الكتب التي تهز معتقداتك ليست كثيرة، ولكنها مميزة وتعرفها قبل أن تنتهي من قراءتها. في الماضي قرأت كتبا غيرت نظرتي للحياة، وكتاب The Contagion Myth لتوم كووان وسالي موريل هو خامسها، ولكنه يتميز عن سابقيه بأن طرحه يستعصي على التصديق، وكل فصل فيه يتطلب بحثا وتدقيقا في التفاصيل وتأكدا من المعلومات بشكل مكثف. بدون هذا الجهد لن يبدو أي شيء مقنعا في الكتاب، وحتى بعد التحقق من المراجع والدراسات العلمية تبقى الأفكار التي يطرحها الكتاب متناقضة مع الاعتقادات المتناقلة عن الموضوع.
سبق أن اطلعت على النظرة اللامادية للكون ضمن قراءاتي لفيزياء الكم، فهناك تجارب تثبت أن بعض الجسيمات تتصرف أحيانا ككتلة، أي كمادة، وأحيانا كموجة، أي كطاقة تنتشر في الفضاء. أنا أعرف أيضا مبدأ الشك لهايزنبيرغ الذي يضع حدودا لمعرفتنا عن الكون، بحيث يصبح من الصعب أن نفسر بدقة نتائج بعض التجارب التي نجريها، وبحيث يكون أي تفسير، مهما كان، مرتبطا بشروط التجربة وليس بطبيعة النظم التي تجرى عليها التجارب.
ينقل الكتاب تجارب لوك مونتانييه، عالم الفيروسات الحائز على جائزة نوبل في الطب عن ابحاثه عن فيروس HIV ومرض نقص المناعة المكتسب. يقول الكتاب أن مونتانييه أثبت أن من الممكن انتقال الجينات عبر الفضاء بدون تماس مباشر. وضع مونتانييه الجينات المنسوبة إلى فيروس HIV في انبوب اختبار يحوي ماء، ووضع في انبوب اختبار آخر يحوي ماء مكونات متفرقة لجينات وراثية لا تحوي الجينات المحددة في الأنبوب الأول، ثم وضع الأنبوبين قرب بعضهما بدون تماس مباشر في وسط معزول يحوي مولد أمواج منخفض التردد، وبعد فترة استطاع أن يجد جينات HIV في الوعاء الثاني، رغم أنها لم تكن موجودة مسبقا. استطاع مونتانييه التقاط موجات صادرة عن الجينات في بعض تجاربه، وأجرى تجارب متعددة بهدف اكتشاف طريقة جديدة للعدوى الفيروسية أو لاكتشاف انتشار الفيروسات بدون تماس مباشر بين الناس. (تجدون هنا وهنا وهنا بعض الأبحاث التي أجراها مونتانييه وآخرون عن الموضوع، وهنا محاضرة لمونتانييه عن تجاربه)
يعتقد مونتانييه، ويوافقه الكتاب، أن هذه الظاهرة مرتبطة ببعض خواص الماء، وأنها تحدث فقط في الماء وفق شروط محددة وتستغرق ساعات متعددة، ولذلك فالماء ليس مجرد وسط تنحل فيه المواد، لا بد أن له خصائص تمكنه من التفاعل مع الجينات وترديد بعض الأمواج بطريقة الرنين.
أبحاث مونتانييه لا تعني أن مرض الإيدز بنتقل عبر الأمواج، ولكنها تقدم طريقة جديدة لتفسير ما يسمى العدوى، فكل خلايا جسم الإنسان تحوي جينات، والماء يدخل في تركيب جسم الإنسان بدرجة كبيرة، ولذلك من الممكن أن تنتقل الجينات أو المعلومات الوراثية بين الناس بدون تماس مباشر بينهم. يطرح توم كووان وسالي فالون نظرية جديدة في هذا المجال، فيقولان أنه عندما تحصل أية طفرة جينية لدى كائن ما، ويكتشف الكائن أنها طفرة مفيدة، يصبح قادرا على نقلها لمن حوله باستخدام الطريقة التي اكتشفها مونتانييه. وعندما يكتشف كائن ما خطرا جديدا (مثلا مادة سمية في الوسط المحيط) وتتدرب بنيته الحيوية على مقاومته، يصبح الكائن قادرا على نقل المعلومات عن طريقة مواجهة هذا الخطر لمن حوله بنفس الطريقة. وبذلك يصبح التطور تعاونا بين الكائنات، وليس صراعا على البقاء.
في المقالات القادمة من هذه السلسلة سأنقل أفكارا أكثر ثورية وتحديا لنظريات الطب الحديث، وقد اخترت البداية بهذه الفكرة رغم أنها ترد في منتصف الكتاب لأني أعتقد أنها تستحق النقاش، وتحتاج لتفكير عميق.
الأيهم صالح
إضافة تعليق جديد