يقول بوبوفيتش أن المظاهرات وحدها لا تسقط نظاما، ولا بد من خطة مرافقة لها لإسقاط النظام عمليا. ويبدو من تجارب التاريخ أن بوبوفيتش على حق، فكل من نظموا مظاهرات واعتصامات كبيرة بهدف إسقاط النظام قد فشلوا، في حين نجحت المظاهرات والاعتصامات في الضغط على الحكومات لتحقيق مطالب شعبية في أوروبا وأمريكا.
ورغم ذلك، يصر المنهاج الأتبوري للثورات على ضرورة حشد الجماهير لإطلاق مظاهرات ضخمة يشارك فيها 10% من المجتمع المستهدف في كل ثورة أتبورية، ويتم إقناع الجماهير أن تظاهرهم في الشارع أو احتلالهم للساحات هو ما يسقط النظام. وبذلك يصبح كل من يشارك في هذه المظاهرات مجرد اكسسوار، أو مساعد، للأتبوريين في خطتهم المرافقة والهادفة لإسقاط النظام.
ولفهم الدور الحقيقي للمظاهرات لابد من الانتباه إلى أن خطة إسقاط النظام الأتبورية تتألف من خطوات ومراحل محددة لتدمير "الأعمدة التي تستند إليها الدولة" وفق مصطلحاتهم، والتي قد تشمل الاقتصاد والجيش والسلم الأهلي والنظام البرلماني والسمعة الدولية، إضافة إلى أعمدة أخرى تتعلق بكل دولة على حدة.
ولكي تعمل هذه الخطة، لابد من منظومة من الخدع المرافقة لها، ولا بد أن تنطلي هذه الخدع على النظام المستهدف، وعلى المجتمع الذي يستهدف الأتبوريون تفكيكه.
المظاهرات الكبيرة هي أحد هذه الخدع، وأول دور للمظاهرات الكبيرة هو التغطية على الأهداف والنشاطات الحقيقية للثورة الأتبورية، ففي حين يركز الإعلام المحلي والدولي على المظاهرات وشعاراتها، يتجاهل النشاطات الأتبورية الحقيقية التي تستهدف المجتمع والاقتصاد والجيش والسلم الأهلي. إضافة لذلك، تضطر الدولة لاستنفار قواتها لحماية المظاهرات ومنع أعمال الشغب داخلها، ولحماية المنشآت العامة والخاصة في مناطق المظاهرات، مما قد يترك نقاطا مهمة ضعيفة الحماية ومعرضة لهجمات الأتبوريين.
تعتبر المظاهرات الكبيرة أيضا أحد أدوات الفوضى الخلاقة، فالفوضى المرافقة للمظاهرات تفتح المجال للأتبوريين لاستغلال كمية كبيرة من الفرص الإعلامية والاقتصادية والسياسية، وتتيح لقياداتهم عقد صفقات مع أركان النظام لتدميره من الداخل.
لذلك، المظاهرات أداة مهمة لدعم نشاطات الأتبوريين الحقيقية، وكل ما يقوله الأتبوريون عن أن المظاهرات هي وسيلتهم الوحيدة لإسقاط النظام هو مجرد استحمار لعملائهم ولمن يصدقهم. ومواجهة الأتبوريين يجب أن تركز على مواجهة نشاطاتهم التخريبية الأساسية إضافة إلى النشاطات الداعمة لها كالمظاهرات.
إضافة تعليق جديد