إلى كريم ..
الطفل الذي عاش ومات وسيولد بإذن ربه من جديد ..

حزينةٌ هي الأيام .. مريرةٌ هي كأس الوداع .. أليمةٌ هي غصةُ الموت والفراق .. أيام طويلة جمعتنا وهاهي تعود كي تفرقنا .. كي تقتل هذا العصفور الصغير .. كي تقتل حبنا الجميل .. مات خائفاً بعد أن أُغلقت كل الأبواب في وجهه .. مات من البرد والجوع والعطش .. سحقته أمهُُ بيديها – رحمةُ الله عليك يا كريم – ماتَ حبنا الكبير يا صغيرتي .. مات لأن أمهُ لم تحمهِ من الخوف وغدر الأيام .. مات باكياً متألماً مكسوراً ومنكسراً .. دُفنَ بدون جنازةٍ مهيبة .. بدون صلواتِ المساجدِ والمعابدِ و أجراسُ الكنيسة .. ماتَ دون أن نضيءَ له الشموع في رحلته الأخيرة .. ماتَ ولم يأتينا أحداً معزياً ولم يأتينا بريداً واحداً يشاطرنا الحزنَ بوفاته .. ماتَ ولم نغسلهُ بزيتِ يسوع المسيح المقدّس .. كي نطّهرَ قلبهُ الطاهر من خطايانا .. لقد أهملناهُ كثيراً يا عزيزتي . لطالما سألنا الدفءَ و الأمان .. لطالما ناشدنا التضحية والاحتواء .. ماتَ دون أي اعتبار لأمنيتهِ الأخيرة أمنيتهِ التي طلب فيها منا الاستمرار وألا نغلقَ الأبواب في وجه بعضنا البعض كي لا نلجأ إلى أبواب أخرى يكون فيها هلاكنا وتعاستنا.. رحمةَ الله عليكَ يا صغيري فقد عشتَ مجادلاً ومتَ مجادلاً .. كان الحق في جانبك على الدوام ومتَ تماماً كما لو كنتَ مخطئاً.

لا تقلقي يا صغيرتي .. سأزورهُ كلَ يوم .. وسأذهب إلى مقبرةِ الأطفال .. وسأتلو له الصلوات لراحةِ نفسه .. وسأضع لهُ الورودَ و الريحان .. سأعانقهُ كثيراً .. سأرتمي على قبره .. وسأحميهِ بصدري من الرعدِ والبرقِ والشمسِ والمطر .. سأشتري له قوسَ قُزح ..سأدعو لهُ بالرحمة .. وسأمدُ يدي لهُ دائماً كي يشعر بحرارة الحياة .. وعطر الحياة وشذى الحياة .. سيسألني أين أُمي فإني متعطشٌ إلى دفئها وحنانها ومحبتها .. سأجيبهُ دوماً بأنها قريبةٌ منك .. وهي أقربُ الناس إليك رغم كل المسافات التي تفصلها عنك .. سأقولُ لهُ بأنها تصلي من أجلكَ في غربتها وفي محنتها .. سأقولُ لهُ بأنها تذرفُ الدموع قرباناً إلى الله كي يحميكَ ويأخذكَ برحمته.

اعذرنا يا صغيري .. فأنا وأُمكَ كنّا أنانيّان .. ولم نكن عند مستوى أحلامك وتطلعاتك .. اغفر لنا يا صغيري .. فأنت الوحيد الذي بقي قلبه طاهراً ونقياً .. وأعاهدكَ يا حبيبي بأني سأبقى وفياً لك
وسأزوركَ كلّ يوم .. وسأبقى منتظراً والدتك الغالية علّها تعود .. وعندها سنأتي سويةً إليك وسنمد يدنا لك ونخرجك من هذا القبر المظلم .. وسنبعث فيك روحنا من جديد .. كي نعيدك إلى الحياة .. نعيدكَ إلى الشمس .. نعيدكَ إلى قلبِ أمكَ و أبيك .. سنعّوض لك كل مافاتك يا عزيزي
وستكون أسعد الأطفال و أكثرهم جمالاً .. ستكون قوياً ومتماسكاً .. ستكون نقياً و طاهراً .. وسأبعد عنكَ أصدقاء السوء ( وأكثرهم للحق كارهون) كي لا يخدعوك .. كي لا تعتقد بأن أبواك قد خانوك وتخلو عنك .. لم نتخلى عنك ولن نتخلى عنك .. أبداً يا صغيري .. .. أبداً يا صغيري

و أنتِ يا صغيرتي .. لن أنساكِ ولن انسَ أجمل ذكرياتي .. لن أنسَ وجهكِ الجميل .. وقلبكِ الدافئ
وسأبقى وفياً و مخلصاً للأيام التي جمعتنا .. وسأصلي من أجلكِ دائما .. وسأرسل روحي إليك كل صباحٍ كي تقبلَ عينيكِ الجميلتين .. كي تذكركِ بالأمل و حب الحياة .. كي تخبركِ بأن كريم سيبقى حياَ في قلوبنا .. لقد فعلتُ من أجلكِ الكثير ولكنك لا تعلمين ..

وداعاً يا صديقة العمرِ و الأيام .. يا صديقةَ الزمن الجميل .. فقد آن آوان الرحيل .. والشمسُ على وشكِ المغيب .. والطريقُ إلى قبرِ كريمٍ مظلمٌ وطويل .. والغابةُ كبيرةٌ وقد أضلُ الطريق .. الوداع يا زهرة البنفسج .. الوداع لأنكِ أنتِ من اختارَ الوداع .. الوداع لأن هناك قوة قاهرة تفصلني عنكِ إلى الأبد.. ولأني أدرك ضرورة الفراق وهي تبدو لي حتمية كالموت..

اذكريني بالخير دائماً .. اذكريني في صلواتكِ دائما .. اذكريني لأن الذكرى تنفعُ المؤمنين .