لقد نزّل القرآن تشريعه مفصلاً للمسائل الحياتية زمن النـزول ثم ترك إشارات تستجيب لمتطلبات التطور إذا كانت تلك المسائل قابلة للحياة عبر الزمن المتجدّد قال تعالى:"الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى"آية /50/طه وأكثر المسائل التي نالت اهتمام القرآن هي مسألة ولد آدم من ذكر وأنثى, فلنتقصَّ كيف ينظر القرآن لكليهما معاً ولكل منهما على حده.
الله قد سوّد آدم على ملائكته بقوله تعالى:"وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم"... الآية/34/ سورة البقرة وجعل ولد آدم من ذكر وأنثى دون تمييز بينهما سادة هذا العالم المادّي المخلوق لإعطائهم حرية التصرف كاملة على ما فيه قال تعالى:"وسخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إنَّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " الجاثية آية /13/ .
وقد حدّد القرآن لكل مخلوق دوراً يؤديه والأنثى إحدى هذه المخلوقات لها دورها ومع أنها خلقت كالذكر قد عُدّلت جسديّاً حتى تتمكن من تأدية دورها كاملاً, إذ أن مقتضيات الحمل والولادة والرضاعة ورعاية الصغار فترة طويلة نسبياً, تقتضي ملازمة المنزل حيث الحياة فيه تؤدي إلى الهدوء والدّعة وبالتالي إلى تناقص القوة البدنية غير المطلوبة منزلياً أما الأعمال التي يمارسها الذكر خارج المنـزل في مواجهة الطبيعة وأعدائها من بني الإنسان والحيوان تكسبه القوة والشراسة, وهذا التقسيم للدور زمن نزول القرآن يستجيب لمتطلبات زمن القوة، مع أن القرآن أدخل تعديلاً هائلاً بتسويد العقل على القوّة لخلق توازن حقيقي في العلاقة والقيمة الاجتماعية والإنسانية بين الذكر والأنثى.
ولو ألغى أحد الطرفين دوره, أي لو تخلّى الذكر عن دوره في المواجهة ولزم حياة الدّعة في المنزل لفقد الكثير من قوته البدنية وشراسته وكذلك الأنثى لو لزمت المواجهة من الصغر وتخلّت عن الحمل والولادة لكسبت الكثير من القوّة والشراسة, وعليه فإن مباهاة الذكر بقواه البدنية واستخدامها لإخضاع الأنثى لا يعطيه حق الأفضلية لا قرآنياً ولا إنسانياً ولا اجتماعياً.
فقط الباطل هو الذي يمنحه ذلك, بل جاء القرآن بتسويد العقل ليستمر كل من الذكر والأنثى بدوره قناعة وليس قسراً .
وإذا كان في جسد الأنثى بعض التباين عن الذكر لمقتضيات الدور المناط بها إنسانيا فهذا لا يعطي الذكر أفضليةً ولا ينقص قيمةََََ الأنثى اجتماعياً وانسانياً بشيء إلاّ إذا كنّا نعيب الله في خلقه وهذا محال.
إذن لا أفضلية على صعيد الخلق فكلاهما الذكر والأنثى خُلقا من المادّة علميّاً, أما قرآنياً فآدم من تراب وحوّاء من آدم لقوله تعالى:"خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها" آية /1/ النساء, وهنا الأنثى أكثر شفافية.
وإذا كان القرآن يقرُّ تفضيلاً من نوع ما فهو ما اقتضته حكمة التدرج في التشريع لمسايرة التطور العقلي والحياتي لبني البشر, لأن التعامل القائم بين الذكر والأنثى زمن نزول القرآن هو من صنع البشر أنفسهم ولا يمكن إلغاؤه دفعة واحدة بل يمكن تعديله وهذا ما حدث مع وضع نصوص قرآنية تسمح بإلغاء هذا التباين من التعامل بين الذكر والأنثى مستقبلاً وهذا ما سنشير إليه في كلا الحالين "التفاضل-ونفي التفاضل".
لقد أقرَّ القرآن تفضيل الذكر على الأنثى في أكثر من آية ومنها قوله تعالى: في سورة البقرة /228/"لهنَّ مثل الذي عليهنَّ بالمعروف وللرجال عليهنَّ درجة" ربما هي كدرجة المجاهدين على القاعدين /آية 95 النساء/ لأن مسألة الحماية والأمن في زمن القوة تلك هي المسألة الأولى أما في زمن يسوده القانون فالأمر مختلف ويتابع القرآن "الرجال قوامون على النساء" آية /34/النساء "للذكر مثل حظ الأنثيين" النساء/11/"وليس الذكر كالأنثى" آل عمران/36/"واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضلَّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ... البقرة/282/ وكذلك في تعدد الزوجات "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع".../3/ نساء وكذلك في اعتبار المهر أجراً كما في سورة الممتحنة آية/10/ "ولا جناح عليكم إن تنكحهن إذا أتيتموهنَّ اجورهنَّ ... الآية" وكما في سورة الأحزاب آية/50/ يا أيُّها النبي إنّا أحللنا لك أزواجك اللاّتي أتيت أجورهنَّ... الآية"وكذلك في الطلاق إذ الخطاب موجه بالمجمل إلى الذكور وكأنه صاحب الحق في ذلك إلا إذا اشترطت الأنثى عند عقد القران وهذه الأمثلة من الأساسيات كما يراها القارئ للوهلة الأولى فهي لا تخرج عن كونها من مقتضيات الدور وضرورات الحياة لذلك الزمن الذي نزلت فيه وان المسألة التي ينظر إليها بجدية من حيث الأفضلية هي مسألة الشهادة والأجر مع أنَّ لهما ما يبررهما اجتماعياً فإذا حدث طلاق وكانت الأنثى في سنٍّ لم تعد قادرة على المشاركة في الحياة العامة من جهة إعادة الزواج ثانيةًًًًًًًًً أو القدرة على العمل لتأمين معاشها الحياتي أو حتى لو كانت صغيرة السنّ فهناك فترة ركود حتى تتمكن من استئناف حياتها بهدوء وفي كل الأحوال فهي تستحق التعويض واعتقد أن روحية هذا التشريع تقضي ذلك لأن قدسية النظرة القرآنية للعلاقة بين الذكر والأنثى تتجاوز فكرة أنَّ الأنثى متاعٌ يؤخذ ويترك بالأجر فقط.
أما فارق الشهادة فليس له ما يؤيده علميّاً على الصعيد العقلي من حيث دونيتها للذكر ولكن الواقع الحياتي الذي يجعلها تلازم الصغار فترة طويلة وهي فترة كثيرة الجزئيات لا تساعد على الاكتساب مع عدم المشاركة في الحياة العامة يخلق تشوشاً وشروداً للزمن وهذا كان بدوره ينسحب على الذكور الذين يعلمون الكتّاب وفي كلا الحالين فإن تغيير الدور أو تعديله لجهة هذه الفروق هو أمر حاصل في زمننا هذا فالأنثى العاملة ولها مردود مالي يكفل حياتها وييسّر لها مشاركتها في الحياة العامة فلا مبرر للتشكيك في عقلانيتها ولا في قدرتها على كفاية نفسها في معاشها. وان المسألة الشائكة حقيقةًً قديماً وحديثاً هي مسألة الطلاق.
إن القرآن قد أخذ مسألة الطلاق بحزم وعاطفة شديدين "فإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم" البقرة/227/ فالذكر والأنثى تحت المراقبة إلا أن المسألة المادية وهي مسألة الأجر فقد شدد على التفاهم الذاتي بين الطرفين (أو عن طريق الحكمين) ومؤكداٌ الجانب الإنساني قال تعالى: فإن أرادا انفصالاٌ عن تراضٍ منهما وتشاور فلا جناح عليهما… الآية/233/ البقرة وفي سورة الطلاق"وأتمروا بينكم بمعروف".. الآية/6/حيث يتم تقاسم المسؤولية بينهما ومشيراٌ إلى الجانب العاطفي في حياتهما المشتركة وهو ما يسمى"بالعشرة"حتى يسهل عليهما التفاهم قال تعالى:"ولا تنسوا الفضل بينكم"… الآية/237/البقرة""وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً" سورة/21/النساء وقال تعالى"هنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهنَّ "… الآية/187/البقرة, إذ ليس من مخلوق يحمل في نفسه حسّاٌ إنسانياً يمكن أن ينسَ العشرة المشار إليها مهما كانت درجة الخلافات بين الطرفين.
ومع كل هذه الفروق المشار إليها أعلاه فقد تجاوزها القرآن بذلك الإعلان الشهير عن المساواة قال تعالى:"إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراٌ والذاكرات أعدَّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً" فالمساواة عندما تقتضيها ظروف الزمن المتجدد ليست مقبولة ومشروعة فحسب بل مطلوبة بالتأكيد لجهة البناء الوطني كما في زمننا هذا.
وقد حدد الله عزَّ وجلَّ عامل التفضيل بدقة بين البشر عموماٌ وليس بين الذكر والأنثى فحسب وفي حالٍ وحيدةٍ هو التفوق في العمل الصالح قال تعالى:"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباٌ وقبائل لتعارفوا أنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" الحجرات/13/وهنا يزول كل غموض أو شكوك حول المساواة بين الذكر والأنثى. أما على الصعيد الاجتماعي فليس من فروق البتة إلا بالجهد الذاتي المشار إليه قرآنياً فكلاهما الذكر والأنثى ينال وجاهة أهله بالولادة ثم ينال كل منهما وجاهة الآخر بالزواج فإن كان أحدهما ملكاٌ أو رئيساً فالآخر ملكة أو أميراً أو سيدةً أولى وإن كان رسولاٌ فهي أم المؤمنين وفي غير هذا وجاهة أحدهما من عمله الذي يرفعه أو يخفضه.
وعلى الصعيد الإيماني فلا أفضلية البتة إذ أن الكفار من الذكور والإناث فريق واحد والمؤمنون من الذكور والإناث فريق واحد والخطاب القرآني موجه بمجمله بهذا الاتجاه والله تعالى في تعامله مع عباده المصطفين المطهرين لم يستثنَ الإناث, فسارة زوجة إبراهيم من أهل البيت كما جاء في سورة هود آية/73/"رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد" كما فاطمة من أهل البيت الأحزاب آية/33/"إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً" ومريم أيضاً"وجعلناها وابنها آية للعالمين"سورة الأنبياء /91/ وعلى صعيد العمل فالخطاب موجه للعموم وكل له حق العمل وكل مسؤول عن عمله وكل له حق التملك "والله يؤتي ملكه من يشاء.. "الآية /247/ البقرة.
كما لكل منهما نفس الحقوق السياسية من الحوار والنقد والنقد الذاتي والتعايش مع الطرف المعارض وكذلك المساواة في التعليم والتعلّم إذ الخطاب موجه للعموم أيضاً.
وعلى هذا فالإسلام لم يبخس الأنثى حقها في شيء من حقوق الحياة طالما هي قادرة على أن تكون سيدة نفسها في كل الأحوال والظروف وإذا أردنا متابعة الفروق الاجتماعية فهي كثيرة بين الذكور ولا مجال هنا لبحثها.
أما مسألة اللباس وخاصة الحجاب والتفرغ في المنزل فهذه من المتغيرات وإن الآية/80/ من سورة النحل تؤيد ذلك قال تعالى:"والله جعل لكم من بيوتكم سكناٌ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاٌ تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً و متاعاً إلى حين" فلفظة إلى حين تبيّن بالقطع أن اللباس والمتاع والسكن ليست من ثوابت الحلال والحرام بشيء بل هي من المتغيرات التي يتكيف الإنسان بها حسب التطور الزمني والحياتي الخاضع للقانون الكوني العظيم"الحركة"أي كل شيء يتحرك في هذا الكون وبالتالي يتغيّر كما عبرت عنه الآيات /37-40/سورة يس"وكل في فلك يسبحون" والحقيقة الوحيدة التي لا تخضع لقانون الحركة هو خالق الحركة "الله" عزّ وجلّ ثم يكمل القرآن بنفس النظرة بالآية /81/ من نفس السورة"والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرَّ وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم ولعلكم تسلمون". فهل يعقل أن نعود للباس السرابيل وسكن الكهوف و الخيام ؟
حتى النعم لا تدوم قال تعالى:"فآمنوا فمتعناهم إلى حين"الصافات آية/148/ وعليه ليس من المنطق أن نأخذ فريضة الحجاب هكذا مبتسرة ومعزولة عن ظروف نزولها كفريضة ثابتة لا يجوز تغييرها أو تعديلها بل نردها الى بيئتها ومبررات نزولها فقد فرض الله الحجاب في سورة الاحزاب /59/"يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبيهن ذلك أدنى أن يعرفن ... الآية"
وذكر مبرر ذلك بالآية/60/"لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنفرثيك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً"/60/"ملعونين أين ما تقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا" /61/.
التي تليها وفي سورة النور/31/ "قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن" ومبرره بالآية /33/ "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن اردن تحصناً "لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ... الآية".
إذن كان هناك زناة مناوئون ومتحرشون وكان أيضاً بغايا يمتهنّ الزنا لحسابهن أو حساب أسيادهن ولذلك اقتضى الحال التمايز فكان الحجاب. وعليه نقول بأن الحجاب مسموح به.
والخلاصة من كل ما تقدم أن التعامل القائم حالياٌ بين الذكر والأنثى على أساس التفاضل هو من صنعنا نحن البشر وما كان متعارفاً عليه قديماً و ذهبت مبرراته ولا نزال متمسكين به هو من قبيل سيطرة الذكر على الأنثى وما اعتبارنا الأنثى موضوعاً للكرامة كما هي موضوعاً للعار إلا من الأخطاء الشائعة اجتماعياً وإن مسؤولية أي مستوى اجتماعي سواء كان أسرة أو حتى وطن تتحدد اتجاه الفرد مهما كان نوعه ذكر أم أنثى بمدى التزام وتضامن الفرد مع الجماعة التي يعيش ضمنها ومن حق الأسرة أو الوطن أن يغضب للفرد فيه إذا ناله أذى من مصدر غريب عن الجماعة التي ينتمي إليها.
أما إذا اتجه الفرد بسلوكه بشكل مستقل عن أسرته أو وطنه, ففعله الذي يصدر عنه هو له عاراً كان أم كرامة لأن كل فرد كرامته وشرفه في رأسه وفي نفسه ومسؤوليته ذاتية لا تتعدى شخصه قال تعالى:"ولا تزر وازرة وزر أخرى" الإسراء/15/ النجم/38/ وكلهم آتيه يوم القيامة فرداٌ" مريم /95/.
الله قد سوّد آدم على ملائكته بقوله تعالى:"وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم"... الآية/34/ سورة البقرة وجعل ولد آدم من ذكر وأنثى دون تمييز بينهما سادة هذا العالم المادّي المخلوق لإعطائهم حرية التصرف كاملة على ما فيه قال تعالى:"وسخّر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إنَّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " الجاثية آية /13/ .
وقد حدّد القرآن لكل مخلوق دوراً يؤديه والأنثى إحدى هذه المخلوقات لها دورها ومع أنها خلقت كالذكر قد عُدّلت جسديّاً حتى تتمكن من تأدية دورها كاملاً, إذ أن مقتضيات الحمل والولادة والرضاعة ورعاية الصغار فترة طويلة نسبياً, تقتضي ملازمة المنزل حيث الحياة فيه تؤدي إلى الهدوء والدّعة وبالتالي إلى تناقص القوة البدنية غير المطلوبة منزلياً أما الأعمال التي يمارسها الذكر خارج المنـزل في مواجهة الطبيعة وأعدائها من بني الإنسان والحيوان تكسبه القوة والشراسة, وهذا التقسيم للدور زمن نزول القرآن يستجيب لمتطلبات زمن القوة، مع أن القرآن أدخل تعديلاً هائلاً بتسويد العقل على القوّة لخلق توازن حقيقي في العلاقة والقيمة الاجتماعية والإنسانية بين الذكر والأنثى.
ولو ألغى أحد الطرفين دوره, أي لو تخلّى الذكر عن دوره في المواجهة ولزم حياة الدّعة في المنزل لفقد الكثير من قوته البدنية وشراسته وكذلك الأنثى لو لزمت المواجهة من الصغر وتخلّت عن الحمل والولادة لكسبت الكثير من القوّة والشراسة, وعليه فإن مباهاة الذكر بقواه البدنية واستخدامها لإخضاع الأنثى لا يعطيه حق الأفضلية لا قرآنياً ولا إنسانياً ولا اجتماعياً.
فقط الباطل هو الذي يمنحه ذلك, بل جاء القرآن بتسويد العقل ليستمر كل من الذكر والأنثى بدوره قناعة وليس قسراً .
وإذا كان في جسد الأنثى بعض التباين عن الذكر لمقتضيات الدور المناط بها إنسانيا فهذا لا يعطي الذكر أفضليةً ولا ينقص قيمةََََ الأنثى اجتماعياً وانسانياً بشيء إلاّ إذا كنّا نعيب الله في خلقه وهذا محال.
إذن لا أفضلية على صعيد الخلق فكلاهما الذكر والأنثى خُلقا من المادّة علميّاً, أما قرآنياً فآدم من تراب وحوّاء من آدم لقوله تعالى:"خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها" آية /1/ النساء, وهنا الأنثى أكثر شفافية.
وإذا كان القرآن يقرُّ تفضيلاً من نوع ما فهو ما اقتضته حكمة التدرج في التشريع لمسايرة التطور العقلي والحياتي لبني البشر, لأن التعامل القائم بين الذكر والأنثى زمن نزول القرآن هو من صنع البشر أنفسهم ولا يمكن إلغاؤه دفعة واحدة بل يمكن تعديله وهذا ما حدث مع وضع نصوص قرآنية تسمح بإلغاء هذا التباين من التعامل بين الذكر والأنثى مستقبلاً وهذا ما سنشير إليه في كلا الحالين "التفاضل-ونفي التفاضل".
لقد أقرَّ القرآن تفضيل الذكر على الأنثى في أكثر من آية ومنها قوله تعالى: في سورة البقرة /228/"لهنَّ مثل الذي عليهنَّ بالمعروف وللرجال عليهنَّ درجة" ربما هي كدرجة المجاهدين على القاعدين /آية 95 النساء/ لأن مسألة الحماية والأمن في زمن القوة تلك هي المسألة الأولى أما في زمن يسوده القانون فالأمر مختلف ويتابع القرآن "الرجال قوامون على النساء" آية /34/النساء "للذكر مثل حظ الأنثيين" النساء/11/"وليس الذكر كالأنثى" آل عمران/36/"واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضلَّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ... البقرة/282/ وكذلك في تعدد الزوجات "فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع".../3/ نساء وكذلك في اعتبار المهر أجراً كما في سورة الممتحنة آية/10/ "ولا جناح عليكم إن تنكحهن إذا أتيتموهنَّ اجورهنَّ ... الآية" وكما في سورة الأحزاب آية/50/ يا أيُّها النبي إنّا أحللنا لك أزواجك اللاّتي أتيت أجورهنَّ... الآية"وكذلك في الطلاق إذ الخطاب موجه بالمجمل إلى الذكور وكأنه صاحب الحق في ذلك إلا إذا اشترطت الأنثى عند عقد القران وهذه الأمثلة من الأساسيات كما يراها القارئ للوهلة الأولى فهي لا تخرج عن كونها من مقتضيات الدور وضرورات الحياة لذلك الزمن الذي نزلت فيه وان المسألة التي ينظر إليها بجدية من حيث الأفضلية هي مسألة الشهادة والأجر مع أنَّ لهما ما يبررهما اجتماعياً فإذا حدث طلاق وكانت الأنثى في سنٍّ لم تعد قادرة على المشاركة في الحياة العامة من جهة إعادة الزواج ثانيةًًًًًًًًً أو القدرة على العمل لتأمين معاشها الحياتي أو حتى لو كانت صغيرة السنّ فهناك فترة ركود حتى تتمكن من استئناف حياتها بهدوء وفي كل الأحوال فهي تستحق التعويض واعتقد أن روحية هذا التشريع تقضي ذلك لأن قدسية النظرة القرآنية للعلاقة بين الذكر والأنثى تتجاوز فكرة أنَّ الأنثى متاعٌ يؤخذ ويترك بالأجر فقط.
أما فارق الشهادة فليس له ما يؤيده علميّاً على الصعيد العقلي من حيث دونيتها للذكر ولكن الواقع الحياتي الذي يجعلها تلازم الصغار فترة طويلة وهي فترة كثيرة الجزئيات لا تساعد على الاكتساب مع عدم المشاركة في الحياة العامة يخلق تشوشاً وشروداً للزمن وهذا كان بدوره ينسحب على الذكور الذين يعلمون الكتّاب وفي كلا الحالين فإن تغيير الدور أو تعديله لجهة هذه الفروق هو أمر حاصل في زمننا هذا فالأنثى العاملة ولها مردود مالي يكفل حياتها وييسّر لها مشاركتها في الحياة العامة فلا مبرر للتشكيك في عقلانيتها ولا في قدرتها على كفاية نفسها في معاشها. وان المسألة الشائكة حقيقةًً قديماً وحديثاً هي مسألة الطلاق.
إن القرآن قد أخذ مسألة الطلاق بحزم وعاطفة شديدين "فإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم" البقرة/227/ فالذكر والأنثى تحت المراقبة إلا أن المسألة المادية وهي مسألة الأجر فقد شدد على التفاهم الذاتي بين الطرفين (أو عن طريق الحكمين) ومؤكداٌ الجانب الإنساني قال تعالى: فإن أرادا انفصالاٌ عن تراضٍ منهما وتشاور فلا جناح عليهما… الآية/233/ البقرة وفي سورة الطلاق"وأتمروا بينكم بمعروف".. الآية/6/حيث يتم تقاسم المسؤولية بينهما ومشيراٌ إلى الجانب العاطفي في حياتهما المشتركة وهو ما يسمى"بالعشرة"حتى يسهل عليهما التفاهم قال تعالى:"ولا تنسوا الفضل بينكم"… الآية/237/البقرة""وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً" سورة/21/النساء وقال تعالى"هنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهنَّ "… الآية/187/البقرة, إذ ليس من مخلوق يحمل في نفسه حسّاٌ إنسانياً يمكن أن ينسَ العشرة المشار إليها مهما كانت درجة الخلافات بين الطرفين.
ومع كل هذه الفروق المشار إليها أعلاه فقد تجاوزها القرآن بذلك الإعلان الشهير عن المساواة قال تعالى:"إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراٌ والذاكرات أعدَّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً" فالمساواة عندما تقتضيها ظروف الزمن المتجدد ليست مقبولة ومشروعة فحسب بل مطلوبة بالتأكيد لجهة البناء الوطني كما في زمننا هذا.
وقد حدد الله عزَّ وجلَّ عامل التفضيل بدقة بين البشر عموماٌ وليس بين الذكر والأنثى فحسب وفي حالٍ وحيدةٍ هو التفوق في العمل الصالح قال تعالى:"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباٌ وقبائل لتعارفوا أنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" الحجرات/13/وهنا يزول كل غموض أو شكوك حول المساواة بين الذكر والأنثى. أما على الصعيد الاجتماعي فليس من فروق البتة إلا بالجهد الذاتي المشار إليه قرآنياً فكلاهما الذكر والأنثى ينال وجاهة أهله بالولادة ثم ينال كل منهما وجاهة الآخر بالزواج فإن كان أحدهما ملكاٌ أو رئيساً فالآخر ملكة أو أميراً أو سيدةً أولى وإن كان رسولاٌ فهي أم المؤمنين وفي غير هذا وجاهة أحدهما من عمله الذي يرفعه أو يخفضه.
وعلى الصعيد الإيماني فلا أفضلية البتة إذ أن الكفار من الذكور والإناث فريق واحد والمؤمنون من الذكور والإناث فريق واحد والخطاب القرآني موجه بمجمله بهذا الاتجاه والله تعالى في تعامله مع عباده المصطفين المطهرين لم يستثنَ الإناث, فسارة زوجة إبراهيم من أهل البيت كما جاء في سورة هود آية/73/"رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد" كما فاطمة من أهل البيت الأحزاب آية/33/"إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً" ومريم أيضاً"وجعلناها وابنها آية للعالمين"سورة الأنبياء /91/ وعلى صعيد العمل فالخطاب موجه للعموم وكل له حق العمل وكل مسؤول عن عمله وكل له حق التملك "والله يؤتي ملكه من يشاء.. "الآية /247/ البقرة.
كما لكل منهما نفس الحقوق السياسية من الحوار والنقد والنقد الذاتي والتعايش مع الطرف المعارض وكذلك المساواة في التعليم والتعلّم إذ الخطاب موجه للعموم أيضاً.
وعلى هذا فالإسلام لم يبخس الأنثى حقها في شيء من حقوق الحياة طالما هي قادرة على أن تكون سيدة نفسها في كل الأحوال والظروف وإذا أردنا متابعة الفروق الاجتماعية فهي كثيرة بين الذكور ولا مجال هنا لبحثها.
أما مسألة اللباس وخاصة الحجاب والتفرغ في المنزل فهذه من المتغيرات وإن الآية/80/ من سورة النحل تؤيد ذلك قال تعالى:"والله جعل لكم من بيوتكم سكناٌ وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاٌ تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً و متاعاً إلى حين" فلفظة إلى حين تبيّن بالقطع أن اللباس والمتاع والسكن ليست من ثوابت الحلال والحرام بشيء بل هي من المتغيرات التي يتكيف الإنسان بها حسب التطور الزمني والحياتي الخاضع للقانون الكوني العظيم"الحركة"أي كل شيء يتحرك في هذا الكون وبالتالي يتغيّر كما عبرت عنه الآيات /37-40/سورة يس"وكل في فلك يسبحون" والحقيقة الوحيدة التي لا تخضع لقانون الحركة هو خالق الحركة "الله" عزّ وجلّ ثم يكمل القرآن بنفس النظرة بالآية /81/ من نفس السورة"والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرَّ وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم ولعلكم تسلمون". فهل يعقل أن نعود للباس السرابيل وسكن الكهوف و الخيام ؟
حتى النعم لا تدوم قال تعالى:"فآمنوا فمتعناهم إلى حين"الصافات آية/148/ وعليه ليس من المنطق أن نأخذ فريضة الحجاب هكذا مبتسرة ومعزولة عن ظروف نزولها كفريضة ثابتة لا يجوز تغييرها أو تعديلها بل نردها الى بيئتها ومبررات نزولها فقد فرض الله الحجاب في سورة الاحزاب /59/"يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبيهن ذلك أدنى أن يعرفن ... الآية"
وذكر مبرر ذلك بالآية/60/"لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنفرثيك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً"/60/"ملعونين أين ما تقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا" /61/.
التي تليها وفي سورة النور/31/ "قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن" ومبرره بالآية /33/ "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن اردن تحصناً "لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ... الآية".
إذن كان هناك زناة مناوئون ومتحرشون وكان أيضاً بغايا يمتهنّ الزنا لحسابهن أو حساب أسيادهن ولذلك اقتضى الحال التمايز فكان الحجاب. وعليه نقول بأن الحجاب مسموح به.
والخلاصة من كل ما تقدم أن التعامل القائم حالياٌ بين الذكر والأنثى على أساس التفاضل هو من صنعنا نحن البشر وما كان متعارفاً عليه قديماً و ذهبت مبرراته ولا نزال متمسكين به هو من قبيل سيطرة الذكر على الأنثى وما اعتبارنا الأنثى موضوعاً للكرامة كما هي موضوعاً للعار إلا من الأخطاء الشائعة اجتماعياً وإن مسؤولية أي مستوى اجتماعي سواء كان أسرة أو حتى وطن تتحدد اتجاه الفرد مهما كان نوعه ذكر أم أنثى بمدى التزام وتضامن الفرد مع الجماعة التي يعيش ضمنها ومن حق الأسرة أو الوطن أن يغضب للفرد فيه إذا ناله أذى من مصدر غريب عن الجماعة التي ينتمي إليها.
أما إذا اتجه الفرد بسلوكه بشكل مستقل عن أسرته أو وطنه, ففعله الذي يصدر عنه هو له عاراً كان أم كرامة لأن كل فرد كرامته وشرفه في رأسه وفي نفسه ومسؤوليته ذاتية لا تتعدى شخصه قال تعالى:"ولا تزر وازرة وزر أخرى" الإسراء/15/ النجم/38/ وكلهم آتيه يوم القيامة فرداٌ" مريم /95/.
المنتديات
التعليقات
Re: حقوق المرأة في القرآن
Re: حقوق المرأة في القرآن
Re: حقوق المرأة في القرآن
Re: حقوق المرأة في القرآن
Re: حقوق المرأة في القرآن
Re: حقوق المرأة في القرآن
Re: حقوق المرأة في القرآن
Re: حقوق المرأة في القرآن
إضافة تعليق جديد