هل سمعت بالانفلونزا الاسبانية؟ ربما تعتقد أنها أخطر وباء انفلونزا في التاريخ وأنها حصدت أرواح ملايين البشر بين عامي 1918 و 1920. يقتبس توم كووان مقاطع من دراسة عن انتشار هذا المرض أعدها الطبيب ميلتون روزينو Milton J. Rosenau عن انتشار هذا المرض ونشرها في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية عدد آب أغسطس 1919 (تجدون هنا المصدر الأصلي، وهو مأجور، وهنا نسخة مجانية من الدراسة.)
حاول روزينو اكتشاف طريقة انتشار الانفلونزا، ولذلك حصل على 100 متطوع مختلفي الأعمار وجميعهم سليمون تماما ولا يعانون أية أمراض، وأجرى عليهم التجارب التالية:
-
استحصل على مخاط وسوائل من أنف وفم المرضى الذين يعانون الحمى، وحلها بمحلول ملحي ثم بخ كمية منها في أنف وفم وعين المتطوعين، وبالنتيجة لم يمرض أحد من المتطوعين.
-
زاد كمية السائل الذي يتم بخه 5 أضعاف، وأعاد التجربة، وأيضا لم يمرض أحد من المتطوعين.
-
اختصر مدة تحضير السائل وبخه على المتطوعين إلى أقل من ساعتين وأعاد التجربة، وأيضا لم يمرض أحد من المتطوعين.
-
استبدل المحلول الملحي بوضع سوائل المرضى مباشرة في المتطوعين، من أنف المريض إلى أنف المتطوع، ومن فم المريض مباشرة إلى فم المتطوع. أيضا لم يمرض أحد من المتطوعين.
-
أعاد التجربة باستخدام مفرزات المريض بدل سوائل الأنف، وأيضا لم يمرض أحد من المتطوعين.
-
قام بسحب دم من المرضى وتمديده ثم حقنه في المتطوعين، وأيضا لم يمرض أحد من المتطوعين.
-
اختار 10 مرضى و10 متطوعين، وطلب من المتطوعين زيارة جميع المرضى، بحيث في كل زيارة تتم مصافحة المريض والحديث معه لمدة خمس دقائق، ثم يقترب المتطوع من المريض بحيث تصبح المسافة بين أنف المريض وأنف المتطوع حوالي 5 سم، ويقوم المريض بالتنفس بأقوى ما يستطيع في وجه المتطوع خمس مرات، ثم بالسعال في وجه المتطوع خمس مرات. أيضا لم يمرض أحد من المتطوعين رغم أن كلا منهم نفذ التجربة 10 مرات.
بعد فشل روزينو في إحداث العدوى، قرر إعادة التجارب بطريقة أخرى، فأعاد التجربة باستخدام خمسين متطوعا قضوا 36 ساعة مع المرضى في سجن تفشى فيه الوباء، وهنا شاهد بعض الأعراض على بعض المتطوعين، ولكن كل الأطباء الذين فحصوا المتطوعين الذين عانوا الأعراض أكدوا أنهم يعانون من التهاب الحلق، وليس من الانفلونزا.
يذكر روزينو في بحثه تجارب مماثلة للطبيبين ماكوي وريتشي، وكلاهما أجريا تجارب مماثلة وفشلا مثله في اثبات انتقال المرض بالعدوى بأي شكل.
يذكر توم كووان تجارب مماثلة أيضا على الحيوانات في نفس الوقت، فالحيوانات أيضا أصيبت بالوباء، وفي تلك التجارب أيضا لم يتمكن أحد من نقل المرض بواسطة العدوى.
بينما يستنتج روزينو أن العامل المسبب للأنفلونزا ينتقل بطريقة لا يعرفها، ويحتاج تجارب إضافية لمعرفة كيف يتم انتقال العدوى بين الناس، يعتبر توم كووان أن هذه التجارب تثبت أن الانفلونزا الاسبانية مرض غير معد، ويجب تفسير انتشاره بطريقة مختلفة. بالنسبة لكووان، إذا كان انتشار المرض دليلا على العدوى، فهل يمكن القول أن انتشار المرضى بالتلوث الاشعاعي بعد انفجار تشرنوبل هو مرض فيروسي ينتقل بالعدوى؟ وإذا كانت إصابة عدد كبير من الناس بالمرض في نفس المنطقة ووفاتهم دليلا على العدوى، فهل يمكن القول أن وفاة الناس بعد انفجار قنبلة هيروشيما دليل على وجود فيروس ما في ذلك المكان؟ انتشار المرض ليس دليلا على وجود عدوى فيروسية، ولا على وجود عدوى جرثومية، انتشار المرض مجرد ملاحظة يمكن تفسيرها بطرق عدة حسب الحالة، ومن أضعف التفسيرات وجود كائن دقيق ينتقل بين الناس بطريقة خفية ويسبب مرضهم.
أنا لا أتفق تماما مع كووان في استنتاجه هنا، ولكن حالة الانفلونزا الاسبانية هي حالة واحدة من حالات الأمراض التي يعتقد أنها تنتشر بالعدوى، وفي الكتاب يعرض كووان تجارب أخرى على أمراض أخرى مثل الكوليرا وشلل الأطفال والجدري وغيرها، وفي جميع تلك التجارب لم يتم إثبات العدوى. هذه التجارب غير معروفة ولا يتم تدريسها ضمن مناهج الطب التي تفترض وجود العدوى مسلمة من مسلمات نظرية الجراثيم، وتتجاهل أية تجارب يمكن أن تثير تساؤلات حول مسلمات هذه النظرية.
يقول كووان أن الجراثيم والفيروسات بريئة من تهمة نقل مرض الانفلونزا الاسبانية، ويقدم نظرية بديلة لتفسير المرض، ومجموعة أخرى من الوباءات التي حلت بالبشرية في فترات مختلفة، وسيكون ذلك موضوع أحد المقالات القادمة من هذه السلسلة.
الأيهم صالح
إضافة تعليق جديد