تصطدم عندما تدخل في نقاش مع طالب جامعي عندما تجد أن لديه خلط في فهم أساسيات العلوم ومنهجية التفكير العلمي، وتتساءل كيف أخرج نظامنا تعليمي هذا الجيل، فمنهم من يعتقد أن طوفان نوح عم الأرض كحقيقة تاريخية ، والأخر يعتقد أن فكر التوحيد ظهر مع بداية الحضارة البشرية ولكنه تعرض لانتكاسات استتبع تصحيحها من فترة لأخرى ، وأخر يعتقد أن الفلسفة فكر شيطاني هدفه دمار البشرية ، أو يعتقد ان كتب المؤرخين الأوائل مثل الطبري وابن كثير تعتبر مراجع تاريخية لغير الفترة التي عاصرها المؤرخ أي لفترة تسبقه بمئات السنين (علما أنه أرخ منذ بدء الخليقة) ، أو يعتقد أن نظرية تطور الكائنات الحية هي عبارة أن رأي لبعض العلماء المختلين ، وأخر يعتقد أن القرآن الكريم يمكن استخدامه كمرجع لفهم بقية العلوم لأنه أصل جميع العلوم ( على الرغم أن الحوادث التاريخية في القرآن الكريم مجردة من الزمان والمكان وأسماء الأشخاص وذلك لحكمة جعلها الخالق وهي عدم استخدام القرآن الكريم لغير الغاية التي وجد من أجلها) ، أو يعتقد أن العصر الراشدي هو أفضل العصور التاريخية ، أما عن الشخصيات الأحادية ( الخيرة تماما أو الشريرة تماما) فحدث ولا حرج ، أما بالنسبة لآليات الحوار والنقاش فهي ركيكة للغاية وتحتدم مباشرة.
عندما تدقق في آراء الشباب تجد أن هذه الآراء هي نتيجة طبيعية لنظام تعليمي شبيه بأنظمة تعليم العصور الوسطى، والذي اختلف فقط هو كم المعلومات التي يجب حفظها وشكل الامتحان المقدم والمواد العلمية الجديدة، ففي الكتب المدرسية لا يوجد ذكر لفلسفة العلم وكيفية تطور منهجية البحث العلمي التي سببت هذه القفزة الهائلة في التقدم العلمي، أما بالنسبة لفن الحوار والمغالطات Logical Fallacies and the Art of Debate الذي أصبح يعتبر علما أساسيا يجب أن يتعلمه الطالب خصوصا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات العملاقة التي تستغل نقاط الضعف في نظمنا التعليمية وضعف جمهورنا في التحليل المنطقي.
لنأخذ على سبيل المثال مادة التاريخ، فالطالب يدرس التاريخ دون أن يعلم منهجية البحث العلمي المستخدمة لاعتبار أي وثيقة تاريخية على أنها وثيقة معتمدة وكيف يتم مراجعة المؤلفات القديمة مثل مؤلفات ابن خلدون والطبري وابن كثير.
أما عن العلاقة بين الرياضيات والفيزياء فهي مبهمة وأقرب للحفظ بأن هذه الظاهرة الفيزيائية لها هذا القانون، دون ذكر لكيفية اعتماد العالم لهذا القانون الرياضي لوصف ظاهرة معينة، حيث تعتبر مثل هذه المعلومات ضربا من الترف الفكري حيث أن المطلوب هو التأكد من قدرة الطالب على حل المسائل الفيزيائية مع أن العكس هو الصحيح.
لقد تجاوزت رغبة نظامنا التعليمي في إظهار دور الحضارة الإسلامية في الحضارة العالمية لدرجة أنها لم تخبر الطالب أن منتجات حضارتنا الإسلامية قد تم مراجعتها في العصور اللاحقة من قبل حضارات أخرى، حيث أن جزءا منها كان صحيحا والآخر خاطئا وجزءاً كان صحيحا لكن المنهجية خاطئة مثل مقدمة ابن خلدون (وهذا شيء طبيعي مثل أي حضارة في العصور الوسطى).
أما بالنسبة لتطور الفلسفة وتاريخها وخاصة خلال عصر التنوير فقد تم إغفالها تماما، وكأن علم الفلسفة علم ملعون، ولم يذكر للطالب أن جميع العلوم التي ندرسها ولدت من رحم الفلسفة ثم استقلت.
أما بالنسبة للتعليم الديني فقد تم تقديم منهجا رديئا للغاية، لا يتضمن تطور الفكر الديني وتاريخ الأديان، ولم يذكر علاقة الدين بالتطور الحضاري.
أما بالنسبة للمدرس فهو أيضا نتاجا طبيعيا لنفس النظام التعليمي أي أنه أيضا جزءا من المشكلة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل حراجة المواقف الذي يعيشه مجتمعنا، ستدفعنا إلا إعادة صياغة مناهجه التعليمية وإعادة تأهيل مدرسينا وفقا لمتطلبات العصر، خاصة وأن هذه العملية لا تحتاج لتكاليف كبيرة وتعتبر أنها اللبنة الأولى في إعادة الإعمار الحقيقي...
المنتديات
إضافة تعليق جديد