قرب النافذة .. و من خلف ستائرها البيضاء الشفافة تجد اشراقة الصبح طريقا لتبعث الحياة في الزوايا المظلمة و في صفحات الرسائل التي خلت من العنوان وفي كل شيء تشُق طريقها إليه سوى وْجه حياة الشّاحب الذي ارتسم عليه خريف العمر وبدت رواسب الزمن جليّة واضحة .
على كرسيها القريب من النافذة اتّكأت تستنشق نسمات عليلة مْشبعة برائحة النّدى الذي همَ بالرحيل عن ’ورْيقات الفل و بتلات الياسمين . أغلقت كتابها الذي آنسها في ليلها الطويل تنشد راحة افتقدتها لعينين راعهما أرق الإنتظار لسنوات لم تعد تحصيها.. فما أن أسدلت جفونها حتى تعالت تناهيد في خلجاتها رافعة السّتار عن مسرحية تعرض فصول ذكرياتها كلما غادرت واقعها حانية تشدو ذكرى سامر ..
هناك قرب السّنديانة القديمة قدم العهد الذي قطعته حياة قبيل لحظات الغروب.. فقد اعتادت على رؤيته و هو ’يقفل أدراجه عائدا إلى قريتهما الصغيرة .. اعتادا اللقاء .. لقاءا عفويا في كل مرة .. فطالما التقت العيون بحنين و همسات لا يعقلهما إلا من رأهما بقلبه و تحسسهما بوجدانه .
حياة و سامر لم يتبادلا الكلمات مطلقا فلا حاجة لعبارات تطوي المشاعر المتدفّقة ما دامت الأعين أبوابًا للقلوب البريئة ..
.
توالت الفصول.. حتى ذلك الغد ..فهل علمت حياة أن لا لقاء غدا ؟ .. فشمس الغد لم توّدع السماء فحسب بل أيضا قلباً راجفاً لم يرى سامر ..سقط قرص النّور و لم يعد سامر !! أين هو ؟؟
خطى حياة كانت تائهة و متعثّرة على طريق الورود الجوريّة .. الطّريق الذي بات يعرف حياة كما تعرف الأم وليدها ..لم تجرؤ على الّسؤال عن سامر فلا أحد يعلم بما تكنّه له .. لكنّ الجرْأة فاضت من عينين اغرورقتا بالدموع ..
فباتت تتوسّل الإجابة من كل عابر سبيل من غير أن تجني سوى إجابات ’مْبهمة أحاطت بها كما يحيط السّوار بالمعصم ..
رحماك ربي .. كأن السّماء لم تحتمل مناجاة حياة فألقت بتلك المرأة الحكيمة في طريقها.. لم تكن بحاجة للسّؤال ..
رحل..
رحل !! إلى أين ؟
لا أدري ..
لم تعد تشعر حياة بالدفء فالبرد قارص في كل مكان و الهواء جاف من دفء اللقاء .. حتى الشّموع لم تعد مضيئة والورود الجورية فقدت رونقها و أيْبسها الرّحيل عند شجرة المعياد..
و مضت السّنون العجلة بحياة من ربيع العمر إلى خريفه الذي أرسى مركبه في مينائها منذ زمن . و كومض الشّوق طرّزت دموع حياة ذكرياتها .. فعبراتها تسابقت لتفرّج عمّا اعتصره الحنين و تندّي و جنتيها اللتين فقدتا الَنشوة منذ ذللك اليوم..
تهادت عواطف حياة بين عين دامعة و قلب حزين أثقله الإنتظار ..حتى دقّت الساعة .... أهي السماء تستجيب لحياة مرة أخرى مرددة قد أزف اللقاء ؟.. أم هو ذلك الصوت الشّجي الحاني ..
حياة .. كنت أنتظرك !!
لم تصدّق ما سمعته .. أنت هنا؟؟
أين كنت ؟ لماذا رحلت ؟؟
لا تعاتبيني الآن .. فلنمضي معا ..
انبعث الدفء في الزوايا و تورّدت الدنيا بألوان الطيف و ازدهرت جدران الغرفة من جديد .. حتى الكتاب .. سقط من بين يديها الآملتين في ابتسامة القدر .. و هكذا أسدلت حياة جفونها عن العرض الأخير لتنعم بالرّاحة و الأمان ..
فبينما بزغت شمسنا منذ لحظات و استرسلت بضياءها توقظ النسيم و تطلق العبير .. الا أن شمس حياة تفرّدت بالمغيب قبل الموعد و للأبد ..
ثلاث سنوات مضت منذ وداع أهل القرية لحياة .. و مع الغروب و على موعد مع السنديانة .. و بخطى ثابتة خطت أقدام سامر على نفس الطريق القديمة.. شعور غريب انتابه عند مروره من جانب مسَجى حياة المحاط بالورود و أوراق ا لسنديان المستسقية الحياة من الجذور ..
ماذا هناك ؟؟ أول عبارات سامر لتلك المرأة الحكيمة ..
سامر!!! لم نرك منذ زمن !!
كنت مسافرا ! لكني لا أشعر بالقرية كما تركتها .. فالمكان ليس نفس المكان
ماذا حدث ؟
رحل الكثيرون .
رحلوا إلى أين ؟
منهم من ترك ناشدا المدينة .. و منهم من وافته المنيَة ..
بصوت وجل .. من؟؟
منهم حياة ..
حياة !! كصدى من ماضٍ بعيد ..
نعم نعم .. تلك الفتاة الهادئة التي لم يفتها غروب الشمس يوما.. إنا لله و إنا إليه راجعون !!!!
على كرسيها القريب من النافذة اتّكأت تستنشق نسمات عليلة مْشبعة برائحة النّدى الذي همَ بالرحيل عن ’ورْيقات الفل و بتلات الياسمين . أغلقت كتابها الذي آنسها في ليلها الطويل تنشد راحة افتقدتها لعينين راعهما أرق الإنتظار لسنوات لم تعد تحصيها.. فما أن أسدلت جفونها حتى تعالت تناهيد في خلجاتها رافعة السّتار عن مسرحية تعرض فصول ذكرياتها كلما غادرت واقعها حانية تشدو ذكرى سامر ..
هناك قرب السّنديانة القديمة قدم العهد الذي قطعته حياة قبيل لحظات الغروب.. فقد اعتادت على رؤيته و هو ’يقفل أدراجه عائدا إلى قريتهما الصغيرة .. اعتادا اللقاء .. لقاءا عفويا في كل مرة .. فطالما التقت العيون بحنين و همسات لا يعقلهما إلا من رأهما بقلبه و تحسسهما بوجدانه .
حياة و سامر لم يتبادلا الكلمات مطلقا فلا حاجة لعبارات تطوي المشاعر المتدفّقة ما دامت الأعين أبوابًا للقلوب البريئة ..
أربعة أعوام و السنديانة القديمة تحتضن بين أغصانها الممتدة أجمل لحظيات ما قبل الغروب .. كل يوم تنقش تلك الأغصان اسم حياة.. زائرتها الدائمة.. مباهية بها الكون كله .. فالشمس تنسحب مودّعة الدنيا كلها بينما حياة تعمّق و تجدد عهد البقاء بناظريها عمق الجذور الضّاربة بالأعماق .. تودّع سامرًا و تطوي الأمس بعد أن ملأته بسطور الوجْد و الشّجن للقاء الغد.
.
توالت الفصول.. حتى ذلك الغد ..فهل علمت حياة أن لا لقاء غدا ؟ .. فشمس الغد لم توّدع السماء فحسب بل أيضا قلباً راجفاً لم يرى سامر ..سقط قرص النّور و لم يعد سامر !! أين هو ؟؟
خطى حياة كانت تائهة و متعثّرة على طريق الورود الجوريّة .. الطّريق الذي بات يعرف حياة كما تعرف الأم وليدها ..لم تجرؤ على الّسؤال عن سامر فلا أحد يعلم بما تكنّه له .. لكنّ الجرْأة فاضت من عينين اغرورقتا بالدموع ..
فباتت تتوسّل الإجابة من كل عابر سبيل من غير أن تجني سوى إجابات ’مْبهمة أحاطت بها كما يحيط السّوار بالمعصم ..
رحماك ربي .. كأن السّماء لم تحتمل مناجاة حياة فألقت بتلك المرأة الحكيمة في طريقها.. لم تكن بحاجة للسّؤال ..
رحل..
رحل !! إلى أين ؟
لا أدري ..
لم تعد تشعر حياة بالدفء فالبرد قارص في كل مكان و الهواء جاف من دفء اللقاء .. حتى الشّموع لم تعد مضيئة والورود الجورية فقدت رونقها و أيْبسها الرّحيل عند شجرة المعياد..
و مضت السّنون العجلة بحياة من ربيع العمر إلى خريفه الذي أرسى مركبه في مينائها منذ زمن . و كومض الشّوق طرّزت دموع حياة ذكرياتها .. فعبراتها تسابقت لتفرّج عمّا اعتصره الحنين و تندّي و جنتيها اللتين فقدتا الَنشوة منذ ذللك اليوم..
تهادت عواطف حياة بين عين دامعة و قلب حزين أثقله الإنتظار ..حتى دقّت الساعة .... أهي السماء تستجيب لحياة مرة أخرى مرددة قد أزف اللقاء ؟.. أم هو ذلك الصوت الشّجي الحاني ..
حياة .. كنت أنتظرك !!
لم تصدّق ما سمعته .. أنت هنا؟؟
أين كنت ؟ لماذا رحلت ؟؟
لا تعاتبيني الآن .. فلنمضي معا ..
انبعث الدفء في الزوايا و تورّدت الدنيا بألوان الطيف و ازدهرت جدران الغرفة من جديد .. حتى الكتاب .. سقط من بين يديها الآملتين في ابتسامة القدر .. و هكذا أسدلت حياة جفونها عن العرض الأخير لتنعم بالرّاحة و الأمان ..
فبينما بزغت شمسنا منذ لحظات و استرسلت بضياءها توقظ النسيم و تطلق العبير .. الا أن شمس حياة تفرّدت بالمغيب قبل الموعد و للأبد ..
ثلاث سنوات مضت منذ وداع أهل القرية لحياة .. و مع الغروب و على موعد مع السنديانة .. و بخطى ثابتة خطت أقدام سامر على نفس الطريق القديمة.. شعور غريب انتابه عند مروره من جانب مسَجى حياة المحاط بالورود و أوراق ا لسنديان المستسقية الحياة من الجذور ..
ماذا هناك ؟؟ أول عبارات سامر لتلك المرأة الحكيمة ..
سامر!!! لم نرك منذ زمن !!
كنت مسافرا ! لكني لا أشعر بالقرية كما تركتها .. فالمكان ليس نفس المكان
ماذا حدث ؟
رحل الكثيرون .
رحلوا إلى أين ؟
منهم من ترك ناشدا المدينة .. و منهم من وافته المنيَة ..
بصوت وجل .. من؟؟
منهم حياة ..
حياة !! كصدى من ماضٍ بعيد ..
نعم نعم .. تلك الفتاة الهادئة التي لم يفتها غروب الشمس يوما.. إنا لله و إنا إليه راجعون !!!!
إضافة تعليق جديد