أتمزق ألما، في رأسي تضطرب كل مشاعر الغضب على كل شيء، لم أكن أتخيل أن تطلب مني أمي الصمت صونا للعرض، وأن يقف أبي في صفهم ويحملني المسؤولية ثم يصفعني ويغادر.

توقفت عن البكاء منذ ساعة، فقد نفذت دموعي وتحولي حزني إلى غضب وحقد وانتقام. قررت أن أفرغ مشاعري بالرسم كما تعودت، ولكنني كسرت القلم ومزقت دفتري، وأشعرني هذا ببعض الراحة. فتحت حاسبي لعل ضرب المفاتيح يشعرني بالمزيد من الراحة، ولكن ما إن بدأت الكتابة حتى سمعت أختي تبكي في الصالة، لا شك أن أمي أخبرتها عندما عادت، وها هي تدق الباب علي.

………

أختي تعرف شعوري بالضبط، واليوم ذكرتني أن سبب حزنها وبكائها المتكرر العام الماضي هو تعرضها لنفس التجربة التي تعرضت لها، مع فارق كبير، أختي تعرضت لها عدة مرات، وهي تشعر اليوم بالذل والانكسار إضافة إلى حزنها علي، بينما أشعر أنا بغضب وحقد يجتاح كياني ويدفعني للتفكير بإحراق العالم كله. أبي وأمي يعرفان ما تتعرض له أختي ويصمتان، وهي تعاني بصمت، وجميعهم يطلبون مني أن أصمت.

تحاول أختي إقناعي بقدرتي على تجاوز التجربة والاستمرار بالحياة، وتضيف أن أبي وأمي تعرضا لنفس التجربة، ويستمران بالتعرض لها بشكل متكرر. أنا لا أستطيع التصديق، كيف يحصل كل ذلك؟ تذكرني أختي بالعديد من المواقف التي شاهدتها سابقا ولم أفهمها، ولكنني الآن أصبحت أقدر على فهمها.

أتذكر حديث أبي وأمي عن صون شرف وعرض العائلة، أي عرض هذا الذي يريدون صونه؟ أي شرف هذا الذي يزعمونه؟ هل يريدان أن أصمت الآن، ثم أن أنبطح أرضا في المرة القادمة كما يفعلان؟ لا أستطيع أن أرى أي شرف في حف البطن بالأرض. إن حظيرة خنزير أكثر شرفا من منزلنا.

………

لا أحد في كركورستان لم يتعرض لهذه التجربة، الشعب كله يعاني بصمت ولا يفعل شيئا، يريد فقط الاستمرار في الحياة، ويعرف أن أية صرخة ألم أو غضب ستعرضه للمزيد، وجميعهم يعتقدون أن لا حل سوى الصمت. الآن أدركت أنهم ليسوا ضحايا، أبي وأمي وأختي ليسوا ضحايا، فهم مشاركون في التجربة. يتعرضون لها أحيانا، ثم يفرغون مشاعرهم بتعريض آخرين لما يعرضهم له آخرون. كان أبي وأمي يدركان أن هذا اليوم سوف يأتي، ولكنهما لم يفعلا شيئا لحمايتنا، بل اعتبرا أن مصيرنا يجب أن يكون مثل مصيرهما، فنحن جميعا كركوريون. كان بإمكانهما المغادرة والبحث عن مكان أفضل، عن مكان آخر، عن مكان لا يتعرضان فيه لتلك التجربة ولا يغامران بتعريض أولادهما لها، ولكنهما أدمنا التجربة، أدمنا الحياة في كركورستان، بل دافعا عن تلك الحياة معتقدين أنها حياة شريفة.

………

لا أريد تلك الحياة، لا أريد ذلك الشرف، لا أريد أن أعيش على تلك الأرض، الموت في أي مكان بالنسبة لي أفضل بكثير من الحياة الذليلة عليها.

لا أريد أن أعرض أحدا لما تعرضت له، ولا أريد أن أتعرض لنفس التجربة مرة أخرى. وأكثر من ذلك، لا أريد أن يتعرض لها أولادي في المستقبل. لا يعنيني ما يفكر به أو ما يعتقده شعب كركورستان الشريف الصامت صونا للعرض. تفكيري ينصب على حياتي وعلى مستقبلي، ويقيني لا يتزعزع بإبداعي وقدرتي على شق طريقي في أي مكان.

غيرتني التجربة، علمتني في يوم واحد أكثر مما تعلمته طيلة حياتي. اليوم ولدت، اليوم بدأت حياتي الجديدة، وسأعيشها بالطريقة التي أراها مناسبة، وسأحاول أن أطيلها قدر الإمكان، ولكنني لن أنبطح أو أزحف، سأعيش وأموت وقوفا.

صباح الصافي