الجمال
الجمال هو التناسب بين أجزاء الهيئات المركبة، سواء أكان ذلك في الماديات أم في المعقولات ، وفي الحقائق أم في الخيالات.
ما كان الوجه الجميل جميلاً إلا للتناسب بين أجزائه ، وما كان الصوت الجميل جميلاً إلا للتناسب بين نغماته ، ولا التناسب بين حبات العقد ما افتتنت به الحسناء، ولولا التناسق بين في أزهار الروض ما هام به الشعراء .
ليس للتناسب قاعدة مضطردة يستطيع الكاتب أن يبينها، فالتناسب في المرئيات غيره في المسموعات، وفي الرسوم غيره في الخطوط ، وفي الشئون العلمية غيره في القصائد الشعرية ، على أنه لا حاجة إلى بيانه ما دامت الأذواق السليمة تدرك بفطرتها ما يلائمها فترتاح إليه، وما لا يلائمها فتنفر منه.
إن كثيراً من الناس يستحسنون الأنف الصغير في الوجه الكبير والرأس الكبير في الجسم الصغير، ولا يفرقون بين البرص في الجسم الأسود، والخال في الخد الأبيض, ويطربون لنقيق الضفادع كما يطربون لخرير المياه، ويفضلون أصوات النواعير على أنغام العيدان ، ويعجبون بشعر ابن الفارض وابن معتوق والبرعي أكثر مما يعجبون بشعر أبي الطيب وأبي تمام والبحتري، ويضحكون لما يبكي، ويبكون مما يضحك، ويرضون بما يغضب، و يغضبون مما يرضي ! أولئك هم أصحاب الأذواق المريضة، وأولئك هم الذين تصدر عنهم أفعالهم وأقوالهم مشوهة غير متناسبة ولا متلائمة، لأنهم لم يدركوا سر الجمال فيصدر عنهم ولم تألفه نفوسهم، فيصبح غريزة من غرائزهم.
إن رأيت شاعراً يبتدئ قصائد التهنئة بالبكاء على الأطلال ، ويودع القصائد الرثائية بالنكات الهزلية ، ويتغزل بممدوحه كما يتغزل بمعشوقه أو متكلما يقتضب الأحاديث اقتضاباً، ويهزل في موضع الجد، ويجدّ في موضع الهزل
أو صحفياً يضع العنوان الضخم للخبر التافه ، ويكتب مقدمة في السماء لموضوع في الأرض ، أو حاكما يضع الندى في موضع السيف ، والسيف في موضع الندى ، أو ماشياً يتلوى في طريقه من رصيف إلى رصيف ، كأنما يرسم خطاً متعرجا، أو لابساً في الشتاء غلالة الصيف، وفي الصيف فروة الشتاء، فاعلم أن ذوقه مريض، وأنه في حاجة إلى معالجة ذوقه، كحاجة المجنون إلى علاج عقله، والمريض إلى علاج جسمه .
كما أنه ليس كل مجنون يرجى شفائه، ولا كل مريض يرجى إبلاله، كذلك ليس كل من فسد ذوقه يرجى صلاحه، فإن رأيت من تؤمل في إصلاحه خيراً ، وتجد في نفسه استعداداً لتقويم ذوقه ، فعلاجه أن تحفه بأنواع الجمال، وتدأب على تنبيهه إلى متناسباته ومؤتلفاته، وإن استطعت أن تعلمه فناً من الفنون الجميلة كالشعر والتصوير والموسيقى فافعل ، فإنها المقومات للأذواق ، والغارسات في النفوس ملكات الجمال .
....مصطفى لطفي المنفلوطي – النظرات 1-...
الجمال هو التناسب بين أجزاء الهيئات المركبة، سواء أكان ذلك في الماديات أم في المعقولات ، وفي الحقائق أم في الخيالات.
ما كان الوجه الجميل جميلاً إلا للتناسب بين أجزائه ، وما كان الصوت الجميل جميلاً إلا للتناسب بين نغماته ، ولا التناسب بين حبات العقد ما افتتنت به الحسناء، ولولا التناسق بين في أزهار الروض ما هام به الشعراء .
ليس للتناسب قاعدة مضطردة يستطيع الكاتب أن يبينها، فالتناسب في المرئيات غيره في المسموعات، وفي الرسوم غيره في الخطوط ، وفي الشئون العلمية غيره في القصائد الشعرية ، على أنه لا حاجة إلى بيانه ما دامت الأذواق السليمة تدرك بفطرتها ما يلائمها فترتاح إليه، وما لا يلائمها فتنفر منه.
إن كثيراً من الناس يستحسنون الأنف الصغير في الوجه الكبير والرأس الكبير في الجسم الصغير، ولا يفرقون بين البرص في الجسم الأسود، والخال في الخد الأبيض, ويطربون لنقيق الضفادع كما يطربون لخرير المياه، ويفضلون أصوات النواعير على أنغام العيدان ، ويعجبون بشعر ابن الفارض وابن معتوق والبرعي أكثر مما يعجبون بشعر أبي الطيب وأبي تمام والبحتري، ويضحكون لما يبكي، ويبكون مما يضحك، ويرضون بما يغضب، و يغضبون مما يرضي ! أولئك هم أصحاب الأذواق المريضة، وأولئك هم الذين تصدر عنهم أفعالهم وأقوالهم مشوهة غير متناسبة ولا متلائمة، لأنهم لم يدركوا سر الجمال فيصدر عنهم ولم تألفه نفوسهم، فيصبح غريزة من غرائزهم.
إن رأيت شاعراً يبتدئ قصائد التهنئة بالبكاء على الأطلال ، ويودع القصائد الرثائية بالنكات الهزلية ، ويتغزل بممدوحه كما يتغزل بمعشوقه أو متكلما يقتضب الأحاديث اقتضاباً، ويهزل في موضع الجد، ويجدّ في موضع الهزل
أو صحفياً يضع العنوان الضخم للخبر التافه ، ويكتب مقدمة في السماء لموضوع في الأرض ، أو حاكما يضع الندى في موضع السيف ، والسيف في موضع الندى ، أو ماشياً يتلوى في طريقه من رصيف إلى رصيف ، كأنما يرسم خطاً متعرجا، أو لابساً في الشتاء غلالة الصيف، وفي الصيف فروة الشتاء، فاعلم أن ذوقه مريض، وأنه في حاجة إلى معالجة ذوقه، كحاجة المجنون إلى علاج عقله، والمريض إلى علاج جسمه .
كما أنه ليس كل مجنون يرجى شفائه، ولا كل مريض يرجى إبلاله، كذلك ليس كل من فسد ذوقه يرجى صلاحه، فإن رأيت من تؤمل في إصلاحه خيراً ، وتجد في نفسه استعداداً لتقويم ذوقه ، فعلاجه أن تحفه بأنواع الجمال، وتدأب على تنبيهه إلى متناسباته ومؤتلفاته، وإن استطعت أن تعلمه فناً من الفنون الجميلة كالشعر والتصوير والموسيقى فافعل ، فإنها المقومات للأذواق ، والغارسات في النفوس ملكات الجمال .
....مصطفى لطفي المنفلوطي – النظرات 1-...
المنتديات
التعليقات
Re: الجمال
Re: الجمال
Re: الجمال
Re: الجمال
Re: الجمال
Re: الجمال
Re: الجمال
إضافة تعليق جديد