الجذور اليهودية للحركات السرية الرأسمالية...الجزء الأول
كان إنشاء دولة لليهود بحاجة إلى البحث عن أرض، ووقد وقع اختيارهم على فلسطين، حيث كان هناك الكنعانيين الذين نشأوا فيه هذه الأرض منذ ٣٠٠٠ ق.م، حيث استطاع اليهود في حدود عام ١٠٠٠ ق.م من السيطرة على معظم فلسطين عدا الساحل منها، حيث كانوا يقتلون سكان المدن التي يحتلونها، لكنهم استمروا في صراع واقتتال دائم مع الكنعانيين (السكان الأصليين).
بعد نجاح اليهود في تشكيل دولتهم الدينية حوالي عام ١٠٠٠ ق.م بدأت الدولة تعاني ،مثل أي دولة أخرى تخضع للنواميس الكونية، بدأت تعاني من الصرعات على السلطة والتفكك حيث انقسمت عام ٩٣٠ ق.م إلى مملكتين هما السامرة في الشمال ويهوذا في الجنوب ، ما لبثت أن انهارت السامرة وبقيت يهوذا، لجئت يهوذا مثل كل الدول التي تعاني من الضعف ونقص الموارد (مثل الإمبراطورية الرومانية الشرقية في القرنين الأخيرين قبل سقوطها) ، لجئت يهوذا إلى الدهاء السياسي للمحافظة على بقائها، عبر الدسائس وصنع المؤامرات بين الدول القوية التي تحيط بها وهم الفراعنة في الجنوب والآشوريين ثم البابليون في الشمال ، إلا أنهم كانوا أقرب للفراعنة حيث أنهم كانوا يعيشون عندهم , وعلى ذلك كان يعتبرهم الآشوريون والبابليون حلفاء الفراعنة.
لجئت الإمبراطورية البابلية القوية والشرسة إلى إخضاع يهوذا أكثر من مرة وإلزامهما بدفع الجزية مثل بقية الممالك الكنعانية، لكن يهوذا كانت تنقض هذه الالتزامات، فالإمبراطورية الفرعونية على أبوابها على الرغم من أنها تنتمي جغرافيا إلى إقليم بلاد الشام لكنها تحت رحمة مملكة وادي النيل، كما أن اليهود كانوا يشعرون بالفوقية تجاه جميع الحضارات الوثنية المحيطة بهم، فإلههم إله توحيدي وسماوي، بعكس الآلهة الوثنية المتعددة التي تحكم جيرانهم، كما أنهم كانوا ينعتون الأقوام المحيطة بهم بالجهلة أو الأغيار ،على الرغم من أنهم (الأغيار) أرقى منهم حضاريا!
بعد عدة غزوات للبابليين للملكة يهوذا التي كان يتعهد فيها أمرائهم بطاعة ملك البابليين ودفع الجزية والتي لا تلبث هذا التعهدات أن تنقض، بدأ ينفذ صبر الملك البابلي نبوخذ نصر، فبدأ يفكر في التخلص منهم إلى الأبد.
فكر في تهجيرهم من موطنهم إلى مكان آخر، لكن كان لديه هاجس أن يشكلو قوة في المكان الذي سيُهجِّرهم إليه ...فكر كثيرا ... وفي النهاية (لا أعلم إذا كانت فكرته أو فكرة أحد أعوانه)،
لقد قرر تهجيرهم (أو على الأقل تهجير العائلات المتنفذة منهم) إلى مكان يكونون فيه أمام عينيه، إلى عاصمته بابل (والتي تعني باب الله) وذلك في عام ٥٨٦ ق.م.
لقد شربوا من نفس الكأس الذي جرَّعوه لغيرهم، لكن من الجدير بالذكر أن عملية اقتياد الأسرى لتشغيلهم لدى الممالك في ذلك الوقت كان أمرا شائعا ولم يكن غريبا، حيث أن هذه الممالك كانت قائمة على العبيد.
لكن معاملة الأسرى اليهود في بابل أفضل من غيرهم، حيث منحوا قطعة من الأرض وسمح لهم باصطحاب ممتلكاتهم لكنهم في النهاية لم يتمتعوا بحقوق البابليين، خلال هذه الفترة تحمل رجال الدين والأحبار اليهود مسؤولية كبيرة في المحافظة على تماسك الطائفة ورعايتها والحفاظ على ما تبقى منها، بدأوا يقدمون خدمات جلية للبابليين، من خلال تقديم خبراتهم في مجال التجارة والزراعة، ولا استبعد أنهم كانوا يزوجون بناتهم الحسناوات إلى الأمراء والمتنفذين البابليين ليخطبو ودهم.
لقد استمروا على هذا الحال حوالي ٧٠ عاما، حتى استطاعوا اقناع الملك الفارسي "قورش الكبير" الذين استولى على بابل عام ٥٣٩ ق.م، بأنهم يستطيعون خدمة إمبراطوريتهم من خلال تحريرهم ليأسسوا مملكة موالية له في أرض كنعان وكذلك لتأمين ورعاية طرق التجارة في الجزيرة العربية.
قام الإمبراطور الفارسي قورش الكبير (غالبا هو ذو القرنين والذي يقدره اليهود كثيرا) بتحرير اليهود وفق اتفاق مع اليهود يلزمهم بالتعاون مع الإمبراطورية الفارسية، وبتأمين طرق التجارة في المناطق التي يصلون إليها ورعاية المصالح الفارسية، وقد التزم اليهود بالاتفاق حيث حاولوا العودة لأرض كنعان وفشلوا، كما انتشروا على طرق التجارة عبر الجزيرة العربية الممتدة من اليمن عبر مكة والمدينة المنورة وخيبر حتى الشام كما انتشروا في شمال فارس، وبدأوا يقدمون خدمات تأمين طرق التجارة للفرس، لقد حاولوا إقامة دولة في اليمن مدعومة من الفرس باعتبارها مركز تجاري هام ، وقاموا بأبشع مجزة في ذلك الزمان عندما ذبحوا المسيحيين في اليمن (الموالين للرومان والموكلين بتأمين طرق التجارة لصالحهم) ، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك في سورة البروج.
بعد خروج اليهود من بابل، وانتشارهم في الأرض، تم تهجيرهم من مناطق استيطانهم أكثر من مرة، لقد كانوا مصدر تهديد لحكام المناطق التي يستوطنون فيها، ولم يسلموا من التهجير إلى تاريخنا المعاصر، وذلك لأسباب سنشاهدها في الجزء التالي.
في النهاية لم يستطع اليهود أن يعودوا إلى فلسطين ويستعمروها مرة أخرى (باستثناء بعض الفترات المتقطعة)، فالحكام الجدد (الرومان) كانوا على صراع فكري وايديولوجي معهم، لقد حرموا منها إلى الأبد...على الأقل في ذلك الزمان.
لكن ما هي نتائج هذه الأحداث على الشخصية اليهودية والمجتمع اليهودي...يتبع...
المصدر:
http://wp.me/p4w18k-7e
معلومات إضافية
المنتديات
إضافة تعليق جديد