مقطعان من رواية "قبو العباسيين" للدكتورة هيفاء بيطار:
بلغ قرارها مرحلة التنفيذ، وقامت تعدّ العجينة لنزع الأشعار الرقيقة عند قدميها، يجب أن تخلبه بجسدها، بطراوته ونعومته، أخيرا سيتم لها ما أرادت، لو عصرت ذهنها في تدبير خطة انتقامية لما أفلحت، وها هو قبو العباسيين يغريها أن تغور إلى باطنه لتكتشف المحرّمات، وتتحدى مشرعي قوانين الشرف، والمدافعين المنافقين عن العذرية، تحت قشرة الأرض ستسمتع وتغوص في أعماق مشاعر أنهكها افتعالها أو محاولة الغوص فيها واستبطانها، قبو العباسيين الحقير سيحميها، ستدخل بناية ضخمة يزيد عدد شققها على الثلاثين، من سيحزر إلى أين تتجه فتاة جميلة وفي وضح النهار؟ لن تثير شكوك أحد، حتى لو التقت بإحدى الجارات أو المعارف أو الأقارب، ستقول وابتسامة واثقة على شفتيها أنها ستزور صديقة لها، ولكنها ستنزل ذلك الدرج العمودي المعتم لتدخل قبو اللذة المحرمة.
كانت السيارة تنطلق بها إلى ساحة العباسيين، ودّت لو يطول الطريق أو تتوه، لكنها كانت متيقنة أنها مقدمة وشيكا على تجربة الجسد التي انتظرتها طويلا، كانت مشوشة مضطربة وأطرافها باردة، وراحتاها تتعرقان بعرق الخوف، وأحست وجهها شاحبا، وأمكنها أن تسمع صوتا نحيلا في أعماقها يرجوها أن تثني عزيمتها عن المضي في هذه التجربة، لكنها لم تستجب، لا مفر من مشيئة القدر التي هي مشيئتها منذ زمن بعيد، وصارت تحدث نفسها، تشجعها: لماذا الجنس حرام خارج الأوراق الرسمية، وحلال بعد إمضاء بعض الأوراق؟ ومن يضفي الشرعية على حياتنا وسلوكنا، ولماذا حين نبتعد عدة كيلومترات تتغير الأخلاق ترى أما من قيمة مطلقة للأخلاق يجب أن تظل ثابتة باختلاف البلدان والأزمان، ولماذا على المرآة أن تقيّم دوما بعذريتها؟ وانتفض حقدها اللابد في أعماقها كلبوة شرسة، وقالت بتصميم: لا لن أتراجع، كانت منفعلة بمشاعر شتى من غضب وخوف ونقمة وتشتت، ما عدا شعور اللذة، فحب الاكتشاف والتحدي هما هدفاها الأساسيان، أما عقيل فكان غائبا من ذهنها، فهو مجرد وسيلة، ولم تشعر أبدا بشخصه في فرادته واستقلاليته وعجزت عن خلق أي شعور جميل في أعماقها تجاهه. من إعجاب أو حب. وتساءلت وعيناها تتابعان تتابعان البنايات العالية المتراكضة بسرعة السيارة: أتراني غير قادرة على الحب؟ وابتسمت ساخرة: هذا أفضل، وتخيلت عقيل في جحره والفرشة الوحيدة على الأرض، والمرآة المستندة على الأرض والكاسيتات، والكتب، وصحفة السجائر، وفلفسة الحياة بملاصقة الأرض، وتخيلت كيف سيغور الإنسان تحت الأرض عدة سنتيمترات وينتهي، وكأنه لم يوجد في زمن ما.
إضافة تعليق جديد