" بومحسن .. عامل مقسم ضيعة اللقش"!؟!؟!

" بو محسن ... عامل مقسم ضيعة اللقش"!؟!؟!
في قرانا ( ولمن لا يعرف) , جرت العادة في نهاية ستينات وبداية سبعينات القرن المنصرم على تركيب مقاسم هاتفية بأرقام ثنائية تمر إجبارياً عن طريق عامل المقسم . بحيث لا يمكن لبيت أن يتصل ببيت آخر مباشرة وإنما يتصل بعامل المقسم ويطلب منه الرقم الفلاني الدّال على بيت أبو فلان .
في إحدى القرى النائية , عينت مصلحة البريد " بو محسن " كعامل جديد على المقسم الجديد أيضاً الذي تم تركيبه في هذه القرية حديثاً . وتم تدريب " بومحسن" على كيفية استعمال المقسم المتعدد الوظائف . المقسم الذي كان على هيئة صندوق خشبي كبير فيه ثقوب صغيرة كل ثقب يمثل خطاً هاتفياً وأسلاك لها نهايات معدنية مدببة . فإن أراد مثلاً بيت " بومعلا" أن يتكلم مع بيت " بوشاكر" , قام عامل المقسم " بومحسن" بتفييش سلكين من المقسم أحدهما في ثقب خط هاتف بيت " بومعلا " والآخر في ثقب خط هاتف بيت " بوشاكر" !!!
ولكن المقسم الجديد كان له ميزة أخرى ( كما هي لمقاسم اليوم ) وهي ميزة قدرة عامل المقسم التنصت على المكالمات الهاتفية و ذلك بتحريك قاطع كهربائي موجود على سطح المقسم والذي يستعمله عامل المقسم عادة لرن جرس أحد البيوت بعد وصل سلك الخط الهاتفي الخاص بذاك البيت!!
تم تدشين المشروع من قبل مدير مصلحة الهاتف في المحافظة والمختار و رئيس المخفر بوجود أعيان القرية و أهلها الذين هلّلوا و صفقوا ودبكوا احتفاءاً بالضيف الجديد ( المقسم)!!
لم يكن أحد من سكان القرية البسطاء على علم بالميزة الخطيرة لمقسمهم الجديد وهي القدرة على التنصت على مكالماتهم و أحاديثهم . هذه الخاصيّه التي أعطت " بومحسن" فرصة مناسبة للدخول على الخطوط الهاتفية والتنصت على أحاديث الرجال والنساء من أهل قريته!
دبّت المشاكل في القرية وازدادت الخلافات بين أهلها تزامناً مع تركيب المقسم الجديد. فكل ما كان يعتقده هؤلاء أن مقسمهم جاء وبالاً عليهم فمنهم من رد ذلك على حظ القرية السيء ومنهم من رد ذلك للغيبيات ومنهم من قال :" ولك شو صار لحيطان بيوت هلضيعه دينين بتسمع . ولك ما بس هيك, صار إلا لسين بتحكي "!!
لقد كان الأخير على صواب . فعلاً لقد صار لحيطان البيوت أذن تتنصت و تسمع و تنقل الأخبار هنا وهناك !
في أحد الأيام , جاءت " أم حمودي" لبيت " بوهادي" لتقول له بأن زوجته " أم هادي" استغابتها بالكلام مع " أم اسكندر" على الهاتف. وجاء " بوعلي" لبيت " بوهاشم" ليستفسر منه عن سبب حقده عليه واستغابته مع " بوقاسم" في الكلام على الهاتف !. و طارت " أم محمود " لبيت " بوشادي" لتطلب منه أن يعمل على قطع لسان زوجته الطويل قبل أن تفعل ذلك بنفسها!!.
لقد نشأت كل هذه المشاكل بعد تركيب المقسم الجديد الذي كان يعمل عليه عامل المقسم "بومحسن" . الرجل الذي خَبِر ميزة التنصت على المكالمات الهاتفية في القرية .
ولكن لا أحد من سكانها يعلم عن هذه الميزة شيئاً . الناس كلهم هنا بسطاء . يعتقد الواحد منهم أثناء حديثه على الهاتف مع الآخر أن كلماته ستمر داخل السلك ولن يستطيع أحد الاستماع إليها دون أن يدري أن عامل المقسم باستطاعته أن يفعل ذلك بسهولة بواسطة " البرانشيه" كما يُطلق عليه بالفرنسية!!
لقد كان "بومحسن" عامل المقسم هذا السبب في كل ما جرى وما يجري في القرية إذ أنه ما برح يتنصت على الناس وهو يحتسي ضرب المته غير عابئ بكرامة الناس وحرماتهم .
وفوق كل ذلك وبعد انتهاء مناوبته هناك , كان يتجه إلى مقهى القرية ليتشارك مع أقرانه وأصحابه لعب دق منقله بكل دم بارد وكأن شيئاً لم يحصل .
هناك يتبادل هؤلاء الحديث حول آخر ما حرر عن أخبار القرية . ويتباهى الحضور بالحصول على المعلومه الطازجة عن " أبوفلان " أو " أم فليتان"!!!
هنا يأتي دور " بومحسن" الذي يتباهى أمام أصحابه بالسبق في الحصول على الخبر أولاً وكأن شرفاً عظيماً يناله في كل مرة يفشي فيها أسرار و خصوصيات أهل و بيوت ضيعته!
وبأسرع من النار في الهشيم , تنتقل الأخبار عن " أبو فلان " و" أم فليتان " بطريقة أتحدى فيها قدرة الغوستابو الألمانية والكا جي بي الروسية والسي آي أيه الأمريكية على سرعة نشرها كما يفعل " بومحسن" و رفاقه!
انتشر أمر الخلافات الدائرة حديثاً في القرية حتى وصل إلى مسامع المختار الذي قرر أن يستخبر بسرعة عن مصدر وسبب هذه الخلافات الناشئة حديثاً.
فذهب فوراً لبيت" بوسميع" ليسأله من أين سمع عن خبر أن " بوساطع" سبّ " بوشفيع" على الهاتف؟ أجاب "بوسميع" أنه سمع عن الخبر من " بوكاسر!".
أسرع المختار لبيت" بوكاسر " ليسأله من أين سمع عن هذا الخبر ؟ أخبره " بوكاسر " بأنه سمع عن هذا الخبر من "بوسليم" !
فأنطلق المختار فوراً إلى بيت " بوسليم" ليستسفر منه عن سماعه لهذا الخبر ؟ فأجابه" بوسليم" بأنه سمع عن هذا الخبر من " بومحسن" عامل المقسم أول أمس في المقهى!
توقف المختار قليلاً وفكر ملياً أمام هذه النتيجة التي توصل إليها أخيراً متمنياً من الله أن لا يكون" بومحسن" هو السبب الكبير وراء كل هذا !
اتجه المختار نحو بيت " بومحسن" ودق الباب . ففتح " بومحسن " ودعا المختار للدخول.
" بومحسن بدي اسألك سؤال . لا تلكْ معي ولا بكلمة. متفهم بومحسن عليي مظبوط؟ " قال المختار!
" اسآل لعيونك مختار قرد من أيمتا كدبت علاك ؟"
قال " بومحسن"!!!
سأل المختار :" بومحسن مين قال بالقهوة أنو "بوساطع" سبّ " بوشفيع" قدام " بوسليم " و قدام الشلة اللي كانت قيعدي معك يومتا؟"
رد " بومحسن " من دون وعي :" هنا قلت" !!!!
عندها قال المختار :" ومن وين سمعت أنو " بوساطع" سب " بوشفيع"؟ !!!!
تيبس " بومحسن" في مكانه وانعقد لسانه و اصفر وجهه وظهرت عليه علامات الصدمة العصبية!!!
" ولك شو كلّك القط لسينك ؟ ولك جاوب " بومحسن"؟
قال المختار!!!!
قال " بومحسن" : " ولك وحقو لله سمعتا لمسبّة " بوشفيع" من عضمة لسين " بوساطع"!!!
" هيك لكان بو محسن . منحطك علمقسم تترد على الهواتف بتروح ما شغلتك وعملتك غير تحط دانك وتقعد تتنصت عأهل الضيعة . ولك شو مافيك ضمير ؟" قال المختار !!!!
" دخيلو لعرضك مختار . ولك الله يقطّع دياتي و جرياتي لهاكلغلطة!!!!" أجاب " بومحسن"!!!!!
" ولك إلهي يقبرك تحت هاكا المقسم . ولك أبتخجل من حالك ولك نمس ؟ " قال المختار !!!!!!
أجاب " بومحسن" : " دخيل عرضك مختار لا تفضحني الله يسترلك حريماتك . الله يخزي الشيطان .والله إذا بسمع أنو الويحد منهن ميموت , ميني بقا ردد على حدا. شو بدك لحلفلك أنو هادي آخر مرة "!!!!
تجنباً لحدوث المشاكل وتفاقمها, رأى المختار أن يلفلف الموضوع بعد أن وعده " بومحسن" بأنها ستكون المرة الأخيرة.!!!!
فعلاً تلاشت الخلافات بعد هذا الموقف الذي حصل بين المختار و " بومحسن"!!!
وتوالت الأيام عاشت خلالها قرية اللقش بهدوء ونعيم وسلام ظل خلالها ( لا نعرف تماماً ) " بومحسن " عامل المقسم على الحياد في تنصته على هواتف القرية.
في إحدى المرات , مرض أخ المختار مما اضطر أهله لحمله إلى المدينة لإجراء عمل جراحي في أحد مشافيها.
بعد يومين من سفر أخ المختار إلى المدينة , أراد المختار أن يطمئن على أخيه الذي أجرى عملاً جراحياً قبل يومين . فطلب من عامل المقسم " بومحسن" أن يربطه مع هاتف المشفى الحكومي بالمدينة!!!
" أمرك مختار . متكرم عينك . لحظة وبتكون المشفى كلاّ عندك"!!!! قال " بومحسن"
" مشفى ...مشفى .. معي مختار ضيعة اللقش بدو يحكي مع خيو!!!!" قال " بومحسن " لمقسم المشفى!!!
فعلاً حوّل مقسم المشفى المكالمة لغرفة أخ المختار الذي ردّ على أخيه بالكلام والسلام والاطمئنان على حاله بعد إجراء العمل الجراحي !!!!
" أنشا الله كل شي علخير خيي بعد هالعملية؟ قال المختار لأخيه؟؟؟
أجاب الأخ بالحمد و الشكر لله الذي وقف إلى جانبه في تلك اللحظات الحاسمة .
في خضم المكالمة خرج صوت ثالث من الهاتف يقول:
" ولك سلامتك يا رب سلامتك . ماعليك غير الخير . مجا شوحالك ؟ "
توقف المختار عن الحديث برهة بعد أن علم علم اليقين بأن هذا الصوت هو صوت " بومحسن " عامل المقسم !!!
" ولك بومحسن فيك هالعادة الوسخة مارح تبطلا ؟ . بحضي وبديني تخلي عضامك اتخ بالحبس " أجاب المختار !!
" دخيلك مختار . والله مما فيني ممسك حالي من كتر ماقلقت على خيّك وهو ميعمل العمليي!!!"قال " بومحسن".
" ما فيك متمسك حالك يا كر يا أبن الكر , متلك بدو ربيط ولجيم منشان مايقدر يحرك فكو ولا يطلع لسينو. ولك طلاع برات الخط قبل مجي وفك راسك عن رقبتك . لك دنب الكلب الأعوج حطو بالقالب مية سنة بيضل أعوج بتعرف لاشو " بومحسن" بيضل أعوج ؟؟؟"
" لاشو مختار ؟"!!!!! قال " بومحسن"!!!
أجاب المختار :" لأنو دنب كلب . عرفت لاشو " بومحسن" "!!!!!!
ذكرتني هذه القصة بفضائح التنصت على المكالمات الهاتفية هنا و هناك . ولكن الفرق الوحيد بين " بومحسن " عامل مقسم ضيعة اللقش وما يجري اليوم في المقاسم الديجيتالية . أن مقاسم اليوم لا تحتاج لا إلى " بومحسن " و لا إلى بومطيع" . إنها تتنصت على مئات الآلاف من الخطوط الهاتفية دفعة واحدة وبنفس الوقت عبر تقنية جديدة تسمى بتقنية الديجيتال أو التقنية الرقمية التي اتسعت سيطرتها على الأرض سواء عن طريق الهاتف أو أي من منتجاتها الأخرى .
لدينا اليوم ملايين النسخ المستنسخة عن " بومحسن" بطريقة الديجيتال و التي تسمح بمعرفة ما يدور حولك بل وأكثر !!!
ما يدور في ذهنك أيضاً!!!!!
إنها تقنية تستطلع المستقبل وتستشرق الآفاق لإفساح المجال أمام مزيد من قراءة الأفكار وسبر الأفعال وكشف النوايا!!!!


[ تم تحريره بواسطة دريد الأسد on 2/1/2007 ]

[ تم تحريره بواسطة دريد الأسد on 2/1/2007 ]

[ تم تحريره بواسطة دريد الأسد on 19/1/2007 ]
المنتديات

التعليقات

الدرويييش

السيد : دريد : شكراً على هذا الحكاية الرائعة التي أعادت إلينا ذكريات قديمة نحبها و نحن إليها . نحب الماضي لأنه بالرغم من فقره و بساطته كان فيه للقيم مكان نحب الماضي لأن الناس كانت تبصق على أمثال أبو محسن نحب الماضي لأن الناس لم تكن لتصافح يد أبو محسن نحب الماضي لأننا لم نعد نعرف كم أبو محسن نقابل كل يوم , يتجسس علينا و يستفزنا بأحاديثه لينقلها إلى من يهمه الأمر . و شكراً لك
دريد الأسد

شكراً للطفك الأخ الدرويييش.. كان يقال على من هم من أمثال " بومحسن" بلهجتنا التي لن نتنكر لها لا اليوم ولا غداً , أنهم " مبغضون" . عندما كان يأتي ذكر أحدهم على ألسنة أهل الضيعة , فيقول عنه:" فلان لعنة الله عليه ما بغضو"!!! فالمبغض هو المكروه , الشرير, المؤذي, النمّام, القميء!! معك حق , فبالرغم من كل الشقاء والفقر الذي عاشته مجتماعتنا وقرانا, إلا أنه لا مكان لأمثال " بومحسن" فيها!! ولا ل " بوزكريا" في مقالة " أنا وأبوزكريا". " ولك تفو علهاكل الخلفة" هذا ما كان يختزل الناس قوله في " المبغض"!! " بحضي وبدمتي ميني حيطط ديتي بديتو وهنا عايش بهدّني"!!! تأنف النفوس عن ملاقاة " المبغضين" ومصافحتهم . و مقاطعة هؤلاء هي العلاج الناجع و العبرة التي لا تنسى لمن تسول له نفسه أن يؤذي الغير بالكلام أو بالعمل!!! شكراً لك الأخ الدرويييش مرة ثانية . وكل عام وأنت بخير . دريد
وردة الثلج

سيد دريد: أشكرك على هذه المقالة التي فعلاً أعادتنا الى البساطة والطيبة.. وذكرتنا بالقيم التي كان الناس يمارسونها بالفطرة.. دون تعقيدات.. كان ريفنا بسيطاً هادئاً طيباً.. وكان أمثال بو محسن ينبذ من مجتمعه اسق الله أيام كام المرتشي والحرامي.. والمزور .. والمتنصت .. يتعيروا بصفات تلزق معن لولد الولد اسق الله أيام الناس اللي بتجوع بس كرامتا ما تنداس لقد استرجعت ذاكرتنا وفُرضِت المقارنة بين الأمس البسيط الأخلاقي وبين اليوم..
دريد الأسد

السيدة وردة الثلج . أشكر لك ردك على مقالة " بومحسن" التي أتت في بعض جوانبها دلالة بسيطة عن أخلاق أهل قرانا وريفنا الأشم الذي أنبت الطهر والعفة والرجولة و الإباء لدى رجاله و نسائه على حد سواء .
bccline

اللقش ضرب متة قرد منقلة مدري هالمصطلحات بشو بتذكرني اي تذكرت بس ما بدي قول منشان ما ينحذف تعليقي
هذه تذكر بكلمات الطيبين من اهل الجبل .. كلام الجدات. وهم على الاقل كانوا رغم جهلهم بالقراءة والكتابه اكثر نضجا وحضاراة من الكثيرين من مدعي (((الثكافة والمفهومية )))يا نايف .. من اهل المدينة والجبل وبتوع الشهادات العالية والواطية هذه الايام .. [ تم تحريره بواسطة bccline on 7/1/2007 ]
nayef

قال bccline
هذه تذكر بكلمات الطيبين من اهل الجبل ..
راجع معلوماتك بخصوص الطيبين
.. كلام الجدات. وهم على الاقل كانوا رغم جهلهم بالقراءة والكتابه اكثر نضجا وحضاراة من الكثيرين من مدعي (((الثكافة والمفهومية )))
اكثر نضجا" وحضارة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ والثكافة والمفهومية ام الثقافة والمفهومية لان هناك فرق بين الاثنين [ تم تحريره بواسطة nayef on 7/1/2007 ]

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.