ليس من غريب القول ان يضع البعض شجرة نسب لمجهول من اجل ان يصبح معلوم ، بعد ان يعمل كائن ما على محو الأثر وأخفاء المعالم ، بمحاولة جادة لأضاعت الطريق على من سيحاول العوده لتقصي بعض من الاثر الذي بقي عالقا على هوامش التاريخ ، وصولا للحقيقة أو الاقتراب منها .
فقد عمل الكثير من المؤرخين والمفسرين المسلمون الأوائل على أختلاف مذاهبهم واهوائهم ، لأختلاق واستنباط ونحل اسماء معلومه لأشخاص مجهولي النسب واللقب . وغرست هذه الاخباريات في باطن الكتب والمؤلفات ، لتنقل فيما بعد لغسل العقول ، فتصبح حقائق وموروثات
تتناقلها الاجيال جيلا بعد جيل . مضيفة إليها روايات من الخيال لخلق موروث جديد يمحو ما قبله ويقوي اعمدة القادم . لكنه مخلوق معاق ومشوه بفعل ما جناه القائمون على خلقه وتجميل صورته التي تم تقزيمها قبل الولادة القيصريه .
فكان ان نقلت بعض الاساطير والخرافات التي كانت منتشره عند الكثير من الشعوت التي عاشت على ضفاف بلاد ما بين النهرين ، وسوريا ولبنان ومصر. وحولتها بقدرتها على النحل والتحوير إلى كائنات بشرية من لحم ودم , عاشت بين الناس والتقت بهم بل وساكنتهم وتحدثت إليهم ورافقة مسيرهم . فأصبح الخيال حقيقة والاسطورة واقع .
وتلازم المسارين الاسطوري والحقيقي ليتنتج من خلال تزاوجهم مولودا مركب هو نتاج العمليات المعقده . فكانت مخلوقات بدائية الصنع هشة ، تنكسر عند الاقتراب منها او ملامستها فهي ليست صالحه للحفظ , كما انها ليست من ادوات الزينه التي يفتخر بها التراث بعد البحث والتمحيص .
فالهشاشة من طباع هذه المخلوقات التي لم يميزها اصحابها بالشفافيه , فبقيت مخزونه في باطن الكتب وصفحاتها تتحول حكايات يتداولها العجزه والجهال في ليال الشتاء القارصه قرب موقد النار , أو في خيام البدو ورعاة الاغنام تنير وحشتهم وتسهر مع مخيلاتهم .
وقد شملت هذه الولادة العديد من الشخصيات ، فكان منها" ذو القرنين" ، و"الخضر" ، و"إلياس" والغول والعنقاء ، والمرده، والكثيرغيرها مما لايسعنا ذكرهم . وتنوعت الاشكال بين الأنس والجن ، فوضع لهم الانساب والافخاذ ، وتم تقسيمها عائلات لها اسمائها ، تم نحلها وأختراعها وتدوين نسبها واشجار عوائلها كي لاتذهب إلى المجهول .
ولم يكتفي علماء الانساب والاجناس بما قدمت ايديهم ، فعملوا مع المفسرين والمجتهدين لتنسيب الىهذا وذاك من خلال اقوالهم واحاديثهم الموضوعه التي الحقت بالرسول الامين "محمد "(ص) لأعطائها صفة الشرعيه والتشريع وعدم نقضها ونقدها , فدخلت المعتقدات الدينيه من بابها الواسع فكانت{ الإسرائيليات أو اليهوديات } وأصبح التطرق إليها يعتبر من الكفر ، فتربعت على عروش كانت لغيرها ، وأمست من المقدسات .
من هذه الشخصيات كان " الخضر" الاخضر عند المسلمين . والقديس "جورج " عند المسيحيين . و " إلياهو " عند اليهود . وصنفت لهم الكرامات والمعجزات ، وانتشرت مقاماتهم واضرحت قبورهم وكنائسهم في بقاع الارض . فأصبحت اسمائهم أعلام ترفرف على اعمدة الموروثات فلا تخلو مدينه وقريه أو حي من اسمائهم . فهم الحاضرون الغائبون في كل عصر، وعلى قصصهم تربى الكثير من الاجيال ، فكانت شواهد دونت عليها ملاحم الاساطير وبأسمائهم يتقربون من الله .
اما حقيقتهم ومن أين مصدرهم ؟؟ فقد تكفل الكثير من المؤرخين والمفسرين ايجاد الحلول المؤقته والدائمة ، وبحثوا جاهدين في غبار موروثات الشعوب فسرقوا منها ابطالها واساطيرها ، والبسوها من البدع الفضفاضه ما جال في تفكيرهم بداعي الحقيقه . فالخضر والقديس جورج والياهو اشتقوا من ملاحم وادي الرافدين ( ملحمة جلجامش ) الباحث عن الخلود والحياة الازليه . ونثرت في صفحات كتب التاريخ .وامتدت جذور عوائلهم إلى بداية الخلق آدم .
وفي غمار البحث عن الحقائق كانت الطرقات مفروشة بالاشواك والافخاخ والمداخل المقفلة ، اما مفاتيحها فقد أكلها صدء التاريخ . وأخفيت معالم مسالكها . فكان لابد من قصاص اثر ماهر يبحث بين السطور عن كلمات قليله ندر وجودها ، وكان لا بد من أعمال الفكر والتنقيب عن بقايا لقي حولت إلى شظايا ، فأستغرق البحث والجمع سنوات من اجل الوصول إلى نصف حقيقه الموجودات واعادة ترميم ما تهدم وصولا لتقويم الزوايا التي عمل على تدويرها .
وفي هذا المجال لابد من القول ان الكثيرين من المفكرين المسلمين صبوا جماح غضبهم على ما قام به المستشرقين الاروبيين وغيرهم ، وتم التهجم عليهم وتسفيه اقوالهم بحق وبدون حق . ولم يكتفوا بهذا بل نسبوا إليهم مالم يقولوه وما لم يفكروا به . فكان هجومهم سلاح ذو حدين اصيب به المستشرقين والمحدثين واصحاب السير دون قصد . فالمستشرقين لم يقدوموا جديد من عندهم بل جل ما فعلوه انهم نقلوا من كتب التراث ماتم تدوينه بايدينا . فأستغرب مفكرينا هذا وادعوا انها المؤامرة الكبرى والاعتداء الظالم .
ونحن لسنا من هذا ومن ذاك بل هدفنا ايصال ما نستطيع الوقوف عليه إلى ايدي القراء وعقولهم ، واعادة الحق إلى أصحابه دون المساس بكرامات الاخرين ، والابتعاد عن مستنقع انتشرت رائحته فاصابت الجميع بالخيبه , فكان لابد من ردم هذه المياه الاسنه وزرع الورود والرياحيين مكانها. وبذلك نكون قد احيينا الامل من جديد بأعادة كتابة قصص الاولين بما كان لهم وعليهم ، وبذلك نسدي خدمة لانفسنا ولمن سوف يأتي من بعدنا . فنعيد الراحة إلى الاموات بعد ان ذاقوا عذاب المفسرين وصانعوا التاريخ المدون بأيدي الكتبه المؤتمرون من الحكام والسلاطين .
دياب القرصيفي . كاتب وصحفي مقيم في لندن.
diabalkarssifi@msn.com
فقد عمل الكثير من المؤرخين والمفسرين المسلمون الأوائل على أختلاف مذاهبهم واهوائهم ، لأختلاق واستنباط ونحل اسماء معلومه لأشخاص مجهولي النسب واللقب . وغرست هذه الاخباريات في باطن الكتب والمؤلفات ، لتنقل فيما بعد لغسل العقول ، فتصبح حقائق وموروثات
تتناقلها الاجيال جيلا بعد جيل . مضيفة إليها روايات من الخيال لخلق موروث جديد يمحو ما قبله ويقوي اعمدة القادم . لكنه مخلوق معاق ومشوه بفعل ما جناه القائمون على خلقه وتجميل صورته التي تم تقزيمها قبل الولادة القيصريه .
فكان ان نقلت بعض الاساطير والخرافات التي كانت منتشره عند الكثير من الشعوت التي عاشت على ضفاف بلاد ما بين النهرين ، وسوريا ولبنان ومصر. وحولتها بقدرتها على النحل والتحوير إلى كائنات بشرية من لحم ودم , عاشت بين الناس والتقت بهم بل وساكنتهم وتحدثت إليهم ورافقة مسيرهم . فأصبح الخيال حقيقة والاسطورة واقع .
وتلازم المسارين الاسطوري والحقيقي ليتنتج من خلال تزاوجهم مولودا مركب هو نتاج العمليات المعقده . فكانت مخلوقات بدائية الصنع هشة ، تنكسر عند الاقتراب منها او ملامستها فهي ليست صالحه للحفظ , كما انها ليست من ادوات الزينه التي يفتخر بها التراث بعد البحث والتمحيص .
فالهشاشة من طباع هذه المخلوقات التي لم يميزها اصحابها بالشفافيه , فبقيت مخزونه في باطن الكتب وصفحاتها تتحول حكايات يتداولها العجزه والجهال في ليال الشتاء القارصه قرب موقد النار , أو في خيام البدو ورعاة الاغنام تنير وحشتهم وتسهر مع مخيلاتهم .
وقد شملت هذه الولادة العديد من الشخصيات ، فكان منها" ذو القرنين" ، و"الخضر" ، و"إلياس" والغول والعنقاء ، والمرده، والكثيرغيرها مما لايسعنا ذكرهم . وتنوعت الاشكال بين الأنس والجن ، فوضع لهم الانساب والافخاذ ، وتم تقسيمها عائلات لها اسمائها ، تم نحلها وأختراعها وتدوين نسبها واشجار عوائلها كي لاتذهب إلى المجهول .
ولم يكتفي علماء الانساب والاجناس بما قدمت ايديهم ، فعملوا مع المفسرين والمجتهدين لتنسيب الىهذا وذاك من خلال اقوالهم واحاديثهم الموضوعه التي الحقت بالرسول الامين "محمد "(ص) لأعطائها صفة الشرعيه والتشريع وعدم نقضها ونقدها , فدخلت المعتقدات الدينيه من بابها الواسع فكانت{ الإسرائيليات أو اليهوديات } وأصبح التطرق إليها يعتبر من الكفر ، فتربعت على عروش كانت لغيرها ، وأمست من المقدسات .
من هذه الشخصيات كان " الخضر" الاخضر عند المسلمين . والقديس "جورج " عند المسيحيين . و " إلياهو " عند اليهود . وصنفت لهم الكرامات والمعجزات ، وانتشرت مقاماتهم واضرحت قبورهم وكنائسهم في بقاع الارض . فأصبحت اسمائهم أعلام ترفرف على اعمدة الموروثات فلا تخلو مدينه وقريه أو حي من اسمائهم . فهم الحاضرون الغائبون في كل عصر، وعلى قصصهم تربى الكثير من الاجيال ، فكانت شواهد دونت عليها ملاحم الاساطير وبأسمائهم يتقربون من الله .
اما حقيقتهم ومن أين مصدرهم ؟؟ فقد تكفل الكثير من المؤرخين والمفسرين ايجاد الحلول المؤقته والدائمة ، وبحثوا جاهدين في غبار موروثات الشعوب فسرقوا منها ابطالها واساطيرها ، والبسوها من البدع الفضفاضه ما جال في تفكيرهم بداعي الحقيقه . فالخضر والقديس جورج والياهو اشتقوا من ملاحم وادي الرافدين ( ملحمة جلجامش ) الباحث عن الخلود والحياة الازليه . ونثرت في صفحات كتب التاريخ .وامتدت جذور عوائلهم إلى بداية الخلق آدم .
وفي غمار البحث عن الحقائق كانت الطرقات مفروشة بالاشواك والافخاخ والمداخل المقفلة ، اما مفاتيحها فقد أكلها صدء التاريخ . وأخفيت معالم مسالكها . فكان لابد من قصاص اثر ماهر يبحث بين السطور عن كلمات قليله ندر وجودها ، وكان لا بد من أعمال الفكر والتنقيب عن بقايا لقي حولت إلى شظايا ، فأستغرق البحث والجمع سنوات من اجل الوصول إلى نصف حقيقه الموجودات واعادة ترميم ما تهدم وصولا لتقويم الزوايا التي عمل على تدويرها .
وفي هذا المجال لابد من القول ان الكثيرين من المفكرين المسلمين صبوا جماح غضبهم على ما قام به المستشرقين الاروبيين وغيرهم ، وتم التهجم عليهم وتسفيه اقوالهم بحق وبدون حق . ولم يكتفوا بهذا بل نسبوا إليهم مالم يقولوه وما لم يفكروا به . فكان هجومهم سلاح ذو حدين اصيب به المستشرقين والمحدثين واصحاب السير دون قصد . فالمستشرقين لم يقدوموا جديد من عندهم بل جل ما فعلوه انهم نقلوا من كتب التراث ماتم تدوينه بايدينا . فأستغرب مفكرينا هذا وادعوا انها المؤامرة الكبرى والاعتداء الظالم .
ونحن لسنا من هذا ومن ذاك بل هدفنا ايصال ما نستطيع الوقوف عليه إلى ايدي القراء وعقولهم ، واعادة الحق إلى أصحابه دون المساس بكرامات الاخرين ، والابتعاد عن مستنقع انتشرت رائحته فاصابت الجميع بالخيبه , فكان لابد من ردم هذه المياه الاسنه وزرع الورود والرياحيين مكانها. وبذلك نكون قد احيينا الامل من جديد بأعادة كتابة قصص الاولين بما كان لهم وعليهم ، وبذلك نسدي خدمة لانفسنا ولمن سوف يأتي من بعدنا . فنعيد الراحة إلى الاموات بعد ان ذاقوا عذاب المفسرين وصانعوا التاريخ المدون بأيدي الكتبه المؤتمرون من الحكام والسلاطين .
دياب القرصيفي . كاتب وصحفي مقيم في لندن.
diabalkarssifi@msn.com
المنتديات
التعليقات
Re: عنوان اولي لكتاب لم ينشر بعد . او الخضر ذاك المجهول
إضافة تعليق جديد