عندما تولى أبو اسكندر مسؤولية المعلوماتية في مؤسسته، كانت المؤسسة تنفق على صيانة تجهيزاتها 400 ألف ليرة سنويا إضافة لأسعار قطع التبديل، وبعد ثلاثة أعوام من إدارته، كانت ميزانية الصيانة صفرا على مدى عامين، رغم أن المؤسسة التي تملك فروعا في العديد من المحافظات والمدن السورية رفعت عدد تجهيزاتها إلى أكثر من 500 طرفية. نعم 500 طرفية وميزانية الصيانة صفر على مدى عامين!!!
أبو اسكندر هذا صديق عزيز لي كرمه مديره العام في نفس الأسبوع الذي قرر فيه توزيع نسبة من أرباح المؤسسة على الموظفين. ولكن قرار التكريم لم يذكر كل إنجازات هذا المهندس في المؤسسة.
قرار التكريم مثلا لم يذكر ذلك اليوم الذي توقف فيه أحد المعامل الاستراتيجية لسورية عدة أيام، كان هذا المعمل مؤتمتا بالكامل، وفشل كل المهندسين الموفدين بدورات تدريبية إلى الخارج في تفهم العطل، واضطرت المؤسسة لطلب خبير من الخارج، وبدأت تخسر الملايين يوميا بسبب توقف هذا المعمل ومجموعة من المعامل التي تعتمد على إنتاجه. في ذلك اليوم زار أبو اسكندر المعمل المعطوب، وسأل بضعة أسئلة لمهندسي المعمل، ثم طلب مخطط المعمل وقال للمهندسين: هل لديكم قطعة بديلة لهذه القطعة؟ واتضح وجود بديل للقطعة التي حددها، وقام أبو اسكندر بتغيير القطعة على مسؤوليته، ثم طلب منهم تشغيل المعمل، فارتفعت صافرة خطر عالية وصاح أبو اسكندر "وقفوا وقفوا" فأجابه مدير المعمل: "ولك شو وقفوا، اشتغل المعمل، هذا زمور خطر ليبتعد الناس عن الآلات". كانت هذه المرة أول مرة يطلع فيها أبو اسكندر على عمل هذا المعمل.
أيضا لم يذكر قرار التكريم أن أبو اسكندر لم يستفد من مؤسسته أي شيء، وأنه يرفض حتى الاستفادة من إنتاجها، وأنه اضطر لإغلاق مكتبه وهو بالمناسبة أحد أقدم وأشهر 3 مراكز كمبيوتر في مدينته، فقط لأن مدير فرعه، وليس المدير العام، طلب منه التفرغ ليلا ونهارا لمشروع أتمتة المؤسسة.
يقول زملاء أبو اسكندر، "يا أخي أنت مدعوم"، وهم يعتقدون ذلك بالفعل، فالمدير العام لم يصدر قرارا بنفي أبي اسكندر إلى أحد منافي المؤسسة المتعددة رغم أنه ساهم في إفساد العديد من الطبخات الفاسدة التي كان يمكن أن تكلف المؤسسة ملايين الليرات، خصوصا وأن للمدير العام سمعة فظيعة في خرب بيوت موظفيه، وقد سبق وأرسل العديد منهم إلى السجن مباشرة، وسجنهم رغما عن القضاء، بحيث أن القاضي الذي حكم ببراءتهم كان عاجزا عن إخراجهم من السجن.
أبو اسكندر سعيد جدا بهذا التكريم بعد أن بلغ الثالثة والأربعين، قال لي: يا أخي اللي بيشتغل بهالبلد بيلاقي، أنا كنت أقاتل دفاعا عن مؤسستي، كنت أحس أنني في برميل مليء بالثقوب وعلي أن أسد منها من أستطيع لأحافظ على محتوياتها لفترة أطول". ليس أبو اسكندر وحده من سر بهذا التكريم، بل زوجته أيضا، ولها أسبابها في ذلك. وأيضا سر أصدقاء أبي اسكندر لتكريمه بهذه الطريقة، فقد صار لديهم فرصة للحديث معه في موضوع غير المشاكل التقنية التي تواجهها مؤسسته وكيف يمكنهم المساعدة في حلها مجانا. وسر زملاؤه في الدائرة، الذين دربهم وعلمهم وأشرف على عملهم ليحققوا إنجازا تقنيا أسطوريا بإمكانات متواضعة للغاية.
أما من استاء جدا لقرار التكريم، فهم عصابة الفاسدين في المؤسسة، وما أكثرهم، وخصوصا في الإدارة العامة حيث تطبخ الطبخات الفاسدة التي طالما ناضل لفضحها أو إفشالها. ولطالما قال لي أبو اسكندر: يجب أن لا يفقد الأشخاص النظفاء الأمل، يجب أن يستمر وجود تلك النوعية من البشر التي تحافظ على النزاهة والإخلاص في العمل مهما كانت الظروف. كان أبو اسكندر يعتبر أن رسالته في الحياة هي الحرب مع الفساد، وكان يعيش رسالته تلك بتفان ونكران ذات بطريقة غير مألوفة، حتى أنه أصر على إفشال مؤامرة على وزارته لدرجة جعلت الوزير السابق، المعروف بأنه "الاشتراكي القديم وذو المناصب الكثيرة في النظام الاقتصادي والسياسي،" يحوله إلى الرقابة للتحقيق معه حول تسرب أخبار للصحافة عن تلك الطبخة الفاسدة.
أبو اسكندر الآن حر من جديد، وهو يشعر ببالغ الارتياح لذلك، فقد كرمه مديره بمجرد الاكتفاء بعزله من منصبه، وتجريده من أية مسؤولية، ولذلك فقد سلم أبو اسكندر عهدته فور تبلغه القرار، وخرج ليتنفس بعض الهواء النظيف.
مرحبا بك يا أبو اسكندر في العالم، أنت الآن تولد من جديد، ولديك الكثير لتفعله في حياتك، أرجوك ركز على المستقبل وليس على الماضي.
الأيهم صالح
www.alayham.com
أبو اسكندر هذا صديق عزيز لي كرمه مديره العام في نفس الأسبوع الذي قرر فيه توزيع نسبة من أرباح المؤسسة على الموظفين. ولكن قرار التكريم لم يذكر كل إنجازات هذا المهندس في المؤسسة.
قرار التكريم مثلا لم يذكر ذلك اليوم الذي توقف فيه أحد المعامل الاستراتيجية لسورية عدة أيام، كان هذا المعمل مؤتمتا بالكامل، وفشل كل المهندسين الموفدين بدورات تدريبية إلى الخارج في تفهم العطل، واضطرت المؤسسة لطلب خبير من الخارج، وبدأت تخسر الملايين يوميا بسبب توقف هذا المعمل ومجموعة من المعامل التي تعتمد على إنتاجه. في ذلك اليوم زار أبو اسكندر المعمل المعطوب، وسأل بضعة أسئلة لمهندسي المعمل، ثم طلب مخطط المعمل وقال للمهندسين: هل لديكم قطعة بديلة لهذه القطعة؟ واتضح وجود بديل للقطعة التي حددها، وقام أبو اسكندر بتغيير القطعة على مسؤوليته، ثم طلب منهم تشغيل المعمل، فارتفعت صافرة خطر عالية وصاح أبو اسكندر "وقفوا وقفوا" فأجابه مدير المعمل: "ولك شو وقفوا، اشتغل المعمل، هذا زمور خطر ليبتعد الناس عن الآلات". كانت هذه المرة أول مرة يطلع فيها أبو اسكندر على عمل هذا المعمل.
ولم يذكر قرار التكريم المرات العديدة التي ساهم فيها أبو اسكندر بشكل مباشر في توفير ملايين الليرات على المؤسسة بتداخلاته وطريقته في حل المشاكل، ربما لأن المؤسسة رابحة، والملايين ليست رقما ولا مانع من صرفها بالطرق التي ترغب الإدارة بها.
أيضا لم يذكر قرار التكريم أن أبو اسكندر لم يستفد من مؤسسته أي شيء، وأنه يرفض حتى الاستفادة من إنتاجها، وأنه اضطر لإغلاق مكتبه وهو بالمناسبة أحد أقدم وأشهر 3 مراكز كمبيوتر في مدينته، فقط لأن مدير فرعه، وليس المدير العام، طلب منه التفرغ ليلا ونهارا لمشروع أتمتة المؤسسة.
يقول زملاء أبو اسكندر، "يا أخي أنت مدعوم"، وهم يعتقدون ذلك بالفعل، فالمدير العام لم يصدر قرارا بنفي أبي اسكندر إلى أحد منافي المؤسسة المتعددة رغم أنه ساهم في إفساد العديد من الطبخات الفاسدة التي كان يمكن أن تكلف المؤسسة ملايين الليرات، خصوصا وأن للمدير العام سمعة فظيعة في خرب بيوت موظفيه، وقد سبق وأرسل العديد منهم إلى السجن مباشرة، وسجنهم رغما عن القضاء، بحيث أن القاضي الذي حكم ببراءتهم كان عاجزا عن إخراجهم من السجن.
أبو اسكندر سعيد جدا بهذا التكريم بعد أن بلغ الثالثة والأربعين، قال لي: يا أخي اللي بيشتغل بهالبلد بيلاقي، أنا كنت أقاتل دفاعا عن مؤسستي، كنت أحس أنني في برميل مليء بالثقوب وعلي أن أسد منها من أستطيع لأحافظ على محتوياتها لفترة أطول". ليس أبو اسكندر وحده من سر بهذا التكريم، بل زوجته أيضا، ولها أسبابها في ذلك. وأيضا سر أصدقاء أبي اسكندر لتكريمه بهذه الطريقة، فقد صار لديهم فرصة للحديث معه في موضوع غير المشاكل التقنية التي تواجهها مؤسسته وكيف يمكنهم المساعدة في حلها مجانا. وسر زملاؤه في الدائرة، الذين دربهم وعلمهم وأشرف على عملهم ليحققوا إنجازا تقنيا أسطوريا بإمكانات متواضعة للغاية.
أما من استاء جدا لقرار التكريم، فهم عصابة الفاسدين في المؤسسة، وما أكثرهم، وخصوصا في الإدارة العامة حيث تطبخ الطبخات الفاسدة التي طالما ناضل لفضحها أو إفشالها. ولطالما قال لي أبو اسكندر: يجب أن لا يفقد الأشخاص النظفاء الأمل، يجب أن يستمر وجود تلك النوعية من البشر التي تحافظ على النزاهة والإخلاص في العمل مهما كانت الظروف. كان أبو اسكندر يعتبر أن رسالته في الحياة هي الحرب مع الفساد، وكان يعيش رسالته تلك بتفان ونكران ذات بطريقة غير مألوفة، حتى أنه أصر على إفشال مؤامرة على وزارته لدرجة جعلت الوزير السابق، المعروف بأنه "الاشتراكي القديم وذو المناصب الكثيرة في النظام الاقتصادي والسياسي،" يحوله إلى الرقابة للتحقيق معه حول تسرب أخبار للصحافة عن تلك الطبخة الفاسدة.
أبو اسكندر الآن حر من جديد، وهو يشعر ببالغ الارتياح لذلك، فقد كرمه مديره بمجرد الاكتفاء بعزله من منصبه، وتجريده من أية مسؤولية، ولذلك فقد سلم أبو اسكندر عهدته فور تبلغه القرار، وخرج ليتنفس بعض الهواء النظيف.
مرحبا بك يا أبو اسكندر في العالم، أنت الآن تولد من جديد، ولديك الكثير لتفعله في حياتك، أرجوك ركز على المستقبل وليس على الماضي.
الأيهم صالح
www.alayham.com
التعليقات
Re: أبو اسكندر، مشهد صغير من الحكاية
Re: أبو اسكندر، مشهد صغير من الحكاية
Re: أبو اسكندر، مشهد صغير من الحكاية
إضافة تعليق جديد