لا أعلم لماذا انهالت على المواطن العربي مع بدء ما يسمى بثورات الربيع العربي، كم هائل من المعلومات والملخصات المستعجلة حول مختلف العلوم السياسية والاقتصادية، فأصبح لزاما عليه أن يتلقى محاضرات تلفزيونية حول الجغرافيا السياسية أو الأطماع الاقتصادية للاستعمار القديم والحديث بالمنطقة العربية ، وخيانة العرب لإخوانهم والفوضى الخلاقة ...إلخ ، بحيث بدأت هذه البرامج ووسائل الإعلام تطلب منه أن يصبح سوبرمان الموقف الجيوسياسي والاقتصادي والفلسفي الديني، على الرغم أنك إذا نظرت إلى كل مواطن على حدا فإنك تجده (على الأغلب) لا يستطيع تدبر شؤونه الحياتية الخاصة ، فهو لا يجيد التعامل مع زوجته وابنه المراهق وجيرانه ، أما مشاكل العمل فهي لا تنتهي ويعجز عن حلها أو فهم أسبابها ، بالكاد يتدبر يومه ، أما إذا كان من خريج الجامعات ، فهو بالكاد يتذكر أسماء المواد التي درسها في الجامعة.
لكن الحق يقال أن هذه الحالة لا تنطبق على المواطن العربي فحسب بل جميع شعوب العالم، فها هي إحدى الصحف الغربية (International Business Times ) تسلط الضوء على أن المجتمعات الغربية غير منيعة تجاه اساطير الشبكات الاجتماعية والدعائية فنجد قصة ريحانة المناضلة الكردية (طبعا أجل لها كل احترام ولأهل عين العرب) التي قتلت 100 إرهابي!!! قد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بدون أي نقاش لواقعية الفكرة أو حقيقة هذه الشخصية التي لم يتوفر عنها أي معلومات حول تاريخها بحيث أنها خرجت من العدم، كما تذكر الصحيفة قصصا لشخصيات مشابهة ظهرت في الحرب العالمية الثانية ، وبالتالي المجتمعات الغربية ليست أكثر وعيا من مجتمعاتنا ، كما أنه في مقالة أخرى تدرس مؤشر الجهل لدى البلدان الغربية ، وتبين احصائيا أن دول متقدمة مثل الولايات المتحدة و إيطاليا وكوريا الجنوبية لدى شعوبها نسبة عاليا من الجهل حول حال بلدانهم من الناحية السكانية والاجتماعية.
إذا كانت الحال هكذا، لماذا يطلب من المواطن العربي أن يفهم أمورا لا يفهمها المواطن الغربي، الذي هو أصلا أقدر على فهمها واستيعابها من حيث الإمكانية التي توفرها حكومته أو التعليم والتأهيل المقدم له.
في الواقع أنه ليس جميع البشر لهم ميل في معرفة كل ما يحيط بهم أو التدقيق في كل معلومة ترد إليهم، بل العكس، الغالبية تحب الاستمتاع بالحياة والابتعاد عن منغصاتها، وترك مسؤولية تفحص هذه القضايا العويصة إلى أشخاص مختصين بها، وهنا يأتي دور النخبة المثقفة، التي تقوم بتشكيل هيئات لدراسة هذه الظواهر وإيجاد الحلول لها مثل الجمعيات والأحزاب والمنظمات غير الحكومية.
بالتالي إن تواجد هذه الهيئات يشكل عامل الأمان الذي يحتاجه المواطنين، لكن لنجاح هذه الهيئات يجب أن تحظى بثقة الناس والذي لن يتم من دون الممارسة، فالبشر عادة لا تدرك قيمة الأفكار إلا من خلال التجربة، فمثلا عندما تقوم جمعية معينة ببناء مدرسة بنجاح، فإن المستفيدين في الحي يدركون أن لهذه الجمعية خبرة ودراية في العمل وأعضاء خبراء مخلصون، وبالتالي يصبحون محل ثقة تتيح له بتبني شؤون حياتهم والاعتماد عليهم.
وأيضا عندما يقوم حزب ما باستلام وزارة أو مؤسسة معينة ويقوم بتطوير العمل الوزاري والمؤسسي ويحقق التزاماته اتجاه هذه الوزارة أو المؤسسة يدرك المراقبون أن هذا الحزب لديه أفكار جيدة وأن أعضاءه متمرسون ويمكن الاعتماد عليهم، وبالتالي يصبح محل ثقة للآخرين، عند هذه الحالة وفي حال استطاعت هذه النخب وأتيح لها الفرصة لتبني ثقة المواطنين، يصبح الشعب منيعا، ومطمئنا، وغير مضطر لفهم كل ما يدور في هذا العالم اللعين.
وفي حال الوصول إلى هذا النموذج، عندها يكون كل ما على الحكومات هو ضبط إيقاع هذه النخبة ومنظوماتها عوضا عن التلقين اليومي والقصري لكل المجتمع، تماما كما تفعل الدول الغربية...
مصادر مساعدة:
http://www.ibtimes.co.uk/ignorance-index-reveals-most-uninformed-nation…
http://www.ibtimes.co.uk/rehana-angel-kobani-social-media-myths-war-aga…
معلومات إضافية
المنتديات
إضافة تعليق جديد