أعيش في خوف دائم

إنني أعيش في خوف دائم ، في رعب من الناس والأبناء ، و رعب من نفسي ، لا الثروة أعطتني الطمأنينة ، و لا المركز الممتاز أعطانيها و لا الصحة ولا الرجولة ولا المرأة ولا الحب ولا السهرات الحمراء ولا الصداقة ولا الأخوة ... ضقت بكل شيء بعد ان جربت كل شيء ، انني أكره نفسي ، أخاف من نفسي ، ألا ترى الأشباح من حولي ؟؟ ألا تحس بالخوف يفتح فمه لكي يلتهمني ؟.

مما هذا ؟ الهموم ؟ ليست لي هموم ، ان همي الأكبر في هذه الدنيا المال ... عندي المركز والجاه والصحة والمرأة و الجمال ... و كل شيء بين يدي ، كل شيء ملكي ، لماذا انا خائف اذن ؟ مما أخاف ؟؟

من الله ... كلا ... ان الله لا وجود له في حياتي ، مما اذن اخاف ؟ من المجتمع ؟ انني اكرهه و احتقره و أهزأ به ، من أين يأتيني الخوف اذن ؟ من الموت ؟ ربما و لكني لا أبالي به ... لا أشعر انني أخافه ... انه عندي مجرد ظاهرة ، من أين يأي الخوف إذن .

ربما كنت خائفا لأنه لايوجد شيء أخاف منه ، ربما كنت خائفا لان كل شيء بين يدي محضر لدي ، إن الاحتلال كالجوع كلاهما يخيف ، لو كان المال ليس حاضرا لدي لسعيت من أجله ، وأنفقت يومي و ليلي أسعى من أجله ، لو كان المركز المحترم بعيدا عني لبذلت جهدي لكي أبلغه ، و لكن كل شيء موجود ... المال ... المراة ...الاصدقاء ... الاحترام ... كل ما يسعى الناس اليه و يفكرون فيه ميسر لي ، ليس لي ما يشغلني أو يتعين الحصول عليه ... حياتي فضاء ... همومي ؟ لا هموم لي ... إذن لا بد أن أخاف لأنني لا أجد ما أخاف منه ، لا بد أن أخاف من المجهول الذي لا أعرفه ... إنني تائه في الحياة لأنني بلغت قمة الحياة ، ان الحياة الان هي عدوي ... ليس ما في الحياة فكله ملكته ... انني أشعر انها تسخر مني و تقف في وجهي كالغول ... عرفت الان مما أخاف ... انني أخاف من الحياة ذاتها

صديقي ... إنه لا بد للاسان من هدف يتطلع اليه غير نفسه و هواها و إلا فإنه سيظل يدور حولها كالحمار في الرحاء أو الثور في الساقية ، يدور و يدور و المكان الذي إنتهى اليه هو الذي بدأت منه ، إن الفرد منا يريد ان يشعر بإنسانيته و يحيا بخصائصها ، يريد ان يحس بكرامته و ذاتيته ، و أن له وزنا قيما في هذا الوجود .. يريد ان يشعر لوجوده غاية ، و لحياته رسالة و أنه شيء مذكور بين أشياء هذا الكون العديدة و أنه مخلوق متميز عن القرود و الدواب و الحشرات و انه لم يخلق في هذه الارض عبثا و إلا اعطى العقل إعتباطا .

 

السعادة هي جنة الاحلام التي يتشدها كل البشر ... من الفيلسوف في قمة تفكيره و تجريده الى العاصي في قاع سذاجته و بساطته ، لقد طلبها الأكثرون من غير موضعها ، فعادوا كما يعود طالب اللؤلؤ في الصحراء ، صفر اليدين ، مجهود البدن ، كسير النفس ، خائب الرجاء

أجل ، جرب الناس في شتى العصور ألوان المتع المادية و صنوف الشهوات الحسية ، فما وجدوها ... وحدها تحقق السعادة أبدا ن و ربما زادتهم مع كل جديد منها وهما جديدا فحسبوا السعادو في الغنى ، و في رجاء العيش ، و وفرة التعليم ، و رفاهية الحياة ، و لكن مازالوا يشكون من تعاسة الحياة و يحسون بالضيق و الانقباض و القلق و اليأس و الحرمان ، فاين السعادة و ما هو الطريق الحق الى السعادة ؟

الساخطون و الشاكون لا يذوقون للسعادة طعما ، ان حياتهم كلها سواد ممتد و ظلام متصل و ليل حالك لا يعقبه نهار و لا يرتقب له فجر صادق ، فلا سخط من غير شك ، و لا شك من غير سخط ، الساخط إنسان دائم الحزن ، دائم الكآبه ، ضيق الصدر ، ضيق الحياة ، ضيق بالناس ، ضيق بنفسه ، ضيق بكل شيء كأن الدنيا على سعتها لا معنى لها فهو عائش في مأتم مستمر و مناحة دائمة و غضب مستمر ، ساخط على الناس ، ساخط على نفسه ، ساخط على الدهر ، ساخط على كل شيء ، و كما وصف بعض المرتابين نفسه فقال : إنه حزين بعاطفته و تفكيره و سلوكه .. لا يعرف لماذا هو حزين ، كما لا يعرف لماذا هو ...

صديقي ... إن في فطرة الانسان فراغا لا يملؤه علم و لا ثقافة و لا فلسفه و لا ماده ... و ستظل الفطرة الإنسانية تحس بالتوتر و الجوع و الظمأ حتى تجد طريقها الصحيح ، و هناك تسريح من التعب و ترتوي من الظمأ و تامن من الخوف و هناك تحس بالهداية بعد الحيرة و الاستقرار بعد التخبط و الإطمئنان بعد القلق ، و الطريق الصحيح هو الإيمان و الرضا لأن شعور الإنسان بالإيمان و الرضا أول أسباب السكينة النفسية التي هي سر السعادة

أعزائي القراء :

إن في أعماق كل إنسان أصواتا خفية ناديه ، و أسئلة تلح عليه منتظرة الجواب الذي يذهب به القلق و الشك و تطمئن به النفس ... ما العالم ، ما الإنسان ، من أين جاء ؟ من صنعهما ؟ ما هدفهما ؟ كيف بدءا ؟ كيف ينتهيان ؟ ما الحياة ؟ ما الموت ؟ أي مستقبل ينتظرنا بعد هذه الحياة ؟ هل يوجد شيء بعد هذه الحياة العابرة ؟ و ما علاقتنا بهذا الخلود ؟

مصطلحات و كلمات أصبحت بدون معاني و خرجت من القاموس ، الحب ، الإخوة ، الصداقة ، الإنسانية ، الزوجية ، و غيرها و حلت مكانه مصطلحات و كلمات أصبحت كعقيدة و أسلوب في حياتنا - مثل النفاق ، الرياء ، الخداع ، القلق ، اليأس

وكل هذا من أجل الدنيا و متاع الدنيا و شهوات الدنيا من أجل امرأة أو كأس أو عمارة أو قطعة أرض أو منصب أو شهوة السيطرة و الاستعلاء ...

و لكن ... الإيمان) أي أن نؤمن بأهدافنا وما نريد ونطمح بالوصول إليه( قوة قاهرة غلابة أقوى من الغرائز و الشهوات و أقوى من سلطان العادات و أقوى من كل المؤثرات .

فأعزائي القراء ، أترككم مع هذه التساؤلات لعلكم تجدون لها إجابات ، و آمل لكم الوصول إلى السعادة

د عمار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.