الرأسمالية والنظام العالمي الجديد:
مع تكدس الثروة لدى الصناعيين ووصول مستوى المنافسة إلى أوجه، بدأ الصناعيون يوسعون نشاطهم ليشمل كامل سلاسل التوريد بدءاً من مصادر المواد الأولية إلى أسواق التصريف، حيث ما لبث هؤلاء الصناعيون أن اكتشفوا أن استثمار أموالهم في سلاسل التوريد أيراداته أكبر بكثير من صناعة المنتج ،حيث أصبح تشغيل الأموال وتحريك الإستثمارات عبر سلاسل التوريد وتشغيل الأموال من خلال البنوك والإقراض والتجارة بالعملات هو الملمح الرئيسي وهذا ما يدعى بالرأسمالية ،وقد ظهرت بدايات الرأسمالية في القرن السابع عشر وبدأت تتسع ببطئ وبشكل تدريجي لتصل إلى أوجها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
لم تكن للحرب العالمية الثانية آثار مدمرة على الجميع ،فبالنسبة لأصحاب البنوك كانت سنوات ذهبية، حيث قاموا (يا للسخرية) بإقراض كل الأطراف المتصارعة بنفس الوقت، وتكديس ثروتهم بشكل خيالي ،حيث خرجت الدول العظمى التي بدأت الحرب وهي مديونة لهؤلاء الرأسماليون وللإمبراطورية الناشئة ” الولايات المتحدة الإمريكية” ، ومع نهاية الحرب العالمية كان معظم الرأسماليون قد هاجروا من لندن عاصمة الرأسمالية في ذلك الوقت إلى نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية حاملين معهم ثرواتهم، وهذا طبيعي فالرأسماليون ليس لديهم وطن!
مصدر القوة الأساسي للرأسمالية هو رأس المال وإدارة رأس المال، وموطن رأس المال هو البنك وشركات الوساطة المالية، وبالتالي لم يعد للأرض والإنسان تأثير يذكر ، وبالتالي بدأ يتراجع مفهوم الدولة القومية، كما بدأت تتراجع القيم الثقافية وتحويل المجتمع إلى مجتمع استهلاكي، كما بدأت سلطة الدولة تتراجع لصالح الرأسماليين الذين يملكون المال والبنوك ويقرضون الدولة وعندما تفلس بنوكهم تقوم الدولة بإعادة تمويلهم من أموال دافعي الضرائب.
لم تعد الدول الصناعية كما في السابق صاحبت قرارها لقد أصبح لها شركاء ومن ثم أسياد، لم يعد حكام الدول حكام حقيقيين ،لقد أصبح عندهم خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها ، وإملاءات يجب تنفيذها.
مع تضخم الرأسمالية ، بدأت الشركات تتضخم ليصبح رأسمالها بحجم دول ، وبدأت البنوك تمتلك موجودات أكبر من ميزانيات عدة دول ، لقد أصبحت الشركات ممتدة عبر العالم أو ما تدعى بالشركات المتعددة الجنسيات، ذات سيادة على الدول التي تستثمر فيها ،لقد كان لهذه الشركات وخاصة الشركات النفطية والمالية بدءا من النصف الثاني من القرن الماضي اليد الطولى في إدارة الإنقلابات وإشعال الحروب في العالم الثالث، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لمن تتبع هذه الشركات ؟ من يقودها؟ من يوجهها ؟ من يخبرها أين تستثمر؟ من يقرر أين تشتعل الحروب ومتى تنتهي؟
حتما لا تديرها دول لأنها عابرة للدول ولا أحزاب فليس لها مبادئ أو إيديولوجيا، من يديرها يجب أن يكون سيدها ، إنهم العائلات المسيطرة على ثروات العالم، إنه النظام العالمي الجديد، إنه نظام خفي ،لا يوجد له ممثل محدد يتحدث باسمه، احيانا يتحدث باسمه وزيرة الخارجية الإمريكية الأسبق كونداليزا رايس، أحيانا مدير صندوق النقد الدولي،أحيانا الرئيس الفرنسي أو الأمريكي، أو الأمين العام للأمم المتحدة.. ليس المهم من يتحدث المهم ماذا تحدث!
إنه نظام زئبقي ومتكتم لا تعرف من يحكمه ، ولا يعلن خططه ، أما بالنسبة لأدواته في التحكم ،فهي كل ماهو متاح حوله من أدوات ،إنه يملك رأس المال وعلى الأخرين أن يعرضوا ما لديهم مما يعجبه شراءه ،إنه مثل التاجر الغني الذي يزور بلدة نائية ،حيث يتسابق فيها الوجهاء والمخاتير والدرك والعسكر في عرض مواهبهم ، وهو يقف محتارا ماذا يشتري، لكن في الواقع لديه أدوات يحبها كثيرا ويبحث عنها ويحاول تعزيزها وورعايتها باستمرار , سنذكرها لاحقا.
لكن مهما كان هذا النظام متبدل ومتحول ويمتد نفوذه ونشاطه عبر العالم , ما تزال الولايات المتحدة في موطنه الأصلي , لكن كيف صبحت الولايات المتحدة البيئة المناسبة لنشوءه وإزدهاره..يتبع..
لقراءة النص الأصلي:
http://t.co/Sd3X1T91N4
إضافة تعليق جديد