فقراء في كل شييء... حتى في أرقام فقرنا
لمصلحة من إخفاء الأرقام الحقيقية للفقر في سوريا؟
خط الفقر، عمق الفقر، قرى الفقر، خارطة الفقر، إنها لاحقة الفقر التي بدأت تستقر وراء العديد من مفردات حياتنا اليومية
هي الحقيقة الغائبة التي نحاول الوصول إليها، ولكن هذه المرة بطريقة مختلفة نوعا ما
إنها طريقة "الشّك"، الشك الدائم بالمعلومة أيا كان مصدرها، ونحن اليوم صحافيين واقتصاديين ومواطنين عاديين مدعوون للشك، فمن حق أي جهة أن تقدم المعلومة التي تشاء ومن حقنا أن نشك بها بالطريقة التي نشاء أيضا
محور شكنا هذه المرة هو أرقام الفقر التي بدأت تتسرب بطريقة دبلوماسية وبالتوازي من هيئة تخطيط الدولة والمكتب المركزي للإحصاء وخبراء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا
تضاربت الأرقام، تضاربت الحقائق، فانفتحت أمامنا بوابة الشك على مصراعيها
"الغربال" تنفرد في هذا العدد بنشر أرقام غير منشورة عن الفقر في سوريا مستمدة من التقرير النهائي الغير منشور حتى الآن الذي أعدته هيئة تخطيط الدولة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعنون بـ" تقرير التعليم والتنمية البشرية لعام 2004 " والذي احتوى مؤشرات تفصيلية عن أرقام الفقر
أثارني الرقم فقط...
حسب التقديرات الحديثة جدا لهيئة تخطيط الدولة سيرتفع متوسط دخل الفرد من 1050 دولار في السنة للمواطن السوري اليوم ( 4400 ليرة شهريا ) إلى 1350 دولار بالسنة في عام 2010 (5600 ليرة شهريا) أي بزيادة 27% عما هو عليه الآن، إذا قد يزداد متوسط الدخل السنوي خلال 5سنوات بـ27%مقارنة مع الآن ولكن ماذا عن الأسعار التي تحلق عاليا والتي قد تزداد بنسب عالية أيضا خاصة إذا ما عرفنا أن خلال عامي 2000 – 2004 فقط ازدادت أسعار الإيجارات بـ34.2% وأسعار النقل والمواصلات بـ25.2% وأسعار التعليم والثقافة بـ43.5%وأسعار المعالجة والأدوية بـ26.8% وأسعار الوقود والإضاءة والمياه بـ20%، أليس من المرجح أمام هذه الأرقام أن لا ينخفض عدد الفقراء وخاصة مع تزايد حاجات الناس الأساسية والغير أساسية خلال السنوات الخمس القادمة، أليس من المرجح أن تفضي السياسات الاقتصادية التي يدار بها الاقتصاد حاليا إلى طرح المزيد من الفقراء إلى الشوارع والأرصفة، وهل يمكن عزل مشكلة الفقر ومعالجتها وقراءة مستقبلها بمعزل عن باقي المتغيرات الاقتصادية الأخرى، أسئلة إشكالية نطرحها على الجميع ونفكر بها بصوت مرتفع، لكن الإشكالية الأكبر في موضوع الفقر هي رقم الفقر الحقيقي، تعالوا معنا نبحث عنه
الرقم الإشكالية، أين الحقيقية
في الوقت الذي تتضافر فيه تصريحات هيئة تخطيط الدولة مع تصريحات خبيرة الأمم المتحدة السيدة هبة الليثي في الإعلان عن الرقم النهائي لمعدلات الفقر في سوريا، يقبع في مكاتب الهيئة تقريرا عن حالة التنمية والتعليم في سوريا لعام 2004 ربما استعداد لإطلاقه والإعلان عنه رسميا فيما بعد وربما لا أيضا، تقول التصريحات أن 11.4% من سكان سوريا هم تحت خط الفقر الأدنى ( والذي يمثل الإنفاق الضروري على الحاجات الغذائية الأساسية للحياة بالإضافة إلى الإنفاق على الحاجات الأساسية جدا غير الغذائية ) وأن هذه النسبة هي الأدنى في المنطقة وفي معظم دول الشرق الأوسط كما قال رئيس هيئة تخطيط الدولة، أي أن الواحد منهم يعيش بأقل من 50 لبرة يوميا، هذه النسبة التي وصلت إليها الهيئة مع الخبيرة حسبت بطريقة الإنفاق بدلا من طريقة الدخل لأن ما تنفقه الأسرة يعبر بشكل أفضل عن واقعها الاقتصادي والاجتماعي، لكن التقرير ورغم أن معلوماته توقفت عند عام 2002 إلا أن لديه رأي مختلف تماما بهذه النسبة، فتعالوا معنا لنرى بماذا سيخبرنا ذلك التقرير.
يقول التقرير " تشير البيانات إلى فروق واضحة بين دخول الذكور ودخول الإناث في كل شريحة تعليمية وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار نسبة المتعطلين عن العمل ومستوى الأجور سنجد أن 48.8% من السكان في عام 2002 يعيشون تحت حط الفقر على أساس تقديره بأقل من دولار في اليوم الواحد للشخص الواحد ( نفس تقدير هيئة تخطيط الدولة ) وصحيح أن هذه النسبة قد تدنت بين عامي 2002 و2004 بفعل عدة عوامل منها زيادة الأجور إلا أنها ما تزال مرتفعة جدا بكل المقاييس الدولية سواء على مستوى الدخل أم على مستوى الإنفاق ( الذي استخدمته الهيئة)، فعلى مستوى الإنفاق نجد أنه في سوريا يقل إنفاق 82.5% من السكان عن 5 آلاف ليرة شهريا على السلع الغذائية وشبه المعمرة والخدمات في حين يتجاوز إنفاق الـ17.5% الباقية من السكان عن 5 آلاف ليرة وهذا ما يكشف عن حجم الفجوة في توزيع الدخل بين السكان في الاقتصاد السوري"
التقرير يتعمق أكثر في تفصيل حالات الفقر بين السكان مستندا إلى فئات الرواتب والأجور وإلى توزع العاملين في الدولة من الذكور والإناث كما أنه يأخذ بعين الاعتبار معدلات البطالة ومعدلات الإعالة ومستوى الدخل بشكل عام، يقول التقرير " يقدر معدل الإعالة في سورية بـ3.13 شخص وسطيا ( دون أخذ معدلات البطالة ) وبالتالي فإن كل فرد في سوريا من الذين يعملون يعيل معه 3.13 شخص من مردود عمله وإذا اعتبرنا أن خط الفقر يتمثل بدخل يساوي 1500 ليرة شهريا للشخص الواحد فإن خط الفقر لكل شخص عامل سيكون بحدود 4700 ليرة شهريا (1500*3.13 )، وإذا ما اعتبرنا أن الأفراد يتوزعون توزيعا منتظما في فئات الدخل ( أقل من 4000 ليرة ثم مابين الـ4001 و5000 ليرة ثم مابين 5001 و6000 ليرة وهكذا ....) فإننا سنجد أن ما نسبته 37% من السكان في عام 2002 كانوا يقعون تحت خط الفقر وهذه النسبة مرتفعة جدا بكل المعايير الدولية، هذا بشكل عام أما بالنسبة إلى أفراد أسر العاملين بالدولة ووفق شرائح الدخل تلك فإن 25.5% منهم يقعون تحت خط الفقر أيضا "، ويتابع التقرير بأنه إذا ما أخذنا الفروق بين دخول الذكور ودخول الإناث فسنجد أن 41% من الأسر التي تعيلها النساء تقع تحت خط الفقر في حين أن 36% من الأسر التي يعيلها الرجال تقع تحت خط الفقر أيضا، لكن الصدمة التي يقدمها لنا التقرير تقول بكل بساطة أنه إذا ما أخذنا معدل البطالة في عام 2002 والذي كان بحدود 11% بعين الاعتبار فإن نسبة الأفراد الذين هم في حالة الفقر المطلق عند خط الفقر أو تحته ستصل إلى 48.8% من السكان".
وتستمر الصدمة الرقمية للفقر عندما نعرف أن عدد السعرات الحرارية التي يحتاجها المواطن السوري ليبقى على قيد الحياة فقط هي بحدود 2400 حريرة شهريا، هذه الحريرات تكلفه للحصول عليها حوالي 1440 ليرة ومع وجود معدل بطالة قدره 11% يرتفع معدل الإعالة للشخص الواحد إلى 3.55 شخص وسطيا (كلما ارتفع معدل البطالة ارتفع معدل الإعالة )، وبالتالي فإن أسرة مكونة من أربع أشخاص تحتاج شهريا ما لا يقل عن 5112 ليرة لتبقى على قيد الحياة فقط ( لتأكل وتشرب ما هو أساسي فقط دون أن تفعل أي شيئ آخر )، هذا الرقم هو أكبر مما يحصل عليه 45% من العاملين في القطاعين العام والخاص، بمعنى آخر أن هناك 45% من العاملين في القطاعين العام والخاص يتقاضون رواتب أقل من الحد الأدنى اللازم لمعيشتهم ولبقائهم والذي يمثل الـ5112 ليرة شهريا، تخيلوا معنا هذا الوضع وكيف سيتطور نحو الأسوأ إذا ما أضيف لهذه الحاجات الأساسية حاجات مثل نفقات التعليم والسكن والصحة وغيرها.
مفارقة غريبة
يشير التقرير إلى أن " معدل النمو الاقتصادي قد تراجع في سوريا من 8.2% سنويا في النصف الأول من التسعينات إلى 3.6% سنويا في النصف الثاني منه ثم تراجع إلى 3.5% عام 1999 ووصل في عام 2002 إلى 3.1% وبقي ذاته في عام 2004، الأمر الذي يعني أن هناك انخفاضا حقيقيا في حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي خلال هذه السنوات، فبعد أن كانت هذه الحصة تقدر بـ60 ألف ليرة بالسنة عام 1990 هاهي اليوم تنحدر لتصل إلى حوالي 52000 ليرة بالسنة"، أمام هذا التراجع في معدل النمو الاقتصادي وأمام معدل النمو السكاني المرتفع الذي يصل إلى 2.45% سنويا وأمام نسب البطالة التي تتجاوز الـ12% من قوة العمل وأمام موجات ارتفاع الأسعار نسأل كيف تنخفض معدلات الفقر بهذا الشكل الشديد والمفاجئ خلال عامين فقط، من 48.8% من السكان حسب التقرير الذي بين أيدينا إلى 11.4% من السكان حسب موجة التصريحات الجارية حاليا، وأين هو الرقم الحقيقي الذي يعبر ويمثل عن واقع الفقر، أو سنطرح السؤال بطريقة أخرى هل تعبر أي من هذه الأرقام عن حقيقة الفقر، نسأل ورغم أنه في النهاية لن يهمنا الرقم كثيرا مادامت الأغلبية تعيشه بنفسها ولكن أليس من حق هذه الأغلبية أن تعرف على الأقل إن كانت ستتحول إلى أقلية ذات يوم؟
ما يهمنا هو
في النهاية لا يهمنا معرفة عدد الفقراء ونسبتهم فقط، ما يهمنا أكثر هو لماذا أصبح الفقراء فقراء، أي ما يهمنا بالتحديد ليس الفقر إنما الإفقار، أي تلك الآلية التي نتج عنها الفقر في الاقتصاد، وما يهمنا أكثر من كل ذلك هو تصحيح هذه الآلية لا تعزية الفقراء، وحل هذه المشكلة بالطريقة الاقتصادية لا بالطريقة الخيرية والأخلاقية والسبب بسيط للغاية لأن جوهر هذه المشكلة اقتصادي بحت لا أخلاقي كما يحلو للبعض أن يقول، فالفقير ليس فقيرا برغبته بقدر من أن هناك من جعله فقيرا، هذا ما يهمنا الكشف عنه فقط.
أيهم أسد. مجلة الغربال. العدد الرابع. آذار 2005
لمصلحة من إخفاء الأرقام الحقيقية للفقر في سوريا؟
خط الفقر، عمق الفقر، قرى الفقر، خارطة الفقر، إنها لاحقة الفقر التي بدأت تستقر وراء العديد من مفردات حياتنا اليومية
هي الحقيقة الغائبة التي نحاول الوصول إليها، ولكن هذه المرة بطريقة مختلفة نوعا ما
إنها طريقة "الشّك"، الشك الدائم بالمعلومة أيا كان مصدرها، ونحن اليوم صحافيين واقتصاديين ومواطنين عاديين مدعوون للشك، فمن حق أي جهة أن تقدم المعلومة التي تشاء ومن حقنا أن نشك بها بالطريقة التي نشاء أيضا
محور شكنا هذه المرة هو أرقام الفقر التي بدأت تتسرب بطريقة دبلوماسية وبالتوازي من هيئة تخطيط الدولة والمكتب المركزي للإحصاء وخبراء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا
تضاربت الأرقام، تضاربت الحقائق، فانفتحت أمامنا بوابة الشك على مصراعيها
"الغربال" تنفرد في هذا العدد بنشر أرقام غير منشورة عن الفقر في سوريا مستمدة من التقرير النهائي الغير منشور حتى الآن الذي أعدته هيئة تخطيط الدولة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعنون بـ" تقرير التعليم والتنمية البشرية لعام 2004 " والذي احتوى مؤشرات تفصيلية عن أرقام الفقر
أثارني الرقم فقط...
في ملتقى الدول المانحة لسوريا الذي عقد الشهر الماضي بدمشق أعلن رئيس هيئة تخطيط الدولة أن الحكومة السورية ووفقا للخطة الخمسية العاشرة التي تعدها الآن ستقوم بخفض عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى بحوالي 500 ألف شخص أي من 2 مليون شخص اليوم ( وهم يشكلون 11.4% من السكان ) إلى 1.5 مليون شخص في عام 2010 ( أي مانسبته8.7% من السكان) التزاما منها بأهداف الألفية للتنمية، هنا ينتهي الكلام المتفائل لرئيس هيئة تخطيط الدولة، لنقول أنه بعد خمس سنوات من الآن سيبقى لدينا كحد أدنى 1.5 مليون شخص يعيش الواحد منهم بأقل من 50 ليرة باليوم إذا بقيت المتغيرات الاقتصادية الأخرى على حالها، ذلك الهدف الذي تريده الحكومة هو هدف ممكن من الناحية النظرية البحتة ولكن السؤال الذي يدور في ذهن كل واحد منا الآن هو " كيف ستحقق الحكومة ذلك الهدف وبأي أدوات " إلى الآن يعلن الجميع عن أرقام ومعدلات ومناطق الفقر ويصورون لنا بساطة المشكلة وبساطة حلها، لكن إلى الآن لم يعلن أحدا عن الكيفية التي سيتم بواسطتها معالجة الفقر، وجدنا عدد الفقراء فكيف سنخلصهم من فقرهم هذا هو جوهر المشكلة
حسب التقديرات الحديثة جدا لهيئة تخطيط الدولة سيرتفع متوسط دخل الفرد من 1050 دولار في السنة للمواطن السوري اليوم ( 4400 ليرة شهريا ) إلى 1350 دولار بالسنة في عام 2010 (5600 ليرة شهريا) أي بزيادة 27% عما هو عليه الآن، إذا قد يزداد متوسط الدخل السنوي خلال 5سنوات بـ27%مقارنة مع الآن ولكن ماذا عن الأسعار التي تحلق عاليا والتي قد تزداد بنسب عالية أيضا خاصة إذا ما عرفنا أن خلال عامي 2000 – 2004 فقط ازدادت أسعار الإيجارات بـ34.2% وأسعار النقل والمواصلات بـ25.2% وأسعار التعليم والثقافة بـ43.5%وأسعار المعالجة والأدوية بـ26.8% وأسعار الوقود والإضاءة والمياه بـ20%، أليس من المرجح أمام هذه الأرقام أن لا ينخفض عدد الفقراء وخاصة مع تزايد حاجات الناس الأساسية والغير أساسية خلال السنوات الخمس القادمة، أليس من المرجح أن تفضي السياسات الاقتصادية التي يدار بها الاقتصاد حاليا إلى طرح المزيد من الفقراء إلى الشوارع والأرصفة، وهل يمكن عزل مشكلة الفقر ومعالجتها وقراءة مستقبلها بمعزل عن باقي المتغيرات الاقتصادية الأخرى، أسئلة إشكالية نطرحها على الجميع ونفكر بها بصوت مرتفع، لكن الإشكالية الأكبر في موضوع الفقر هي رقم الفقر الحقيقي، تعالوا معنا نبحث عنه
الرقم الإشكالية، أين الحقيقية
في الوقت الذي تتضافر فيه تصريحات هيئة تخطيط الدولة مع تصريحات خبيرة الأمم المتحدة السيدة هبة الليثي في الإعلان عن الرقم النهائي لمعدلات الفقر في سوريا، يقبع في مكاتب الهيئة تقريرا عن حالة التنمية والتعليم في سوريا لعام 2004 ربما استعداد لإطلاقه والإعلان عنه رسميا فيما بعد وربما لا أيضا، تقول التصريحات أن 11.4% من سكان سوريا هم تحت خط الفقر الأدنى ( والذي يمثل الإنفاق الضروري على الحاجات الغذائية الأساسية للحياة بالإضافة إلى الإنفاق على الحاجات الأساسية جدا غير الغذائية ) وأن هذه النسبة هي الأدنى في المنطقة وفي معظم دول الشرق الأوسط كما قال رئيس هيئة تخطيط الدولة، أي أن الواحد منهم يعيش بأقل من 50 لبرة يوميا، هذه النسبة التي وصلت إليها الهيئة مع الخبيرة حسبت بطريقة الإنفاق بدلا من طريقة الدخل لأن ما تنفقه الأسرة يعبر بشكل أفضل عن واقعها الاقتصادي والاجتماعي، لكن التقرير ورغم أن معلوماته توقفت عند عام 2002 إلا أن لديه رأي مختلف تماما بهذه النسبة، فتعالوا معنا لنرى بماذا سيخبرنا ذلك التقرير.
يقول التقرير " تشير البيانات إلى فروق واضحة بين دخول الذكور ودخول الإناث في كل شريحة تعليمية وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار نسبة المتعطلين عن العمل ومستوى الأجور سنجد أن 48.8% من السكان في عام 2002 يعيشون تحت حط الفقر على أساس تقديره بأقل من دولار في اليوم الواحد للشخص الواحد ( نفس تقدير هيئة تخطيط الدولة ) وصحيح أن هذه النسبة قد تدنت بين عامي 2002 و2004 بفعل عدة عوامل منها زيادة الأجور إلا أنها ما تزال مرتفعة جدا بكل المقاييس الدولية سواء على مستوى الدخل أم على مستوى الإنفاق ( الذي استخدمته الهيئة)، فعلى مستوى الإنفاق نجد أنه في سوريا يقل إنفاق 82.5% من السكان عن 5 آلاف ليرة شهريا على السلع الغذائية وشبه المعمرة والخدمات في حين يتجاوز إنفاق الـ17.5% الباقية من السكان عن 5 آلاف ليرة وهذا ما يكشف عن حجم الفجوة في توزيع الدخل بين السكان في الاقتصاد السوري"
التقرير يتعمق أكثر في تفصيل حالات الفقر بين السكان مستندا إلى فئات الرواتب والأجور وإلى توزع العاملين في الدولة من الذكور والإناث كما أنه يأخذ بعين الاعتبار معدلات البطالة ومعدلات الإعالة ومستوى الدخل بشكل عام، يقول التقرير " يقدر معدل الإعالة في سورية بـ3.13 شخص وسطيا ( دون أخذ معدلات البطالة ) وبالتالي فإن كل فرد في سوريا من الذين يعملون يعيل معه 3.13 شخص من مردود عمله وإذا اعتبرنا أن خط الفقر يتمثل بدخل يساوي 1500 ليرة شهريا للشخص الواحد فإن خط الفقر لكل شخص عامل سيكون بحدود 4700 ليرة شهريا (1500*3.13 )، وإذا ما اعتبرنا أن الأفراد يتوزعون توزيعا منتظما في فئات الدخل ( أقل من 4000 ليرة ثم مابين الـ4001 و5000 ليرة ثم مابين 5001 و6000 ليرة وهكذا ....) فإننا سنجد أن ما نسبته 37% من السكان في عام 2002 كانوا يقعون تحت خط الفقر وهذه النسبة مرتفعة جدا بكل المعايير الدولية، هذا بشكل عام أما بالنسبة إلى أفراد أسر العاملين بالدولة ووفق شرائح الدخل تلك فإن 25.5% منهم يقعون تحت خط الفقر أيضا "، ويتابع التقرير بأنه إذا ما أخذنا الفروق بين دخول الذكور ودخول الإناث فسنجد أن 41% من الأسر التي تعيلها النساء تقع تحت خط الفقر في حين أن 36% من الأسر التي يعيلها الرجال تقع تحت خط الفقر أيضا، لكن الصدمة التي يقدمها لنا التقرير تقول بكل بساطة أنه إذا ما أخذنا معدل البطالة في عام 2002 والذي كان بحدود 11% بعين الاعتبار فإن نسبة الأفراد الذين هم في حالة الفقر المطلق عند خط الفقر أو تحته ستصل إلى 48.8% من السكان".
وتستمر الصدمة الرقمية للفقر عندما نعرف أن عدد السعرات الحرارية التي يحتاجها المواطن السوري ليبقى على قيد الحياة فقط هي بحدود 2400 حريرة شهريا، هذه الحريرات تكلفه للحصول عليها حوالي 1440 ليرة ومع وجود معدل بطالة قدره 11% يرتفع معدل الإعالة للشخص الواحد إلى 3.55 شخص وسطيا (كلما ارتفع معدل البطالة ارتفع معدل الإعالة )، وبالتالي فإن أسرة مكونة من أربع أشخاص تحتاج شهريا ما لا يقل عن 5112 ليرة لتبقى على قيد الحياة فقط ( لتأكل وتشرب ما هو أساسي فقط دون أن تفعل أي شيئ آخر )، هذا الرقم هو أكبر مما يحصل عليه 45% من العاملين في القطاعين العام والخاص، بمعنى آخر أن هناك 45% من العاملين في القطاعين العام والخاص يتقاضون رواتب أقل من الحد الأدنى اللازم لمعيشتهم ولبقائهم والذي يمثل الـ5112 ليرة شهريا، تخيلوا معنا هذا الوضع وكيف سيتطور نحو الأسوأ إذا ما أضيف لهذه الحاجات الأساسية حاجات مثل نفقات التعليم والسكن والصحة وغيرها.
مفارقة غريبة
يشير التقرير إلى أن " معدل النمو الاقتصادي قد تراجع في سوريا من 8.2% سنويا في النصف الأول من التسعينات إلى 3.6% سنويا في النصف الثاني منه ثم تراجع إلى 3.5% عام 1999 ووصل في عام 2002 إلى 3.1% وبقي ذاته في عام 2004، الأمر الذي يعني أن هناك انخفاضا حقيقيا في حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي خلال هذه السنوات، فبعد أن كانت هذه الحصة تقدر بـ60 ألف ليرة بالسنة عام 1990 هاهي اليوم تنحدر لتصل إلى حوالي 52000 ليرة بالسنة"، أمام هذا التراجع في معدل النمو الاقتصادي وأمام معدل النمو السكاني المرتفع الذي يصل إلى 2.45% سنويا وأمام نسب البطالة التي تتجاوز الـ12% من قوة العمل وأمام موجات ارتفاع الأسعار نسأل كيف تنخفض معدلات الفقر بهذا الشكل الشديد والمفاجئ خلال عامين فقط، من 48.8% من السكان حسب التقرير الذي بين أيدينا إلى 11.4% من السكان حسب موجة التصريحات الجارية حاليا، وأين هو الرقم الحقيقي الذي يعبر ويمثل عن واقع الفقر، أو سنطرح السؤال بطريقة أخرى هل تعبر أي من هذه الأرقام عن حقيقة الفقر، نسأل ورغم أنه في النهاية لن يهمنا الرقم كثيرا مادامت الأغلبية تعيشه بنفسها ولكن أليس من حق هذه الأغلبية أن تعرف على الأقل إن كانت ستتحول إلى أقلية ذات يوم؟
ما يهمنا هو
في النهاية لا يهمنا معرفة عدد الفقراء ونسبتهم فقط، ما يهمنا أكثر هو لماذا أصبح الفقراء فقراء، أي ما يهمنا بالتحديد ليس الفقر إنما الإفقار، أي تلك الآلية التي نتج عنها الفقر في الاقتصاد، وما يهمنا أكثر من كل ذلك هو تصحيح هذه الآلية لا تعزية الفقراء، وحل هذه المشكلة بالطريقة الاقتصادية لا بالطريقة الخيرية والأخلاقية والسبب بسيط للغاية لأن جوهر هذه المشكلة اقتصادي بحت لا أخلاقي كما يحلو للبعض أن يقول، فالفقير ليس فقيرا برغبته بقدر من أن هناك من جعله فقيرا، هذا ما يهمنا الكشف عنه فقط.
أيهم أسد. مجلة الغربال. العدد الرابع. آذار 2005
التعليقات
Re: أيهم أسد يكشف الأرقام الحقيقية للفقر في سورية
إضافة تعليق جديد