كانت الحلقة السادسة من سلسلة "حوار معك" أقل الحلقات التي واجهت انتقادا حتى الآن، وأكثر الحلقات التي تلقت ردود فعل مؤيدة لها. موضوع الحلقة كان الاعتقاد أن المال قادر على شراء كل شيء، بما في ذلك شراء السياسيين والعلماء والأطباء. لم تتطرق الحلقة إلى أية وقائع أو أحداث وركزت على الأفكار كما هي عادة سلسلة حوار معك.
الانتقاد الوحيد الذي وصلني عن الحلقة حتى الآن كان انتقادا يقول "المال قد يشتري كل شيء في دولة واحدة، ولكن هل يستطيع شراء كل العالم؟ قد يشتري سياسيين في بضعة دول ولكن هل يشتري سياسيين في كل العالم؟ لا يمكن أن يكون المال هو ما يدفع السياسيين في دول متخاصمة لاتخاذ قرارات متناغمة في هذه الأيام.
هنا نجد قضية يمكن أن نفكر بها بشكل رياضي، وهي: إذا كنت تعتقد أن مجموعة أشخاص تملك ما يكفي من المال قادرة على شراء سياسيين وقرارات سياسية في أية دولة على حدة، فهل تستطيع الاستنتاج أن هؤلاء الأشخاص قادرون على شراء سياسيين وقرارات سياسية في كل العالم بأموالهم؟
هذه قضية تبدو واضحة بدون برهان، ولكن يمكن أن نثبتها بسهولة باستخدام الاستقراء الرياضي، فبما أن عدد الدول في العالم عدد صحيح، يمكن أن نثبت القضية لأقل عدد من الدول، وهو 1، ثم نفرض صحتها لأجل عدد ما n ونحاول إثباتها من أجل الدولة التالية.
-
إذا كنا نتحدث عن دولة واحدة، فالقضية واضحة، من يعتقد أن المال قادر على شراء سياسيين في أية دولة، سيعتقد أن المال قادر على شراء سياسيين في هذه الدولة.
-
يمكننا أن نفترض صحة القضية لعدد ما من الدول، ثم نبرهن صحتها للدولة التالية، وهنا يستطيع من يعتقد أن من يستطيعون شراء سياسيين وقرارات سياسية في أية دولة بالمال أن يستنتج أن هؤلاء يستطيعون شراء سياسيين وقرارات سياسية في الدولة التالية.
بالنتيجة، يمكننا استخدام الاستقراء الرياضي لإثبات أن الاعتقاد بأن من يستطيعون شراء سياسيين وقرارات سياسية بأموالهم في أية دولة يقود إلى الاعتقاد أن هؤلاء قادرون على شراء سياسيين في كل العالم بأموالهم. هذا تفكير رياضي بسيط يقدم إثباتا رياضيا على صحة الاستنتاج السابق، أي أنه يقدم إثباتا على أن المحاكمة المنطقية تقود من اعتقاد بسيط إلى الاعتقاد بأحد أشكال نظرية المؤامرة العالمية.
في المجتمع وعبر الإعلام يتم ترسيخ الاعتقاد أن من الجنون الاعتقاد بنظرية المؤامرة. ويتم صرف النظر عن أية أدلة حسية أو وثائق عن وجود المؤامرات بالقول أن نظريات المؤامرة تافهة لا تستحق مناقشتها. وفي ذلك مجموعة من المغالطات المنطقية، فعندما يقدم شخص ما وثائق في نقاش ما، ويقوم الطرف الآخر بانتقاد ما يعتقده عن نظرية المؤامرة متجاهلا الوثائق، يمكن أن نجد أثرا لمغالطة رجل القش، ولمغالطة الهجوم الشخصي بدل النقاش الموضوعي، ولمغالطة الاستنتاج الخاطئ.
إذا كنت تعتقد أن المال يستطيع شراء سياسيين، فمن الطبيعي أن تستنتج أن المال يحكم العالم كله، ومن الطبيعي أن تتعرض للانتقادات المستندة إلى مغالطات منطقية عن نظرية المؤامرة.
نحن نعيش في عالم ينقسم إلى أكثر من مئتي دولة، وتقوده مجموعة دول تبدو مختلفة ولكنها في الحقيقة تنسق فيما بينها على العديد من الصعد، وتتنافس في بعض الأمور أحيانا. هذه الأيام جميعنا نشاهد كل الدول تتخذ قرارات غير منطقية وغير مبررة وتدمر اقتصادها بشكل ذاتي بحجة واهية، ونلاحظ أن المستفيد الوحيد من ذلك هو بضعة من كبار الشركات العملاقة وبعض المتنفذين فائقي الثراء. بعض الناس يستنتجون أن جميع هذه القرارات ضرورية لأنهم يعتقدون أن من المستحيل أن تتفق دول مختلفة على شيء واحد، وآخرون يبحثون عن أدلة تثبت وجود مؤامرة ما بين سياسيي تلك الدول. الغريب في الأمر أن الجميع يعتقدون أن الأشخاص المتنفذين قادرون على شراء السياسيين وقراراتهم بالمال، والمحاكمة المنطقية تثبت أن من الممكن شراء القرارات السياسية وتوجيهها في كل دول العالم بنفس الطريقة، ولكن بعض الناس يرفضون اعتماد النتائج المنطقية بينما يقبلها آخرون.
أستطيع أن أقدم عشرات الوثائق على أن ما يحصل حاليا جزء من مخطط طويل الأمد، ولكن كل هذه الوثائق لن تقنع شخصا يفخر أن مصدر معلوماته هو الشارع أو شهود العيان أو آراء من يتحدث معهم، ويعتقد أن نظريات المؤامرة ضرب من الجنون.
النقاش الموضوعي حول ما يحصل حاليا يبدأ من عدة نقاط أساسية، وهي
-
ما الأدلة على وجود ذلك الفيروس المزعوم؟
-
ما الأدلة على أن ذلك الفيروس المزعوم يسبب مرضا ما؟
-
ما العلاقة بين ذلك الفيروس المزعوم والأمراض التي تنسب إليه؟
عندما تفتح عقلك لنقاش هذه الأسئلة، ستفاجؤك الوثائق، وسترى العالم بشكل مختلف، وستدرك قذارة الخديعة التي ساهم الكثير من الأطباء في تسويقها وإقناع البشر بها، سواء عن جهل أو عن سوء نية.
الأيهم صالح
إضافة تعليق جديد