لم يأت الحق بعد!

كيف سيأتي الحق ونحن لم نكتشفه بعد، ليس عجيباً أن يكون الحق غائباً، نحن نؤمن بالله ولكن لم نعرف الله بعد. إن الإيمان بالله ليس مناقضاً للعقل لأن العقل ليس مضاداً للحق، ولكن العقل مضاد للباطل ومضاد للعبث. والعقل هو الذي يكشف الحق والنافع للناس والجن. والكون مخلوق على الحق والحياة في الكون والإنسان في الكون هو الذي له القدرة على التغلب على العبث والباطل والضار، لأن القانون المرتبط بالكون والإنسان هو قانون الزبد وما ينفع الناس كل الناس أو أكثر الناس وليس بعضهم فقط، هذا هو الفرق بين المصالح الخاصة والمصالح العامة الشاملة، وعالم الاجتماع بورديو جعل المشكلة الاجتماعية هي تحويل النفع الخاص لفرد أو طائفة نفعاً عاماً وإقناع الناس بذلك إلى درجة أنه يقول: لا يمكن قيادتهم وتسخيرهم من غير إقناع أو بالعقوبات وحدها ولكن بالسحر ويكثر بورديو من استخدام كلمة السحر في بحوثه الاجتماعية، والسحر هو التخييل أي أن تجعل الناس يتخيلون أنه حق، كما قال الله عن سحر سحرة فرعون من أن الناس ((يخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى)) ويسلم الناس بها على أنها ضربة لازب لا مفر من الإقرار بها، وربما المثل الذي يمكن أن يساعدنا قليلاً لفهم هذا الموضوع، موضوع الشرعية والتلاعب بالشرعية بشكل يوهم الناس ويجعلهم يتخيلون أنها شرعية مثلاً فاضحاً مدهشاً وهي الشرعية الدولية التي تصم آذاننا من كثرة استخدامها دون أن تثير ومن غير أن نتمكن من محاولة التساؤل عن هذه الشرعية كيف صارت شرعية يقول بورديو: (هنا نطرح سؤالاً أساسياً في كل تحليل لأية فكرة ولكل سياسة تساؤل عن مصدر شرعيته وهذا السؤال يهمل ويتجاوز ويترك في الظلام مع أن المشكلة لم تطرح بوضوح، ويبقى لامفكراً فيه أو مستحيلاً التفكير فيه وبلغة القرآن لم يسمع به ولم يتناوله أحد، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، وهذا التقييم والتجاوز دون بحث وهذا الموقف يمتد إلى أكثر الحكومات استبداداً وأكثرها عسكرية كما يمتد إلى أكثرها حرية وأكثرها شعبية)) وأنا أسارع للإمساك بهذه الفكرة لأسلط عليها بعض الشعاعات البسيطة على الشرعية الدولية وعلى حق الفيتو الذي يبرز لإيقاف كل شيء ولإسكات كل صوت وإغلاق كل فم يريد أن يتابع التساؤل عن الشرعية الدولية، حق الفيتو ينقض كل تساؤل فتتوقف الفلسفة والتحليل والبحث، إن المشركين لما قالوا: ((لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون)) ولما قالوا متعجبين ((أجعل الآلهة إلها واحد إن هذا لشيء عجاب.. ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق)).

إن إيقاف البحث معناه الواضح أوقف عقلك وأغمض سمعك وبصرك واتبعني، هذا هو الوضع في قمة ما وصل إليه الناس المتحضرون في العالم المعاصر. صحيح، ربما يمكن أن نبحث هذا، ونبحث كل شيء، وليس هناك شيء محرم في عالم الأفكار والتصورات

 

، وأنا إيماني بالقرآن يعطيني قوة كبرى لأن ربي قال لي لا ((إكراه في الدين)) لا يؤاخذ الناس على أفكارهم مهما كانت ضالة أو صالحة مهما كانت فاجرة أو تقية ومهما كانت مؤمنة أو كافرة؛ ما لم يحاول الإنسان أن يفرض أفكاره أو إيمانه الصحيح أو الخاطئ بالإكراه على الناس، الله حرر أفكار الناس والأفكار يحكمها قانون ((الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض))، وأفكاري إن كانت زبداً ستذهب جفاء غير مأسوف عليها، وإن كانت هذه الأفكار صحيحة وصالحة فستمكث في الأرض وستظهر، ونحن لانخاف من أحد أنه يستطيع أن يطفئ نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون، وسيصل فكر الناس وتفكيرهم إلى أن يتساءلوا عن الشرعية الدولية وعن حق الفيتو، وأن لا إكراه في الدين تحرير لعقول البشر التي تستطيع أن تفهم الضار والنافع وإن أخطأ الاختيار يستطيع تغيير اختياره، ولكن إن سلب منه الاختيار فقد سلبت منه إنسانيته وسلبت منه الروح التي نفخها الله في الإنسان، لهذا فإن المجتهد إذا اجتهد وأخطأ فله أجر، لأن المجتهد إذا ظهر له خطؤه بعاقبة اجتهاده يصححه ويغيره، وأذا أصاب فله أجران. ونحن نظن أن دين الله سينهزم إذا حررنا الناس من الإكراه، وهذا سوء ظن بالله وهنا كأننا وصلنا إلى المشكلة من طريق آخر، وهي مشكلة فهمنا لله ليست المشكلة الإيمان بالله ولكن المشكلة ما هذا الله الذي نؤمن به ليس كل من آمن بالله عرف الله = يقول الله ((يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية)). ويقول ((ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين)). ظن الناس بالله هو المشكلة فليس كل من آمن بالله عرف الله، بل ما نتصور عليه الله يعرف من عواقب هذا التصور، لأن فهمنا لله وظننا به غير الحق وظن الجاهلية يردي الناس ويجعلهم من الخاسرين، ومن أخسر أعمالاً في الدنيا كلها من المسلمين الذين تردوا إلى أسفل السافلين، الكل يرى هذه العواقب ولكن قل الذين يمكنهم أن يروا سبب هذا الخسران المبين.

إذا كان بيير بورديو يقول عن مشكلة الشرعية أنهم يعتمون عليها تعتيماً شديداً بحيث لا يستطيع أحد أن يتساءل عنه؛ فإن حق الفيتو أكبر انتهاك لحقوق الإنسان، وللديمقراطية والمؤسسة التي يقولون عنها الأمم المتحدة ولبها وقلبها مجلس الأمن مبني على شريعة الغاب وشريعة القوة وليس على شريعة العدل وكلمة السواء، هذا الصنم الذي يلجأ إليه الناس، بل هذا الشيطان الذي يعوذ به الناس ولكن لايحل لهم مشاكلهم بل يزيدهم رهقاً وبعداً عن الحق ((وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً)) ونحن المسلمين والعرب أشد الناس تضرراً من هذه الشرعية التي نلجأ إليها ونعترف بها ألا إن كل الذين يعترفون بشرعية مجلس الأمن الذي يسلب الأمن من العالم ولا يوفر أمنا لأحد من العالم، لماذا الآن لابد من نزع السلاح من العراق؟ ومن الذي ينزع هذا السلاح؟ هل يوجد في مجلس الأمن عدل أو كلمة سواء أو شرعية غير شريعة الغاب؟ الحق للأقوى، وهو الرب الأعلى، وهو مصدر المعرفة للصواب والخطأ، وما يقول غوته في فاوست:

أيكم يجرؤ أن يفتح فاه والبراغيث جميعا في حماه

أن كنت أعجب من أحد، فالعجب منا نحن العرب الذين نردد كالببغاء (الشرعية الدولية)، إن ما يقال عنه شرعية دولية هو الذي إذا أجمع 95% من العالم يأتي الذي يمثل 5% وينقض ماأجمع عليه 95% هل هذه شرعية؟ وهل هذه هي حقوق الإنسان؟ وهل هذه هي الديمقراطية؟ يذكرون الشرعية الدولية حتى صم الآذان، ولكن ظهر من يحتقر هذه الشرعية الدولية إذا لم توافق هواه، إن الشرعية الدولية انتهكت، وجدير أن تنتهك وتحتقر لأنها مبنية على شريعة الغاب، الحق للقوي، ولا يوجد ما يسمى حق يمكن أن تفهمه عقولنا لأن القوة ألغت عقولنا، أنا لست قوياً ولكن واجب أن أقول للباطل باطل وأقول الشرعية الدولية مبنية على أساس باطل يفقأ العين، ويسكت الجميع عليه. إن المشكلة في هذا السكوت الذي لايتكلم أحد أنه باطل ولاشرعي وإنما يقولون الشرعية الدولية.

لامانع أن نخسر كل شيء ولكن أن نخسر عقولنا وفهمنا وإدراكنا هذا هو الخسران المبين, إنهم وضعوا شرعية تسلب كل الشرعيات وتجعلها مسخرة ومهزلة، ولكن لاتستطيع أن تكشف هذه المسخرة وأنت تؤمن بأن القوة لها دور، وتؤمن أن القوة يمكن أن تنتصر على العقل، إن العقل هو الحق، وإن القوة هي الباطل. الله يقول ((وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا))، ((وقل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد)) ((بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق)) وعالمنا إيمانه بأن الباطل جاء، وزهق الحق إن الحق كان زهوقا، وإيماننا ((جاء الباطل وما يبدئ الحق وما يعيد)) أي لا يقدر أن يتكلم بشيء لا بدءاً ولا إعادة ونحن إيماننا ((بل نقذف بالباطل على الحق فإذا هو الحق زاهق، لا يوجد في العالم من يواجه هذه الحقيقة نحن لا نريد شرعية دولية ينقضها 5% أو واحد بالمئة أمريكا أو فرنسا، لا يليق بالإنسان الفرد ولا بالمجتمعات الإنسانية، هذه المؤسسة التي يقولون عنها شرعية دولية أرى أنها مبينة على جرف هاو يقود العالم إلى الخراب.

أليس فينا إنسان رشيد يكتم إيمانه، ليعلن أن نظام العالم لا رشد فيه.

جودت سعيد

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.