حكاية عشقي

حكاية عشقي للأماكن
لم أكن أعلم أنني من النوع الذي يتعلق بالمكان
إلا أن رحلت عن بيتنا لأول مرة و ذهبت للدراسة
أول مرة أسكن بعيدة عن أهلي و أسرتي
أتذكر ذاك اليوم حين تسلمنا غرفة في السكن الجامعي
غرفة صغيرة فيها أربع أسرة
يعني أربع بنات و لكل بنت قصة و حلم
غرفتي الجميلة تسكن في قلبي رغم أنه مر على فراقنا
أكثر من ستة أعوام إلا أنني أحن إليها كما أحن لأحبائي
و أتقصد زيارتها لأستعيد من خلالها ذكرياتي العابرة
فالذكريات عندي ثقافة و أسلوب نحن من نعمل على ابتداعه
و رسمه و تشكيله و لكن استرجاع الذكريات
له عذابه و دموعه كما له فرحته و متعته
و أنا أحتاج للحزن كما للفرح
أحيا من خلال هذه الثنائية
التي تختصر وجودي
فرحي و حزني
ضحكتي و دمعتي
إلى غرفتي
أشتاقك فعلاً أشتاق إليك
أحن لصعود الأدراج
ثم فتح بابك و النظر من نافذتك
إلى الحديقة و الطلاب و الأحلام
و الضحكات و اللقاءات
غرفتي تطل على الحديقة
نافذتي تعكس لي الوجود
سمائي تهديني قمرها
على سريري سهرنا
أنا و القمر و من نوره
نسجنا ألف قصة عن مستقبل كله فرح
أحلام الشباب غريبة و عجيبة
تصل لحد القمر و تتجازوه قليلاً
أحن لغرفتي الجامعية ففهيا
بكيت و ضحكت و حلمت و تمنيت
و رسمت الغد الذي لم أرى منه شيء

منذ فترة قادني الحنين إلى غرفتي
وقفت قبالتها و رحت أتأملها
للآسف لم تعد ملكي
أصبحت لطالبات أخريات
لهن أحلامهن المختلفة
أحلامي أنا!. تركتها معلقة
على جدران الغرفة على النافذة
غرفتي تحمل في طياتها
عطري و حلمي
لابد أن ذاكرة هذه الغرفة غنية
لتتسع لأحلام الفتيات اللواتي عبرنها
بصراحة حزنت لأن غرفتي أصبحت لأخريات
و لكنها الحياة التي تمشي و تترك ورائها كل شيء
يا ترى غرفتي تتذكرني؟
أنا أتذكرها و أحن إليها و أزورها من فترة إلى أخرى
تعني لي الكثير كما يعني لي الأشخاص
بالنسبة لي للاماكن ذاكرة كما للأشخاص
هناك شوارع و حدائق و مقاهي و قاعات
أحن إليها
و أذهب إليها لأستعيد من خلالها ضحكاتي
و نجاحاتي و أحلامي و خيباتي و انكساراتي
أحزاني و دموعي
قاسية أيتها الذكريات و لكنك رائعة

لا أتصور نفسي أحيا بعيدة عن وطني
لأنني متعلقة بالمكان كما الأشخاص
و لأن كل مكان أعبره أترك فيه جزء مني
بهذا أجزائي موزعة و متناثرة في طيات بلدي
في شوارعه بين أشجاره و في ساحله
و على جباله في كل مكان عبرته تركت
عطري و أحن لهذا العطر الذي يشدني
و من أجله أقطع المسافات ثم المسافات
لألقي السلام على غرفة على شارع
على مقهى على قاعة على صخرة
كلها تعني لي الكثير
أحب كل مكان عبرته
أحن و أشتاق
و أتنفس من عبق الذكريات
للوطن مفهوم غريب عندي
بالنسبة لي هو يحمل أجزائي
المتناثرة التي تركتها في كل مكان عبرته
منذ زمن قررت أن أزور كل مكان في بلادي
ليزداد عشقي و تعلقي فيه
لأشعر أن كل مكان أسمع به يعني لي شيء
يشدني إليه أفرح لما يصيبه و أحزن لما يؤلمه
إنها طريقتي في حب الوطن غريبة مثلي
و لكنها عميقة و أرغب بأن تنمو مع ازدياد
شوارعه التي أعبرها و حدائقه التي أزورها
الوطن قبل كل شيء هو المكان و لا يمكن
أن تبني علاقة طيبة دون أن تزور المكان
و لو لمرة واحدة فهذه المرة ستكون
بداية قصة عشقك مع البلاد
أغار عندما أرى السواح يتوافدون من كل بلدان العالم
ليتعرفوا على قلعة على شارع على خيمة
و أنا لم أزور بعد هذه القلعة التي لا تبعد عني الكثير
و ظهور الغيرة دليل على وجود الحب
و لكن الحب يحتاج للعطاء و الاحتكاك ليبقى وهج الحب
يشع و يكبر ليشمل كل جزء من بلادي
….
التسكع في شوارع مدينتي هو من أجمل الأشياء
أعشق الطرق المبللة بالمطر
و دخان السجائر يتصاعد
غير آبه لكل الأمطار
ما قصة هذا الدخان !!..
هل أصبح هواء الإنسان ؟
مدني, شوارعي التي عبرتها
كلها تحمل ذرات مني
..
أحن لطريق مدرستي
كنا نمشي و نحلم بالجامعة
بعد أن وصلنا حلمنا بالعودة إلى المدرسة
هكذا نحن نحب الأشياء التي لا نملكها
و عندما تصبح بين أيدينا نعود لنشتاق لأشيائنا العابرة
المنتديات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.