كشفت وثيقة تسربت من شركة ستراتفور الاستخباراتية أن استراتيجية تعامل إعلام المؤامرة مع الناشطين الشعبيين تعتمد على ثلاثة مبادئ:
- تحييد المبدئيين.
- تحويل المستقلين إلى واقعيين
- استحمار الواقعيين
بالنسبة لإعلاميي المؤامرة، التحدي الحقيقي هو في تحويل المستقلين إلى واقعيين، وحسب مصطلحاتهم يعني هذا عمليا إخضاع كل صاحب فكر حر عبر عملية غسيل دماغ إعلامية ليصبح مثل أي شخص خاضع لإعلامهم ويستطيعون التأثير عليه عن بعد، أي عمليا ضمه إلى القطيع. وإذا كنت أيها القارئ بالنسبة لهم صاحب فكر حر، فسأكشف لك في هذه المقالة بعض ملامح البروباغاندا الموجهة إليك ضمن عملية تحويلك إلى واقعي حسب مصطلحاتهم. وأنا أرجو أن تساعدك هذه المادة على تعرف طرائقهم وتجنب الوقوع في شركهم.
المنهجية التي يستخدمونها لتحقيق هدفهم هذا معروفة منذ عشرات السنين وتم تطويرها ضمن تطبيقات علم النفس السلوكي، وتسمى "التكييف"، وقد تحدثت عنها في سلسلة "الأسس النظرية للاستحمار" المنشورة سابقا على موقعي.تقول نظرية التكييف أن بإمكانك أن تجعل أي شخص يتبنى اي موقف (أو سلوك) إذا وضعته في ظرف مناسبة وأخضعته لمؤثرات مناسبة لفترة كافية. ولذلك فالعملية التي يحاولون تطبيقها عليك تتألف من قسمين:
- وضعك في الظرف المناسب
- إخضاعك للمؤثرات المناسبة لفترة كافية
يتعلق الظرف والمؤثرات بما يريدون فعلا تغييره لديك، وسأعطيك فيما يلي مثالا عمليا على ذلك:
أحد قادة المؤامرة الموغلين في الإرهاب معروف بأنه غير متعلم، وقد وضعته ظروفه في موقف قيادة وتحت تصرفه إمكانيات هائلة يوجهها لتدمير شعبنا. مشكلتنا الأساسية مع هذا الشخص هي الجرائم التي يرتكبها ويساعد في ارتكابها. هذه الجرائم تحمله مسؤولية قانونية وإنسانية وبناء عليها يحق لنا محاكمته كمجرم وفق قانوننا ووفق القانون الدولي.
هذا الموقف لا يناسب المؤامرة، ولذلك فهم يعملون "لتكييفنا" على تغيير موقفنا بالتدريج ليصبح أقل سلبية من رمزهم، ويخططون لاحقا لتحويل موقفنا إلى موقف إيجابي منه. ولتحقيق ذلك يطبق إعلام المؤامرة معنا قاعدة أساسية من قواعد البروباغاندا تقول "تحارب القصص السيئة بنشر قصص أقل سوءا" ولذلك فهم يقدمون لنا قصصا أقل سلبية عن زعيمهم، ويحاولون الترويج لها في مجتمعنا، منها مثلا القصص التي تركز على أنه لم يكمل تعليمه. هذه الفكرة بحذ ذاتها ليست جريمة رغم أنها ليست مشرفة، ويمكن الرد عليها ببساطة في أي نقاش. يقوم إعلام المؤامرة باختلاق القصص المتعلقة بها بشكل مستمر، فمرة يتم منح رمزهم جائزة ثقافية، ومرة يتم منحه شهادة شرفية، ومرة يتم اختياره ضمن قائمة ما. وعند تأليف كل قصة من هذه القصص ترفق بأن هذا الشخص غير متعلم ويتم نشرها في مجتمعنا. بالتدريج يتم "تكييف" المجتمع على أن مشكلتنا مع هذا الشخص هي أنه غير متعلم، فهذا هو الانتقاد الأساسي الذي يتكرر باستمرار. وعندما يريد أحد انتقاد هذا الرمز بناء على ما يحكى عنه، سيكتشف في أي نقاش أن انتقاداته هي في الحقيقة مديح، فهو غير متعلم ورغم ذلك يحصل على جوائز ويتم تقييمه من قبل جامعات عريقة ومنظمات عالمية.
تؤدي عملية التكييف هذه إلى نسيان الأسباب الحقيقية لموقفنا السلبي من هذا الشخص، فما يتم التذكير به دائما هو أنه غير متعلم، أما جرائمه ودعمه للإرهابيين فلا يتم التذكير بها بل بالعكس تقوم الدعاية شبه السلبية التي تنتجها المؤامرة بالتغطية عليها.
بتكرار هذه العملية عدة مرات وعلى مر أشهر وسنوات تنجح بالتأثير على أشخاص أكثر، ويتم استقطاب أعداد إضافية من موقف الرافض للإرهاب وجرائم أحد رموزه إلى موقف غير سلبي (ويمكن تحويله إلى إيجابي) من أحد كبار ممولي ومنظمي الإرهاب الذي يستهدف مجتمعنا.
وعندما ننظر إلى الخلف لنعرف كيف حصل هذا، سنجد خطة واعية وذكية مستندة إلى أسس علمية وعملية تم تنفيذها على المدى الطويل لتغيير مواقف شعبنا عبر ما يمكن أن نسميه "غسل العقول". وللأسف سنجد أن الكثيرين من الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم واعين وأذكياء قد شاركوا في عملية غسل عقول شعبنا بدون أن يدركوا ذلك، فهم يعتقدون أنهم يروجون دعاية سلبية بينما هم في الحقيقة يروجون ما يريد العدو أن يروجوه ويخدمون العدو كأنهم في صفه.
خلال السنوات الماضية شاهدت هذه العملية وهي تنفذ مئات المرات، وأستطيع أن أتذكر بعض اللقطات المميزة منها:
- مشكلتنا مع صاحب تلك القرعة القذرة هي أنه إرهابي مأجور، وليست أنه سقط في الحمام فجرح نفسه.
- مشكلتنا مع ذلك الطرطور أنه مجرم وقتل أباه وتاجر بدمه ويساهم بقتل شعبنا ويتاجر بمعاناته، وليست أنه يركب دراجة.
- مشكلتنا مع ذلك الإرهابي المجرم هي أن جيشه يحتل أرضنا ويقتل شعبنا، وليست أنه يزور صورا له في أماكن دينية.
- مشكلتنا مع ذلك الإعلامي هي أنه يدعم الإرهاب ويسوق له ويبرر أفعاله مما يجعله شريكا عمليا فيه، وليست أنه ينقل أخبارا كاذبة أو يطلق تصريحات غبية.
- مشكلتنا مع تلك الدولة "العظمى" أنها تعتدي علينا وتمول وتسلح الإرهابيين، وليست أنها تحاول تحقيق مصالحها "الجيو استراتيجية".
طريقة غسيل العقول هذه تنجح مع الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم أحرارا ومستقلين ومثقفين، ولكنهم لا يدركون أنهم يتعرضون لغسيل عقولهم. بالمقابل من الصعب أن تنجح هذه الطريقة مع الأشخاص المبدئيين (أي الذين يتخذون مواقفهم بناء على مبادئ عملية وليس على بروباغاندا) ومن الصعب أن تؤثر بالأشخاص الواعين الذين يدركون أن عمليات غسيل العقول تستهدفهم باستمرار، ولذلك يأخذون حذرهم في التعامل مع أية مواد إعلامية تصل إليهم.
وعندما يخضع مجتمع لهذه العملية لفترة طويلة، من الطبيعي ان تتبلد مواقفه بالشكل الذي تجدون عليه مواقف أغلب الشعوب العربية حولنا من العدوان الإرهابي على سوريا، ومن العدوان الإسرائيلي على فلسطين. وإذا كنا كسوريين نعتز بمواقفنا الحرة والمبدئية، فإن علينا أن نعززها ونتخذ أقصى درجات الحذر من عمليات غسيل العقول التي تستهدفنا، فنحن نرى نماذج لضحاياها في مجتمعنا والمجتمعات القريبة منا.
الحلقة القادمة بعنوان: ملامح من بروباغاندا المؤامرة 2: عملية تحييد المبدئيين
الأيهم صالح
إضافة تعليق جديد