المقدمة:
كل إمبراطورية عندما تنشأ، تستلم العالم من أمبراطوريات سابقة (مثل أي شخص يرث مؤسسات أو أعمال من غيره)، حيث أنها تجده غير مناسب لها، ومع الوقت تبدآ بموائمته بما يتناسب مع طموحاتها ورؤيتها ،ومن ثم ما تلبث أن تصل هذه الإمبراطورية للحد الأقصى من التضخم الذي تتيحه بنيتها وعوامل تكوينها ،وتبدأ بالإنكماش والتدهور لتسلم سلطانها إلى إمبراطورية أخرى. كل هذا طبيعي ومعروف ،لكن الجديد هو أن من يعلن اليوم سلطانه إمبراطورية غير معرفة بالنسبة لنا على الأقل، هذه الإمبراطورية ليس لها مكان أو توزع جغرافي ،ليس لها حدود،ليس لها دستور أو قانون، ليس لها إمبراطور،لا تتكلم لغة معينة، ليس لها دين، ليس لها ناطق رسمي محدد، وأخيرا..ليس لها شعب! لنفهم هذه الظاهرة ،لنعد قليلا إلى الوراء ونراجع تطور النظم الإقتصادية والسياسية ،ففي البدء عندما كان النظام الإقطاعي, كانت الأرض هي مصدر الثروة وأساس السلطان ،حيث كانت تقاس قوة الإمبراطورية باتساعها الجغرافي ،لم يكن مهما أن تشمل أكثر من لغة أو قومية، تحرك الأشخاص عبر هذه الإمبراطوريات لا يحتاج لنقاط حدودية أو جمركية أو جوازات سفر ،فليس هناك مشكلة في تحرك الأشخاص طالما أنهم لا يحملون الإراضي والإقطاعات معهم (المصدر الأساسي للثروة)، في هذا النظام ولاء الأفراد يتبع مباشرة لمالكي الأراضي التي يعملون فيها ،وقوة الإمبراطورية يقاس بمدى سيطرتها على إقطاعياتها واتساعها. عند الحروب،تُشَكل الجيوش من الأقنان الذين يعملون لدى الإقطاعيين أصحاب الأراضي، وعند انتهاء الحروب يعود الأقنان إلى مزارعهم. في هذا النوع من النظم، التعليم غير مهم، لأنهم لا يضيف قيمة للإنتاج الزراعي،فهو حكر على طبقة من النخبة التي تحتاجه لإدارة الدولة. مع ظهور البرجوازية بدأالإنتقال من الإنتاج الزراعي إلى الصناعي ،فظهرت قيمة الإنسان ،الإنسان هو العامل في المعمل ،رئيس الورشة، المهندس الذي يضع المخططات والمواصفات، الطبيب الذي يداوي العامل ، المعلم الذي يعلمه،الجندي الذي يحمي المعمل، من هنا أضيف عامل إضافي لسلطان الإمبراطورية،إنه الإنسان إضافة للأرض، لكن الأرض لم تعد بنفس الأهمية السابقة ،فالمعامل لا تحتاج لأراضي واسعة ولكنها تحتاج لأيدي عاملة وعدد سكان ،نتيجة لذلك لم يعد مهما أن تكون الدولة ضخمة فمثلا اليابان وألمانيا ، ثالث ورابع اقتصاد في العالم،مساحتهما أقل من العراق ،حتى الولايات المتحدة الإمريكية لا تعتبر مساحتها ضخمة بالنسبة للإمبراطوريات القديمة, لكن الجديد في الدول الصناعية هو تركيزها على العامل (الإنسان) ،فلكي تحصل على صناعة مربحة تحتاج إلى عامل متعلم على قدر الحاجة، يتكلم لغة واحدة لتسهيل التواصل بين العمال وإداراتهم، مؤمن بمبادئها ،يدافع عنها عند الحاجة..وهنا ظهر مفهوم الدولة القومية ..حيث استخدمت هذه الدولة جميع الوسائل التكنولوجية لترسيخ سيطرتها على شعوبها من الإعلام والجامعات والمفكرين ووسائل الاتصالات والاستخبارات. كما ظهرت الجنسية حيث أصبح من مهام الدولة ضبط حركة الأفراد، وبدأت الدول تعيد قراءة التاريخ بشكل قومي ،فأصبح الرومان إيطاليون، والعثمانيون أتراك، والإسلام عربي، والأنبياء والقديسون يعودون بجنسيتهم للدولة الحالية التي ولدوا فيها ،كما ظهر مفهوم الدول المدنية الذي يلغي أو يهمش أي أرتباط للانسان مقابل الإرتباط الوطني، فلا يوجد أحزاب دينية ولا مناطقية ، ولا يوجد أفكار تتناقض مع مفهوم الدولة الوطنية. طبعا التحول من نظام اقتصادي لا يتم فجأة ، وإنما بتدرج طويل لا يكاد يدركه الانسان العادي،فالدول الصناعية ركزت على التوسع في السيطرة على الأراضي في البداية مثل النظام الاقطاعي، ولكن الأراضي خارج حدودها القومية كانت مجرد مصادر للمواد الأولية وأسواق تصريف ،حيث أنها لم تنشأ فيها المصانع أو تبني الإنسان، حيث كانت حريصة على تطوير مشاريع داعمة لها ولصناعاتها ،مثل الموانئ والطرقات والسكك الحديدية ، أي البنى التحتية الضرورية لنشاطها وبالحد الأدنى،إضافة إلى تشكيل نخب متثقفة في تلك البلدان تؤمن بمبادئها. لكن مع تطور التكنولوجيا بدا جليا أن الاستعمار المباشر لم يعد ضروريا ،هناك وسائل أسهل وأرخص لذلك. طبعا النظام البرجوازي أعلنت وفاته بشكل غير رسمي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية حيث تم انيهار شبه كلي للدول الصناعية القومية التي بدأت الحرب ودمار مقدراتها ،إضافة إلى وفاة ما بين ٦٠ إلى ٨٥ مليون مواطن من مواطني الدول القومية والمواطنين التي كانت تلك الدول حريصة على تنشأتهم وتعليمهم. بعد هذا الدمار الهائل آصبح الطريق ممهد للوافد الجديد..يتبع..
لقراءة النص الأصلي:
النظام العالمي الجديد...حقائق مفزعة...الجزء الأول
معلومات إضافية
المنتديات
دعوة للمشاركة
موقع الأيهم صالح يرحب بالمشاركات والتعليقات ويدعو القراء الراغبين بالمشاركة إلى فتح حساب في الموقع أو تسجيل الدخول إلى حسابهم. المزيد من المعلومات متاح في صفحة المجتمع.
إضافة تعليق جديد