نبيل فياض: كان باستطاعة القوى المتحكّمة من العلويين...

كان باستطاعة القوى المتحكّمة من العلويين، لو تحالفت مع التيارات التقدّميّة من كلّ الطوائف، إعلان علمانيّة الدولة؛ إشعار كل مواطن، مهما كانت خلفيّته الدينيّة أو الفكريّة أو الطائفيّة، أنه مواطن من الدرجة الأولى؛ وخلق البيئة المدنيّة التي تمكّن سوريّا، كوطن يمتلك كلّ المؤهّلات لذلك، من دخول العصر الحديث من أوسع أبوابه.
كان باستطاعة القوى المتحكّمة من العلويين، وهم الطائفة التي نالت من الأذى والجور والاضطهاد وسوء الفهم المقصود ما نالت، أن تعلن سوريّا دولة ديمقراطيّة ـ فعليّة لا بعثيّة ـ فيصبح كلّ المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات؛ يشعر كل مواطن أنّ الوطن وطنه، وليس مجرّد ضيف فيه؛ ويتوقّف بعض السوريين عن القول إن الطائفة الفلانيّة أو العلانيّة تتمتع بكامل حقوقها "عندنا"؛ لا أن يسهر المسيحيّون السوريّون الليل في منطقة "نيو جديدة" البيروتيّة للحصول على الجنسيّة اللبنانيّة؛ لا أن يغادر اليهود السوريّون، عند أوّل فرصة، وطنهم العتيق دفعة واحدة؛ ولا أن يبحث العلمانيّون عن سفارة تحميهم من اضطهاد الأجهزة والقوى الإسلاميّة التي تنتشر اليوم في سوريّا كالنار في الهشيم.
كان باستطاعة القوى المتحكّمة من العلويين، وهم القادمون من خلفيّة متحرّرة ليس لها علاقة بخزعبلات البخاري وعته أبي هريرة وتفاهات كعب الأحبار، أن يخلقوا في سوريّا جو حريّة لا مثيل له في كلّ الشرق الأوسط؛ أن ينقلوا نساء سوريّا، حفيدات زنوبيا وجوليا دومنا، من أسواق التسرّي الأمويّة إلى عالم الإنسان الكامل؛ وأن يجعلوا من سوريّا منارة حقوق إنسان لا تبارى؛ لا أن يخنقوا كلّ الأصوات المتحرّرة ويقفلوا كلّ المنابر السياسيّة باستثناء منابر ديوك الله الروميّة؛ لا أن تصبح دمشق أسوأ من جدّة وحلب أسوأ من كابول الطالبانيّة أنثويّاً؛ ولا أن تصبح حقوق الإنسان في سوريّا محطّ شفقة دولة ـ إن صحّت التسمية ـ كقطر، كانت قبل عقود مضارب بدو يقرف من رائحتهم الجمال.
كان باستطاعة القوى المتحكّمة من العلويين سنّ قوانين تشجع على محاربة الطائفيّة؛ خلق جو عام يشعر السوري أن انتماءه للوطن هو الأوّل والأخير؛ وأن يدعموا التيارات التي تركّز على الإنسان أوّلاً؛ لا أن يستبقوا في هذا الزمان غير العادي كليّة لا همّ لها غير شتم الآخرين وشحن الناس بالطائفيّة الحيوانيّة؛ لا أن يفلتوا علينا الأجهزة لمجرّد أن طرحنا ضرورة الزواج المدني [كانت التهمة: الدعوة إلى زواج المسلمة من المسيحي الكافر]؛ لا أن يضعوا الجهاز الإعلامي الرسمي في خدمة تيارات "هات السيف والنطع!".

 

لكن: هل ثمّة أمل اليوم رغم كآبة الوضع وتعبه؟
لا أعتقد إطلاقاً؛ والنيّات الطيبة لا تخلق بلداً حضاريّاً على الإطلاق.
قوانين كثيرة نرى خطوطها العريضة فنشعر بقرصة تفاؤل؛ وتأتي التفاسير لتقضي على ما في صدورنا من آمال!
مشاريع كثيرة تطاردنا نظريّاً؛ ونطاردها تطبيقيّاً!
أصوليّة طائفيّة تأكل الأخضر واليابس!
تهميش للنساء والطوائف الصغيرة التي كانت على الدوام عنصر سوريّا الخلاق!
كتم لكلّ الأنفاس: عدا ديوك الله الروميّة!
كتابتي في "الناقد" كافية لتفسير عمق مأساويّة الوضع: فحين أريد أن أعبّر عن هم وطني أو روحي أو سياسي، لا بدّ أن ألجأ إلى أميركا!
ملاحظة:
وأنا أتابع المؤتمر الذي أسموه بالإسلامي الأوّل في دمشق؛ وأنا أرى قطعان رموز الأخوان القتلة تجتاح ساحات وطني، لا أملك سوى أن أقدّم اعتذاري لوجه أبي عدنان، الذي أرتبط به كما لا أرتبط بأحد، والذي قتله الأخوان ذات ليل في شوارع إدلب!


المصدر:
http://www.annaqed.com/writers/fayyad/my_dilemma_with_the_alawis.html

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

Restricted HTML

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a href hreflang> <em> <strong> <cite> <blockquote cite> <code> <ul type> <ol start type> <li> <dl> <dt> <dd> <h2 id> <h3 id> <h4 id> <h5 id> <h6 id>
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.

دعوة للمشاركة

موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.