الأمم المتحدة في السوق
جاءت مشاركتي في المؤتمر الإقليمي التحضيري الثاني للقمة العالمية لمجتمع المعلومات بدعوة من الدكتور منصور فرح، أحد مسؤولي الاسكوا التي تنظم المؤتمر، وبتكليف من مركز التنمية البيئية والاجتماعية. ورغم آلام الظهر التي رافقتني طيلة المؤتمر، فقد حرصت على متابعة الكثير من الجلسات، وفاتني جلسات مهمة بدون شك لأن المؤتمر عقد على شكل 3 مسارات متوازية، ولا يمكن لنا أن نتابع جميع المحاضرات في نفس الوقت.
بدأت مشاركتي يوم الأحد في ندوة الشراكة التي عقدت على هامش المؤتمر، وحضرت فيها عرضا للعديد من المشاريع المطروحة للشراكة، الملفت للانتباه أن بعض هذه المشاريع كان مطروحا من الاسكوا نفسها، ويبدو أن الاسكوا قد قررت دعم نشاطاتها الاستشارية ببعض النشاطات التنفيذية، ولذلك جاء طلب التمويل لمشاريع من نمط تطوير معايير أسماء النطاقات العربية. طبعا مسؤولو الاسكوا أنكروا هذا الاتجاه، وقالوا أن هذه المشاريع مطروحة لمن يريد أن يمتلكها وينفذها، ولكن الاحساس العام لدى الكثيرين في المؤتمر كان أن الاسكوا تخطط لدخول سوق المنطقة كلاعب فيه، مستغلة ضعف وقلة الشركات الاستشارية في المنطقة العربية. ولأن الاسكوا تمثل الأمم المتحدة، فالمنافسة معها شبه مستحيلة، وربما تستولي على عدد كبير من المشاريع الاستشارية والتنفيذية في المنطقة.
يبدو أن السعوديين والكويتيين كانوا الاكثر انتباها لهذا الاتجاه من الاسكوا، ولكن تعليقاتهم النارية في الجلسة الختامية قوبلت ببرودة كبيرة من الدكتور أحمد فرحات الذي أعاد شرح مفاهيم الشراكة عدة مرات، وركز على أهمية المشاريع بغض النظر عن الجهة التي ستنفذها. وفي هذه الجلسة أيضا انشغل وزير الاتصالات السوري بتطييب خاطر السعوديين والكويتيين وتطمينهم أن الأمور تحت السيطرة، وأن الدول العربية لن تتخذ أي قرار في هذا المؤتمر، في حين أن القرارات كلها ستتخذ في مجلس وزراء الاتصالات العرب، دون أن يبدي موقفا واضحا من قضية تمويل المشاريع التي طرحتها الاسكوا.
مشاريع الاسكوا كانت الأميز على الإطلاق
وفي الجلسة الأخيرة للمؤتمر عرضت الاسكوا مخطط مشروع بالغ الأهمية لإدارة الشراكات. نال المشروع إعجاب من كان حولي من الحضور، إلا أنه جوبه بمعارضة كبيرة من الوفود الرسمية، ويبدو أنهم شعروا أن الاسكوا تتطاول على صلاحياتهم، ووصل الأمر بالوزير السعودي للتهديد بالانسحاب (لم يحدد الانسحاب من ماذا) إذا تم تبني هذا المشروع (لم يحدد من الذي سيقوم بالتبني) فبدا للحاضرين أنه يحاول تفشيل المشروع، خصوصا أنه أعاد كلمات من نوع "لا أفهم" و"لا أعرف" عدة مرات. إلا أن المشاركين من القطاع الخاص أدركوا أن الوزير السعودي يتصرف بمنطق الدفاع عن مصالح القطاع الخاص في بلده تجاه تهديد محتمل، وكم كنت أتمنى لو وجدت موقفا شبيها من قبل رئيس الجلسة وزير الاتصالات السوري.
بقية المشاريع لم تكن بنفس القيمة، ولعل ما يهمنا فيها هو تبني الاسكوا لمشروع أسماء النطاقات العربية الذي طرحه شخص سعودي يبدو أنه يمثل شركة أمريكية عملاقة. وأعتقد أنه إذا تمكنت الاسكوا من فرض هذا المشروع على مجتمع الإنترنت، ستكون النتائج بالغة السوء والخطورة على مجتمع المعلومات العربي. سأعود لمناقشة هذا المشروع في مقالات أخرى لتوضيح الأخطار التي يمثلها على مجتمعاتنا.
السوق ليست بديلا للمجتمع المدني:
تجمع القمة العالمية لمجتمع المعلومات أربعة أطراف، الحكومات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والخبراء الأخصائيين. في المؤتمر التحضيري الثاني كان المجتمع المدني ممثلا بقوة، وحصل على وقت كبير لتوضيح مشاريعه وعرض آرائه. أميز المحاضرات برأيي كانت محاضرة الهندية أنيتا التي قدمت مجموعة مميزة من الأفكار، ولأنني لم أحصل على محاضرتها حتى الأن، فأنا أذكر منها الأفكار التالية:
- تستطيع الشركات والحكومات أن تطلق الكثير من المشاريع، وتركز على فائدتها وكفاءتها والكثير من عوامل التقييم، ولكن الجميع ينسى فكرة المساواة، كفاءة المشروع لا تعني أنه يحقق المساواة في المجتمع.
- مع نمو اقتصاد السوق أصبح أي شخص قادرا على دخول السوق والمساهمة فيها بفعالية، سواء عن طريق المساهمة في الشركات، أو تأسيس شركته الخاصة، ولكن يجب الانتباه إلى أن السوق ليست بديلا للمجتمع المدني.
هذه الفكرة بدت طريفة جدا لي، لأن السوريين يحاولون إقناع الحكومة أن منظماتها الحكومية والبعثية ليست بديلا للمجتمع المدني.
على هامش المؤتمر عقد اجتماع لمنظمات المجتمع المدني العربية المشاركة في المؤتمر، وفيه تعرفت على ناشطين مميزين في المجتمع المدني، ولعل أبرزهم الأستاذ زياد عبد الصمد مدير الشبكة العربية للتنمية، والحقوقي منير دعيبس مدير موقع أمان الأردن، والدكتور مصطفى المصمودي الناشط التونسي.
ركز الاجتماع على التنسيق بين منظمات المجتمع المدني العربية خلال القمة القادمة، وحاول وضع خطة عمل مشتركة إلى القمة.
الدكتور مراياتي
التقيت في القمة مع الدكتور محمد مراياتي، وهو شخص أعتقد أنني مدين له لأنه حررني من عقد الإذعان الذي وقعته عندما كنت مراهقا. وخلال حديثين قصيرين لا تتجاوز مدة كل منهما ثلاثين ثانية شعرت أنه مازال نفس الرجل الذي أعرفه، وفاتني أن أسأله هل ما زال يعتبر أن الطلاب الحاصلين على منح دراسية هم مرتزقة يجب التخلص منهم. لا بأس، ربما أوجه له هذا السؤال يوما ما.
(يتبع)
جاءت مشاركتي في المؤتمر الإقليمي التحضيري الثاني للقمة العالمية لمجتمع المعلومات بدعوة من الدكتور منصور فرح، أحد مسؤولي الاسكوا التي تنظم المؤتمر، وبتكليف من مركز التنمية البيئية والاجتماعية. ورغم آلام الظهر التي رافقتني طيلة المؤتمر، فقد حرصت على متابعة الكثير من الجلسات، وفاتني جلسات مهمة بدون شك لأن المؤتمر عقد على شكل 3 مسارات متوازية، ولا يمكن لنا أن نتابع جميع المحاضرات في نفس الوقت.
بدأت مشاركتي يوم الأحد في ندوة الشراكة التي عقدت على هامش المؤتمر، وحضرت فيها عرضا للعديد من المشاريع المطروحة للشراكة، الملفت للانتباه أن بعض هذه المشاريع كان مطروحا من الاسكوا نفسها، ويبدو أن الاسكوا قد قررت دعم نشاطاتها الاستشارية ببعض النشاطات التنفيذية، ولذلك جاء طلب التمويل لمشاريع من نمط تطوير معايير أسماء النطاقات العربية. طبعا مسؤولو الاسكوا أنكروا هذا الاتجاه، وقالوا أن هذه المشاريع مطروحة لمن يريد أن يمتلكها وينفذها، ولكن الاحساس العام لدى الكثيرين في المؤتمر كان أن الاسكوا تخطط لدخول سوق المنطقة كلاعب فيه، مستغلة ضعف وقلة الشركات الاستشارية في المنطقة العربية. ولأن الاسكوا تمثل الأمم المتحدة، فالمنافسة معها شبه مستحيلة، وربما تستولي على عدد كبير من المشاريع الاستشارية والتنفيذية في المنطقة.
يبدو أن السعوديين والكويتيين كانوا الاكثر انتباها لهذا الاتجاه من الاسكوا، ولكن تعليقاتهم النارية في الجلسة الختامية قوبلت ببرودة كبيرة من الدكتور أحمد فرحات الذي أعاد شرح مفاهيم الشراكة عدة مرات، وركز على أهمية المشاريع بغض النظر عن الجهة التي ستنفذها. وفي هذه الجلسة أيضا انشغل وزير الاتصالات السوري بتطييب خاطر السعوديين والكويتيين وتطمينهم أن الأمور تحت السيطرة، وأن الدول العربية لن تتخذ أي قرار في هذا المؤتمر، في حين أن القرارات كلها ستتخذ في مجلس وزراء الاتصالات العرب، دون أن يبدي موقفا واضحا من قضية تمويل المشاريع التي طرحتها الاسكوا.
مشاريع الاسكوا كانت الأميز على الإطلاق
في القسم الأول من ندوة الشراكة شرح السيد هشام عودة فكرة ثلاثة مشاريع بالغة الأهمية لقياس مؤشرات مجتمع المعلومات في المنطقة. تبدو المشاريع متكاملة وممكنة التحقيق بتعاون بسيط من الدول العربية الأعضاء، لأنها مصممة خصيصا لعقليات الحكومات في منطقتنا. ولا يسعني إلا أن أبدي إعجابي بالمشاريع المقترحة، ليس لأن أستاذي المحترم الدكتور منصور فرح هو أحد مصمميها، بل لأنها فعلا مشاريع مدروسة بعناية ومصممة لتنجح حتى لو أرادت كل الدول العربية أن تفشّلها.
وفي الجلسة الأخيرة للمؤتمر عرضت الاسكوا مخطط مشروع بالغ الأهمية لإدارة الشراكات. نال المشروع إعجاب من كان حولي من الحضور، إلا أنه جوبه بمعارضة كبيرة من الوفود الرسمية، ويبدو أنهم شعروا أن الاسكوا تتطاول على صلاحياتهم، ووصل الأمر بالوزير السعودي للتهديد بالانسحاب (لم يحدد الانسحاب من ماذا) إذا تم تبني هذا المشروع (لم يحدد من الذي سيقوم بالتبني) فبدا للحاضرين أنه يحاول تفشيل المشروع، خصوصا أنه أعاد كلمات من نوع "لا أفهم" و"لا أعرف" عدة مرات. إلا أن المشاركين من القطاع الخاص أدركوا أن الوزير السعودي يتصرف بمنطق الدفاع عن مصالح القطاع الخاص في بلده تجاه تهديد محتمل، وكم كنت أتمنى لو وجدت موقفا شبيها من قبل رئيس الجلسة وزير الاتصالات السوري.
بقية المشاريع لم تكن بنفس القيمة، ولعل ما يهمنا فيها هو تبني الاسكوا لمشروع أسماء النطاقات العربية الذي طرحه شخص سعودي يبدو أنه يمثل شركة أمريكية عملاقة. وأعتقد أنه إذا تمكنت الاسكوا من فرض هذا المشروع على مجتمع الإنترنت، ستكون النتائج بالغة السوء والخطورة على مجتمع المعلومات العربي. سأعود لمناقشة هذا المشروع في مقالات أخرى لتوضيح الأخطار التي يمثلها على مجتمعاتنا.
السوق ليست بديلا للمجتمع المدني:
تجمع القمة العالمية لمجتمع المعلومات أربعة أطراف، الحكومات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والخبراء الأخصائيين. في المؤتمر التحضيري الثاني كان المجتمع المدني ممثلا بقوة، وحصل على وقت كبير لتوضيح مشاريعه وعرض آرائه. أميز المحاضرات برأيي كانت محاضرة الهندية أنيتا التي قدمت مجموعة مميزة من الأفكار، ولأنني لم أحصل على محاضرتها حتى الأن، فأنا أذكر منها الأفكار التالية:
- تستطيع الشركات والحكومات أن تطلق الكثير من المشاريع، وتركز على فائدتها وكفاءتها والكثير من عوامل التقييم، ولكن الجميع ينسى فكرة المساواة، كفاءة المشروع لا تعني أنه يحقق المساواة في المجتمع.
- مع نمو اقتصاد السوق أصبح أي شخص قادرا على دخول السوق والمساهمة فيها بفعالية، سواء عن طريق المساهمة في الشركات، أو تأسيس شركته الخاصة، ولكن يجب الانتباه إلى أن السوق ليست بديلا للمجتمع المدني.
هذه الفكرة بدت طريفة جدا لي، لأن السوريين يحاولون إقناع الحكومة أن منظماتها الحكومية والبعثية ليست بديلا للمجتمع المدني.
على هامش المؤتمر عقد اجتماع لمنظمات المجتمع المدني العربية المشاركة في المؤتمر، وفيه تعرفت على ناشطين مميزين في المجتمع المدني، ولعل أبرزهم الأستاذ زياد عبد الصمد مدير الشبكة العربية للتنمية، والحقوقي منير دعيبس مدير موقع أمان الأردن، والدكتور مصطفى المصمودي الناشط التونسي.
ركز الاجتماع على التنسيق بين منظمات المجتمع المدني العربية خلال القمة القادمة، وحاول وضع خطة عمل مشتركة إلى القمة.
الدكتور مراياتي
التقيت في القمة مع الدكتور محمد مراياتي، وهو شخص أعتقد أنني مدين له لأنه حررني من عقد الإذعان الذي وقعته عندما كنت مراهقا. وخلال حديثين قصيرين لا تتجاوز مدة كل منهما ثلاثين ثانية شعرت أنه مازال نفس الرجل الذي أعرفه، وفاتني أن أسأله هل ما زال يعتبر أن الطلاب الحاصلين على منح دراسية هم مرتزقة يجب التخلص منهم. لا بأس، ربما أوجه له هذا السؤال يوما ما.
(يتبع)
التعليقات
re
إضافة تعليق جديد