من أجمل لحظات العمر بالنسبة لأبٍ يعمل أكثر من اثني عشرة ساعة في اليوم، لحظة عودته للمنزل حاملاً على كتفيه رزماً من الأتعاب والهموم؛ ليفاجئ بابنه الصغير وهو يهجم نحوه بسرعةٍ كبيرة فارداً ذراعيه الصغيرتين كجناحي حمامة تريد أن تطير.. يحتويه الأب بين أحضانه ثم يقذف به في الهواء مراتٍ متتالية والطفل بين بكاء وضحك. وعندما يتلقفه الأب بيديه للمرة الأخيرة معلناً انتهاء العرض، تبقى عينا الطفل معلقة في السقف تطلب تكرار الطيران، ويختلط فيهما الدمع بالسعادة، وفي اللحظة نفسها تسقط الرزم عن كتفي الأب ويبدأ أمل جديد.
************************************************************
وتسألك بنيّتك الصغيرة ذات الأربع سنوات أن تحكي لها كل ليلة حكاية حلوة، فتبحث في ذاكرتك ولا تجد سوى " ليلى والذئب "؛ فترويها بطريقة مسرحية مشوقة تجعل الطفلة تسرح في عالم من الخيال والصور والمشاهد. ثم تطلب منك إعادة الحكاية لمرات كثيرة قبل أن تقرر الخلود للنوم؛ فتنصاع لطلبها مجبراً غير مخير .. ثم تغفو!. أما هي فتوقظك بعد ساعة من نوم هنيء لتعيد على مسمعك سرد الحكاية بتفاصيل وخاتمة مختلفة؛ فلا الذئب ارتدى ثياب جدة ليلى ونام في سريرها ولا ليلى التهمها الذئب، بل فرَّ هارباً مولولاً تحت ضربات عكاز الجدة عندما عادت للبيت. عندها تدرك أن خيال طفلتك واسع يستحق الانتباه حتى ولو خسرتَ ساعة من النوم!.
************************************************************
كثيرة هي أسئلة الأطفال في مرحلتهم العمرية ما قبل المدرسة. يمطرونك يومياً بعشرات الأسئلة المترادفة، ولا يركنون حتى يحصلون على أجوبة مقنعة أو ينفذ الصبر منك فتغضب. لماذا، وكيف وماذا بعد؟.. أسئلة .. أسئلة! تطق روحك وأنت تخترع لها الإجابات!!... من أين جئت؟_ قمنا بشرائك من السوبر ماركت!.. كيف يرانا الله وهل له عينان مثلنا؟_ ليس له عينان ولكنه مع ذلك يرانا! .. ما شكل الله وكيف يعيش في السماء _ صمت!.. كيف يدخل الناس في التلفزيون وهو صغير الحجم؟_ هم ليسوا داخل التلفزيون ولكنك ستفهم عندما تكبر وتنال العلم!.. كيف تطير الطائرة وكيف يطير العصفور؟.. لماذا تركتنا الجدة وأين رحلت؟ _ جدتك توفيت وصعدت إلى السماء بجوار الله !.. ويطول شريط الأسئلة ولا ينتهي، وأنت ما زلت تبحث عن إجابات، بعضها صحيح والأخرى متخيلة، ولكنك لاحقاً، عندما تفاجئ بابنك في السوبر ماركت المجاور لمنزلك يحاول أن يشتري أخاً له؛ أو واقفاً على البلكون يهم بالطيران نحو السماء لمشاهدة جدته هناك، تقرر عدم اعتمادك إلا الإجابات الصحيحة غير المتخيلة!!.
************************************************************
في إحدى سهراتك العائلية تقرر الابتعاد عن السياسة، ونشرات الأخبار السياسية والفضائيات المسيسة، فتضغط على جهاز الريموت كونترول متنقلاً بين قنوات المنوعات علك تحظى بأغنية تطرب لها، وفجأة يستقر نظرك على مغنية حلوة وهي " تلعب " في بانيو الحمّام!.. تشدك غريزتك الذكورية لمتابعة تفاصيل هذا الحمّام الذي يفيض باللحم الأبيض، وبصوت مسموع تردد شفاهك كلمات: إلعب .. إلعب.. إلعب!! من دون أن تعير أي اهتمام لزوجتك المشتعلة بالغيرة أو لابنتك الصغيرة وهي تتنطط أمام التلفاز. بعد دقيقتين فقط تنتهي المغنية اللعوب من حمّامها لتبدأ وزوجتك معركة كلامية حامية الوطيس تمتد لدقائق طويلة ولا يقطعها إلا صوت استغاثة لطفلتكما الصغيرة وهي تغرق في بانيو الحمّام مقلدة المغنية اللعوب إياها، ويصبح الأمر بالنسبة لك أخطر من " لعب " متلفز!.. أخيراً، عندما تنجح بإنقاذ طفلتك من موت محقق تنهال بالسباب على مغنية البانيو " ماريا الأرمنية "؛ وربما اعترتك نوبة من العنصرية فتسب جميع الأرمن.
************************************************************
تقف على شرفة منزلك، في الطابق العلوي لبناية سكنية تجاورها بنايات أخرى ... الشمس تميل للمغيب خلف الجبال البعيدة، والمشهد شاعري يبعث في قلبك شعوراً طرياً ممزوجاً بالحب والرضا والحنين. يتناهى لسمعك صوت بيانو حزين قادم من جهةٍ ما ولحن أغنية تعشقها روحك .. تلتفت برأسك نحو مصدر الصوت؛ فتقع عيناك على صبيةٍ فائقة الحسن والجمال تجلس على الشرفة المقابلة لمنزلك وهي تنقِّل أصابعها الرشيقة على مفاتيح بيانو عتيق، فيصدح في الأصيل لحن أغنية " على قدّ الشوق اللي في عيوني يا جميل سَلّم "!.. يشدك للصبية أمران اثنان: جمالها الأخاذ وبراعتها في العزف، ويلفت انتباهك عيناها الشاخصتان نحوك في ذهول وشرود من دون أن تنشز في العزف، فتدرك أنك أمام عاشقة تجيد العزف باحتراف كبير. تنهي الصبية عزفها البارع وعيناها لم تزل تحدقان في عينيك؛ وابتسامة خجلة ترتسم على شفتيها الكرزيتين ... تقرر أنت اقتناص اللحظة الراهنة فتلوّح لها بيديك؛ ثم ترسم في الهواء أرقام هاتفك الجوال لعلك تُسعد بحديث تبث لها فيه بعض المشاعر والخواطر النبيلة!.. وفي هذه اللحظة الحرجة تطل امرأة أخرى إلى جوار الصبية العازفة ( ربما هي أمها )؛ تكلمها بعض كلمات غير مسموعة، ثم تأخذها من يدها بعناية كبيرة وتدخلها المنزل، بينما تستعين الصبية بيدها الأخرى في تلمّس طريقها!... عندها تدرك أنت أن العازفة ضريرة!! فيسقط قلبك بين يديك وتورق الشفقة بين أضلاعك... ثم، بصوت حزين تنشد: " على قدِّ الشوق اللي في عيوني يا جميل سَلِّم " !.
* * *
************************************************************
وتسألك بنيّتك الصغيرة ذات الأربع سنوات أن تحكي لها كل ليلة حكاية حلوة، فتبحث في ذاكرتك ولا تجد سوى " ليلى والذئب "؛ فترويها بطريقة مسرحية مشوقة تجعل الطفلة تسرح في عالم من الخيال والصور والمشاهد. ثم تطلب منك إعادة الحكاية لمرات كثيرة قبل أن تقرر الخلود للنوم؛ فتنصاع لطلبها مجبراً غير مخير .. ثم تغفو!. أما هي فتوقظك بعد ساعة من نوم هنيء لتعيد على مسمعك سرد الحكاية بتفاصيل وخاتمة مختلفة؛ فلا الذئب ارتدى ثياب جدة ليلى ونام في سريرها ولا ليلى التهمها الذئب، بل فرَّ هارباً مولولاً تحت ضربات عكاز الجدة عندما عادت للبيت. عندها تدرك أن خيال طفلتك واسع يستحق الانتباه حتى ولو خسرتَ ساعة من النوم!.
************************************************************
كثيرة هي أسئلة الأطفال في مرحلتهم العمرية ما قبل المدرسة. يمطرونك يومياً بعشرات الأسئلة المترادفة، ولا يركنون حتى يحصلون على أجوبة مقنعة أو ينفذ الصبر منك فتغضب. لماذا، وكيف وماذا بعد؟.. أسئلة .. أسئلة! تطق روحك وأنت تخترع لها الإجابات!!... من أين جئت؟_ قمنا بشرائك من السوبر ماركت!.. كيف يرانا الله وهل له عينان مثلنا؟_ ليس له عينان ولكنه مع ذلك يرانا! .. ما شكل الله وكيف يعيش في السماء _ صمت!.. كيف يدخل الناس في التلفزيون وهو صغير الحجم؟_ هم ليسوا داخل التلفزيون ولكنك ستفهم عندما تكبر وتنال العلم!.. كيف تطير الطائرة وكيف يطير العصفور؟.. لماذا تركتنا الجدة وأين رحلت؟ _ جدتك توفيت وصعدت إلى السماء بجوار الله !.. ويطول شريط الأسئلة ولا ينتهي، وأنت ما زلت تبحث عن إجابات، بعضها صحيح والأخرى متخيلة، ولكنك لاحقاً، عندما تفاجئ بابنك في السوبر ماركت المجاور لمنزلك يحاول أن يشتري أخاً له؛ أو واقفاً على البلكون يهم بالطيران نحو السماء لمشاهدة جدته هناك، تقرر عدم اعتمادك إلا الإجابات الصحيحة غير المتخيلة!!.
************************************************************
في إحدى سهراتك العائلية تقرر الابتعاد عن السياسة، ونشرات الأخبار السياسية والفضائيات المسيسة، فتضغط على جهاز الريموت كونترول متنقلاً بين قنوات المنوعات علك تحظى بأغنية تطرب لها، وفجأة يستقر نظرك على مغنية حلوة وهي " تلعب " في بانيو الحمّام!.. تشدك غريزتك الذكورية لمتابعة تفاصيل هذا الحمّام الذي يفيض باللحم الأبيض، وبصوت مسموع تردد شفاهك كلمات: إلعب .. إلعب.. إلعب!! من دون أن تعير أي اهتمام لزوجتك المشتعلة بالغيرة أو لابنتك الصغيرة وهي تتنطط أمام التلفاز. بعد دقيقتين فقط تنتهي المغنية اللعوب من حمّامها لتبدأ وزوجتك معركة كلامية حامية الوطيس تمتد لدقائق طويلة ولا يقطعها إلا صوت استغاثة لطفلتكما الصغيرة وهي تغرق في بانيو الحمّام مقلدة المغنية اللعوب إياها، ويصبح الأمر بالنسبة لك أخطر من " لعب " متلفز!.. أخيراً، عندما تنجح بإنقاذ طفلتك من موت محقق تنهال بالسباب على مغنية البانيو " ماريا الأرمنية "؛ وربما اعترتك نوبة من العنصرية فتسب جميع الأرمن.
************************************************************
تقف على شرفة منزلك، في الطابق العلوي لبناية سكنية تجاورها بنايات أخرى ... الشمس تميل للمغيب خلف الجبال البعيدة، والمشهد شاعري يبعث في قلبك شعوراً طرياً ممزوجاً بالحب والرضا والحنين. يتناهى لسمعك صوت بيانو حزين قادم من جهةٍ ما ولحن أغنية تعشقها روحك .. تلتفت برأسك نحو مصدر الصوت؛ فتقع عيناك على صبيةٍ فائقة الحسن والجمال تجلس على الشرفة المقابلة لمنزلك وهي تنقِّل أصابعها الرشيقة على مفاتيح بيانو عتيق، فيصدح في الأصيل لحن أغنية " على قدّ الشوق اللي في عيوني يا جميل سَلّم "!.. يشدك للصبية أمران اثنان: جمالها الأخاذ وبراعتها في العزف، ويلفت انتباهك عيناها الشاخصتان نحوك في ذهول وشرود من دون أن تنشز في العزف، فتدرك أنك أمام عاشقة تجيد العزف باحتراف كبير. تنهي الصبية عزفها البارع وعيناها لم تزل تحدقان في عينيك؛ وابتسامة خجلة ترتسم على شفتيها الكرزيتين ... تقرر أنت اقتناص اللحظة الراهنة فتلوّح لها بيديك؛ ثم ترسم في الهواء أرقام هاتفك الجوال لعلك تُسعد بحديث تبث لها فيه بعض المشاعر والخواطر النبيلة!.. وفي هذه اللحظة الحرجة تطل امرأة أخرى إلى جوار الصبية العازفة ( ربما هي أمها )؛ تكلمها بعض كلمات غير مسموعة، ثم تأخذها من يدها بعناية كبيرة وتدخلها المنزل، بينما تستعين الصبية بيدها الأخرى في تلمّس طريقها!... عندها تدرك أنت أن العازفة ضريرة!! فيسقط قلبك بين يديك وتورق الشفقة بين أضلاعك... ثم، بصوت حزين تنشد: " على قدِّ الشوق اللي في عيوني يا جميل سَلِّم " !.
* * *
المنتديات
التعليقات
Re: إضــــــــاءات دافئــــــــة
Re: إضــــــــاءات دافئــــــــة
Re: إضــــــــاءات دافئــــــــة
ديمقراطية الرجال....
Re: إضــــــــاءات دافئــــــــة
Re: إضــــــــاءات دافئــــــــة
احييك يا سيد ماهر !
Re: إضــــــــاءات دافئــــــــة
إضافة تعليق جديد