم طاووس ملون مزهو بنفسه وقال : انها رخيصة , صحيح انها زوجتي ولكن انا كنت اريد تمضية بعض الوقت لا أكثر.
وهي لم تفهم هذا , انها بسيطة جدا وانا اريد زوجة محنكة تحرق قلبي قبل أن أحرق قلبها أريد امرأة مختلفة عن كل النساء لأختارها زوجتي , هناك فرق كبير بين الفتاة الجميلة بنت العائلة المشهورة وبين بنت بسيطة على قدر قليل من الجمال , وان خيرتموني فأنا اختار المرح مع الأولى والاستقرار مع الثانية.
. ثم تابع الطاووس كلامه وسط دهشة وقرف أصدقائه محدثا إياهم عن مغامراته العاطفية وعن طقوس انتصاره العظيم على أمل والذي لم يكن الاول ولا الأخير.












[ تم تحريره بواسطة Toha on 14/8/2006 ]
المنتديات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.