كشفت وثيقة تسربت من شركة ستراتفور الاستخباراتية أن استراتيجية تعامل إعلام المؤامرة مع الناشطين الشعبيين تعتمد على ثلاثة مبادئ:
- تحييد المبدئيين.
- تحويل المستقلين إلى واقعيين
- استحمار الواقعيين
الأشخاص المبدئيون الذين يبنون مواقفهم على المبادئ والوقائع، وليس على البروباغاندا والإشاعات، لا يتأثرون عادة بعمليات التكييف التي تمارس بشكل جماعي، بل يقاومونها بطرق عدة، وقد يمارسون دورا تنويريا في مواجهة بروباغاندا التكييف. لذلك يعتبر قادة المؤامرة المبدئيين أعداء لهم ويخصصون جزءا من استراتيجيتهم لتحييدهم وإضعاف تأثيرهم.
أول تكتيك يتبعه إعلاميو المؤامرة مع المبدئيين هو تصنيفهم كمتطرفين، وعدم قبول مشاركتهم في أي حوار على هذا الأساس. أصلا النص الأصلي للاستراتيجية يستخدم مصطلح المتطرفين وليس المبدئيين. بالنسبة لإعلام المؤامرة، كل من لا يسير معه ضمن القطيع هو شخص متطرف بأفكاره ولذلك لا يمكن النقاش معه، ولا داعي لاعتبار آرائه أو نقاشها أو أخذها بعين الاعتبار. وهكذا يتم إقصاء المبدئيين عن الحوارات التي تجري عبر تكييف الناس على رفض أفكارهم قبل أن يسمعوها لأن أصحاب المبادئ "متطرفون". وعندما يصر المبدئيون على الاشتراك في الحوار، وينجحون في فرض أنفسهم، يصبحون مضطرين للدفاع عن أنفسهم ضد تهمة التطرف، وإقناع الآخرين بأن مواقفهم مبنية على المبادئ والوقائع وليست متطرفة قبل أن يصلوا لطرح مواقفهم للنقاش.
التكتيك الثاني الذي يستخدم ضد المبدئيين هو التسخيف، وقد شاهدنا استخدام هذا التكتيك عدة مرات خلال الأزمة السورية. يعتمد التسخيف على إطلاق نعوت وصفات تحط من قيمة الشخص بدلا من نقاش أفكاره، وذلك بالقول "هذا شخص تافه لا قيمة لأفكاره" بطرق مختلفة، منها مثلا "هذا الشخص مجرد بوق" أو "هؤلاء منحبكجية ليس لهم رأي شخصي" أو "هذه لغة خشبية يجب تغييرها" أو "هذا الشخص مستفز، الحوار معه لا يطاق" أو العبارة التي أواجهها كثيرا هذه الأيام "هذا الشخص يستحمرنا ولا يحذر من الاستحمار". لاحظوا أن التسخيف يتناول الشخص المستهدف وليس أفكاره، فإذا تجاوز أحد المبدئيين الموقف المسبق منه على أنه متطرف وتمكن من الاشتراك في الحوار، من المهم بالنسبة لإعلاميي المؤامرة أن لا يتم نقاش أفكاره بل أن يتم تسخيفها والحط من قيمته وقيمة أفكاره بغض النظر عن موضوعيتها أو واقعيتها.
وإذا تمكن الشخص المبدئي من طرح رأيه للنقاش ووجد من يسمعه، يلجأ إعلاميو المؤامرة إلى تغيير الموضوع بأية طريقة، ومن التكتيكات التي يتبعونها استخدام المغالطات المنطقية أو الابتزاز العاطفي. المغالطات المنطقية كثيرة وتحتاج شرحا مستقلا، ولن أورد مثالا بل أدعوكم للاطلاع عليها جميعا وعلى أمثلة عنها في ويكيبيديا (http://en.wikipedia.org/wiki/Fallacy). أما الابتزاز العاطفي فهو الرد على الكلام الواقعي بعبارات مثل "كيف تقول هذا الكلام بينما الأطفال تقتل" أو "الشعب يذبح وأنت تدعم من يذبحه" أو "لو كان أخوك محاصرا لما تبنيت هذا الموقف". هذه التكتيكات لا تؤثر بشكل مباشر على الشخص المبدئي إذا أحسن التعامل معها، ولكنها تؤثر على الأشخاص الآخرين المشتركين في الحوار، وتساهم في إبعادهم عن المبدئيين وإضعاف تأثير المبدئيين عليهم.
وإذا تمكن شخص مبدئي من إيصال أفكاره للآخرين رغم كل تكتيكات التحييد المتبعة عليه، ووجد من يسمعه ويناقشه، سيواجه بتسخيف الأفكار بحد ذاتها، وأول تكتيك يستخدم هنا هو ربط كل كلام المبدئيين ب "نظرية المؤامرة" والادعاء الزائف أنها مجرد نظرية لا إثبات لها. ورغم أن المبدئيين يملكون إثباتات على وجود مؤامرات من التاريخ ومن اعترافات المشتركين بها طوعا وتفاخرهم بذلك، يتم تكييف الجمهور على أن "المؤامرة مجرد نظرية غير واقعية". وفي جميع الأحوال لا يقبل إعلاميو المؤامرة نقاش الأفكار المبدئية بل يركزون على البروباغاندا والأفكار التي يريدون هم إيصالها، ويصبح القرار في التصديق خيارا شخصيا للمشاركين في الحوار.
وعندما يظهر شخص مبدئي ذو تأثير، ولا تنفع التكتيكات السابقة في تحييده، يلجأ قادة المؤامرة لتحييده بطرق مختلفة، منها مثلا محاولة شراء موقفه بالمال أو المنافع، أو الضغط عليه شخصيا أو محاربته في مكان عمله لإلهائه بقضايا شخصية، أو حتى تسبيب الأذى الجسدي له أو لأسرته، أو تصفيته نهائيا.
لقد تعرضت شخصيا لكل أنواع محاولات التحييد باستثناء الأذى الجسدي ومحاولة التصفية، فمثلا أعلم أنني أصنف كمتطرف ولذلك فالكثير من المنابر وساحات الحوار لا ترحب بأية مشاركة مني، وقد واجهت شخصيا مختلف أنواع التسخيف بحجة أنني استفزازي بطروحاتي أو أن أسلوبي غير مناسب أو أنني شخص غير منفتح ولا يمكن الحوار معي، كما واجهت مختلف أنواع المغالطات المنطقية وأقذر أنواع الابتزاز العاطفي في حواراتي، وتعرضت أفكاري التي أطرحها للتسخيف بحجة أنها نظرية وغير واقعية، أو أنني مأدلج على نظرية المؤامرة. وقد شاهدت أصدقاء آخرين يتعرضون لنفس التجارب سابقا، وأتحدث بشكل مستمر مع أصدقاء مبدئيين يروون لي تجارب مشابهة.
ما نواجهه كأصحاب مواقف مبدئية في حواراتنا مع الأخرين هو نتيجة مباشرة لتطبيق هذه الاستراتيجية من قبل قادة المؤامرة، وما كتبته في هذه المقالة هو نتيجة خبرتي العملية على مدى سنوات في مواجهتها. لقد مكنتني خبراتي المكتسبة من التعرف على الأشخاص الذين خضعوا لتدريبات على تحييد المبدئيين في الكثير من الحوارات عبر رصد الأنماط المشتركة لتكتيكات الحوار في حالات مختلفة. وقد اختبرت شخصيا عدة تكتيكات لمواجهة هؤلاء، وبالنتيجة أعتقد حاليا أن أفضل ما يمكن فعله مع الأشخاص الذين يطبقون استراتيجية "تحييد المبدئيين" هو تحييدهم هم وعدم السماح لهم بتلويث حواراتنا بقذارتهم. ومنهجي حاليا هو مساعدة من يرغبون بمغادرة غرف التكييف التي تحدثت عنها في سلسلة "الأسس النظرية للاستحمار" http://www.alayham.com/node/3942 في حين لا أكترث ولا أضيع وقتي مع من يستمتعون بالانقياد ضمن القطيع.
المقالة التالية بعنوان: ملامح من بروباغاندا المؤامرة 3: جو القطيع
إضافة تعليق جديد