من المهد إلى اللحد

من المهد إلى اللحد

بداية أقول أنني أعتز وأتشرف بكل من يجد في كتابات الآخرين شيئاً مفيداً واعتز وأتشرف بمن يجد في كتابات الآخرين باباً جديداً للإطلاع على أفكار جديدة قد تكون مخالفة لما شب عليه وتعلمه ولكنه وجد فيها شيئاً منطقياً قابلاً للنقاش بدون سب وطعن وشتيمة لأن من يسب ويشتم ويطعن في الآخرين بدون دليل ما هو إلا فاشل.


بدأ صغيرنا حياته بالضحك وتقبل الحياة بكل ما تعنيه من حب ومعاني طفولية جميلة كان يرى جيرانه الصغار ويلعب معهم ولكن عندما يأتي أبوه يزجره ويمنعه ويقول له ما تصاحبه كتير "لأنو هيدا غير" لكن الصغير أبى وبقي يحب رفاقه الصغر ويلعب معهم سراً في أغلب الأحيان ويتسائل ماذا تعنيه كلمة غير. وعندما دخل الصغير المدرسة بدأ يدرس ويتعلم ووصل مرحلة دخلت فيها مادة التاريخ إلى منهاجه فإذا به ينتشي ويفخر بكل ما كان عليه أجداده من مجد وتفاني وحضارة وما إن يغادر المدرسة ويصل بيته حتى يبدأ بالحديث لوالده عما تعلمه وعرفه في المدرسة ويحكي له قصص البطولات العربية الإسلامية وتفاني الصحابة في حب النبي (ص) وفي الغيرة على الدين وفي مواضيع كثيرة غالباً ما تتحفه بها مدرّسة مادة التربية الدينية من أن النبي بشر صحابته بالجنة وبأنهم ما خالفوا النبي (ص) قيد أنملة وكانوا معه ولم يتفرقوا عنه وأنهم وانهم وانهم... وعندما توفي النبي (ص) استخلفوا من وثقوا بدينه ودنياه بطريقة ديمقراطية عادلة وبعدها أشرق لهم التاريخ ودانت لهم الأمم فنشروا العدل والخير أينما حلوا وبادروا بالفتوحات التي مكنتهم من مشارق الأرض ومغاربها...يبتسم الأب ويقول له "هذا يكفي اليوم يا بني وغداً فجر يوم جديد".
يبتسم الصبي ويبدأ بدروسه التي يواظب عليها رغبة منه في أن يصبح في المستقبل (دكتوراً أو مهندساً) ويكبر الصبي ويدخل سن المراهقة فتتغير نظرته للعالم وتتغير ملامحه وتبدأ مخلوقات جديدة بالظهور أمامه (ترى من هؤلاء) الفتيات طبعاً إنهم شيء جديد قديم فالبارحة كان يلعب مع بنت جيرانه بالكرة وبالجري واليوم يراها مخلوقاً آخر شيء جديد لذيذ مثلها مثل جميع الفتيات اللواتي تغيرن وكبرن. نعم لقد كبر الصبي وأصبح يخاف على نفسه من نفسه التي تحادثه بأمور غريبة وأشياء جديدة لقد أصبح رجلاً له متطلبات بني البشر جميعاً يريد فتاة على جانبه كما هم أصدقاؤه وكم اختبأ هو وأصدقاؤه في الظل وتحدثوا عن الفتيات وعن أحوالهم وعن بطولاتهم الجنسية الحديثة العهد هذا يخبر عن فلانة التي غازلها والآخر عن علتانة وهلم جرى وصبينا الصغير يحدث نفسه أنه أصبح رجلاً ويريد متطلباته التي تتناقض مع ما علمه إياها والداه إياك وإياك وإياك تلك السيمفوينة التي شب عليها كما غيره لقد عانى كثيراً ولم يتمكن من الحديث لأحد. فأبوه سيوبخه وأمه لا يستطيع أن يحادثها عن هكذا أمور....لا لن يتحمل ذهب على محل جاره الذي يبيع الأفلام واستأجر من عنده فيلماً عادياً ثم احمرت وجنتاه عندما طلب منه (فيلماً اجتماعياً للكبار) وابتسم صاحب المحل لقد جاءه زبون جديد.
لقد تعلم الصبي ما هو الجنس وما هي المرأة التي هي وعاء للتفريغ الحيواني ومهما قيل له عن الفتاة والثقافة فلم يعد يصدق سوى ما يقال له عن أن الفتاة للزوج فقط وللبيت نعم إن الأنثى ملكه يستطيع أن يغازل من يشاء فهي ضعيفة ولن تستطيع التحدث بل ستخفض رأسها وتلوي نعم إنه رجل يستطيع أن يستخدم ذكورته متى يشاء يكفي فقط أن يشغل عقله بمشاهد أفلامه الاجتماعية ليصل إلى حالة الذروة ويعيش اللحظات التي تمناها ولا يستطيعها ومتى استفاق من "استحلامه" ندم وعلم أن ما يفعله ربما يكون حراماً لذلك قرر أن يتبنى موقفاً وسطاً بين الدين ويخفف من شبابيته وفعلاً بدأ الفتى بأمور جديدة لقد شاهد وسمع أشياء لم تخبره بها المدرسة اكتشف عوالم جديدة من خلال الأدب والثقافة والروايات العلمية والعاطفية والرومانسية وقرأ الصبي أشياء جديدة عن ناس لم يعرفهم سوى بالاسم فأحبهم فعلاً أحب سقراط وأفلاطون أحب ألبرتو مورافيا في مجونه السحري أحب كتب التيجاني السماوي وكتب دان براون
أحب مجلات الشبكة والعربي والبلاي بوي وأحب فرج فوده في علمانيته المتدينة أحب الشيخ الفلاني في حديثه المنمق وكره من كفر أصدقاؤه الصغار يوماً وأفتى بأنهم خارج الملة وكره أصدقاؤه الذين يسبون أصدقاء طفولته "الغير" قرأ كثيراً عن بطولات صحيحي البخاري ومسلم وتعجب كثيراً كيف أن أم المؤمنين تدخل الرجال ليرضعوا صدر أختها ليصبحوا محارمهما وكيف أن النبي يدور على نساءه في الليلة الواحدة وهن 11وكيف أن عائشة كانت حائضاً فيدخل النبي عليها ويأمرها أن تتزر من الأسفل ويلتزم صدرها لا ليس هذا هو النبي الأعظم ولا تلك هي أخلاقه السامية وغلا لكان فجار بني أمية وجبابرة بني العباس أكبر المؤمنين وكل منهم يفتخر بجواريه وما ملكت أيمانهم .
لقد تغيرت حياته كلها انقلبت رأساً على عقب كل ماحدثوه عنه في المدرسة عن التاريخ والشرف العربي كذب كل ما حدثوه عن فتوحاتنا وبطولاتنا وحبنا للنبي (ص) عرف أن النبي (ص) توفي ولم يدفنه سوى ابن عمه علي وأصحابه المنتجبون الذين حوربوا ونفى خلفاء الرسول أصحابه المنتجبين وحاربوا أهل بيته وكانوا سيحرقون بيتهم لولا أن القدر تدخل ولم يكن. علم أن التاريخ كتبه الحكام الفاجرون الذين كان يظن أنهم خلفاء الله في أرضه كان يعتقد يومأً بعصمة معاوية حتى في حرب علي وبعصمة كل الخلفاء حتى هارون الرشيد بطل (افلام البورنو) وحتى الأمين ابنه اللوطي وحتى المتوكل الذين كان يفخر بهدم قبر الحسين مراراً وتكراراً وكان يظن أن كتاب الأحاديث معصومون في نقلهم للحديث كما علمتهم المدرسة وأن البخاري ومسلم أصح الكتب بعد كتاب الله كما قالت له مدرسته الآن يعلم لماذا ابتسم أبوه يوماً وهو يحدثه بفخر عن أجداده العظام لقد اكتشف التزوير اكتشف أنه محارب دائماً هو وأنسابه ومن يسمون على طائفته وليس ذلك فقط بل هو أيضاً يحارب كل من هو ضده بكل ما أوتي من سباب وشتائم وينكل بهم ويتمسخر عليهم وعلى طائفتهم التي بدورها تبادله المودة والسباب والشتائم وصل الفتى إلى الجامعة لقد أصبح حيث أراد حيث الفتيات المغناجات وحيث العلم الذي يريد وحيث الحب الذي يبحث عنه وحيث المكان الذي ظنه دوراً ومحراباً للثقافة والنقاش فاكتشف العكس اكتشف أنه هنا منبوذ طالما تحدث عن العلم والثقافة هنا يهمنا فقط الشهادة نريد أن نصبح موظفين لنتزوج وننجب نريد أن لا نتدخل في السياسة فلدينا من يتكلم بها عنا لدينا حكومتنا الرشيدة التي تفكر عنا وتتحدث عنا وهي ربنا وخالقنا ورازقنا ولدينا رئيسنا المفدى الذي نبايعه بالروح والدم (بعد كم شهر) ولدينا ساستنا الذين ينظّرون حول صوابية مواقفنا ودورنا المهم والمحوري في التاريخ فنحن من أهدينا البشرية اول حروف الأبجدية فلولا منا لم يكن الغرب غرباً.
خاف الشاب على نفسه من الحديث عن الوطنية إنه الآن حزبي ينادي بالوحدة وكل من هو ضده فهو عميل للموساد والمخابرات لقد استمع إلى نشرات الأخبار وعرف أن هناك معارضة للحكم وأن البعض منهم قضى عمره في سجون القائد وأن البعض منهم وطني جداً كما أن الكثير منهم عملاء جداً لقد كشفت الحياة له عن حقيقتها.
خاف الشاب على نفسه وتخرج من الجامعة وهو لم يتكلم ولن يتكلم في السياسة التي هي منتوج غربي كافر يتنافى مع عقيدتنا الإسلامية الصحيحة إنه سيتخرج ويعمل ويكسب دولاراته بعرق جبينه صحيح أن مرتبه الضخم يكفيه 5 أيام في الشهر لكنه يستطيع أن يعمل وأن يبحث عن امرأة موظفة ليأخذ راتبها ويشاركها فيه وليصنع أسرة تكون شيئاً جديدأً في حياته شيئاً مختلفاً. لقد تزوج الشاب أصبح مسئولا عن أسرة يعيلها كما أصبحت له علاقاته الجديدة التي تعرف من خلالها على مجتمعه الذي يكذب وينافق على نفسه والذي يحارب بعضه بعضاً كل من طائفة يكفر الآخر وينزوون مع بعضهم سواء بالعمل أو في الأحياء التي يستطيع أي طفل مراهق فرزها طائفياً لقد شاهد من يدعون العلم ومن يدعون أنهم المشايخ والعلماء وعرف أنهم لا يعلمون شيئاً بل يحكمون الشعب لأنهم ليس لديهم عمل آخر عرف أن العالم المتعلم والمتبحر في علوم الدين ينبذ ويستبعد وينتهك عرضه في حين يبقى الأبطال الذين لا يعرفون من الدين أذنه سأل أحد الجهابذة العلماء من طائفته يوماً عن الحدث الأكبر فأجابه انه " غسل الثياب" ولم يفاجئه الجواب بل تفاجأ عندما دخل عليهم الكثيرون ممن تشرفوا و"مجقوا" يد الشيخ الجهبذ الذي هو أحد أعلام منطقته ضحك بينه وبين نفسه كيف أن أبناء طائفته هكذا وكيف يكون الشيخ في الطائفة المقابلة يفتي ويكفر ويحل ويحرم كما يشاء هكذا هو الوطن في النهاية.
لقد ابتسم عندما رزقه الله ولداً وفرح بإخوته البنات مع (عدم فرحة أمهم التامة بهم) يعني الصبي مو متل البنت لكن الحمد لله .
كان يوماً شتوياً بارداً عندما دخل الولد الصغير إلى أبيه وهو يقول له: " بابا لقد تعلمنا اليوم عن وطننا أشياء كثيرة أشياء جميلة بابا تصور أن أجدادنا بلغوا الأندلس والسند وأنهم......" ابتسم الوالد وقال لزوجته: " ناوليني كاسة الشاي"
المنتديات

التعليقات

rawand

على الرغم من أنني لا أتفق معك في كل ما ذهبت إليك، ولكنني معجب بموضوعك بشكل عام. بالفعل المشوه لا ينتج إلا مشوها، وكأنه تفاعل تسلسلي لا متناه، يا لذكاء من بدأ به.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.