بالترافق مع الغزو الإجرامي للأراضي الفلسطينية المحاصرة والمحتلة، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب إشاعات استحمارية بالتعاون مع بعض أذياله وعملائه والمرتبطين معه في الإعلام العربي والدولي. تستهدف هذه الحرب غسيل عقول العالم كله، والعرب خصوصا، لتغيير موقفهم من الشعب الفلسطيني ونقلهم إلى صف الحياد أو إلى صف دعم اسرائيل.
ينتج التكييف في غرف سكينر أشخاصا متشابهين جدا في الكثير من المواضيع، كالأختام كما يسميهم بيرني، والاختلاف عنهم ليس سهلا وقد يسبب معاناة لمن يقرر أن يخرج من الغرفة، وفي كثير من الأحيان لا يأتي الاختلاف نتيجة عوامل داخلية بل بتأثير ظرف داخلي أو حدث ما. أنا أتمنى أن تكون هذه السلسلة دافعا لبعض قرائي ليقرروا الخروج من غرف سكينر، وليرفضوا التكييف ويقرروا أن ينتزعوا حريتهم الحقيقية.
إدوارد بيرني كان مختصا بالبروباغاندا، أي بتكييف الجماهير لقبول الأفكار التي يسوقها، ولكنه لم يكن ينشر أفكاره الشخصية بل أفكار من يستخدموه. في بداية حياته عمل مع فريق الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون (الرئيس المدعوم من مصرفيي أمريكا، وهو الذي رخص مصرف الاحتياطي الفيدرالي وأدخل أمريكا الحرب العالمية الأولى) وساهم في حملة تسويق دخول أمريكا الحرب العالمية الأولى على أنها "نشر الديمقراطية في أوروبا". نجاح حملته لتسويق الحرب على انها نشر للديمقراطية دفعه للتفكير في استخدام نفس الوسائل في زمن السلم،
أثبتت تقنيات علم النفس السلوكي المطورة عن تقنيات بافلوف وسكينر إمكانية التحكم بتفكير وقرارات البشر بشكل جماعي بدون وعي منهم، وقد تم تطبيق هذه التقنيات بكثرة في كل العالم وعلى عدة مستويات، ولذلك من النادر أن تجد إنسانا منسجما مع المجتمع المعاصر لم يتعرض للتكييف بطريقة ما. جميعنا تعرضنا للتكييف وجميعنا مازلنا نتعرض لمحاولات الاستحمار بشكل دائم لأن في العالم أشخاصا يملكون الإرادة والرغبة والتقنيات اللازمة لاستحمارنا.
يستند تطبيق البروباغاندا حسب الأدوات التي طورها سكينر إلى نفس مفهوم الباعث والاستجابة، بحيث يتم تكييف الكائن ليؤدي استجابة مطلوبة حسب الباعث الذي يتعرض له. وهنا من المهم أن نفهم ما يحصل بالضبط في المسافة الزمنية الفاصلة بين التعرض للباعث وتنفيذ الاستجابة.
سبق أن عرفت الاستحمار الإعلامي في كتاباتي السابقة على أنه أحد طرق قيادة الرأي العام، حيث تقوم جهات ما بصياغة أكاذيب إعلامية تبدو مستندة إلى وقائع، وبنشرها بغرض دفع الآخرين إلى تصديقها ثم "نقلها كالحمير" إلى الآخرين، وإلى اتخاذ مواقف بناء عليها وليس بناء على الوقائع والأحداث.
وفي هذه السلسلة من المقالات سأحاول التطرق إلى الأسس النظرية التي يتم على أساسها تطبيق الاستحمار على البشر.
يقول أستاذ البروباغاندا الأشهر في العالم، إدوار بيرني:
خلال اليومين الماضيين خضت بضعة نقاشات مع أشخاص يدافعون عن فكرة نقل بروباغاندا العدو الصهيوني إلى مجتمعنا. أنا طبعا ضد الفكرة ولكن يبدو أن هناك من يتقبلها برحابة صدر، ومنهم مثلا محرر في قناة المنار التي نقلت كلام الناطق العسكري الإسرائيلي بحرفيته تقريبا دون أن تذكر أي مصدر آخر أو تكلف نفسها الاتصال بأحد في دمشق لتأكيد أو نفي الخبر، أو القول أن الجانب السوري رفض التعليق.
تذكرت أمس واليوم آخر مرة فتحت فيها التلفزيون لأجد بوجهي تقريرا على الإخبارية السورية عنوانه "فلسطين المحتلة || حملة اعتقالات واغلاق شامل للضفة" لن أضع رابطه هنا للسبب الذي سيرد أدناه.
تستند الحملة الإعلامية ضد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على دعاية استحمارية تزعم "تهميش السنة في العراق" وتبرر للأمريكان دعم المعارضة السنية لأنها "مضطهدة" في العراق.
هذه الأفكار مجرد أكاذيب لا صحة لها على أرض الواقع، ومن يطلقها مطالب بتقديم دليل على وجودها إن استطاع. وتسويقها أمريكيا على لسان أعتى الكذبة، أوباما شخصيا، يزيدنا اقتناعا بكذب هذه الدعاية، وباستحمار من يتناقلونها.
يجري تناقل تصريحات على لسان نوري المالكي رئيس وزراء العراق تتهم الجيش العراقي بالخيانة في أحداث الموصل. هذه التصريحات غير دقيقة، ونوري المالكي لم يتهم أحدا بالخيانة في الموصل، بل تحدث عن خدعة ومؤامرة، وفي خطابه لم يذكر كلة "خيانة" أية مرة على الإطلاق.
شهدنا خلال اليومين الماضيين محاولة إسقاط إعلامي لحكومة العراق عبر بث كمية كبيرة من الإشاعات والأخبار الملفقة ضمن سياق انهيار الجيش العراقي وسقوط المدن العراقية واحدة تلو الأخرى في يد الإرهابيين.